الكل يدعي أنه مع الديمقراطية سواء أكان أطراف هذا الكل حكومات أو أحزاباً أو أشخاصاً، حتى لو كانوا على النقيض منها سلوكاً وممارسة.. إذاً نحن أمام إشكالية تتمثل في وجود فجوة بين الشعار وما يعتمل تحت هذا الشعار من سلوك وممارسات ربما تكون على النقيض منه تماماً، ولمعالجة هذه الاشكالية، أحب أن أبلورها من خلال الإجابة على السؤالين التاليين: 1- كيف نقيس حقيقة موقف أي كيان من مبدأ ما سواءً أكان هذا الكيان حكومة أو حزباً أو منظمة أو مؤسسة أو شخصاً؟، وهذا هو الشق المنهجي في معالجة هذه الإشكالية. 2- ما حقيقة موقف التجمع اليمني للإصلاح من مسألة الديمقراطية؟، وهذا الشق من المعالجة هو عبارة عن حالة تطبيقية للرؤية المنهجية، نستبين من خلاله حجم الفجوة والهوة بين الشعار، وما يعتمل تحته من مواقف وأفعال وأعمال تبين حقيقة وجوهر الموقف المطمور تحت الشعار. وللإجابة على السؤال الأول أورد هنا بإيجاز المعايير التالية كمعايير إجرائية نقيس بها ومن خلالها حقيقة الموقف، وبالتالي حجم الهوة: 1-وضوح الأدبيات: وهي النظام الأساسي لأي كيان كان ومقرراته ومنشوراته، من قضايا مثل حقوق المرأة وحقوق الانسان والحريات الشخصية والعامة، فهل أدبيات الكيان الصادرة عنه تقبل بتلك الحقوق والحريات قبولاً غير مشروط، وتقبل المعايير والقوانين الدولية دون قيد أو شرط، أم أن هناك تحفظات أو استثناءات؟ فإذا شاب هذه الأدبيات بعض الغموض أو تضمنت بعض القيود أو الاستثناءات أياً كانت المبررات فلا شك أن الكيان الصادرة عنه مثل تلك الأدبيات لا يتبنى خيار الديمقراطية، إذ يكفي استثناء واحد على المبدأ حتى يتم نسف النظام من أساسه. 2- الخطاب: وهو التأكيد الدائم من قبل الكيان وشخوصه ورموزه وفي كل المناسبات على تبنيه الخيار الديمقراطي غير المشروط وغير المنقوص، وإدانة كل ما يصدر من الكيانات والقوى الأخرى العاملة في الساحة، أياً كانت وأياً كان موقعها، من مواقف وسلوكيات تنتهك مبدأ الديمقراطية. 3-السلوك: فصل كل الأعضاء الذين يخرجون عن مبادئ الحزب أو الكيان أوالمنظمة الذين ينتهكون مبدأ الديمقراطية، كالتكفيريين ومن ينكرون حق الآخر في التعبير والحرية والنقد والاختلاف مع الآخر، والتقدم بمشاريع قوانين داعمة للحريات. وللإجابة على السؤال الثاني المتمثل في حقيقة موقف التجمع اليمني للإصلاح من قضية الديمقراطية دعونا ننظر في الآتي: 1- يتحفظ الحزب على حقوق المرأة، والحريات الدينية، وبعض القوانين الداعمة للحقوق والحريات كقانون تحديد سن الزواج. 2- يدعو الحزب إلى الفصل بين الجنسين في مجال التعليم، ورغم ان الحزب قبل بعضوية المرأة في مجلس شورى الحزب بناءً على فتوى، إلا أن الجناح المتشدد فيه يرى عدم جواز مشاركة المرأة في السياسة. 3- درجت أدبيات الحزب ومواقف شخوصه على مطالبة السلطة بإعطاء المرأة حقوقها التي كفلها لها الدستور، علماً بأن الدستور اليمني الحالي لا يفرق بين الرجال والنساء في مجال الحقوق السياسية، فهو أكثر تقدماً من الحزب في هذا الميدان، وفي هذا استغلال غير أخلاقي لقضية المرأة، من أجل مكاسب سياسية، فهو يطالب السلطة بمنح المرأة ما يرفض هو أن يمنحه إياها. 4- يرفض الحزب الحريات الدينية من حيث المبدأ ويطالب بتطبيق الحدود مثل الجلد والقطع والرجم، باعتبار أنها تطبيق للشريعة، وهو حر في مواقفه هذه، ولا أحد يطلب منه أن يتخلى عن قناعاته، إنما مطلوب منه أن يختار بين الشريعة والديمقراطية، وألا يوهم الجماهير بديمقراطية هو يقف منها على الضد والنقيض، فالديمقراطية كما تتجسد في الحقوق والحريات لها معايير دولية، وهذه المعايير مجسدة في قوانين دولية، وهي تتعارض تعارضاً صارخاً مع مفهوم الحزب لتطبيق الشريعة. والأمانة تقتضي منه، موقفاً واضحاً لا لبس فيه، عليه أن يقول ويعلن صراحة بأن الديمقراطية لا تتطابق مع الشريعة وأنه مع الشريعة وضد الديمقراطية، وسنحترم موقفه هذا فهذا خياره الذي لا يلام عليه، فما يلام عليه هو تعمد سياسة التضليل والخلط بين النقائض، فالديمقراطية هي أنجع صيغة لحكم عرفتها البشرية، إلا أنها ليست مقدسة، والتمسك بها ناجم عن عدم بروز بدائل أنجع لها. 5- تقوم بعض رموزه وقياداته بتكفير من يختلف معهم في الرأي، دون أن يتخذ الحزب موقفاً منها لا بالفصل من الحزب ولا باللوم والتقريع، أو حتى مجرد لفت انتباه تلك القيادات والرموز إلى خطورة ما تقوم به. كما سعت وتسعى بعض قيادات الحزب لتأسيس هيئة دينية تكبل الحريات الشخصية والعامة، وتكون سلطتها فوق سلطة الدولة، دون ان يكون للحزب موقف منها، كما يسكت الحزب عن عمليات القتل خارج إطار القانون، الذي تقوم به الطائرات الأمريكية بدون طيار بالتواطؤ مع رئاسة الجمهورية، لمواطنين يمنيين، لهم كل الحق في ان يحصلوا على محاكمة عادلة بصرف النظر عن حجم وخطورة الجرائم التي قاموا بارتكابها. وخلاصة ما توصلت إليه في هذه السطور هو أن الحزب يتبنى موقفاً مضاداً للديمقراطية، وسياسة مخاتلة تتعمد خداع وتضليل وإيهام الجماهير، بهدف الحصول على مكاسب سياسية، سواءً على صعيد الحشد الجماهيري بزيادة وتعظيم شعبيته، أو على صعيد تعزيز علاقته برئاسة الجمهورية والولايات المتحدةالأمريكية، فهل في سلوكيات الحزب هذه تطبيق لمبادئ الشريعة؟ أم أنها لا تنسجم لا مع شريعة ولا مع ديمقراطية، مما يضع علامة استفهام كبيرة عن مرجعية الحزب التي يبدو من ممارساته أنها مرجعية باطنية تستعصي على الكشف فضلاً عن الفهم والاستيعاب. هذه الأسئلة وغيرها أتركها لقيادات الحزب الدينية، عليها أن تتوقف عندها وأن تفكر فيها ملياً، فمعظم نكباتنا في هذا المجتمع أننا نقدم على الفعل قبل أن نفكر فيه، فقدرتنا على الفعل أكثر من قدرتنا على التنبؤ بنتائجه وتداعياته. وأخيراً أحب أن يعلم الجميع بأني لا أعتبر نفسي مناضلاً ضد أو مع قيم أو قوى بعينها، وإنما من حقي أن أفكر وأن اختلف مع الآخرين، ومن حق الآخرين أن يقبلوا أو يرفضوا ما أذهب إليه، فهذا حقهم الذي لا ينكر.