هذا ما حدث وما سيحدث.. صراع العليمي بن مبارك    الأرصاد يتوقع استمرار هطول الامطار ويحذر من التواجد في بطون الأودية    عدوان مستمر على غزة والاحتلال بنشر عصابات لسرقة ما تبقى من طعام لتعميق المجاعة    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    إصلاح الحديدة ينعى قائد المقاومة التهامية الشيخ الحجري ويشيد بأدواره الوطنية    الهلال السعودي يقيل جيسوس ويكلف محمد الشلهوب مدرباً للفريق    اللجنة السعودية المنظمة لكأس آسيا 2027 تجتمع بحضور سلمان بن إبراهيم    خلال 90 دقيقة.. بين الأهلي وتحقيق "الحلم الآسيوي" عقبة كاواساكي الياباني    احباط محاولة تهريب 2 كيلو حشيش وكمية من الشبو في عتق    في حد يافع لا مجال للخذلان رجالها يكتبون التاريخ    غارات اسرائيلية تستهدف بنى تحتية عسكرية في 4 محافظات سورية    سنتكوم تنشر تسجيلات من على متن فينسون وترومان للتزود بالامدادات والاقلاع لقصف مناطق في اليمن    إذا الشرعية عاجزة فلتعلن فشلها وتسلم الجنوب كاملا للانتقالي    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    الطيران الأمريكي يجدد قصف ميناء نفطي غرب اليمن    مسلحون يحاصرون مستشفى بصنعاء والشرطة تنشر دورياتها في محيط المستشفى ومداخله    وزير سابق: قرار إلغاء تدريس الانجليزية في صنعاء شطري ويعمق الانفصال بين طلبة الوطن الواحد    باحث يمني يحصل على برأه اختراع في الهند    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    غزوة القردعي ل شبوة لأطماع توسعية    "الأول من مايو" العيد المأساة..!    وقفات احتجاجية في مارب وتعز وحضرموت تندد باستمرار العدوان الصهيوني على غزة    احتراق باص نقل جماعي بين حضرموت ومارب    البيع الآجل في بقالات عدن بالريال السعودي    حكومة تتسول الديزل... والبلد حبلى بالثروات!    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    مدرسة بن سميط بشبام تستقبل دفعات 84 و85 لثانوية سيئون (صور)    البرلماني بشر: تسييس التعليم سبب في تدني مستواه والوزارة لا تملك الحق في وقف تعليم الانجليزية    السامعي يهني عمال اليمن بعيدهم السنوي ويشيد بثابتهم وتقديمهم نموذج فريد في التحدي    السياغي: ابني معتقل في قسم شرطة مذبح منذ 10 أيام بدون مسوغ قانوني    شركة النفط بصنعاء توضح بشأن نفاذ مخزون الوقود    التكتل الوطني يدعو المجتمع الدولي إلى موقف أكثر حزماً تجاه أعمال الإرهاب والقرصنة الحوثية    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    "الحوثي يغتال الطفولة"..حملة الكترونية تفضح مراكز الموت وتدعو الآباء للحفاظ على أبنائهم    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    جازم العريقي .. قدوة ومثال    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يفوز بالكلاسيكو الاسباني ويحافظ على صدارة الاكثر تتويجا    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الذكرى الحادية عشر لاغتياله -2
الدولة المدنية في فكر جارالله عمر
نشر في الوسط يوم 24 - 12 - 2013

كان جار الله عمر دائم الابتسامة وكان يتمتع بديناميكة وكاريزمية ملحوظتين. من عينيه وتحيته لك تدرك أنك أمام شخص غير عادي ينفذ إلى قلبك بسهولة. سكرتيرتي البريطانية في لندن على غير عادتها لم تكن تستقبل أحدا بفرح واحترام مثلما كما كانت تفعل مع جار الله، وحدث نفس الشيء مع صحفية هندية ظلت تسألني دائما عنه وترسل تحياتها له ولم يكن خبر اغتياله سهلا على أذنيها. بعض الصحفيين العرب وصحفي بريطاني عرفتهم في لندن عن طريقه.أكاديمية أمريكية لم تستوعب خبر اغتياله وظلت تبكي على الهاتف لدقائق طويلة. وكأي ناشط حزبي كان فكره ورؤيته متقدمين على مجتمعه. وكمسلمة لو لم تكن الأحزاب لاتعبر عما هو مقبول وعن طموح الناس وعن المستقبل لكانت من قوى الحفاظ الأمر على الواقع ومصالح قواه المهيمنة. كان النعمان نقيضا للإمام أحمد وكان جر الله نقيضا للقاضي الإرياني ومن أتى بعده. الحزبية تعني التغيير إلى الأفضل وليست مغانم. كان هذا هو فهم جار الله لها. وهنا يكمن الفرق بين قوى التحديث وبين القوى الماضوية التي تصر على إنكار هذا الانتماء الماضوي وهذه الحقيقة. ولذلك مهما أجهدت نفسك في البحث عن مشروع لها يرتبط بالمستقبل وهموم الناس فلن تجد شيئا. مشروعها هو ذاتها. تجسد الإمام يحي التي ثارت عليه باستثناء نزاهته. وكحزبي لم يبدر من جارالله قبل عام 1988 ما ينبئ عن خروجه على الإجماع والسائد في حزبه. وإذا كان لابد من صدمة تهز القناعات الراسخة فقد كانت كارثة 13 يناير 1986 في عدن هي التي قذفت بما كان يعتمل داخل جار الله من تفاعلات وصراعات داخلية وأسئلة. في عام 1988 سبق جار الله حزبه بل قاده بالتدريج إلى مسار مختلف وأجزم بأنه قاد اليمن كله إلى هذا المسار - المسار الديمقراطي - التعددي. تفاعل جار الله أكثر من غيره مع بوادر تحولات فكرية في المنطقة العربية قادها الدكتور سعد الدين إبراهيم نادت بتجسير الفجوة بين النخبة والحكام وإنهاء حالة التوجس والعداء بينهما. وتأثر جار الله بالتحولات التي قادها جورباتشوف في الاتحاد السوفيتي التي أحبطها الغرب - الجلازنوست ( الانفتاح) والبرسترويكا (إعادة البناء) - وكانتا بشائر تحول ديمقراطي في المركز المقدس - موسكو- . والكلمتان تعادلان عندنا إعادة الهيكلة العسكرية والأمنية والمدنية أو الإصلاح التي قد تكون بكل ما قد يرافقها من تشوهات البديل لمطالب ثوار فبراير. البرسترويكا والجلازنوست في نهاية القرن العشرين كانت بمثابة البيان الشيوعي لماركس أو كتاب ماوتسي تونج الأحمر مع فارق أن حرية تدوال ما نشر عنهما كان متاحا إلى حد ما لأنهما يحضان على الإصلاح من الداخل و ليس الثورة. تسامح نظام صالح إلى حد ما مع بعض من يحمل من الخارج ما كتب عنهما وهو الشديد الرقابة على المطبوعات حتى في المنافذ البحرية (لم يسمح بتداول الكتاب الأخضر الليبي وحظر توزيع كتاب الدكتور أسامة الغزالي حرب عن الحزبية الصادر عن سلسلة كتب عالم المعرفة الكويتية). وكان سقوط تشاوشسكو في رومانيا في ديسمبر 1989 نتاجا لذلك التحول الجنيني في الاتحاد السوفييتي الذي عنى أن موسكو لن تكرر تجربة تدخلها عام 1968 في تشيكوسلوفاكيا وخلق لدينا أملا بسقوط أشقائه في منطقتنا. وبصراحة لو لم تنقذ الوحدة "صالح" لكان مصيره كمصير تشاوشسكو مهما تشدق بغير ذلك . جار الله أدرك أن رياح التغيير قادمة لا محالة ونظر إلى المستقبل في إطار وطني عام ولم يقف به الحال عند تبني حل سلطوي. وكغيره لم يولد جارالله ديمقراطيا وكان في البداية ابن بيئته العامة ثم الحزبية. الظروف الموضوعية أنضجت قناعاته ومكنته ملكاته الذاتية وثقافته الموسوعية والتزامه بقضية تطور الوطن وحرية المواطن من استشراف المستقبل. ولا يستطيع أحد المجازفة بالقول إن جارالله كان ديمقراطيا وهو في الثالثة والعشرين من عمره عندما انتخب لعضوية اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الثوري اليمني الذي خلف الفرع اليمني لحركة القوميين العرب.هذا الحزب كغيره من الأحزاب كان يتبنى الديمقراطية وغيرها من الشعارات الشعبوية الجاذبة في بيئة لا تفهم معناها وليس لناسها اهتمام حقيقي بالديمقراطية أو خبرة بها ولم تكن مع فارق طفيف وحتى الآن ثقافة عامة وكانت كشعار الحرية ذات اتجاه وهدف واحد هو السيطرة على السلطة وعدم التخلي عنها. وفي ذروة نضجه لم ير جار الله الديمقراطية بدون أحزاب وتعدد في وجهات النظر ولم يكن ينظر إلى السلطة كغاية وإنما كوسيلة لخدمة الناس ورقيهم وفق برنامج سياسي واقتصادي واضح. جارالله هو من اقترح على الحزب الاشتراكي ترك السلطة عام 1994 والتحول إلى حزب معارض بعد أن بلغ تآمر صالح على الوحدة وخيانته لها وللشعب وللعهود ومحاولاته الانفراد بالسلطة حدا عجز الحزب الاشتراكي عن ثنيه عنه. ولأجلها خاض صالح حرب1994 وأفشل بعدها حكومة فرج بن غانم وقبلها حكومة العطاس وكلاهما كانا على قدر عال من الكفاءة والاقتدار والإخلاص. جار الله لم يكن من معاندي الزمن وكان يدرك ضروراته ومتطلباته وحاجة الناس للتغيير وحقهم الذي لا ينازع في حياة أفضل.
قد يقول قائل ولكن جار الله رفع السلاح ومارس العنف وكان قائد الجبهة الوطنية الديمقراطية التي خاضت كفاحا مسلحا في المناطق الوسطى وشرعب لأكثر من عقد من الزمن. ولهؤلاء يقول جار الله إنه ورفاقه الذين حملوا السلاح في وجه أعداء الجمهورية بعد قيام ثورة سبتمبر وضحوا بدمائهم لكي تنتصر الجمهورية في حرب السبعين لم يرفعوه إلا مضطرين وتطبيقا لمبدأ مشروع ، هو الدفاع عن النفس، بعد أن كان جزاؤهم لدورهم الوطني هو السجن الذي قضى فيه جارالله مع غيره أربع سنوات(1968-1971)والمطاردة والتخوين والتشرد. كحزبي أيقن جارالله أن سلطة 5 نوفمبر 1967 لا تريد التعايش مع جمهوريي التغيير وأن محاربة الحزبية أضحت سياسة رسمية لها وأنها لن تتهاون مع الحزبية والحزبيين وأن مصيرأي حزبي هو واحد من ثلاثة ، السجن، التشرد أو الموت تطبيقا لشعار تخوين الحزبية "سواء ظهرت بقرون الشيطان أو بمسوح الرهبان". وقد مات في السجن وأعدم بدون محاكمة الكثير منهم واختفى قسرا كثيرون وكان لعهد صالح نصيب الأسد في تطبيق سياسة الاغتيال والتغييب والموت في السراديب. لقد وجد لدينا "بيريا" يمني كان همه "تطهير!" اليمن من الحزبيين وكان يقول والبيادات تنشط من الخلف لمن يعذبه هو شخصيا " والله حتى لو تكون أمي حزبية فلن أرحمها". من حكموا بعد 5 نوفمبر 1967 وكتيبة "التمكين" من ورائهم كانوا يعون أن النظام الملكي لم يسقط إلا بالتنظيم سواء كان مدنيا أو عسكريا ولذلك لم يحاربوا الحزبية وحدها بل أرادوا تجريد غيرهم من أي مقوم من مقومات التنظيم والقوة وأغلقوا الأقسام الداخلية لطلاب المدارس التي لم يغلقها الإمام أحمد بعد أول تحد منظم لنظامه قام به طلاب صنعاء وتعز قبيل الثورة،(الإضراب وحصار الطلاب داخل المدارس وتشريدهم وغلق المدارس مؤقتا)،لأنهم لم يكونوا يريدون أن يجتمع اثنان إلا على مائدتهم السياسية ولا يقرأن إلا كتابهم ولايصليان إلا على طريقتهم ولا يسمعان سوى أذانهم .
عن محاربة الشمال للحزبية التي بدأت في عهد السلال عام 1963 قال جار الله"بالرغم من أن السياسة الرسمية للشمال تعلن عداء مطلقا للحزبية وتتذرع بالمادة 37 من الدستور المحرّمة للنشاط الحزبي إلا أن الحكومة تضطر إلى إيجاد مؤسسات بديلة للأحزاب ، فجهاز الأمن يلعب دور التنظيم الحزبي للسلطة ،كما توجد أشكال مموهة أخرى مثل القبيلة، وبدلا من ذلك أليس من الأجدى الاعتراف بالحقائق والعمل بأشكال حديثة للصراع من خلال أحزاب تعمل في العلن". ذكرت هذه الحقيقة ( حقيقة أن المؤتمر الشعبي جهاز استخبارات)للبروفسور مايكل هدسون ولزميله البروفسور روبرت بوروز في يونيو 1990 وقد صعق الاثنان وقال هدسون سأكتب ذلك على مسئوليتك وكان بذلك يريد اختبار مصداقيتي. بوروز كان من المعجبين باليمن ولكنه كتب قبل ثورة الشباب مقالا عن حكامنا اللصوص لعل بعض القراء يتذكرونه. وهنا يستحق الدكتور عبد الكريم الإرياني شكرا خاصا.
في رد لجار الله على من يلومونه باللجوء إلى السلاح كتب ورقة بعنوان "جدلية الوحدة والديمقراطية من يحكم باسم القبيلة أو الطائفة، عليه أن يتوقع ظهور معارضة من نفس النمط". وفي صراع السلطة ضد من أسمتهم بالمخربين( الجبهة الوطنية الديمقراطية) استرزق كثيرون ماليا وعلوا اجتماعيا وبنوا لهم مكانة من العدم وضحكوا على بعض دول الجوار بقولهم إنهم يدافعون عنها من التغلغل الشيوعي وكان صالح على رأس المستفيدين من إزهاق أرواح المدنيين وتدمير المنازل وتشريد المواطنين لأنه كان يرفض إنهاء الصراع بالحوار مع الجبهة الوطنية وحاول اغتيال جارالله ويحيى الشامي وهما في صنعاء لولا أن موقف الرئيس علي ناصر محمد كان حاسما وحال دون تحقيق صالح لمأربه الخبيث. وكيف يغلق صالح بوابة كنز يغرف منه من مالنا ومن مال الغير عشرات الملايين من الدولارات سنويا.
كان جار الله رجل سلام ومصالحة وتغيير وليس كما صوره إعلام صالح (مسمم الآبار، الجنرال الوحشي والجنرال المحنط، عميل المخابرات الامريكية حاليا والسوفيتية سابقا، زارع الألغام والمتفجرات،المنغمس في وحل العمالة والارتزاق وممارسة الشر ضد نفسه ووطنه وشعبه،المتآمر ، فقيه الفتنة الخ...). كل ذلك وغيره وصف به جار الله بعد الوحدة وليس قبلها ولذلك كان اغتياله ضرورة صالحية وزندانية. لقد تنبأ جار الله بثورة الشباب وناضل من أجل أهدافها. في هذا الصدد قال"إن تحولات عميقة يمر بها المجتمع اليمني الآن وإن عوامل الاستقرار تقوى بها ،حيث تتشكل المدن التي تضاعف عدد سكانها وصارت مع الأجهزة الحديثة بمثابة صهر ( لم يكن مصطلح ثورة الاتصالات متداولا على نطاق واسع في منطقتنا) ، تعيد تكوين التقاليد والنفسية الاجتماعية ، وصار المستقبل لهذه التجمعات المستقرة ، خصوصا وأن آلاف الشباب يتخرجون كل عام من المعاهد والجامعات ". لقد سبق جار الله شباب ثورة 11 فبراير المغدورة بسنوات بمطالبته ب"المواطنة المتساوية ودولة المؤسسات وليس دولة العصبيات ومراكز القوى". وهذا هو بعض ما يشغل بعض وليس كل أعضاء مؤتمر الحوار الوطني وتعارضه أقلية لا تعي حتى الآن المتغيرات الجديدة في اليمن ومن ضمنها قبول التنوع وقيام قواه بأدوارها الوطنية في السلطة وإنهاء احتكار امتلاك الثروة والسلاح وإلقاء في البيوت بدون عمل منتج. في إحدى الندوات بلغ إنكار التنوع والحق في الاختلاف بعضو في حزب يميني ديني أن طلب من جار الله أن ينص برنامج الحزب الاشتراكي على الشريعة أي أن يكون نسخة كربونية من حزبه. كان رد جارالله "نحن كحزب سياسي نريد دولة مدنية ليست في تضاد مع الإسلام، ومشكلتنا ليست مع السماء، نحن مشكلتنا في الأرض، قضايا الناس، قضايا الفساد، قضايا بناء الدولة، الديمقراطية وحقوق الإنسان". وأضاف " البعض يقولون لنا خذوا الإسلام مراعاة للجماهير ولكي يكون الحزب الاشتراكي أفضل جماهيريا ونحن نقول لن يضيف الحزب الاشتراكي للوطن شيئا إذا كان إسلاميا ونحن نرفض الدولة الدينية". وقبل الوحدة قال جار الله "إن دستور دولة الوحدة يجب أن يكون مستوعبا وأن ينص بصراحة كاملة على الحقوق الديمقراطية ويعترف بالتعدد ويقر بالمساواة بين الجنسين، وينص على كل ماله صلة بصيانة حقوق الإنسان، وأن يحتوي مضامين الاتفاقيات التي وقعت بين الشطرين ويعكسها بنفس عصري". وأوضح موقفه من الدين والإسلام السياسي بقوله" إن معارضتنا لجماعة الإسلام السياسي المتطرفة لاتعني موقفا من الدين الإسلامي الحنيف الذي ينبغي أن نسمو به فوق مستوى الصراعات الحزبية وعدم استخدامه للوصول إلى السلطة". ومن نافلة القول إنه إذا نصت كل الأحزاب على الشريعة فما حاجتنا للدستور الملزم للجميع الذي يسمو على كل البرامج الحزبية وما هي أهمية الفوارق بين حزب يميني يقدس الأمر الواقع ويخدم مصالح ضيقة وآخر وسطيا وثالث يساريا يجنحان للتغيير الاقتصادي والاجتماعي وليس الحفاظ على مصالح أقلية متنفذة سواء كانت دينية أو اجتماعية. الأحزاب سمتها التنوع الفكري والبرامجي وليس التماهي وأن تكون صورة طبق الأصل لبعضها البعض أو أن تتصارع فيما بينها حول أي منها الأقرب أو الأبعد عن الشريعة بما يقود إلى تكفير وحرب دينية حول من يمثل منها صحيح الإسلام بينما يتوارى الاهتمام عن معالجة قضايا الفقر والبطالة والأمراض والتخلف الضارب بجذوره في أعمق الأعماق. التجربة الحية ليست بعيدة عنا وبيّنة في تكفير إخوان مصر لحلفائهم السابقين من السلفيين بعد تكفيرهم لكل المجتمع . وكعينة توضيحية أذكر ما يقرأ في أكثر من مكان في شوارع القاهرة مثل" . عارف متى تحس أنها حرب ضد الدين، لما يكون عندك دين أصلا).هذا يعني أنت ياللي بابتحسش مثلي ماعندكش دين، أي كافر!. ومع الفارق هذا يذكرني بصالح عندما أراد أن ينتخب الحزب الاشتراكي أمينا عاما له على مزاجه هو واحتج وشن إعلامه حملات على انتخاب الحزب لمن قرر الدموي صالح إعدامهم في المكتب السياسي واللجنة المركزية بإرادة حرة وهم غائبون، ( ال 16).إن هذا الفهم للسياسة جزء من ثقافة شوهاء لدى العسكر واليمين الديني للحزبية لأنهما يستقويان إما بالدين أو بالسلطة وليس بالديمقراطية وما تتطلبه من تنوع وقبول حقيقي بالآخر وبدون تكفير. الزنداني من ناحيته أكمل دور صالح وقال "ينبغي عدم التلاين مع هذا الحزب( الحزب الاشتراكي) والجلوس معه وهو لايزال على كفره" وأيضا" نعوذ بالله من ذلك فلا تقعدوا معهم وهم على كفرهم ، أولوهم غضبا في وجوهكم ،و"لن نقبل أن نكون معهم ولانجالسهم لأن الله يأمرنا بذلك". هكذا استل الزنداني من غرارته أمر إلهي مباشر إليه شخصيا بعدم التحدث أو الجلوس مع أي من أعضاء الحزب الاشتراكي. وعندما نقول إن القاتل والتابع السعواني نهل من ثقافة الزنداني فليس في ذلك مبالغة أو تعد على الحقيقة. ألم يكن رئيس خلية جامعة الإيمان - مسيك وكان بعض أقارب الزنداني معه وموله الزنداني وكان يعرفه حق المعرفة واستقبله في منزله بعدن كما سبق لي القول.
الآن كيف ينقض ويعصي الزنداني كلام الله المرسل إليه في ضوء تجربة اللقاء المشترك حيث يجلس خصومه مع رفاقه ويناضلون من أجل أهداف مشتركة ؟. ألا يدل ذلك على أن الزنداني يوظف الدين لأهدافه السياسية والمالية والتخريبية ؟ أوليست هذه هي التعبئة الخاطئة التي رعاها صالح بعناية مركزة حتى حققت مبتغاها باغتيال شهيد الديمقراطية والوطن جار الله ولم يستح من ذكرها وهو في كامل فرحته في برقية عزائه. الزنداني أحد قياديي مدرسة دولية عابرة للحدود والقارات للكراهية والتكفير والإقصاء .
في مصر قبل ثورة 25 يناير كان يؤمر رفاقه من الأعضاء هناك بعدم السلام على المسيحيين ومضايقتهم في الطرقات وعدم الرد على سلامهم. وما حدث للمسيحيين من مضايقات بعدها كان تطبيقا لهذه التعليمات. وبأمر من المرشد السابق مهدي عاكف منع الأعضاء من السلام على أبو العلاء ماضي رئيس حزب الوسط ورفاقه بعد انشقاقهم عن الإخوان وعدم الرد على سلامهم. وإسلاماه!. وللمقال بقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.