يعيش اليمن اليوم وضعاً معقداً، ويواجه عدة أزمات في آن واحد، فالحل السياسي للأزمة لم يستكمل بعد، والوضع الاقتصادي ما زال بالغ الصعوبة والتعقيد، ويضاف إلى ذلك تحديات الأوضاع الأمنية ممثلة بالإرهاب وعمليات التخريب والتمرد، ومع كل ذلك فإننا نرى بعضاً من أطراف الحل السياسي التي وقعت على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وشاركت في مؤتمر الحوار الوطني، ووقعت على مخرجاته تقف موقف المتفرج من هذه الأزمات، والأسوأ من ذلك أن بعضها حوّلها من قضية وطنية إلى وسيلة للابتزاز السياسي وتحقيق المكاسب على حساب أمن واستقرار اليمن، تاركين لرئيس الجمهورية وحده تحمل مسؤولية المعالجات وكأن الأمر لا يعنيهم لأن همهم ينحصر بالرغبة في الوصول إلى الحكم. في هذه الأوضاع يفترض من القادة السياسيين إنقاذ اليمن من احتمالات الفشل والصراعات، وعدم الاعتماد على وهم خروج اليمن من أزمتها بعون الأصدقاء وحدهم أو بقرارات مجلس الأمن؛ لأن اليمنيين وحدهم هم المسؤولون عن إنقاذ اليمن، ويكفي أن نعرف أن أصدقاء أفغانستان وسوريا وقرارات مجلس الأمن لم توصل هذين البلدين إلى مرحلة الاستقرار والسلام الاجتماعي، كما أن الوعود والنوايا الطيبة التي نسمعها لن تحقق أمل الشعب اليمني؛ لأنها ربما تخفي في جنحاتها أجندات خاصة تُحاك ضد اليمن. ومع الاعتراف بأن الأصدقاء ومجلس الأمن - لا شك - يمثلان عنصرين مساعدين لإخراج اليمن من أزماته إذا ما تفاعل اليمنيون بدورهم في بلورة وتبنّي الحلول والوصول إلى توافقات تحمي مصالح الأطراف، وتحفظ ماء وجوههم، وبما يُجنّب اليمن احتمالات الصراع المسلح، فالمهم في ظل هذه الظروف إدراك اليمنيين بأنهم وحدهم أصحاب الحل والعقد، وهم من سيتحمل نتائج الحسابات الخاطئة، وأن الحلول لمشاكلهم يجب أن تكون محل توافق بين كل الأطراف دون فرض, وعلى مبدأ لا ضرر ولا ضرار، وضمان تحقيق العدالة للجميع في إطار المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني، وتبنى على مصالحة وطنية تطوي صفحة الماضي المفعم بالجراح، وبما يحقق مشاركة الكل في بناء اليمن الجديد. إننا ونحن في انتظار استكمال لجنة صياغة الدستور وضع مسودّته، وبينما نتطلع - جميعاً - إلى دستور تتحقق فيه درجة عالية من الكمال، وتستند إلى توصيات مخرجات الحوار الوطني، إلا أن علينا أن ندرك أن هذا الدستور حتى بعد إقراره بالاستفتاء عليه سيظل حبراً على ورق إذا لم يصبح الأساس لبناء دولة مدنية حديثة، ويكون فيها الدستور والقوانين المرجعية الوحيدة لليمنيين لحل خلافاتهم وبناء دولتهم كما أن هذا الحلم لن يتأتى إلا في ظل دولة مدنية خالية من المليشيات المسلحة وحمل السلاح الذي يجب أن ينحصر حمله بأجهزة الأمن والجيش باعتبارهم المسؤولين عن حماية الوطن، وردع كل من يخرج عن مبادئ الدستور أو القانون، ومواجهة كل من يعمل على زعزعة أمن واستقرار اليمن. في أجواء هذه الخلافات القائمة والعنف وانهيار الثقة بين مكونات العمل السياسي، والتي كانت قد بدأت تتعزز أثناء الحوار الوطني وخطر الصراعات القائمة على القيادات السياسية التداعي لحماية منجزات الحوار الوطني والبناء عليه بتحقيق مصالحة وطنية شاملة تبدأ بإعلان وقف كافة أنواع العنف ووضع حد للخطاب الإعلامي التحريضي المسيء، الذي يهيئ مناخات للعنف والاقتتال وتوجيهها بدلاً من ذلك نحو المصالحة والتهدئة، وبما يؤسس لبناء يمن جديد يؤسس لحرية الفكر والعقيدة والعمل السياسي، ويدين العنف، وينهي وجود المليشيات المسلحة وسياسة الإقصاء، ويضع لبنات بناء الدولة المدنية الحديثة في اليمن من خلال تشاور مكثف بين كافة القوى السياسية، يرعاه فخامة الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي في أجواء بعيدة عن الإثارة الإعلامية، وينطلق من الثوابت الوطنية المبنية على المصالحة، وبدء عهد جديد، ويمكن أن تكون النقاط التالية أو بعضها أساس التشاور للوصول إلى توافق عليها، وهي: 1. اليمن وطن لكل أبنائه، وعلى الجميع المشاركة في بناء دولته الحديثة وفقاً لمخرجات الحوار الوطني الشامل من أجل مستقبل زاهر لأجيالنا القادمة دون إقصاء أو تهميش لأي طرف. 2. وقف أعمال العنف ونزع سلاح المليشيات المسلحة من كافة الأطراف، وعلى الجيش حماية كل الجميع، ومنع تعرضهم لأية ممارسات عنف أو عدوان أو تقطعات للطرق. 3. اعتبار الدين الإسلامي دينًا يوحد الجميع مع حق كل المذاهب في الاجتهاد وحرية العبادة، وإدانة كافة الصراعات المذهبية المسلحة. 4. طي صفحة صراعات الماضي في كافة مراحل الثورة اليمنية من خلال وثيقة مصالحة وطنية تتفق عليها كل الأطراف، وإصدار عفو عام يشمل جميع المراحل مع وضع نهاية للثأرات والانتقام بكافة أشكاله السياسية والقبلية. 5. وضع خطة مزمنة لنزع سلاح المليشيات المسلحة من كافة الأطراف، وبالتزامن مع نشر قوات الأمن والجيش في كافة محافظات الجمهورية. 6. بسط سلطة الدولة في كافة أرجاء اليمن وتمكين قوات الأمن والجيش وكافة مؤسسات الدولة للقيام بمهامها وفقاً للدستور والقانون. 7. الاتفاق على تشكيل لجنة مرجعية تتولى متابعة التنفيذ وحل الخلافات التي قد تطرأ أثناء تنفيذ الاتفاقات، ويكون من بين أعضائها ممثلون للأحزاب السياسية، بالإضافة إلى شخصيات دينية واجتماعية مشهود لها بالحيادية والحكمة. إن اليمن اليوم أمام فرصة تأريخية يجب الحرص على عدم ضياعها، كما لا يجوز لأي طرف أن يتهرب من مسؤوليته أمام الله والشعب اليمني، والعمل بكل ما أوتي من قدرة لتحقيق السلام في اليمن، والسير على طريق بناء اليمن الجديد.. لذلك على الجميع اتخاذ قراراتهم عن قناعة وعن ولاء للوطن وليس نتيجة خوف من تطبيق العقوبات أو الضغوط الداخلية والخارجية والتي لا يمكنها فرض حلولها على اليمنيين، كما أن العقوبات وقطع المعونات لن يكون لهما من أثر على أطراف الصراع إذا - ولا قدّر الله - تفجر الوضع، والذي سيكون المواطن البريء هو المتضرر الأكبر منه.. لذلك فإن حل مشاكل اليمن لن يتحقق إلا من خلال توفر القناعة بين اليمنيين على التصالح والوفاق والاقتناع بأن مصلحة الجميع لن تتحقق إلا في تحقيق الاستقرار لليمن، وفي حماية وحدته وأمنه وسلامه الاجتماعي. لذلك على اليمنيين، الذين دائماً ما اختاروا الحوار وسيلة لحل خلافاتهم، وأصبح جزءًا من تراثهم، وهم الذين عانوا من الثأرات والاقتتال، أن يدركوا اليوم أن الصفح الجميل لأحداث الماضي، على مدى تاريخ الثورة اليمنية، هو البلسم الحقيقي للجراح، وأن التسامح وطيّ صفحة الصراعات سيضع اليمن على عتبة عهد جديد تُبنى فيه دولة المواطنة المتساوية، وتحقق العدالة والمشاركة في الحكم والتوزيع العادل للثروة، وأن هذا الأمر يتطلب نسج علاقات وتحالفات جديدة تُبنى على أساس أيديولوجية فكرية وبرامج سياسية تجمع الفرقاء على طريق البناء وليس الانتقام وتصفية الحسابات القديمة، وتوجّه طاقات الجميع نحو بناء اليمن الجديد. د/ أبو بكر القربي وزير الخارجية السابق