بعد خمس سنوات من شن الحرب الأمريكية على العراق واحتلاله، يبدو جلياً مأزق أولئك الذين هللوا للموجة الديمقراطية التي ستأتي مع الدبابات والطائرات الأمريكية، وروجوا لأكذوبة أن القوة الأمريكية وحدها هي من ينهي استبداد أنظمة عربية. لسنا من المغرمين بالدفاع عن نظام الديكتاتور صدام حسين، لكن علينا التأمل ملياً في ما آل إليه الوضع في العراق، لنجد أنه بات أسوأ بكثير مما كان عليه سابقاً، ولم تعد الموجة المذهبية والطائفية التي أطلقها الاحتلال مقتصرة على العراق وحده، وإنما اجتاحت المنطقة بأسرها وأصبحت كثير من البلدان ذات التركيبة المتعددة عرقياً ومذهبياً معرضة هي الأخرى لمخاطر الانقسام الداخلي. إذا استمرت هذه الموجة فلن تقف عند حدود العراق، وإنما سوف تجتاح دولاً أخرى ليس في المنطقة العربية فقط، وإنما في منطقة الشرق الأوسط كلها. وينأى عن الحقيقة من يريد إقناعنا ب"حسنات" الاحتلال، مستدلاً على ذلك بما ينعته ب"التعددية الحزبية" في العراق، بينما هي لا تعدو كونها تعددية طائفية ومذهبية، تحت واجهات حزبية شديدة الهشاشة، لا بل والزيف، تقوم بإعادة إنتاج المحتوى المذهبي والطائفي والعرقي. الديمقراطية ليست انتخابات تدفع برموز وممثلي الطوائف والمذاهب إلى صدارة المشهد السياسي، وإنما هي، في العمق، إصلاحات تطال البنى الاجتماعية التقليدية برؤية موجهة نحو الحداثة والمستقبل، وهو ما بات العراق أبعد عنه من أي وقتٍ مضى في تاريخه الحديث منذ قيام الكيان الوطني العراقي. إن ما هدف إليه الغزاة الأمريكان من وراء احتلالهم للعراق واضح في حل الجيش العراقي وتسليم البلد للميليشيات الطائفية بتجلياتها المختلفة، وتفكيك الدولة العراقية والسيطرة على منابع النفط، وعلينا الآن رصد نتائج وتداعيات ذلك على مصير دول أخرى في المنطقة. أما شعار الولايات المتحدة بشأن جعل العراق مدخلاً لنشر الديمقراطية في المنطقة، فلم يكن سوى أكذوبة كشفت عنها التجربة، فمجمل النهج الأمريكي الحالي في المنطقة يشير إلى عدم جدية واشنطن في تحقيق أية إصلاحات جدية. أسس الاحتلال لخارطة إقليمية جديدة، أبعدت العراق كقوة مشهود لها من التأثير الفعال، وأدت إلى إعطاء عناصر قوة لقوى إقليمية أخرى في توازنٍ جديدٍ للقوى محمل بالمخاطر الكبيرة على أمن المنطقة وسلامة شعوبها، وفتح باب المجهول المخيف على مصراعيه. (الخليج)