غوتيريش يدين بشدة هجوم إسرائيل على مخيم للنازحين في رفح    بالإجماع... الموافقة على إقامة دورة الألعاب الأولمبية لفئة الشباب لدول غرب آسيا في العراق    ضربة معلم تكسر عظم جماعة الحوثي وتجعلها تصرخ وتستغيث بالسعودية    خبر صادم: خروج ثلاث محطات كهرباء عن الخدمة في العاصمة عدن    استمرار النشاط الإيصالي التكاملي الثاني ونزول فريق إشرافي لأبين لتفقد سير العمل للفرق الميدانية    الرئيس الزُبيدي: تدهور الأوضاع يحتّم على الانتقالي مراجعة قراراته    عاجل: هجوم حوثي جديد على سفينة في المخا وإعلان بريطاني يؤكد إصابتها    فلكي سعودي يكشف عن ظاهرة فريدة اليوم بشأن الكعبة واتجاه القبلة!    مجلس الوزراء السعودي يجدد رفضه القاطع لمواصلة انتهاكات الاحتلال للقرارات الدولية    استشهاد طفل وإصابة والده بقصف حوثي شمالي الضالع    الهلال السعودي ينهي الموسم دون هزيمة وهبوط أبها والطائي بجانب الحزم    الحوثي يسلّح تنظيم القاعدة في الجنوب بطائرات مسيرّة    جريمة بشعة تهز عدن: أب يطلق النار على بناته ويصيب أمهن بجروح خطيرة!    ارتفاع أسعار النفط وسط ترقب المستثمرين لبيانات التضخم واجتماع أوبك+    تدشين مشروع توزيع "19"ماكينة خياطة على الأرامل في ردفان    الحكومة اليمنية تبحث مع سويسرا استرداد عرشين أثريين    منح العميد أحمد علي عبدالله صالح حصانة دبلوماسية روسية..اليك الحقيقة    فلكي يمني يحدد موعد أول أيام عيد الأضحى المبارك وبداية أيام العشر    عاجل: الحكم بإعدام المدعو أمجد خالد وسبعة أخرين متهمين في تفجير موكب المحافظ ومطار عدن    الوحدة التنفيذية : 4500 شخص نزحوا من منازلهم خلال الربع الأول من العام الجاري    الزُبيدي يؤكد على أهمية المخيمات الصيفية لخلق جيل مناهض للفكر الحوثي    المنتخب الوطني الأول يواصل تحضيراته في الدمام استعداداً للتصفيات الآسيوية المزدوجة    مارسيليا يسعى إلى التعاقد مع مدرب بورتو البرتغالي    ياوزير الشباب .. "قفل البزبوز"    بعد تجريف الوسط الأكاديمي.... انتزِعوا لنا الجامعات من بلعوم السلفيات    سد مارب يبتلع طفلًا في عمر الزهور .. بعد أسابيع من مصرع فتاة بالطريقة ذاتها    وزير الإعلام: مليشيا الحوثي تواصل استغلال مأساة المخفيين قسراً للمزايدة السياسية    انعقاد جلسة مباحثات يمنية - صينية لبحث مجالات التعاون بين البلدين وسبل تعزيزها    غرامة 50 ألف ريال والترحيل.. الأمن العام السعودي يحذر الوافدين من هذا الفعل    ''بيارة'' تبتلع سيارتين في صنعاء .. ونجاة عدد من المواطنين من موت محقق    انطلاق أولى رحلات الحج عبر مطار صنعاء.. والإعلان عن طريقة الحصول على تذاكر السفر    شاهد .. وزير الزراعة الحوثي يعترف بمجلس النواب بإدخال الحوثيين للمبيدات الإسرائيلية المحظورة (فيديو)    استعدادات الأمة الإسلامية للعشر الأوائل من ذي الحجة وفضل الأعمال فيها    أكاديمي سعودي: التطبيع المجاني ل7 دول عربية مع إسرائيل جعلها تتفرعن    الإعلان عن تسعيرة جديدة للبنزين في عدن(السعر الجديد)    برشلونة تودع تشافي: أسطورةٌ تبحث عن تحديات جديدة وآفاقٍ أوسع    خمسة ملايين ريال ولم ترَ النور: قصة معلمة يمنية في سجون الحوثيين    بوخوم يقلب الطاولة على دوسلدورف ويضمن مكانه في البوندسليغا    العكفة.. زنوج المنزل    سقوط صنعاء ونهاية وشيكة للحوثيين وتُفجر تمرد داخلي في صفوف الحوثيين    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    استشهاد جندي مصري في الحدود مع غزة والقاهرة تحذر من المساس بأمنها    تدشين دورة إدارة البحوث والتطوير لموظفي وموظفات «كاك بنك»    8200 يمني سيغادرن من مطار صنعاء الى الأرضي السعودية فجر غدا الثلاثاء أقرأ السبب    معالي وزير الصحة يُشارك في الدورة ال60 لمؤتمر وزراء الصحة العرب بجنيف    مغادرة أول دفعة من الحجاج جواً عبر مطار عدن الدولي    شيفرة دافنشي.. الفلسفة، الفكر، التاريخ    سلطان العرادة وشركة غاز صافر يعرقلون أكبر مشروع لخزن الغاز في ساحل حضرموت    دعم سعودي جديد لليمن ب9.5 مليون دولار    - 45أعلاميا وصحفيا يعقدون شراكة مع مصلحة الجمارك ليكشفون للشعب الحقيقة ؟كأول مبادرة تنفرد بها من بين المؤسسات الحكومية منذ2015 فماذا قال مرغم ورئيس التحرير؟ اقرا التفاصيل ؟    الثاني خلال أسبوع.. وفاة مواطن نتيجة خطأ طبي خلال عملية جراحية في أحد مستشفيات إب    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    عالم يمني يبهر العالم و يكشف عن أول نظام لزراعة الرأس - فيديو    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    وهم القوة وسراب البقاء    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الذكرى الحادية عشر لاغتياله -2
الدولة المدنية في فكر جارالله عمر
نشر في الوسط يوم 24 - 12 - 2013

كان جار الله عمر دائم الابتسامة وكان يتمتع بديناميكة وكاريزمية ملحوظتين. من عينيه وتحيته لك تدرك أنك أمام شخص غير عادي ينفذ إلى قلبك بسهولة. سكرتيرتي البريطانية في لندن على غير عادتها لم تكن تستقبل أحدا بفرح واحترام مثلما كما كانت تفعل مع جار الله، وحدث نفس الشيء مع صحفية هندية ظلت تسألني دائما عنه وترسل تحياتها له ولم يكن خبر اغتياله سهلا على أذنيها. بعض الصحفيين العرب وصحفي بريطاني عرفتهم في لندن عن طريقه.أكاديمية أمريكية لم تستوعب خبر اغتياله وظلت تبكي على الهاتف لدقائق طويلة. وكأي ناشط حزبي كان فكره ورؤيته متقدمين على مجتمعه. وكمسلمة لو لم تكن الأحزاب لاتعبر عما هو مقبول وعن طموح الناس وعن المستقبل لكانت من قوى الحفاظ الأمر على الواقع ومصالح قواه المهيمنة. كان النعمان نقيضا للإمام أحمد وكان جر الله نقيضا للقاضي الإرياني ومن أتى بعده. الحزبية تعني التغيير إلى الأفضل وليست مغانم. كان هذا هو فهم جار الله لها. وهنا يكمن الفرق بين قوى التحديث وبين القوى الماضوية التي تصر على إنكار هذا الانتماء الماضوي وهذه الحقيقة. ولذلك مهما أجهدت نفسك في البحث عن مشروع لها يرتبط بالمستقبل وهموم الناس فلن تجد شيئا. مشروعها هو ذاتها. تجسد الإمام يحي التي ثارت عليه باستثناء نزاهته. وكحزبي لم يبدر من جارالله قبل عام 1988 ما ينبئ عن خروجه على الإجماع والسائد في حزبه. وإذا كان لابد من صدمة تهز القناعات الراسخة فقد كانت كارثة 13 يناير 1986 في عدن هي التي قذفت بما كان يعتمل داخل جار الله من تفاعلات وصراعات داخلية وأسئلة. في عام 1988 سبق جار الله حزبه بل قاده بالتدريج إلى مسار مختلف وأجزم بأنه قاد اليمن كله إلى هذا المسار - المسار الديمقراطي - التعددي. تفاعل جار الله أكثر من غيره مع بوادر تحولات فكرية في المنطقة العربية قادها الدكتور سعد الدين إبراهيم نادت بتجسير الفجوة بين النخبة والحكام وإنهاء حالة التوجس والعداء بينهما. وتأثر جار الله بالتحولات التي قادها جورباتشوف في الاتحاد السوفيتي التي أحبطها الغرب - الجلازنوست ( الانفتاح) والبرسترويكا (إعادة البناء) - وكانتا بشائر تحول ديمقراطي في المركز المقدس - موسكو- . والكلمتان تعادلان عندنا إعادة الهيكلة العسكرية والأمنية والمدنية أو الإصلاح التي قد تكون بكل ما قد يرافقها من تشوهات البديل لمطالب ثوار فبراير. البرسترويكا والجلازنوست في نهاية القرن العشرين كانت بمثابة البيان الشيوعي لماركس أو كتاب ماوتسي تونج الأحمر مع فارق أن حرية تدوال ما نشر عنهما كان متاحا إلى حد ما لأنهما يحضان على الإصلاح من الداخل و ليس الثورة. تسامح نظام صالح إلى حد ما مع بعض من يحمل من الخارج ما كتب عنهما وهو الشديد الرقابة على المطبوعات حتى في المنافذ البحرية (لم يسمح بتداول الكتاب الأخضر الليبي وحظر توزيع كتاب الدكتور أسامة الغزالي حرب عن الحزبية الصادر عن سلسلة كتب عالم المعرفة الكويتية). وكان سقوط تشاوشسكو في رومانيا في ديسمبر 1989 نتاجا لذلك التحول الجنيني في الاتحاد السوفييتي الذي عنى أن موسكو لن تكرر تجربة تدخلها عام 1968 في تشيكوسلوفاكيا وخلق لدينا أملا بسقوط أشقائه في منطقتنا. وبصراحة لو لم تنقذ الوحدة "صالح" لكان مصيره كمصير تشاوشسكو مهما تشدق بغير ذلك . جار الله أدرك أن رياح التغيير قادمة لا محالة ونظر إلى المستقبل في إطار وطني عام ولم يقف به الحال عند تبني حل سلطوي. وكغيره لم يولد جارالله ديمقراطيا وكان في البداية ابن بيئته العامة ثم الحزبية. الظروف الموضوعية أنضجت قناعاته ومكنته ملكاته الذاتية وثقافته الموسوعية والتزامه بقضية تطور الوطن وحرية المواطن من استشراف المستقبل. ولا يستطيع أحد المجازفة بالقول إن جارالله كان ديمقراطيا وهو في الثالثة والعشرين من عمره عندما انتخب لعضوية اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الثوري اليمني الذي خلف الفرع اليمني لحركة القوميين العرب.هذا الحزب كغيره من الأحزاب كان يتبنى الديمقراطية وغيرها من الشعارات الشعبوية الجاذبة في بيئة لا تفهم معناها وليس لناسها اهتمام حقيقي بالديمقراطية أو خبرة بها ولم تكن مع فارق طفيف وحتى الآن ثقافة عامة وكانت كشعار الحرية ذات اتجاه وهدف واحد هو السيطرة على السلطة وعدم التخلي عنها. وفي ذروة نضجه لم ير جار الله الديمقراطية بدون أحزاب وتعدد في وجهات النظر ولم يكن ينظر إلى السلطة كغاية وإنما كوسيلة لخدمة الناس ورقيهم وفق برنامج سياسي واقتصادي واضح. جارالله هو من اقترح على الحزب الاشتراكي ترك السلطة عام 1994 والتحول إلى حزب معارض بعد أن بلغ تآمر صالح على الوحدة وخيانته لها وللشعب وللعهود ومحاولاته الانفراد بالسلطة حدا عجز الحزب الاشتراكي عن ثنيه عنه. ولأجلها خاض صالح حرب1994 وأفشل بعدها حكومة فرج بن غانم وقبلها حكومة العطاس وكلاهما كانا على قدر عال من الكفاءة والاقتدار والإخلاص. جار الله لم يكن من معاندي الزمن وكان يدرك ضروراته ومتطلباته وحاجة الناس للتغيير وحقهم الذي لا ينازع في حياة أفضل.
قد يقول قائل ولكن جار الله رفع السلاح ومارس العنف وكان قائد الجبهة الوطنية الديمقراطية التي خاضت كفاحا مسلحا في المناطق الوسطى وشرعب لأكثر من عقد من الزمن. ولهؤلاء يقول جار الله إنه ورفاقه الذين حملوا السلاح في وجه أعداء الجمهورية بعد قيام ثورة سبتمبر وضحوا بدمائهم لكي تنتصر الجمهورية في حرب السبعين لم يرفعوه إلا مضطرين وتطبيقا لمبدأ مشروع ، هو الدفاع عن النفس، بعد أن كان جزاؤهم لدورهم الوطني هو السجن الذي قضى فيه جارالله مع غيره أربع سنوات(1968-1971)والمطاردة والتخوين والتشرد. كحزبي أيقن جارالله أن سلطة 5 نوفمبر 1967 لا تريد التعايش مع جمهوريي التغيير وأن محاربة الحزبية أضحت سياسة رسمية لها وأنها لن تتهاون مع الحزبية والحزبيين وأن مصيرأي حزبي هو واحد من ثلاثة ، السجن، التشرد أو الموت تطبيقا لشعار تخوين الحزبية "سواء ظهرت بقرون الشيطان أو بمسوح الرهبان". وقد مات في السجن وأعدم بدون محاكمة الكثير منهم واختفى قسرا كثيرون وكان لعهد صالح نصيب الأسد في تطبيق سياسة الاغتيال والتغييب والموت في السراديب. لقد وجد لدينا "بيريا" يمني كان همه "تطهير!" اليمن من الحزبيين وكان يقول والبيادات تنشط من الخلف لمن يعذبه هو شخصيا " والله حتى لو تكون أمي حزبية فلن أرحمها". من حكموا بعد 5 نوفمبر 1967 وكتيبة "التمكين" من ورائهم كانوا يعون أن النظام الملكي لم يسقط إلا بالتنظيم سواء كان مدنيا أو عسكريا ولذلك لم يحاربوا الحزبية وحدها بل أرادوا تجريد غيرهم من أي مقوم من مقومات التنظيم والقوة وأغلقوا الأقسام الداخلية لطلاب المدارس التي لم يغلقها الإمام أحمد بعد أول تحد منظم لنظامه قام به طلاب صنعاء وتعز قبيل الثورة،(الإضراب وحصار الطلاب داخل المدارس وتشريدهم وغلق المدارس مؤقتا)،لأنهم لم يكونوا يريدون أن يجتمع اثنان إلا على مائدتهم السياسية ولا يقرأن إلا كتابهم ولايصليان إلا على طريقتهم ولا يسمعان سوى أذانهم .
عن محاربة الشمال للحزبية التي بدأت في عهد السلال عام 1963 قال جار الله"بالرغم من أن السياسة الرسمية للشمال تعلن عداء مطلقا للحزبية وتتذرع بالمادة 37 من الدستور المحرّمة للنشاط الحزبي إلا أن الحكومة تضطر إلى إيجاد مؤسسات بديلة للأحزاب ، فجهاز الأمن يلعب دور التنظيم الحزبي للسلطة ،كما توجد أشكال مموهة أخرى مثل القبيلة، وبدلا من ذلك أليس من الأجدى الاعتراف بالحقائق والعمل بأشكال حديثة للصراع من خلال أحزاب تعمل في العلن". ذكرت هذه الحقيقة ( حقيقة أن المؤتمر الشعبي جهاز استخبارات)للبروفسور مايكل هدسون ولزميله البروفسور روبرت بوروز في يونيو 1990 وقد صعق الاثنان وقال هدسون سأكتب ذلك على مسئوليتك وكان بذلك يريد اختبار مصداقيتي. بوروز كان من المعجبين باليمن ولكنه كتب قبل ثورة الشباب مقالا عن حكامنا اللصوص لعل بعض القراء يتذكرونه. وهنا يستحق الدكتور عبد الكريم الإرياني شكرا خاصا.
في رد لجار الله على من يلومونه باللجوء إلى السلاح كتب ورقة بعنوان "جدلية الوحدة والديمقراطية من يحكم باسم القبيلة أو الطائفة، عليه أن يتوقع ظهور معارضة من نفس النمط". وفي صراع السلطة ضد من أسمتهم بالمخربين( الجبهة الوطنية الديمقراطية) استرزق كثيرون ماليا وعلوا اجتماعيا وبنوا لهم مكانة من العدم وضحكوا على بعض دول الجوار بقولهم إنهم يدافعون عنها من التغلغل الشيوعي وكان صالح على رأس المستفيدين من إزهاق أرواح المدنيين وتدمير المنازل وتشريد المواطنين لأنه كان يرفض إنهاء الصراع بالحوار مع الجبهة الوطنية وحاول اغتيال جارالله ويحيى الشامي وهما في صنعاء لولا أن موقف الرئيس علي ناصر محمد كان حاسما وحال دون تحقيق صالح لمأربه الخبيث. وكيف يغلق صالح بوابة كنز يغرف منه من مالنا ومن مال الغير عشرات الملايين من الدولارات سنويا.
كان جار الله رجل سلام ومصالحة وتغيير وليس كما صوره إعلام صالح (مسمم الآبار، الجنرال الوحشي والجنرال المحنط، عميل المخابرات الامريكية حاليا والسوفيتية سابقا، زارع الألغام والمتفجرات،المنغمس في وحل العمالة والارتزاق وممارسة الشر ضد نفسه ووطنه وشعبه،المتآمر ، فقيه الفتنة الخ...). كل ذلك وغيره وصف به جار الله بعد الوحدة وليس قبلها ولذلك كان اغتياله ضرورة صالحية وزندانية. لقد تنبأ جار الله بثورة الشباب وناضل من أجل أهدافها. في هذا الصدد قال"إن تحولات عميقة يمر بها المجتمع اليمني الآن وإن عوامل الاستقرار تقوى بها ،حيث تتشكل المدن التي تضاعف عدد سكانها وصارت مع الأجهزة الحديثة بمثابة صهر ( لم يكن مصطلح ثورة الاتصالات متداولا على نطاق واسع في منطقتنا) ، تعيد تكوين التقاليد والنفسية الاجتماعية ، وصار المستقبل لهذه التجمعات المستقرة ، خصوصا وأن آلاف الشباب يتخرجون كل عام من المعاهد والجامعات ". لقد سبق جار الله شباب ثورة 11 فبراير المغدورة بسنوات بمطالبته ب"المواطنة المتساوية ودولة المؤسسات وليس دولة العصبيات ومراكز القوى". وهذا هو بعض ما يشغل بعض وليس كل أعضاء مؤتمر الحوار الوطني وتعارضه أقلية لا تعي حتى الآن المتغيرات الجديدة في اليمن ومن ضمنها قبول التنوع وقيام قواه بأدوارها الوطنية في السلطة وإنهاء احتكار امتلاك الثروة والسلاح وإلقاء في البيوت بدون عمل منتج. في إحدى الندوات بلغ إنكار التنوع والحق في الاختلاف بعضو في حزب يميني ديني أن طلب من جار الله أن ينص برنامج الحزب الاشتراكي على الشريعة أي أن يكون نسخة كربونية من حزبه. كان رد جارالله "نحن كحزب سياسي نريد دولة مدنية ليست في تضاد مع الإسلام، ومشكلتنا ليست مع السماء، نحن مشكلتنا في الأرض، قضايا الناس، قضايا الفساد، قضايا بناء الدولة، الديمقراطية وحقوق الإنسان". وأضاف " البعض يقولون لنا خذوا الإسلام مراعاة للجماهير ولكي يكون الحزب الاشتراكي أفضل جماهيريا ونحن نقول لن يضيف الحزب الاشتراكي للوطن شيئا إذا كان إسلاميا ونحن نرفض الدولة الدينية". وقبل الوحدة قال جار الله "إن دستور دولة الوحدة يجب أن يكون مستوعبا وأن ينص بصراحة كاملة على الحقوق الديمقراطية ويعترف بالتعدد ويقر بالمساواة بين الجنسين، وينص على كل ماله صلة بصيانة حقوق الإنسان، وأن يحتوي مضامين الاتفاقيات التي وقعت بين الشطرين ويعكسها بنفس عصري". وأوضح موقفه من الدين والإسلام السياسي بقوله" إن معارضتنا لجماعة الإسلام السياسي المتطرفة لاتعني موقفا من الدين الإسلامي الحنيف الذي ينبغي أن نسمو به فوق مستوى الصراعات الحزبية وعدم استخدامه للوصول إلى السلطة". ومن نافلة القول إنه إذا نصت كل الأحزاب على الشريعة فما حاجتنا للدستور الملزم للجميع الذي يسمو على كل البرامج الحزبية وما هي أهمية الفوارق بين حزب يميني يقدس الأمر الواقع ويخدم مصالح ضيقة وآخر وسطيا وثالث يساريا يجنحان للتغيير الاقتصادي والاجتماعي وليس الحفاظ على مصالح أقلية متنفذة سواء كانت دينية أو اجتماعية. الأحزاب سمتها التنوع الفكري والبرامجي وليس التماهي وأن تكون صورة طبق الأصل لبعضها البعض أو أن تتصارع فيما بينها حول أي منها الأقرب أو الأبعد عن الشريعة بما يقود إلى تكفير وحرب دينية حول من يمثل منها صحيح الإسلام بينما يتوارى الاهتمام عن معالجة قضايا الفقر والبطالة والأمراض والتخلف الضارب بجذوره في أعمق الأعماق. التجربة الحية ليست بعيدة عنا وبيّنة في تكفير إخوان مصر لحلفائهم السابقين من السلفيين بعد تكفيرهم لكل المجتمع . وكعينة توضيحية أذكر ما يقرأ في أكثر من مكان في شوارع القاهرة مثل" . عارف متى تحس أنها حرب ضد الدين، لما يكون عندك دين أصلا).هذا يعني أنت ياللي بابتحسش مثلي ماعندكش دين، أي كافر!. ومع الفارق هذا يذكرني بصالح عندما أراد أن ينتخب الحزب الاشتراكي أمينا عاما له على مزاجه هو واحتج وشن إعلامه حملات على انتخاب الحزب لمن قرر الدموي صالح إعدامهم في المكتب السياسي واللجنة المركزية بإرادة حرة وهم غائبون، ( ال 16).إن هذا الفهم للسياسة جزء من ثقافة شوهاء لدى العسكر واليمين الديني للحزبية لأنهما يستقويان إما بالدين أو بالسلطة وليس بالديمقراطية وما تتطلبه من تنوع وقبول حقيقي بالآخر وبدون تكفير. الزنداني من ناحيته أكمل دور صالح وقال "ينبغي عدم التلاين مع هذا الحزب( الحزب الاشتراكي) والجلوس معه وهو لايزال على كفره" وأيضا" نعوذ بالله من ذلك فلا تقعدوا معهم وهم على كفرهم ، أولوهم غضبا في وجوهكم ،و"لن نقبل أن نكون معهم ولانجالسهم لأن الله يأمرنا بذلك". هكذا استل الزنداني من غرارته أمر إلهي مباشر إليه شخصيا بعدم التحدث أو الجلوس مع أي من أعضاء الحزب الاشتراكي. وعندما نقول إن القاتل والتابع السعواني نهل من ثقافة الزنداني فليس في ذلك مبالغة أو تعد على الحقيقة. ألم يكن رئيس خلية جامعة الإيمان - مسيك وكان بعض أقارب الزنداني معه وموله الزنداني وكان يعرفه حق المعرفة واستقبله في منزله بعدن كما سبق لي القول.
الآن كيف ينقض ويعصي الزنداني كلام الله المرسل إليه في ضوء تجربة اللقاء المشترك حيث يجلس خصومه مع رفاقه ويناضلون من أجل أهداف مشتركة ؟. ألا يدل ذلك على أن الزنداني يوظف الدين لأهدافه السياسية والمالية والتخريبية ؟ أوليست هذه هي التعبئة الخاطئة التي رعاها صالح بعناية مركزة حتى حققت مبتغاها باغتيال شهيد الديمقراطية والوطن جار الله ولم يستح من ذكرها وهو في كامل فرحته في برقية عزائه. الزنداني أحد قياديي مدرسة دولية عابرة للحدود والقارات للكراهية والتكفير والإقصاء .
في مصر قبل ثورة 25 يناير كان يؤمر رفاقه من الأعضاء هناك بعدم السلام على المسيحيين ومضايقتهم في الطرقات وعدم الرد على سلامهم. وما حدث للمسيحيين من مضايقات بعدها كان تطبيقا لهذه التعليمات. وبأمر من المرشد السابق مهدي عاكف منع الأعضاء من السلام على أبو العلاء ماضي رئيس حزب الوسط ورفاقه بعد انشقاقهم عن الإخوان وعدم الرد على سلامهم. وإسلاماه!. وللمقال بقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.