شارلوت كيندي - ناشيونال إنترست رفضت باكستان بشكل مستغرب الشهر الماضي أن تنضم إلى حليفتها القديمة، المملكة العربية السعودية، في التدخل لمكافحة المتمردين الحوثيين في اليمن. وعندما كانت المملكة تسعى لبناء تحالفها، كان معظم المحللين يعتقدون بأن مشاركة باكستان في هذا التحالف أمر مفروغ منه. وهناك في الواقع أسباب كثيرة لتبني مثل هذا الافتراض؛ حيث قضى رئيس الوزراء الباكستاني، نواز شريف، الكثير من وقته في المنفى في الرياض، وقد يكون مدينًا بحياته السياسية، وحتى بحياته العادية، للدبلوماسية الذكية للعائلة المالكة. وحتى بعيدًا عن هذه العلاقات الشخصية الوثيقة، كانت العلاقة بين السعودية وباكستان جيدة للغاية منذ الستينيات، عندما سعى العاهل السعودي، الملك فيصل، إلى ترسيخ مكانة الدولة الخليجية باعتبارها زعيمة للعالم الإسلامي من خلال جلب باكستان التي أنشئت حديثًا إلى مدارها. ومع نمو الروابط العسكرية بسرعة، قاد الطيارون الباكستانيون الطائرات السعودية في عام 1969 لإحباط عمليات التوغل اليمنية في المملكة. وخلال الحرب الباردة، كانت القوات الباكستانية متمركزة في المملكة للدفاع عن الأراضي السعودية. وفي عام 1991، نشرت باكستان قواتها في المملكة خلال حرب العراق الأولى. وفي الآونة الأخيرة، أعطت المملكة العربية السعودية "قرضًا غير مشروط" لحكومة نواز الجديدة، لتعزيز احتياطياتها من النقد الأجنبي. ولكن، هناك في الوقت نفسه عدة أسباب واضحة لرفض باكستان مساعدة المملكة في اليمن، وقليل من هذه الأسباب يشير إلى وجود تحول جذري في النظرة الاستراتيجية الباكستانية؛ بل في الواقع، تعكس هذه الأسباب استمرارية نهج باكستان في التعامل مع الشرق الأوسط: أولًا: لا يريد الجيش الباكستاني المشاركة بأي قوات في الوقت الذي يحتاج فيه لكل موارده. وببساطة، لا يعد الانجرار إلى صراع قد يكون طويل المدى في اليمن في مصلحة الجيش الباكستاني في الوقت الذي يقوم فيه هذا الجيش بمكافحة التمرد الداخلي الخاص به، ويتم فيه تخفيض عدد القوات في أفغانستان، ولا تزال فيه العلاقات مع الهند متوترة حول كشمير. ثانيًا: على الرغم من علاقاتها الوثيقة مع الرياض، كانت باكستان غالبًا مترددة في التورط في اشتباكات طائفية مدفوعة بأسباب جيوسياسية في الشرق الأوسط. وأثناء الحرب بين العراقوإيران، اتخذت باكستان خطوات لتبقى محايدة، أو على الأقل لتبدو بأنها كذلك. وقد رفضت طلب المملكة العربية السعودية لتوفير قوات للمساعدة في إخماد الانتفاضة الشيعية في البحرين عام 2014. وكدولة نشأت باسم الإسلام، ولكنها مقسمة بشدة على طول الخطوط العرقية واللغوية والقبلية، لم تشهد باكستان نفس المستوى من الانقسامات الطائفية التي شهدتها العديد من الدول العربية؛ ولهذا، هناك معارضة قوية في باكستان لخوض المعارك الطائفية الخاصة بدول أخرى أو التورط في صراعات بعيدة عن جوارها القريب. ثالثًا: إن ما يقدر ب 25٪ من السكان المسلمين في الباكستان هم من الشيعة. وفي حين أن تاريخ العلاقات الطائفية في البلاد كان هادئًا بوجه عام؛ إلا أن هذا الأمر آخذ في التغير. وقد أصبح السكان الشيعة في باكستان هدفًا للمتشددين على نحو متزايد. ووقعت هجمات متكررة ضد السكان الهزارة الشيعة الباكستانيين في إقليم بلوشستان. ويعلم قادة باكستان، وكثير منهم من الشيعة، أن التورط في اليمن قد يؤدي إلى مزيد من العنف بين السنة والشيعة. رابعًا: كانت باكستان دائمًا مترددة في استعداء إيران، وحاولت لفترة طويلة السير على خط رفيع بين الضغوط السعودية والإيرانية. وتشترك باكستان في 565 ميلًا من الحدود مع إيران، وفي حين لم تكن العلاقات عدائية بين الدولتين؛ إلا أنها كانت متوترة دائمًا، ويرجع السبب في ذلك جزئيًا إلى علاقة إسلام آباد الوثيقة مع الرياض. ومع تقدم مفاوضات الاتفاق النووي بين مجموعة P5 + 1 وطهران، ترغب إسلام آباد بالاستفادة من فتح الأبواب أمام الاقتصاد الإيراني، وتدرك أن تورطها في اليمن قد يؤدي لانتكاسة في العلاقات بين الدولتين. وأخيرًا: باكستان لاعب عملي وواقعي في نهاية المطاف. وقد تمتعت باكستان بنشاط دبلوماسي كبير في الأشهر الأخيرة، حيث زارها مسؤولون من إيران وتركيا والصين، وهي تتمتع باهتمام متجدد بعد أن كانت علاقاتها مع الولاياتالمتحدة قد توترت وفقدت زخمها. وفي أواخر الشهر الماضي، أعلن الرئيس شي جين بينغ عن مشروع الممر الاقتصادي بقيمة 46 مليار دولار بين الصينوباكستان، وهناك تقارير تفيد بأن الصين تبحث لتوفير الدعم المالي لبناء الشطر الباكستاني من خط أنابيب الغاز مع إيران. وفي حين لم يتم ربط أي من المبادرتين بالوضع اليمني، استمرت الصين في الضغط من أجل التوصل إلى حل سياسي في اليمن، وقد يشير ذلك على أقل تقدير، إلى أن هناك مكافآت لباكستان لبقائها على الحياد. وفي حين لا يزال المشهد في الشرق الأوسط يزداد تعقيدًا، لا تزال باكستان تلعب اللعبة نفسها إلى حد كبير. إنها تقوم دائمًا بالاستفادة من الفرص لتحقيق مصلحتها الخاصة، وسوف يذهب ولاؤها كالمعتاد لمن يدفع أكثر.