لم يعد لدى حراك الجنوب مجال للبحث عن حيلة أخرى لاسترجاع دولة أنهت سيادتها حرب الانفصال في 94م وقبلها الاتفاق على الوحدة، وبات من الصعب أن يفرض قوته أمام الرأي العام الدولي والمحلي من استرجاع أرض الجنوب، فتعثر عقد اللقاء التي عزمت عليها بعض قوى الحراك في الداخل ممثلة بمحمد علي أحمد والقوى الخارجية ممثلة بعلي سالم البيض والعطاس وعلي محمد ناصر، أدار الحراك من المواطنين ظهورهم عن تلك القيادات متجهة إلى الحراك الميداني، والذي أظهر انكشاف ضعف مطالب الانفصال بانقسام قيادات الصف الجنوبي مؤخرًا.ليس جديدًا أن تظهر القوى الجنوبية منقسمة، بل الجديد تعثر لقائهم في الخارج منتصف أغسطس الماضي، والذي كانت القيادات الجنوبية في سعي حثيث للقاء والخروج بحل واحد قبل أن ينتهي مؤتمر الحوار أواخر شهر سبتمبر الجاري. اليوم يتجه الحراك الجنوبي الشعبي للتظاهر وفقًا لإحياء بعض الأحداث التاريخية كملاذ لإزالة اليأس الواقع على الوضع السياسي الجنوبي، آخرها يوم الأحد الماضي، والذي نظم العشرات من العسكريين الجنوبيين، الذين تم إحالتهم إلى التقاعد قسرًا بعد الحرب، عرضًا كرنفاليًّا رمزيًّا، وهم يرتدون زي الجيش الجنوبي السابق. غير أن الجديد الذي بدت عليه مظاهرات الحراك هو عدم بروز صور للقيادات الجنوبية التاريخية، بل استعاضت بصور من سقطوا قتلى في مسيرتهم الاحتجاجية، وهو ما يفسّر حالة اليأس في الحراك من القيادات، كما حصل - مؤخرًا - صراع بين فصيل مجلس الحراك المقرب من البيض، والفصيل الذي يديره العميد النوبة. في المقابل الجنوبيون، حتى من هم في الحوار أعلنوا امتعاضهم من التحركات السياسية في الخارج، فيما يتعلق باللقاء بين القوى الجنوبية فقد أعلنت الهيئة التأسيسية لتكتل الجنوبيين المستقلين، الذي يتزعمه عبدالله الأصنج - وزير الخارجية اليمني الأسبق - محاولة، كما قالت: "فصيل جنوبي أن يخرج منفردًا على الإجماع، وأوكل لنفسه حقًّا مطلقًا للاتصال والتفاوض باسم القضية الجنوبية الجامعة، مما أوجب موقفًا متحفظًا منا، رافضين الانصياع لإملاء مواقف سياسية انفرادية على شعب الجنوب".. ووصف المشاركة في اللقاء الذي كان من المتوقع عقده نهاية الشهر الماضي في الخارج باللقاءات "السياحة خارج اليمن". ويؤيد هذا الرفض قيادات جنوبية أخرى، والذي كان أبرزهم: "عبدالرحمن الجفري، وحسين بن فريد العولقي، وصالح سالم محمد، ومحمد بن عجرمة العولقي، ورغم أن اللقاء لم يكن يضم سوى الجنوبيين إلا أنه اتُّهم بأن ممول اللقاء - حسب ما وصفته هذه القيادات - حميد بن عبدالله الأحمر. ما الذي سيفعله الحراك الجنوبي الساعي، الباحث عن دولة الجنوب ذات السيادة في ظل هذه الوضع المنشطر في صفّه، ولا يستفيد من هذا الانسداد أمام وجه الحراك سوى المشاركين في الحوار، والذي يتزعم مكونه محمد علي أحمد فانشطار القيادات الجنوبية في الخارج وفتور الحراك الشعبي عن إتيان جديد، يجعل من الرئيس هادي يتمسك بمحمد علي أحمد، فهو الممثل الذي وإن كان فصيلًا من الحراك لا يمثل الجنوب إلا أنه القشة التي يتمسك بها الرئيس هادي لنجاح الحوار، والخروج بصيغة توافقية وإن لم يحصل الحراك على دولتهم التي يسعون في استرجاعها. وفي حالة ترقّب الجميع من عودة بن علي للحوار ليس أمام الجميع خيارًا سوى إقامة دولة اتحادية، وليس إلى انفصال الجنوب عن الشمال، واستبعاد عدم الانفصال يعود إلى غياب الإجماع حوله بين فرقاء الساحة السياسية في الجنوب، حيث لا يتفق الحراك الجنوبي وباقي الفصائل على فكرة الانفصال وشكل الدولة التي يريدونها وعدد الأقاليم التي ستكونها. وكما يعتقد كثير من المحللين أنّ الأصل في الدولة الاتحادية أن تكون لا مركزية، وأن تتمتع بتشريعات اتحادية ومحلية، وأن تكون لا مركزية - أيضًا - في ما يخص أنظمة التسيير والإدارة، وحسب ما يقول عمر عبدالعزيز فإنه لابد من تغيير الدولة الحالية وتحويلها من مركزية بسيطة، إلى اتحادية مركبة تعطي مساحة من الاستقلالية والحرية، ويجب إزالة متاعب الماضي وآثارها من مركزية وفساد وشمولية وممارسات خاطئة، إذا سارت الدولة إلى النظام الاتحادي ستتغير الأوضاع للأفضل، وستتفعل وسائل التنمية وتنتعش وتتمتع بالحيوية، وعلى العكس فإن النظام المركزي يمنع التنمية الأفقية ويقوض الانتعاش الاقتصادي". ويبدو أن الحراك الجنوبي وقضيته لن يجدا خيرًا سوى ما سيفرزه مؤتمر الحوار كأنسب حلّ للطرفين، وإن كان سقف الحراك أعلى مما هو مفترض في ظل جهود دولية تسعى إلى لملمة الأزمة اليمنية، وأبرزها القضية الجنوبية، يبدو أن علي سالم البيض في سباق مع فصائل الحراك الجنوبي الأخرى، لإثبات أنه الطرف الأقوى في الشارع، الأمر الذي يُعزّز الانقسامات التي تعصف بمكونات الحراك الجنوبي، ويؤثّر كثيرًا على طرح روئ موحدة لها.