تحرك الجماهير في بعض المحافظات اثبت جدواه في الضغط على النظام الحاكم للاستجابة لمطالبهم الحقوقية العادلة المتمثلة في التوقف عن تسريح المواطنين من أعمالهم – مدنيين وعسكريين – ومعالجة أوضاع المتقاعدين وملف الأراضي المنهوبة من أملاك الشعب وكذا توفير فرص عمل لكثير من الشباب والقيام بتنفيذ بعض المشاريع الهامة تتعلق بالبنية التحتية. ففي محافظة صعدة عرفت الحكومة طريق المحافظة لأول مرة منذ الثورة، حيث أنها سارعت إلى تنفيذ عدد من المشاريع التنموية الأساسية كالطرق لتصل المناطق الجبلية بالسهول والمركز بالأطراف والتي لم تكن لتتحقق لو لا اندلاع حراك شعبي ضاغط فرض على الحكومة النزول إلى الميدان لتقبيل أيدي ورؤوس المواطنين من اجل إبعادهم عن مناصرة المتمردين الحوثيين ، وللأسف لم يحدث هذا إلا بعد وقوع خسائر جسيمة في أرواح وممتلكات المواطنين وسقوط عدد من القتلى في صفوف القوات المسلحة والأمن والجميع يرجعون إلى أصل واحد ويضمهم وطن واحد. وفي الجنوب نجح الحراكيون في دفع أركان النظام للقيام بنزول ميداني إلى المناطق المختلفة وحل المشاكل التي تواجه المواطنين والناجمة عن الممارسات الخاطئة التي قام بها بعض المسئولين في المجالين المدني والعسكري وضعف الخدمات ، فالغضب الشعبي ادخل الرعب والخوف في قلوب المسئولين وقد رأينا كيف أنهم تركوا الخمول والجلوس الممل على كراسي السلطة الوثيرة وتحولوا إلى حمائم سلام وخدام للشعب يقبلون شوارب الحراكيين ولو لا الخجل لانبطحوا أمامهم (علشان يهدؤا) ويتركوا هؤلاء الفاسدين يخلدون للراحة التامة والتفرغ لحضور حفلات السهر في الفنادق الراقية . إضافة إلى ذلك اظهر المسئولون براءة زائدة لم يعتدها احد من قبل، قائلين إنهم قد اخطأوا في حق الشعب وأنهم نادمون على أفعالهم الشنيعة وسيعملون على إصلاح جميع الأضرار التي تسببوا في حدوثها بحق المواطنين .... بس يحتاج الأمر إلى هدوء وسكينة ، وعندما يتحقق ذلك تعود حليمة إلى عادتها القديمة، أي يعود المسئولون إلى جهات أعمالهم والتفرغ لجمع اكبر قدر من المال. إضافة إلى ذلك هناك ظاهرة الاختطافات التي يقوم بها -بين فترة وأخرى- رجال القبائل لاستغلالها للضغط على الحكومة من اجل تلبية مطالب معينة وهنا يسارع المسئولون لتقديم فروض الطاعة والولاء ويستجيبون للمطالب بدفع أموال او القيام بتنفيذ مشاريع تنموية او إطلاق سجناء ... الخ. وما زالت البلد حبلى بكثير من المفاجآت الخطيرة إذا لم يستيقض اقطاب النظام الحاكم من سباتهم وينظروا إلى الواقع كما هو وليس كما تصوره وسائل " التخدير " او الإعلام الرسمي، فمن الضروري ان ينزل المسئولون إلى الميدان ليشاهدوا كيف يعيش الناس وما هي مطالبهم واحتياجاتهم ثم يرفعون تقارير وتوصيات للتنفيذ وليس للحفظ ويقترحون حلولاً سليمة وسريعة للمشاكل. لقد رأينا وزراء الخدمات كوزير القراءة والكتابة ووزير الصحة يذهبون الى مناطق نائية لاتتوفر فيها المقومات الأساسية للتعليم او العلاج وليتهم شعروا بحجم المعاناة التي يواجهها المواطنون في تلك المناطق، حيث إن المدارس مجرد هياكل عظمية لاتصلح إلا حظائر للحيوانات، والمستوصفات لايوجد بها أدنى المستلزمات الطبية اللازمة حتى للإسعاف الأولي. ونفس الوضع ينطبق على المجالات الأخرى المتعلقة بالمعيشة والسكن والكهرباء والمياه ..الخ. كل ما سبق يبرهن على صدق المثل القائل " رب ضارة نافعة " ، وان كان المفروض أن تحل المشاكل بدون اللجوء إلى أساليب الضغط والإكراه ، ولكن المضطر يمشي فوق الأسنة إذا لم يجد سبيلا غير ذلك. والمزارع يعرف انه لن يحصل على ثمر بعض الأشجار إلا بهزها وحراكها ومع كثرة الحراك تضعف الشجرة وتسقط وتستبدل بنوع آخر من الشجر. إلى الدكتور على جار الله اليافعي أولا أحب أن أشكرك على قراءتك المستفيضة لمقالي ورغم تحفظي لسطحية الفهم لبعض الفقرات ولي الحقائق لتتناسب مع قناعة معينة إلا أنني احترم ردك وأرجو مزيداً من التواصل. وياسيدي لقد بالغت كثيرا في تقييم شخصي المتواضع، فانا لا اعبر إلا عن نفسي وليس لأي كان تأثير في ما اكتبه وكل ما في الأمر أنني حصلت على درجة الدكتوراه ببركة الوحدة، حيث ان رسالتي كانت حول هذا الموضوع ولذلك اجد نفسي ملزما بالدفاع عنها بكل ما استطيع ، ويمكنك التأكد بنفسك إذا تفضلت بزيارتي إلى مدينة الحديدة. كما أحب أن اهمس في اذنك الحساسة بالملاحظات التالية: الادعاء بامتلاك الحقيقة المطلقة لايفيد خاصة في معالجة القضايا الوطنية المصيرية ولابد للإنسان أن يؤمن أن أي رأي هو أمر نسبي ، فرأي شخص ما صحيح ولكنه قد يحتمل الخطأ ورأي شخص آخر خطأ قد يحتمل الصواب ، وبالحوار يصل الجميع إلى منطقة وسط ، إذا خلصت النوايا ، والسياسة هي فن الممكن بمعنى أن الجميع يسعون لتحقيق مصالح معينة قد تكون متضاربة في بعض الأحيان ولكن نظرا لاستحالة أن ينجح طرف ما في تحقيق جميع مطالبه فإنهم يرضون بحلول وسط تحقق جزءا من المطالب. إن شخصاً مثقفاً مثل أخينا العزيز يفترض انه ينظر إلى البيئة المحيطة به ويقارن وضع اليمن مع الأوضاع في هذه البيئة خاصة فيما يتعلق بحب الزعماء العرب للجلوس على كراسي السلطة إلى ابد الآبدين ، رغم علمهم أن الشعوب تريد الأفضل وتطالب بالتغيير. عندما أريد زيارة عدن فإنني سأكون في وطني ولايستطيع احد ان يفرض علي ارتداء ملابس معينة مهما كان متطرفا ، فأهل عدن حضاريون ولايركزون كثيرا على نوع الملبس بل إلى الجوهر. أنصحك بإقامة مركز أو جمعية أو حزب للدفاع عن حقوق الإنسان وسأكون أول المناصرين لك في مسعاك هذا. أما بالنسبة للثروة السمكية فقد نهبتها سفن الاتحاد السوفيتي العملاقة ولم تبق شيئاً يذكر ، وقد حدث تحت سمع وبصر الرفاق الحاكمين في عدن حينذاك وطبعا قام السوفيت في مقابل ذلك ببناء مصنع صيرة الشهير للمشروبات الكحولية لتهدئة أعصاب القادة. إن أي عمل عظيم بحجم الوحدة لابد أن تنتج عنه سلبيات ومعاناة وتبدلات في حياة الناس، خاصة في ظروف دولة مثل اليمن ، ولكن الأوضاع ستستقر ، وبالوحدة أصبح حاضر اليمن أفضل من ماضيه وسيكون المستقبل أفضل من الحاضر إن شاء الله فالأمل في الله كبير. الوحدة لم تكن لتتحقق لو أن القادة جلسوا يتفاوضون على الطريقة المثلى لتحقيقها، لأن ذلك سيستمر إلى ابد الآبدين ولن يصل الطرفان إلى نتيجة ، ونحمد الله أن المسألة حسمت بسرعة وفي فترة تحول تاريخي عالمي. الشركاء يختلفون سواء بالوحدة أو بدون الوحدة ، ومتى كان الوضع مستقرا سواء في الشمال أو الجنوب قبل الوحدة ، والبغي يحدث حتى على مستوى أفراد الأسرة الواحدة والقرآن الكريم يشير إلى ضرورة تكاتف الناس لدفع الظلم أو البغي او ... " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض " . بالنسبة لقولك أن مرشح اللقاء المشترك المهندس فيصل بن شملان لم يحصل على أصوات كثيرة من المحافظات الشمالية في الانتخابات الرئاسية الماضية فان هذا القول مردود عليك من ناحيتين: الأولى ان تلك الانتخابات تعد أول تجربة تنافسية حقيقية إلى حد ما، لذلك لايمكن الاعتماد عليها للحكم على ميول الناخبين تجاه هذا المرشح او ذاك. وثانيا أحيلك إلى الأرقام التي أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات والتي توضح أن الأستاذ فيصل بن شملان قد حصل على أصوات من المحافظات اليمنية (....) أكثر مما حصل عليه في المحافظات اليمنية ( ....) ولاحترام وقت القارئ ووقتك أقدم عينة لنتائج بعض المحافظات وهي كما يلي: حصل على 104873 من امانة العاصمة مقابل 46219 من عدن ، ومجموع ما حصل عليه من ثلاث محافظات يمنية (...) وهي المحويت والبيضاء وأمانة العاصمة صنعاء هو (154685) مقابل ثلاث محافظات يمنية (...) هي عدن والمهرة والضالع ( 121453 ) . أخيرا للرد على تساؤلك في عنوان مقالك أرجو أن تنظر إلى المرآة بتمعن لتعرف الإجابة بنفسك دون الاستعانة بصديق. وما دمت تستشهد دائما بالقرآن فلابد ان يكون نابعاً عن قناعة وتجرد ، وليس مجرد تسويق لفكرة معينة اوعلاقات عامة ، فالقرآن يدعو إلى وحدة الأمة وقول العدل وعدم التنازع لأنه يؤدي إلى فشل الجميع. نتمنى أن يتم النظر للأمور بمنطق وعقلانية وان لايؤدي الاختلاف في الرأي إلى إفساد الود بيننا ودمتم بألف خير. د. محمد قيس – الساحل الغربي من اليمن[email protected]