يتجه مؤتمر الحوار بدلا من التوافق على مخرجاته في آخر أسبوع إلى حالة من الجدل الأكثر حدة على غير سابقة، ولم ينتهي بحل بل انقسام زاد بعد تشكيل اللجنة المصغرة (8+8) والتي أظهرت اتهامات متبادلة بين المكونات السياسية، فحين تظهر أغلب أحزاب اللقاء المشترك متخففة من أي انقسام يدور داخل اللجنة كما صرح بذلك الناطق الرسمي للجنة محمد قحطان أن أعضاء اللجنة "يواصلون نقاشهم بمسؤولية وطنية عالية" يتصدر حزب المؤتمر وحلفائه دور المثالية باعتبار أن اللجنة المصغرة لا تزيد سوى حالة من الانقسام وتمديد للأزمة ولن تُحل مشاكل اليمن حسب ما جاء في بيانهم بعد انعقاد اللجنة العامة للحزب يوم الاثنين الماضي. وإذ يعتبر حزب المؤتمر رافضا منذ بروز نتائج الحوار على جملة من القضايا ومن بينها، السعي وراء التمديد للحوار والذي يؤدي بدورة التمديد للهادي لمدة خمس سنوات حسب كلمة الرئيس السابق علي عبد الله صالح في الشهر الماضي، وكذالك فكرة المرحلة التأسيسية بعد الحوار، وأخيرا رفضهم للجنة المصغرة التي تشكلت من قبل جمال بنعمر مباشرة ووصفها بلجنة "الانفصال"، فقد جاء بيان اللجنة العامة لحزب المؤتمر يوم الاثنين الماضي برئاسة عبدالكريم الارياني مؤكد لهذا الاعتراض، واعتبر حزب المؤتمر أن الوثيقة المعروضة على لجنة (8+8) هي خروجا على المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية وعن الحوار الوطني وأهدافه، وأن اللجنة (8+8) بأنها ستعمل على تمديد الأزمة ولن تحل مشاكل اليمن سواء في الشمال أو الجنوب. وفي الوقت الذي وصفت صحيفة تابعة لنجل الرئيس السابق علي صالح يوم الأحد الماضي المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بنعمر ب"الكاذب"؛ تتهم مكونات سياسية أخرى بأن اللجنة المصغرة لحل القضية الجنوبية تم تشكيلها بشكل مفاجئ، بين جمال بنعمر محمد علي أحمد، فقد وجه الدكتور محمد العامري رئيس حزب الرشاد السلفي بأنها لا تعكس التمثيل العادل لفئات الشعب وأنها تمثل مخالفة صريحة لمؤتمر الحوار. وقال الشيخ العامري "عند وصولنا في فريق القضية الجنوبية إلى نقطة الاستخلاص للحلول فوجئنا باعتكاف أو "تعليق مشاركة" فريق الحراك الجنوبي، ثم فوجئنا بلجنة 8/8، واختصار الفريق من 40 عضواً إلى 16 لم يتم التوافق عليه ولا التصويت وهما آلية الحوار الوطني المعتمدة، مجدداً تأكيده على أن لجنة ال"16 " غير قانونية ولا شرعية من اتجاهين؛ الأول فني فالأصل أن تنبثق من الفريق نفسه (أضيف لها عضو من خارج مؤتمر الحوار الوطني بدر سلامة) والثاني سياسي كونها لم تستوعب كل الرؤى السياسية المقدمة للمؤتمر. حزب الرشاد يدرك أن الفئات التي تشكلت في الحوار الوطني وفي صيغته المصغرة في اللجنة المصغرة (8+8) هي صيغة الحكومة القادمة، إذ أن حصص التقاسم الحاصل في مؤتمر الحوار هو الذي سيعكس على شكل الحكومة في المرحلة التأسيسية إن تمت مرحلة التمديد. وفيما يظهر الخلاف على اللجنة المصغرة فإن خلاف التفاصيل التي تدور داخلها هي من تجعل مؤتمر الحوار بكامله على المحك، كون شكل الدولة هو محل الخلاف الأبرز وهو ما ستقرره اللجنة، وقد تم وضع مبدئياَ أربع صيغ وهي إما أن تكون دولة مركزية واسعة الصلاحيات،أو فك الارتباط، أو اتحادية من إقليمين، أو فدرالية من عدة أقاليم، غير أن صيغة الدولة المركزية واسعة الصلاحيات لم يعد من يقر بها سوى اتحاد الرشاد، ويقتصر الجدل في الشكل الثاني والثالث. ويصر الحراك الجنوبي برأسة محمد علي أحمد على أن تكون الدولة اتحادية من إقليمين، وتحديد الحدود التي كانت مرسومة ما قبل 1990م، وهو ما تواجهه القوى السياسية الأخرى بالرفض كونه يكرس لمفهوم الانفصال ويساعد على تقسيم اليمن إلى شطرين في الشمال والجنوب، وهو ما أفضى إلى نقاش حاد يوم السبت الماضي في اللجنة المصغرة لمعالجة القضية الجنوبية بين المكونات السياسية، ولا يزال الخلاف قائمة دون حلول. تصلب الحراك في موقفه ليس ثمت غرابة أن يضع الحراك الجنوبي في مؤتمر الحوار المكون من 85 عضواَ سقفاَ مرتفعاَ إلى حد الانفصال بصيغة دولة اتحادية من إقليمين، ولكن ظهور بن علي بهيئة المرشد للمواطنين في الجنوب وتصدره لقيادة القضية الجنوبية هي من تبرز حالة التباين فيما بين قيادات الحراك في الداخل والخراج، فقد ظهر "بن علي" في كلمته يوم الأحد الماضي أمام أتباعه في لقاء خاص بمؤتمر الحوار، بالملهم للقضية الجنوبي حين أشاد بما قدمه هو ومكونه في مؤتمر الحوار للقضية الجنوبية، وأن بمشاركته هو أتباعه قطعوا شوطا بما يصب في مصلحة الجنوب ما كان سيتم فعله بشعر سنوات. وقلل من القيادات الأخرى التي وصف بأنها تمارس السياسية من الخارج وبيروت في إشارة إلى علي سالم البيض، واعتبر بأنه لا فائدة من ذلك يصب في مصلحة القضية الجنوبية. وفي مرحلة حساسة في مؤتمر الحوار قال بن علي في موقف متصلب أن هناك إغراءات وعروض مالية بالمليارات للقبول بتنازلات عن المطالب الشعبية الجنوبية وتمسك ممثلي الجنوب بمؤتمر الحوار بالوحدة السياسية للجنوب وندية التفاوض حسب ما تداولته مواقع تابعة للحراك، وأنه تم التوصل إلى أربع نقاط رئيسية لتكون محور النقاش الجنوبي الشمالي، "تتعلق أولها فك الارتباط وثانيا دولة مركزية واسعة الصلاحيات وثالثا دولة اتحادية ورابعا دولة فيدرالية". لم يمضي خطاب بن علي الذي بدا فيه زعيم القضية الجنوبية دون انتقاد، فقد شن عضو مؤتمر الحوار صلاح باتيس هجوماَ على بن علي حيث قال "إن تصريحات محمد علي أحمد حول الإقليم الشرقي متشنجة واستبدادية ولن يكون الرد عليها بالكلام، فالجواب ما يراه لا ما يسمعه"، وأشار إلى أنهم لن يقبلوا بالظلم والتعالي مرة أخرى، وتمنى أن لا يفرض أي مكون معين وصاية على كل أبناء الجنوب فالشعب الجنوبي هو الممثل الشرعي للجنوب". انقسام يعزز قوة بن علي على الرغم أن مكون شعب الجنوب ال85 عضوا في الحوار لا يمثلون القضية الجنوبية وإنما فصيل من الحراك إلا أن حالة الخلاف الذي أظهره مؤتمر المجلس الأعلى للحراك السلمي في مدينة عدن يوم السبت الماضي زاد من تعزيز قوة محمد علي أحمد كون المجتمع الدولي والحكومة اليمنية غير قادرة على التفاوض في وسط ملغوم بالتناقضات والتشظي فيمن رفض المشاركة في مؤتمر الحوار. وكان المجلس الأعلى للحراك السلمي الذي يتزعمه علي سالم البيض عقد أول مؤتمر في مدينة عدن وانتخب هيئاته القيادية في خطوة مفاجئة تضاف إلى الشواهد على توسع الهوة بين أكبر فصيلين في الحراك الجنوبي وهو فصيل علي سالم البيض وفصيل حسن باعوم، وقد انتخب مندوبو المؤتمر صالح يحيى سعيد رئيساً للمجلس وسبعة نواب له وهم أحمد بامعلم نائباً أول وناصر حويدر وناصر الخبجي وعيدروس حقيس وشلال علي شايع وعبدالحكيم الشاويش وعوض علي، واختير محفوظ علوان رئيساً ل"الجمعية الوطنية" (البرلمان). كما انتخب المؤتمر سبعة أشخاص أعضاء في رئاسة المؤتمر هم عبده المعطري وحسن البيشي وناصر الفضلي وأحمد مبارك وردفان سعيد صالح وحسن بن شعيب وعباس العسل واختير أحمد سالم فضل ناطقاً رسمياً للمجلس الذي اتخذ المؤتمر قراراً بتغيير تسميته إلى "المجلس الأعلى للثورة السلمية الجنوبية". وفي أول رد لهذا المؤتمر دعا حسن أحمد باعوم رئيس (المجلس الأعلى للحراك السلمي لتحرير الجنوب) إلى اجتماع موسع لهيئة الرئاسة والهيئة التنفيذية للمجلس الأعلى للحراك السلمي رفضا لما تم إقراره في المؤتمر الذي أشرف عليه أتباع علي سالم البيض، ووصف باعوم في بيان للمجلس رداً على مؤتمر فرع المجلس التابع لعلي البيض المؤتمرين بمجموعة منشقة، ويتحملون مسؤولية تعميق الانقسام في قيادة الحراك الجنوبي، كما أعلن عدد من الأعضاء القياديين في مجلس الحراك التابع للبيض رفضهم لانعقاد المؤتمر، بينهم أعضاء اختيروا في هيئاته القيادية. ويعتبر عقد مجلس الحراك التابع لفصيل البيض مؤتمره الأول لانتخاب قيادات المجلس والرد الصريح الذي صدر من حسن باعوم هي صورة بالغة في الوضوح على تعمق انقسام وسط الحراك الجنوبي والخلاف على القيادة والزعامة للحراك. اتهامات متبادلة حين تطفوا حالة الانقسام في المناطق الجنوبي بين قوى وقيادات الحراك الجنوبي ليس ما يحصل بين المكونات السياسية في صنعاء بمنأى عن ذلك فحين لا يزال حزب المؤتمر يصر على عدم الاعتراف باللجنة المصغرة لحل القضية الجنوبية، كونها تشرعن للانفصال، فقد أضاف تهديداَ علي صالح بكشف ما أسماه ملفات "الإخوان المسلمون"، في لقاء جمع أعضاء حزب المؤتمر يوم الأحد الماضي، وقال صالح "إن الإخوان يعرفون من علي عبدالله صالح"، وأنا أعرف خفايا وملفات الإخوان"، وأنه كان ينتظر اللحظة المناسبة لفتحها، وكشفها أمام الشعب. هذا الخطاب الحاد من صالح مع ما يصر عليه حزب المؤتمر من رفض للتمديد في مؤتمر الحوار قابله تحريض غير مباشر من حزب الإصلاح لمظاهرات واسعة تدعوا لإسقاط الحصانة من صالح، حتى يتم تطويع حزبه بالتمديد لهادي في الفترة المقبلة، والقبول في مؤتمر الحوار على ما ستقره اللجنة المصغرة لحل القضية الجنوبية، فقد حشدت مظاهرات يوم السبت الماضي قالت وسائل إعلام تابعة لحزب الإصلاح أنها من أسر شهداء وجرحى ومعاقي الثورة السلمية في صنعاء أمام مكتب النائب العام للمطالبة بتقديم علي عبد الله صالح للعدالة ومحاكمته على الجرائم خلال الثورة السلمية حسب وصفها. وفي ظل هذا الوضع المشحون بالخلاف في فترة كان من المقرر أن تكون مخارج الحوار لحل مشاكل البلد هي الظاهرة، لكن تبقى هناك مواضيع هي من ستصبغ المخرج للبلد وهي إيجاد حل عادل للجنوب فلن يقدم التشظي بين قيادات الحراك أي مصلحة للشعب سوى إشراكه في صراع الزعامة دون سد حاجته التي خرج وطالب من أجلها منذ 2007م، وحين يجد المواطنين في الجنوب منفذ في مؤتمر الحوار لحل حتى ولو جزء من شظف المعيشة سيجتر المواطنين في الجنوب إلى مخرجات الحوار مؤاثرين صراع الزعامة بين قياداتهم وخطاب الثورة المزعوم منها. ولهذا النحو من الحلول حين تعتبر بعض القوى السياسية أن التمديد لفترة تأسيسية بعد اكتمال الحوار، والتمديد لهادي لمدة خمس سنوات، هي أنجع الوسائل، ستقتصر الفائدة على زيادة تجذرها في السلطة، وتفادي الصراع بينها وبين القوى الأخرى، غير أنها لن تضيف جديد لمصلحة الشعب ككل، سوى قدرة القياديات السياسية على تهدئة الرأي العام وأن هكذا وضع أفضل من غيره.