منذ ما بعد ثورة 21 سبتمبر والسيطرة على العاصمة والمحافظات اتجه عبدالملك الحوثي إلى جني ثمار الثورة التي قادها بالحصول على المناصب المهمة داخل السلطة عبر سياسة "خُذ وطالب"، ومن خلال التهديد حينًا والمساومة حينًا آخر في مقابل سلطة هشة ورئيس عنده قابلية أن يكون واجهة لحاكم يتوارى خلفه، ولذا فإن السيد حين لا يكون رفضه نهائيًّا لقرار يصدره الرئيس فإنه في العادة يبدي اعتراضه من خلال المكتب السياسي.. كما حصل حين أعلن الأخير رفضه تعيين عدد من الوزراء ببيان رسمي ثم ما لبث بيان كهذا أن تبخر وتم تشكيل الحكومة بعد أن حصل أنصار الله على عدد من الوزراء الموالين ومناصب تنفيذية أخرى، منها قيادة لأمن المركزي، ووكيل الأمن السياسي لشؤون الأمن الداخلي. ومثل ذلك رفضهم لقرار تعيين رئيس هيئة الأركان اللواء حسين خيران إلى حد منعه من دخول مكتبه لينتهي الأمر عقب تعيين نائب أول لرئيس هيئة الأركان. اليوم ومع إحكام الحوثيين سيطرتهم على المحافظات ومختلف الوزارات والمؤسسات الحكومية بدا الاتجاه واضحًا لإحكام القبضة على القرار السياسي الذي سيتحكم بوضع أسس التشريع وصياغة شكل النظام السياسي ومحدداته.. وكانت البداية برفض فيدرالية الأقاليم الستة مع كون ممثل الحوثيين ظل مشاركًا في إعداد مشروع الدستور حتى إعلان الانتهاء منه ليبدي في هذا الوقت موقفه الرافض التوقيع على المسودة النهائية طالما لم يحسم عدد الأقاليم والمعايير التي بني عليها، وهو موقف ظل الحوثي يرفضه، وآخر ذلك في كلمته بذكرى المولد النبوي، ليعاد النقاش إلى مسار الحوار الذي لم يشارك فيه الحوثيون في المؤتمر، وهو ما عاد به مستشارو الرئيس الخمسة حين أعلنوا - في بلاغ - عقب اللقاء اتفاقهم على سرعة تشكيل اللجنة المشتركة المنصوص عليها في البند رقم 16 من اتفاق السلم والشراكة الوطنية ليتم من خلالها متابعة تنفيذ بقية النقاط الواردة فيه ومعالجة أية قضايا مثار خلاف. وفيما تتلاشى حساسية الحوثي من التدخل الخارجي باعتبار أن البند رقم 16 من اتفاق السلم والشراكة الوطنية ينص على أن "تلتزم الأطراف حل أي خلافات حول هذا الاتفاق عبر الحوار المباشر، في إطار مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، والتفاوض من خلال لجنة مشتركة تؤسس بدعم من الأممالمتحدة، وتكون اللجنة المشتركة المنبر المناسب لطرح أية قضايا تتعلق بتفسير هذا الاتفاق وتنفيذه"، ومثّل هذا الاتفاق إعلانًا عن فشل اللقاء الذي كان معولاً أن يتم فيه إقناع زعيم أنصار الله بالتراجع عن موقفه، بمخرج بديل يحفظ ماء وجوه مندوبي الرئيس بالرجوع إلى البند ال16 من اتفاق السلم والشراكة، والذي يلزم بمناقشة كل ما هو مختلف عليه من مخرجات الحوار من قبل اللجنة التي ستشكل من جميع المكونات الموقعة على اتفاق السلم، ويناط بها متابعة تنفيذ ما لم يتم تنفيذه من بنود الاتفاق.. وهو ما يعني أن كثيرًا من المخرجات سيتم النظر فيها؛ كون عددًا منها فرضت من قبل الرئيس، بينما عدد آخر لم يتم التوافق عليها. اللقاء الذي اعتبر تحصيل حاصل وصفه مستشار الرئيس الدكتور عبدالكريم الإرياني بالمثمر.. موضحًا لوكالة "سبأ" عقب عودته : "عقدنا يوم أمس اجتماعًا مطولاً ومثمرًا مع السيد عبدالملك الحوثي، وناقشنا - بالذات - اتفاق السلم والشراكة، وسبل الالتزام بجميع نصوصه وتطبيقه تطبيقًا دقيقًا". مضيفًا: "واتفقنا على سرعة تشكيل اللجنة المشتركة الوارد ذكرها في المادة 16 من الاتفاق من جميع المكونات التي وقعت على اتفاق السلم والشراكة". وأوضح الدكتور الإرياني أن هذه اللجنة ستكون المسؤولة على متابعة تنفيذ ما لم يتم تنفيذه من هذا الاتفاق. وهكذا تم تبسيط، ولا أقول تسطيح، مسألة العودة لمناقشة قضايا رئيسة يمكن أن تأخذ زمنًا طويلاً، وستعيد ما تم فرض الإجماع عليه بالقوة إلى دائرة النقاش والاختلافات مجددًا، وهو بالنتيجة ما سيجمد مسودة الدستور إلى أن يُعاد التوافق على مجمل القضايا الخلافية. وكانت استغربت عضو لجنة الدستور الدكتورة ألفت الدبعي امتناع ممثل الحوثيين في لجنة صياغته عن التوقيع على المسودة الأولية، محملة أنصار الله عدم اكتمال فرحة الفريق المشارك في الصياغة. وقالت الدبعي - في منشور على صفحتها في "فيس بوك": إن ممثل الحوثيين الدكتور عبدالرحمن المختار وحرمانه من حقه التاريخي في هذه اللحظة التاريخية لبناء اليمن الجديد". وأوضحت: أن المختار ساهم بلمساته وجهده طيلة فترة الصياغة على مدى عشرة أشهر، مشيرة إلى امتناع أنصار الله من التوقيع على مخرجات الحوار سابقًا في لحظة تاريخية فارقة في الحوار الوطني. وتساءلت عن تهرّب أنصار الله من المشاركة في هذه اللحظات التاريخية، وهل قرارهم بات داخليًّا؟.. وإذا كان كذلك لِمَ التأخر؟. وتابعت تساؤلاتها: "ما هو السبب لتهربهم في لحظات تاريخية في المشاركة في بناء الدولة الجديدة؟؟. وأشارت إلى أن هذه المواقف تزيد في تأجيج المشاعر السلبية تجاه جماعة الحوثي. يشار إلى أن رفض الحوثي القاطع للتراجع يأتي رغم ما يُقال عن تنسيق لهادي وزعيم أنصار الله بغرض التمديد ثمان سنوات أخرى مقابل اتحاد فيدرالي بسبب تسريبات لوسائل إعلامية محسوبة على الرئيس السابق والمؤتمر.. وكانت نقلت "وكالة خبر" المقربة من الرئيس السابق عن مصدر مقرب من لجنة صياغة الدستور، تضمين مسودة مشروع الدستور الجديد لمواد تنص على إلغاء اليوم الوطني للجمهورية اليمنية (22 مايو ذكرى إعادة تحقيق الوحدة الوطنية). واعتماد يوم الاستفتاء على الدستور الجديد يوماً وطنياً بديلاً عنه. كما تم تغيير اسم الدولة من "الجمهورية اليمنية" إلى "جمهورية اليمن الاتحادية"، لكنها لم تضمن الوثيقة نصاً خاصاً بتحديد "العلَم" كما هو معمول به في الدستور الحالي، وأيضاً في دساتير كل الدول. ومنحت مسألة تحديد نوعه إلى القانون، كما أن مسودة مشروع الدستور شملت موادًا بعمل دستور لكل إقليم، دون أن تحدد عدد الأقاليم.