في ندوة بعنوان "أنماط الهجرة العالمية وتوفير فرص العمل" في العاصمة السعودية الرياض يوم الثلاثاء قال السيد جيم كليفتون، رئيس منظمة غلوب العالمية، أن أكبر اكتشاف توصلت إليه منظمته، هو أن العالم بأسره يريد "وظيفة جديدة". وأضاف أن القدرة على توفير فرص العمل هي من أهم مزايا القادة السياسيين، والمدراء الناجحين، وأضاف أن النمو غير المخطط الذي حدث في العشر السنوات الأخيرة في الولايات المتحدة، والذي يقدر بحوالي 10 تريليون دولار، كان بفضل ابتكارات، واختراعات المبدعين والموهوبين، الذين لم يتجاوز عددهم 1000 شخصا، من مجموع السكان البالغ 300 مليون، وأن نصف هؤلاء الموهوبين من المهاجرين. 12.5 مليون عاطل عن العمل وكانت منظمة العمل العربية قد حذرت من خطر تزايد هجرة الكوادر العلمية والفنية من البلاد العربية، وتؤكد المنظمة أن 450 ألف مهندس وطبيب وباحث قد هاجروا إلى الدول المتقدمة خلال العقد الماضي، ودعت إلى تبني استراتيجية عربية موحدة لاستيعاب هذا النزيف الخطير. وفي عام 2005 أطلقت منظمة العمل العربية تحذيرا من نوع آخر. إذ يحذر هذه المرة من وجود 16 مليون عامل أجنبي في الدول العربية، وفقا لما صرح به الدكتور إبراهيم قويدر مدير المنظمة، بينما أكدت الدكتورة حنان يوسف، المديرة التنفيذية للمنظمة العربية للتعاون الدولي، أن الاقتصاديات العربية خسرت منذ 11 سبتمبر 2001 حوالي 300 مليار دولار، وهو مبلغ يكفي لتوفير 20 مليون فرصة عمل، كما توقعت أن تصبح المنطقة العربية أسوأ منطقة في العالم على صعيد البطالة مع حلول عام 2025. يبدو الفارق شاسعا بين محاضرة رئيس منظمة غلوب العالمية، وتحذيرات منظمة العمل العربي، فمن ناحية تعاني المنطقة العربية من نزيف حاد في كوادرها العلمية العليا، التي تفضل الهجرة إلى الدول المتقدمة لعدة أسباب، تبدأ من البحث عن فرص أفضل في بلدان تتمتع ببيئة جيدة لاستثمار العقول، وتحفيزها على الابداع، وأحيانا تكون بواعث الهجرة سياسية، ومؤخرا أصبحت الحالة الأمنية وخاصة في العراق أهم حافز على الهجرة، وفي المقابل تعتبر الدول العربية المصدرة للنفط من أكثر الدول جذبا للعمالة الوافدة، في الوقت الذي بدأت تعاني فيه هذه الدول من ظاهرة البطالة بين أبناءها، حيث وصلت في البحرين إلى 6.2 %، وفي الإمارات 2.3 %،، بينما تصل في اليمن إلى 20 %، وفي الجزائر إلى 21 %، وتقدر في كل الدول العربية بحوالي 15.5 %، وإذا علمنا أن قوة العمل العربية تقدر بحوالي 90 مليون، فإن عدد العاطلين يقدر بحوالي 12.5 مليون عامل. 25.5 مليار دولار يحولها الوافدون تبنت دول الخليج في السنوات الأخيرة سياسات جديدة لإحلال العمالة الوطنية بدل العمالة الوافدة، وظهرت مصطلحات جديدة مثل "سعودة"، "كوتتة"، "تمصير"، "تلييب"، و"عمننة"، للتعبير عن هذا التوجه، ولكن حتى الآن لم تنجح هذه الدول في تخفيض أعداد العاطلين، فلا يزال هناك من يفضل العمالة الوافدة، وخاصة الآسيوية لعدة أسباب اهمها تدني أجور العمالة الوافدة، وقد بينت الاعتصمات الأخيرة التي شاهدتها دبي في مجال الانشاءت الظروف السيئة التي يعيش فيها العمال الآسيويون، والتي لن يرضى بها العمال الوطنيون، وحتى العمال العرب الوافدون، كما أن وجود ظاهرة الكفيل في دول الخليج ساهمت في خلق شريحة ترحب بوجود العمال الأجانب، لأن الكفيل في الحقيقة يعيش من جهد هؤلاء، كما أن العائلات الخليجيات يفضلون الشغالات الآسيويات على العربيات لأسباب كثيرة ومعقدة، ولولا نجاح المنظمات المتشددة الإرهابية في استقطاب الشباب، ومعظمهم من العاطلين عن العمل لما تنبهت الحكومات إلى الأخطار المحدقة من تفشي ظاهرة البطالة. تقدر تحويلات العمالة الوافدة في دول الخليج سنويا بحوالي 25.2 مليار دولار، وفقا لتقديرات التقرير الاقتصادي العربي الموحد، وهو مبلغ يفوق ما تحتاجه كل الدول العربية لامتصاص ظاهرة البطالة، والذي يقدر بحوالي 15 مليار دولار سنويا. وبالرغم من الانتقادات الشديدة للدول الخليجية خاصة بسبب معاملتها للعمالة الوافدة، حيث لا يحق للعمال الوافدين التجنس، أو التمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها المواطن، وتصل المعاملة وخاصة للشغالات العاملات في البيوت إلى العبودية السافرة، وأحيانا إلى الاستغلال الجنسي، إلا أن هذه الدول ساعدت الوافدين على تكوين مستقبل أفضل في بلدانها بعد عودتهم إليها، كما شكلت تحويلات الوافدين موردا مهما للعملة الصعبة، ولا يمكن المقارنة بين قدرت الدول الخليجية على احتواء العمالة الأجنبية مع الدول الأوروبية مثلا، حيث تزايد الأحزاب الأوروبية وتتنافس على الحد من الهجرة، بينما يوجد مثلا في هولندا مليون أجنبي يعيشون مع 15 مليون هولندي، في حين تصل نسبة الوافدين في قطر إلى72% من عدد السكان، و 30 % في السعودية، وتتراوح في كل دول الخليج بين 40 و 60 % وهي نسبة كبيرة لا تستطيع أي دولة في العالم، بما في ذلك الاقتصاديات الكبرى من الإقدام على ذلك. الاقتصاد وراء السياسة ويصل عدد الأفارقة فقط في ليبيا إلى حوالي 2 مليون، بينما يتراوح عدد العرب إلى حوالي مليون نسمة، وهذا يعني أن عدد الوافدين إلى ليبيا يصل إلى حوالي 50 % من عدد الليبيين، ولا يمكن المقارنة بين دول الخليج وليبيا، فلا تزال دول الخليج أكثر استقطابا للعمالة الأجنبية، إلا أن إمكانية الهجرة من ليبيا عبر المتوسط حولتها إلى قبلة للراغبين في الهجرة غير الشرعية من العرب والأفارقة، ويبدو أن ليبيا بعد أن سوت كافة ملفاتها الصعبة مع الغرب، وأيضا بسبب تفشي ظاهرة البطالة بين الشباب الليبي، الذي تحول إلى قنبلة موقوتة أصبحت الحكومة تحسب لها ألف حساب، قامت يوم أمس السلطات الليبية بحملة واسعة تستهدف ترحيل جميع المقيمين غير الشرعيين، وأفادت وكالة الأنباء الليبية:" أن عمليات تجميع وترحيل المقيمين الأفارقة غير الشرعيين قد بدأت ولن يتم استثناء احد منهم". ومن بين المستهدفين بالترحيل 650 ألف مصري. بالتأكيد فإن فتح البلاد دون رقيب مضر بها، كما أن طرد العمال بهذه الكيفية غير لائق، ولكن هذا عادة ما يحدث عندما يكون الاقتصاد وراء السياسة، وليس السياسة وراء الاقتصاد. هل تستطيع هذه الدول تطبيق سياسة متوازنة للحد من نزيف كفاءتها؟، وأيضا للحد من العمالة الوافدة على حساب العمالة الوطنية. وزير العمل السعودي الدكتور غازي القصيبي، والذي تحدث بعد محاضرة رئيس منظمة غلوب العالمية، قال تعليقا على شكاوى أصحاب العمال السعوديين الذين يرون أن سياسة وزارة العمل ضد مصلحتهم:" لو أن الأمر بيدي، ولولا أن بلادي تعيش مرحلة تنموية، لقلصت أعداد العمالة الوافدة ل 400 ألف عامل سنويا". بالرغم من أن وزارته سمحت باستقدام 1.750 مليون عامل العام الماضي، وهو رقم يفوق عدد سكان 40 دولة مستقلة على حد قوله. ترى إذا لم يكن الأمر بيد وزارة العمل، فبيد من يا ترى؟ *اذاعة هولندا العالمية