لا يكاد يمر يوم علينا نحن العرب إلا ودمنا يسيل بحق وبدونه، لدرجة أننا صرنا نتعامل مع القتل كحدث يومي، بل وصرنا نتعايش مع الأمر وكأنه قدرنا الذي يلازمنا باستمرار، دون أن يكون لدينا القدرة على ردعه أو حتى التمرد عليه. قبل يومين سال الدم في ساعة واحدة في كل من سيئون في حضرموت وغزة في فلسطين وطرابلس في لبنان بدون سبب وجيه، لم يكن القتلى والجرحى الأبرياء في جبهة قتال ضد إسرائيل، ولم يكونوا يحاربون عدواً جاءهم غازياً أو محتلاً، كما هو الحال في العراق وأفغانستان، بل كانوا منا، من هذه الأرض التي أنجبت الرسل والأنبياء والصحابة. والأمر نفسه ينطبق على أراض عربية أخرى، ليس أولها الجزائر ولا آخرها الصومال، فالدم يسيل هنا وهناك من دون أن نكف عن قتل بعضنا بعضاً وكأننا نشرب ماءً لا نسفك دماءً. لا أدري لماذا نقتل بعضنا بعضا بمثل هذه الخفة واللامبالاة، بل وبمثل هذا الحقد الذي يميز أفعالنا وانفعالاتنا، وكأن القتل صار موروثاً عربياً بامتياز، وكأن العرب لا يفقهون في شيء أكثر من فقههم في أمور القتل والتناحر فيما بينهم البين! بالأمس هوجم معسكر تابع للجيش في سيئون بمحافظة حضرموت، وقتل وجرح فيه العشرات، ولم نعرف سبباً دعا المهاجم الذي نفذ العملية ومن يقف وراءه إلى القيام بمثل هذا العمل، الذي أزهق أرواحاً بريئة، فالمهاجم ومن يقف وراءه يعون تماماً أن هؤلاء الجنود الذين قتل أحدهم وجرح البعض الآخر يدفعون من راحتهم الكثير لنعيش نحن في أمان، فلماذا نأتي إلى ديارهم لنقتلهم؟، ولنفترض أن للبعض حسابات من أي نوع كانت مع السلطة؛ فما ذنب الجنود والأبرياء الآخرين حتى يقتلوا وتيتم أسرهم؟ ما ذنب المواطنين الذين دمرت ممتلكاتهم في هذا الهجوم وروعوا في أمنهم عندما استيقظوا على أصوات الانفجار والقتل والدمار والتخريب الذي طال كل شيء، وما ذنب البلد كلها وهي تدفع ثمن نزوات بعضنا في القتل والتدمير والسلب والنهب؟ لا أفهم موقف بعض الجهات التي لا تزال صامتة حتى الآن حيال ما يجري، العلماء منهم والأحزاب، إذ لا تكفي بيانات التنديد والشجب والاستنكار التي تصدر عقب كل عملية من هذه العمليات، بل الأهم هو أن نتحرك جميعاً للجم هذا العنف الذي صار يأكل حياتنا ويهدد مستقبل أجيالنا. نرغب في أن يتحرك العلماء الأفاضل ممن لهم باع طويل في أمور الدين ليبينوا للناس مخاطر القتل المجاني الذي يرتكبه براميل البارود من الشباب الجاهل بدينه، الطامع في دخول الجنة من دون أن يعلم أن ما يرتكبه يقوده إلى النار لا إلى الجنة، يقوده إلى ارتكاب المعاصي وليس لمحاربة الرذيلة وتحقيق الفضيلة. إن الجهود يجب أن تذهب إلى هذا الطريق، وليس إلى الطريق الذي نسلكه اليوم من خلال تصفية بعضنا بعضاً، إذ أن حفظ دماء الناس وأرواحهم من خلال منع براميل البارود البشرية من قتل الأبرياء واجب مقدس ينبغي على الجميع التعاطي معه بصدق ووضوح، وبدون الالتفات إلى مكاسب الربح والخسارة السياسية. المصدر :السياسية اليمنية