أطلقت المملكة العربية السعودية مبادرة دبلوماسية تجاه جماعة الإخوان المسلمين يبدو أنها تهدف إلى الحد من نفوذ إيران في صفوف بعض فروع المنظمة الإسلامية السنية. ويتبع هذا التحرك السعودي الاتفاق النووي الأخير بين القوى العالمية الست وإيران، ويمثل خروجًا كبيرًا عن السياسة العدوانية التي شهدت تسمية الرياض للمجموعة كمنظمة إرهابية في مارس 2014، ومحاولة استئصالها من منطقة الخليج. وكان أكثر الأمور لفتًا للانتباه هو الزيارة الرسمية التي قام بها زعيم حماس، خالد مشعل، إلى المملكة الأسبوع الماضي. وقد اعتمد فرع الإخوان الفلسطيني لفترة طويلة على رعاية طهران. وقبل ستة أشهر فقط، كانت المملكة العربية السعودية تضغط على جارتها في الخليج، قطر، من أجل إغلاق مكتب مشعل السياسي هناك. وقد زار مشعل مكة، وصلى مع الملك سلمان، وعقد اجتماعات مع وزير الداخلية (محمد بن نايف) ووزير الدفاع (محمد بن سلمان) وهو ابن الملك والنجم السياسي الصاعد، وفقًا لما أكده مسؤولو حماس ووكالة الأنباء السعودية. ولم تكن هذه العلامة الوحيدة على التقارب مع الإخوان. وقد زار كل من راشد الغنوشي، وهو رئيس جماعة تونسية تنتمي للإسلام السياسي، وهمام سعيد من جماعة الإخوان المسلمين الأردنية، وعبد المجيد الزنداني من جماعة الإخوان اليمنية، المملكة مؤخرًا. ويقول المراقبون إن الدلائل تشير إلى وجود "إعادة حسابات" استراتيجية في الرياض. ويقول مصطفى العاني، وهو مدير دراسات الدفاع في مركز الخليج للأبحاث في جدة: "كل هذه الزيارات جزء من استراتيجية كبرى لاحتواء إيران". ويضيف: "الجزء الأول هو إبعاد الإخوان المسلمين عن إيران، والثاني هو استخدام جماعة الإخوان المسلمين لمواجهة النفوذ الإيراني". وقد منع المسؤولون السعوديون الصحافة المحلية من مناقشة هذا الموضوع حتى اليوم، وقال وزير الخارجية عادل الجبير في مؤتمر صحفي إنه لم يكن هناك أي شيء سياسي في الزيارة. ولكن المطلعين على الشأن السعودي يقولون إن الزيارة ميزت "تفاهمًا مهمًا" بين حماس وعائلة آل سعود. وقال مصدر في القصر الملكي غير مصرح له بالتحدث إلى الصحافة: "خلال الزيارة، أكد الوفد تقديره لدعم المملكة العربية السعودية للقضية الفلسطينية، وكذلك لجهودها في استعادة الحكومة الشرعية في اليمن". وأضاف: "قدم الوفد دعمه للجهود المبذولة لمنع الخطط الإيرانية في المنطقة وللحرب ضد التطرف". تحالف قديم على الرغم من العداء الأخير، لدى المملكة العربية السعودية تاريخٌ طويلٌ في استخدام الإخوان ضد منافسيها الإقليميين. وفي الخمسينيات والستينيات، دعمت المملكة الإخوان كوسيلة لإضعاف النظام الجمهوري القومي لمصر جمال عبد الناصر. ورغم أنها محظورة من ممارسة النشاط السياسي في المملكة العربية السعودية، كان أعضاء جماعة الإخوان نشطين في الأوساط الأكاديمية، وكان لهم تأثير كبير في مدارس المملكة الثانوية وجامعاتها. ولكن هذا التحالف كان دائمًا غير مريح. وتعد أيديولوجية الإخوان معادية للملوك (مثل أسرة آل سعود) بقدر ما كانت معادية للقوميين العرب (مثل جمال عبد الناصر). وقد أصبحت العلاقات سيئة بشكل خاص في أعقاب انتفاضات الربيع العربي في عام 2011، التي دُعمت في نهاية المطاف من قبل الإخوان، والتي أرعبت الحكومة السعودية. وفي عام 2014، حظر الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز المجموعة واصفًا إياها بأنها منظمة إرهابية إقليمية، وفعلت دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين الأمر نفسه. وتغاضت الرياض عن إلقاء القبض على قيادات الإخوان من قبل الأردن ومصر، وضغطت على قطر لطرد مشعل في يناير/ كانون الثاني. ولكن صعود الملك سلمان إلى العرش في يناير/ كانون الثاني خلق مناخًا جديدًا للعلاقات بين السعودية والإخوان. وتم طرد الإخوان المسلمين من السلطة في مصر في انقلاب وقع عام 2013. وفي الوقت نفسه، كان النفوذ الإيراني يتوسع في سوريا، وألقى السعوديون باللوم على إيران في اندلاع التمرد الذي يقوده الشيعة ضد وكيلهم في اليمن. ومن ثم جاء الاتفاق النووي، الذي ينبغي أن يترك إيران في وضع أقوى بكثير من حيث قدرتها على مجابهة المنافسة السعودية. وفجأة، بدا الإخوان وكأنهم يشكلون فرصة أكثر مما يشكلون تهديدًا. مصالح متبادلة في اليمن يقول حسن أبو هنية، وهو محلل سياسي يقيم في عمان وخبير في الحركات الإسلامية: "لقد كان الملك سلمان واضحًا منذ البداية فيما يتعلق بأن الحصول على دعم جماعة الإخوان المسلمين وتوجيهها بعيدًا عن نفوذ إيران يشكل أولوية". ويضيف: "الاتفاق النووي الإيراني سرع هذه السياسة". ويعد اليمن من نقاط الاهتمام المشترك بين المملكة العربية السعودية والإخوان. ولدى إخوان اليمن، المعروفون باسم التجمع اليمني للإصلاح، أو الإصلاح، عدة آلاف من المقاتلين ضد الحوثيين، ويلعبون دورًا حاسمًا في المعركة من أجل تعز، ثالث أكبر مدينة في اليمن. وقد كافأت الرياض الإخوان لولائهم. وبعد ساعات من مغادرة مشعل للمملكة، وصل عبد المجيد الزنداني، وهو أحد مؤسسي جماعة الإخوان اليمنية، إلى الرياض، ويقال إنه في مناقشات الآن مع المسؤولين السعوديين والجماعات السياسية اليمنية حول مستقبل اليمن، الذي سيلعب التجمع اليمني للإصلاح دورًا رئيسًا فيه. القتال ضد الدولة الإسلامية وسعت المملكة العربية السعودية أيضًا لمد غصن الزيتون إلى جماعة الإخوان المسلمين الأردنية في سبيل حشد الدعم في المعركة ضد الدولة الإسلامية. وفي زيارة نادرة إلى السعودية هذا الشهر، التقى همام سعيد، وهو القائد العام للإخوان في الأردن، مع وزير الشؤون الإسلامية السعودي (صالح بن عبد العزيز الشيخ)، وورد أن الاثنين ناقشا دعم جماعة الإخوان المسلمين الأردنية للتدخل السعودي في اليمن والحرب ضد داعش. ووفقًا لمقربين من النقاشات، حثت الرياض جماعة الإخوان المسلمين الأردنية على الوقوف وراء الحرب بدعمها السياسي، وحتى اللاهوتي، لاسيما أن الأردن عضو في التحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة ولديه حدود مع مناطق الدولة الإسلامية في شرق سوريا وغرب العراق. وهناك ما يقدر بألفي أردني يقاتلون في صفوف داعش أيضًا. وفي المقابل، وعدت الرياض بأنها ستطلب من الأردن، وهو حليفها منذ فترة طويلة، تخفيف الحملة ضد الحركة؛ وهي الحملة التي تضمنت سحب عمان لرخصة المجموعة ونقل أصولها إلى الإسلاميين الموالين للنظام. ويقول سالم الفلاحات، وهو الزعيم السابق لجماعة الإخوان المسلمين الأردنية: "المملكة العربية السعودية لم تعد ترانا كأعداء، بل كشركاء". ويضيف: "الحرب ضد التطرف، والحرب ضد داعش، هي من المجالات العديدة للتعاون فيما بيننا". حدود التحالف ولكن لمراقبين السعوديين يقولون أيضًا إن هناك حدودًا لهذا التحالف. وعلى الرغم من أن الرياض "مستاءة"، كما يقال، من اعتقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ومحاكمته لقيادات الإخوان؛ إلا أنها لا ترغب في أن ترى عودة الحركة الإسلامية إلى السلطة في مصر. ويقول المراقبون أيضًا إن الرياض وضعت "خطًا أحمر" لنشاط الإخوان في الخليج. ويقول العاني من مركز الخليج للأبحاث: "هناك قاعدة ذهبية واحدة يجب على جماعة الإخوان أن تفهمها، وهي أنه ممنوع أن تقوم بأي نشاط في دول مجلس التعاون الخليجي". ويضيف: "المملكة العربية السعودية سوف تعاملهم كحلفاء في الخارج، ولكنهم سوف يبقون منظمة إرهابية في المملكة العربية السعودية، والإمارات، والبحرين". ويؤكد المسؤولون السعوديون على أن "تحالف المصلحة" اليوم لن يقود إلى نهضة الإخوان غدًا. ويقول المصدر من القصر الملكي: "لمصلحة المملكة، ولمصلحة العالم، نمد يدنا لأي جهة تستطيع وضع حد للتهديد الإيراني". ويضيف: "إننا لا نتعامل مع الإخوان كدولة، ولن نفعل ذلك أبدًا".