لم تكن ذمار التي تبعد عن العاصمة صنعاء نحو (100 كم من جهة الجنوب), إلى ثلاث سنوات مضت, هدفًا لتمدد تنظيم القاعدة, لكن عدة تحركات كانت كافية بالغرض لوجود موطئ قدم في هذه المحافظة التي عزلت لسنوات كثيرة من أجندة القاعدة. رغم انتماء عدد من أبناء المحافظة للتنظيم, ففي الوقت الذي كان "طارق الذهب" يأخذ البيعة لأيمن الظواهري، زعيم القاعدة والخلف لأسامة بن لادن, في قيادة التنظيم, في بلدة رداع التابعة إداريًّا لمحافظة البيضاء, وتبعد عن مدينة ذمار نحو 30 كيلو من جهة الشرق.. كانت ذمار تشهد انفلاتًا أمنيًّا كبيرًا، وتعاني من ترهل في عمل المؤسسات الحكومية، ولديها قوى قبلية متصارعة تتجاذبها الولاءات الحزبية والمناطقية, دشنت القاعدة نشاطها مع أول أيام عام 2012م, وذلك باغتيال مدير سجن الأمن السياسي بصنعاء "صالح محمد الجبري", عندما باغته مسلحان برصاص من مسدس أحدهما عندما كان يشتري بعض الأدوية من صيدلية وسط مدينة ذمار. وبحسب حديث سابق للصحفي المتخصص في شئون القاعدة "عبدالرزاق الجمل" فإن أي نشاط للقاعدة في أي مكان، خاصة الاغتيالات تتم بتنسيق عالٍ بين أعضاء التنظيم في المدينة وعملية رصد دقيقة للضحية, وهذا دليل على وجود أعضاء في التنظيم في المدينة, مما ساعد على اغتيال الجبري. والجبري، وهو ضابط برتبة مقدم, كان يدير سجن الأمن السياسي بالعاصمة صنعاء, بحسب بيان القاعدة التي أعلنت فيه مسؤوليتها عن الحادث, على يديه عذب الكثير من الإخوة في سجن الأمن السياسي, وعانى من بطشه الكثير ممن وصفهم البيان ب"المجاهدين". اغتيل الرجل الذي تجاوز عقده الرابع, على بُعد مئات الأمتار من معسكر الأمن المركزي، ولاذ المسلحان بالفرار, لكن شهود عيان استطاعوا كتابة رقم السيارة التي تقل الجناة, إلا أن الأمن فشل في القبض عليهما، أو تقفي أثر السيارة. كان الاعتقاد أن القاعدة فقط نفذت تلك العملية في ذمار لضرورة أمنية، فمن غير السهل استهداف الرجل في العاصمة صنعاء, لذا رتب للعملية أن تكون في مدينة ذمار, قد يكون ذلك الاعتقاد جاء بشكل خاطئ، ففي ظهر الخميس 25 أكتوبر 2012م، وقبل يوم واحد من عيد الفطر, لقي ضابطان عسكريان، أحدهما ينتمي للأمن السياسي، مصرعهما في الشارع العام وسط مدينة ذمار, في عملية حملت بصمات القاعدة، لكن القاعدة لم تعلن تبنيها للعملية, فقد رشق مسلح كان يستقل دراجة نارية جسد الضابطين - العقيد عبدالله السعيدي، مساعد مدير أمن محافظة ذمار، والعقيد علي اليمني - أحد ضباط الأمن السياسي بذمار- برصاص من مسدس على مرأى ومسمع المواطنين في الشارع العام، ولاذ بالفرار. اعتقاد الناشط الشبابي "عبدالرحمن قابل" تحركات القاعدة في ذمار لا تزال محدودة, ويرى أن محافظة ذمار صغيرة نسبياً عن بقية المحافظات، وهو ما سيساعد في اكتشاف عناصر هذا التنظيم.. وتابع: ما يحصل من هجمات مسلحة في محافظة ذمار واغتيالات لكبار الضباط العسكريين، والذين كان آخرهم العقيد عبدالله الموشكي، والعقيد علي اليمني، والمقدم عبدالله السعيدي، تأتي هذه المجموعات من خارج ذمار لتنفيذ عمليات في ذمار والفرار. ارتباط وجود القاعدة يرتبط بوجود مناطق لا تُحكِم السلطات السيطرة عليها، وتفتقر إلى الخدمات، وينتشر فيها الفقر, مما يساعد التنظيم على تجنيد عناصر جديدة تدين بالولاء له.. وذمار أرض لا تزال خصبة لانتشار التنظيم، والعوامل المساعدة لانتشاره موجودة بشكل يدعو للقلق. سلسلة البحث عن صيد من رجال الأمن, كان مهمة غير سهلة في مدينة لا تؤمن كثيراً بالفكر القاعدي, لكن الوضع العام كان يوفر الغطاء لفرار أي منفذ عملية اغتيال, فالسلاح منتشر ولم تستطع وحدات الأمن والجيش الحد من انتشاره على اعتبار أن الحضور القبلي في ذمار كبير إلى حد امتزاج القبلية بالسلطة المحلية, ووجود عدد كبير من الدراجات النارية غير المرقمة تسرح وتمرح في المدينة بشكل كبير. القاعدة تعترف بقتل المقدم البعيثي في ذمار رجل الأمن قصير القامة والبسيط في تعامله مع الآخرين كان للتو قد خرج من سوق القات في حي الجمارك، وسط مدينة ذمار, عندما باغتته رصاصة في الرأس في الساعة الثانية مساءً من عصر الخميس 28 أغسطس الفائت. تلك آخر لحظات حياة المقدم فازع إسماعيل البعيثي، والذي يعمل مدير للإعلام والعلاقات العامة في أمن محافظة ذمار.. مؤخراً تم إماطة اللثام عن خلفيات مقتله بعد أسابيع من مقتله في مدينة ذمار على يد مسلحين من أعضاء التنظيم يستقلون دراجة نارية. وقال تنظيم القاعدة - في تسجيل فيديو، بث مؤخراً - "حصاد الجواسيس 2": إن البعيثي يقود إحدى الخلايا الأمنية التي تقوم بتوزيع شرائح إلكترونية تحدد أماكن أعضاء القاعدة ليكونوا أهدافًا لطائرات بدون طيار. في منزله عقد الاجتماع الأخير قبل إشهار رابطة الصحفيين بمحافظة ذمار, واختير ليكون مستشار الرابطة للشؤون الأمنية.. وقبل أسابيع من مقتله, كان يحضر مع أعضاء الرابطة لعمل رحلة سياحية إلى مديرية عتمة - أول محمية طبيعية في اليمن, كانت أغلب تحركاته سيراً على الأقدام، وأعزل من السلاح، تاركاً سلاحه الشخصي "مسدسه" بمنزله. لكن ما يثير الاستغراب حقاً أن مسؤولاً أمنيًّا في ذمار تحدث عن مشاكل أسرية تقف خلف مقتل البعيثي يومها, في مساعٍ لإخفاء ملامح الجريمة, ووفق المسؤول أنه تم القبض على اثنين من المتهمين بقتل البعيثي. طائرة بدون طيار في وصاب: نجاح طائرة بدون طيار من استهداف سيارة تقل قيادي في القاعدة مع ثلاثة من مرافقيه في منطقة وصاب العالي, في منتصف شهر أبريل من العام 2013, في أول عملية استهداف عناصر من تنظيم القاعدة بطائرات بدون طيار في ذمار, منذ إعلان الحرب على الإرهاب.. نجحت تلك الضربة الجوية من قتل حميد ردمان القيادي في القاعدة, ووفق مسؤول أمني في المحافظة "فإن العملية من شأنها أن تكون مقدّمة لمحاصرة أي تمدد لنشاط القاعدة في محافظة ذمار".. ولم يحدد العميد عبدالكريم العديني، مدير أمن المحافظة, في أحاديث صحفية يومها, مقدار الخطر الذي كان يشكله الردمي، لكنه تحدث بشكل مقتضب عن "أنشطة محدودة للقاعدة في منطقة وصاب العالي والسافل". القاعدة تلتفت إلى نشطاء الحوثي انتعشت الخلايا النائمة للتنظيم في عدة مناطق من محافظة ذمار, خاصة بعد انهيار سيطرة القاعدة على معقلها في رداع التابعة لمحافظة البيضاء، وهربت عدة قيادات إلى مناطق بعيدة, لتبدأ معركة القاعدة مع جماعة الحوثي في مدينة ذمار, خاصة التجار المنتمين لجماعة الحوثي من أبناء المدينة لضرب العصب المالي لجماعة الحوثي. اغتيل خالد الوشلي، وهو صاحب سلسلة محال تجارية متخصصة في بيع الأسماك بمدنية ذمار, قبل أيام وسط سوق عنس بمحافظة ذمار، من قبل شخصين كانا يستقلان دراجة نارية وسط السوق, ولاذا بالفرار.. عملية شهدها العشرات من المارة. وفي مساء ذات اليوم استُهدف منزل القيادي في جماعة الحوثي بذمار "عبدالله الوشلي" بعبوة ناسفة. ليأتي بعد هذين الحادثين اغتيال الشاب "هاشم حسن راوية" داخل محل تجاري يمتلكه في حي سوق الربوع، وسط مدنية ذمار.. ضربات موجعه تلقتها الجماعة في ذمار في أقل من أسبوع, ذات السلاح وذات الأدوات, سلاح مسدس ودراجة نارية وملثمين. وكذلك محاولة اغتيال شاب ينتمي إلى جماعة الحوثي في ذمار, من خلال إطلاق الرصاص من مسدس كاتم للصوت عليه أثناء تواجده في محله بحي المديان وسط مدينة ذمار. والتالي وفق الاستراتيجية العسكرية للقاعدة هي تكثيف اغتيال نشاط الحوثيين من التجار ورجال المال في ذمار، والذي تتهمهم القاعدة بالدعم المالي لتحركات الحوثي في البيضاء - أحد أهم معاقل القاعدة في اليمن. واللافت أن القاعدة تنشط في ذمار عبر عناصر من أنصارها من المحافظات المجاورة "البيضاءوإب"، وليس من أبناء المحافظة التي تدّخرهم لأنشطة أخرى, ربما. وكانت القاعدة اعترفت أنها تقف خلف مقتل "الوشلي وراوية" تطلق عبر سرية أطلقت على نفسها "سرية الفاروق" من عناصر القاعدة القادمة من "رداع", فيما يتم استهداف منازل نشطاء في الحركة الحوثية بمدينتي "ذمار ومعبر" بعبوات ناسفة من قِبل "سرية أبي بكر الصديق" القادمة من إب.