مازالت الأزمة المالية العالمية في بؤرة اهتمام الإعلام الدولي، وبدا أنه ما من دولة في العالم محصنة من تداعياتها، وأن السيطرة عليها ستأخذ وقتاً طويلاً، تحليلات الخبراء تفيد أن من حلول حتى الآن من ضخ أموال وتأميمات من قبل الدول الرأسمالية الكبرى ليس سوى مسكنات، فهذا مدير عام صندوق النقد الدولي دومنيك ستراوس يحذر من «أن أسوأ مراحل الأزمة المالية لم يأت بعد وأن المزيد من المؤسسات المالية ستواجه متاعب في الشهور المقبلة، فجذر الأزمة وإن تم تجاوزها فإنه سيبقى أمامها العواقب الوخيمة». غير أن هناك تساؤلاً يتردد في تحليلات كثير من الخبراء: هل الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة الأزمة ومصدرتها من الغباء بحيث لم تتنبه لمخاطر المضاربات والقروض التي تمت بصورة منفلتة؟ أم أن ما حدث كان مخططاً له منذ أحداث سبتمبر 2001م حتى تفجر الأزمة الحالية مروراً بحروبها الخارجية؟ تفيد التقارير المعلنة أن الخسائر العالمية الناجمة عن هذه الأزمة بلغت نحو 19 تريليون دولار في قطاعات الأسهم والعقارات والسندات، أما خسارات المستثمرين من الأجانب في البنوك الامريكية فهي كبيرة حيث خسرت اليابان نحو 800 مليار دولار وبلغت خسارة الصين نحو 400 مليار دولار، بعض التحليلات تذهب الى أن ما جرى ويجرى إنما هو نتاج مخطط أمريكي، نتائجه ستجدد حيوية الدور الاقتصادي والسياسي الأمريكي على حساب تدمير اقتصادات العالم الخارجي، وثمة من يذهب الى أن الرأسمالية المتوحشة هي سبب هذه الازمة التي تعصف باقتصادات العالم وأن اقتصادات السوق قد ضلت طريقها ولا بد من تدخل الحكومات إلى إعادة السوق الى مسارها غير المنحرف، لكن ما يراه بعض الخبراء في أن الرأسمالية قادرة على إعادة إنتاج نفسها وتصحيح مسارها ينفيه آخرون الذين يذهبون الى أن حقبة تاريخية قد انتهت وأنه لا بد من نظام اقتصادي ومالي عالمي جديد، ملامحه بدأت بتدخل الدولة في عقر دار الرأسمالية أمريكا وأوروبا. إعادة الاعتبار للدولة ودورها في الاقتصاد والتنمية بعد أن حاولت العولمة المتوحشة نفيه هو ما يتوقع أن يسود عالمياً، أو على الأقل في الدول النامية فقد راج منذ العقد الماضي الاتجاه العولمي أن تتنحى الدول عن وظائفها في الاقتصاد والتنمية، وترك الامور لاقتصاد السوق وخصخصة قطاعها العام. وكما كانت اليمن كسائر بلاد العالم ليست بمنأى عن تأثيرات العولمة، فإنها أيضاً لن تكون بمنأى عن تداعيات الأزمة المالية العالمية سواءً ما يتعلق بالاستثمارات الأجنبية أو المساعدات أو ما سيلحق السلع من أسعار. غير أن مشروع تحديد وظيفة الدولة الذي لا يزال منذ بضع سنوات تحت الدراسة تفرض المتغيرات أن يظل قيد الدراسة باتجاه استيعاب الواقع الاقتصادي والاجتماعي اليمني والمتغيرات العالمية الجارية، وإذا كنا نأسف على بعض ماتم خصخصته كصوامع الغلال، فنحمد الله على ما نجى من الخصخصة كمصانع الغزل والنسيج والمصافي وإن كنا لا نزال نأمل بإرادة تعيد تأهيل وهيكلة القطاع العام وفي الوقت نفسه خلق البيئة المواتية لنمو القطاع الخاص الإنتاجي.