الإخواني أمجد خالد وعصابته.. 7 عمليات إرهابية تقود إلى الإعدام    وهن "المجلس" هو المعضلة    سفير مصري: حزب الله يستعد للحرب الشاملة مع إسرائيل هذه الأيام    جماهير الهلال في عيد... فريقها يُحقق إنجازًا تاريخيًا جديدًا!    انقلاب وشيك على الشرعية والرئاسي.. المجلس الانتقالي الجنوبي يتوعد بطرد الحكومة من عدن وإعلان الحكم الذاتي!    نقابة الصحفيين تستنكر الحكم الجائر بحق الصحفي أحمد ماهر وتطالب بإلغائه    في اليوم 235 لحرب الإبادة على غزة.. 36096 شهيدا و 81136 جريحا وعدة مجازر في رفح خلال 48 ساعة    "طوفان زارة"....جماعة إرهابية جديدة تثير الرعب جنوب اليمن و الأجهزة الأمنية تتدخل    فعلها في العام 2019...ناشطون بالانتقالي يدعون الزبيدي "لإعلان عودة الإدارة الذاتية"    انفجار عنيف يهز محافظة تعز والكشف عن سببه    سانشيز افضل مدرب في الليغا موسم 2023-2024    غوندوغان سيتولى شارة قيادة المانيا بلون العلم الوطني    لامين يامال افضل لاعب شاب في الليغا    دموع أم فتاة عدنية تجف بعد عامين: القبض على قاتل ابنتها!    برعاية السلطة المحلية.. ندوة نقاشية في تعز غدًا لمراجعة تاريخ الوحدة اليمنية واستشراف مستقبلها    منتدى حواري في مأرب يناقش غياب دور المرأة في العملية السياسية    جزءٌ من الوحدة، وجزءٌ من الإنفصال    غوتيريش يدين بشدة هجوم إسرائيل على مخيم للنازحين في رفح    بالإجماع... الموافقة على إقامة دورة الألعاب الأولمبية لفئة الشباب لدول غرب آسيا في العراق    ضربة معلم تكسر عظم جماعة الحوثي وتجعلها تصرخ وتستغيث بالسعودية    استمرار النشاط الإيصالي التكاملي الثاني ونزول فريق إشرافي لأبين لتفقد سير العمل للفرق الميدانية    خبر صادم: خروج ثلاث محطات كهرباء عن الخدمة في العاصمة عدن    الرئيس الزُبيدي: تدهور الأوضاع يحتّم على الانتقالي مراجعة قراراته    استشهاد طفل وإصابة والده بقصف حوثي شمالي الضالع    الهلال السعودي ينهي الموسم دون هزيمة وهبوط أبها والطائي بجانب الحزم    ارتفاع أسعار النفط وسط ترقب المستثمرين لبيانات التضخم واجتماع أوبك+    تدشين مشروع توزيع "19"ماكينة خياطة على الأرامل في ردفان    مجلس الوزراء السعودي يجدد رفضه القاطع لمواصلة انتهاكات الاحتلال للقرارات الدولية    الحكومة اليمنية تبحث مع سويسرا استرداد عرشين أثريين    فلكي يمني يحدد موعد أول أيام عيد الأضحى المبارك وبداية أيام العشر    الوحدة التنفيذية : 4500 شخص نزحوا من منازلهم خلال الربع الأول من العام الجاري    الزُبيدي يؤكد على أهمية المخيمات الصيفية لخلق جيل مناهض للفكر الحوثي    بعد تجريف الوسط الأكاديمي.... انتزِعوا لنا الجامعات من بلعوم السلفيات    وزير الإعلام: مليشيا الحوثي تواصل استغلال مأساة المخفيين قسراً للمزايدة السياسية    انعقاد جلسة مباحثات يمنية - صينية لبحث مجالات التعاون بين البلدين وسبل تعزيزها    انطلاق أولى رحلات الحج عبر مطار صنعاء.. والإعلان عن طريقة الحصول على تذاكر السفر    شاهد .. وزير الزراعة الحوثي يعترف بمجلس النواب بإدخال الحوثيين للمبيدات الإسرائيلية المحظورة (فيديو)    استعدادات الأمة الإسلامية للعشر الأوائل من ذي الحجة وفضل الأعمال فيها    أكاديمي سعودي: التطبيع المجاني ل7 دول عربية مع إسرائيل جعلها تتفرعن    برشلونة تودع تشافي: أسطورةٌ تبحث عن تحديات جديدة وآفاقٍ أوسع    الإعلان عن تسعيرة جديدة للبنزين في عدن(السعر الجديد)    العكفة.. زنوج المنزل    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    استشهاد جندي مصري في الحدود مع غزة والقاهرة تحذر من المساس بأمنها    تدشين دورة إدارة البحوث والتطوير لموظفي وموظفات «كاك بنك»    8200 يمني سيغادرن من مطار صنعاء الى الأرضي السعودية فجر غدا الثلاثاء أقرأ السبب    مغادرة أول دفعة من الحجاج جواً عبر مطار عدن الدولي    سلطان العرادة وشركة غاز صافر يعرقلون أكبر مشروع لخزن الغاز في ساحل حضرموت    دعم سعودي جديد لليمن ب9.5 مليون دولار    - 45أعلاميا وصحفيا يعقدون شراكة مع مصلحة الجمارك ليكشفون للشعب الحقيقة ؟كأول مبادرة تنفرد بها من بين المؤسسات الحكومية منذ2015 فماذا قال مرغم ورئيس التحرير؟ اقرا التفاصيل ؟    الثاني خلال أسبوع.. وفاة مواطن نتيجة خطأ طبي خلال عملية جراحية في أحد مستشفيات إب    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    عالم يمني يبهر العالم و يكشف عن أول نظام لزراعة الرأس - فيديو    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    وهم القوة وسراب البقاء    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاعلية الآليات المدنية في حل النزاعات
نشر في الوطن يوم 26 - 12 - 2008

عنوان هذه الورقة هو اختصار للعنوان المقترح من قبل المركز اليمني للحقوق المدنية وقد كان المقترح عبارة عن تساؤلات عن مدى فاعلية الآليات المدنية في العملية الانتخابية وهل تطورت هذه الآليات مراعية لظروف الواقع وتغيراته؟ وذلك للمشاركة في ندوة (إدارة العملية الانتخابية ومستقبل الديمقراطية) الذي يمثل انعقادها تدشيناً لمشروع (تعزيز القيم المدنية الديمقراطية في العمليات الانتخابية)، على خلفية أن الندوة - كما جاء في المذكرة التي تلقيناها من المركز - تقف على جميع الممارسات غير المدنية، وغير الدستورية وغير الديمقراطية وغير القانونية التي تدفع بالعملية الانتخابية إلى التوتر والفوضى وإحداث الشغب والعنف والإرهاب والتي كانت سبب عزوف الكثير من الناخبين عن المشاركة بالعملية الانتخابية، وعدم تقديم البدائل التي يفترض أن تقدم من قبل الأحزاب للحفاظ على التجربة، ساهم في تكرار الأخطاء وعدم حدوث تراكم يمكن الاستفادة منه مستقبلاً، ليسود الهدوء والطمأنينة والحب والمشاركة والتنمية، بدلاً من العنف والكره والكذب والتزوير والإلغاء للآخر).
لقد اضطررت لسرد ما جاء في المذكرة التي تلقيتها من المركز اليمني للحقوق المدنية من مضمون العنوان المقترح إلى الفرضيات التي تقف عليها الندوة. كخلقية مرجعية للأوراق التي ستقدم إليها ومنها ورقتنا، لأبين أولاً مدى الصعوبات التي تواجهنا في تناول موضوع الورقة وهو فاعلية الآليات المدنية في واقع انتخابي كما وصفته مذكرة المركز، ذلك الوصف الذي يعكس، أيضاً، صعوبات ومشكلات التعامل مع مفاهيم الديمقراطية، المجتمع المدني، والقيم المدنية، الآليات المدنية، على المستويين النظري والتطبيقي في الواقع اليمني. لذلك ستتناول هذه الورقة مدى فاعلية الآليات المدنية على خلفية المعوقات التي تعترض العمل المدني في المجتمع اليمني.
معوقات العمل المدني:-
أولاً: ضعف التأصيل النظري لمفهوم المجتمع المدني بأسس وتكويناته وآلياته، لأنه من المفاهيم الوافدة حديثة التداول في الثقافة العربية منذُ بداية العقد الأخير من القرن الماضي بما شابه من صعوبة في تحديده بسبب التعدد في تعريفاته الاصطلاحية وتباين استخداماته الدلالية وفقاً لاختلاف المرجعيات الفكرية والإيديولوجية، حيث لا يوجد تعريف جامع مانع ولا يوجد توصيف شامل لأسسه ومكوناته وآلياته وأهدافه متفق عليها كلية، وما زال الجدل مستمراً في الساحة العربية حول مفهوم المجتمع المدني، ويعود جزء من أسباب الاختلاف حول تحديد مقاييس مشتركة لضبط المفهوم إلى حالة المخاض التي لا يزال يمر بها المجتمع المدني العربي في سياق التحولات المتسارعة والمستمرة، ولكن رغم ذلك الخلاف هناك اتفاق حول اعتبار المنظمات غير الحكومية بمثابة العمود الفقري للمجتمع المدني، وإن كان الخلاف يبقى أساساً حول مدى اعتبار الأحزاب السياسية جزء من المجتمع المدني أو خارجة عنه؟ وكذلك القطاع الخاص يعتبره الكثيرون مستقلاً عن المجتمع المدني، بحكم طابعة المصلحي، دون أن يشكل بالضرورة طرفاً مقابلاً له، وهل اتحادات الغرف التجارية من الاتحادات المهنية التي تعتبر جزء لا يتجزأ من الكتل الأساسية التي يتشكل منها المجتمع المدني؟
ويعتبر البعض المجتمع الأهلي، وعلى وجه الخصوص القبيلة من صلب المجتمع المدني، استناداً إلى أن المجتمع المدني هو: (كل مؤسسة تنشأ بشكل طوعي، وتعمل بشكل مؤسسي، وتختار هيئاتها وقياداتها بشكل ديمقراطي، وتعمل على تحقيق أهدافها بمشاركة فاعلة وبوسائل سلمية وديمقراطية، وتعمل في إطار أنظمة وقواعد ومبادئ متفق عليها من قبل المنتمين إليها).
ويرى هؤلاء أن القبيلة في المجتمع اليمني ينطبق عليها هذا التعريف وتعتبر جزء من المجتمع المدني لأنها تتضمن العناصر الجوهرية لفكرة المجتمع المدني وهي: الطوعية والمؤسسية، والغاية والدور.
- فالقبيلة مؤسسة اجتماعية طوعية أنشأها مجموعة من البشر يعيشون في مكان محدد، يهدف تنظيم أحوال أفرادها وحل مشاكلهم والدفاع عنهم وعن مصالحهم، وتنسيق التعاون فيما بينهم.
- في أعراف القبيلة وتقاليدها أن قياداتها يتم اختيارهم بشكل ديمقراطي.
- للقبيلة أعراف وتقاليد متفق عليها، يحتكم إليها أفراد القبيلة، مثلها مثل النظام الأساسي لأي مؤسسة مدنية.
- القبيلة لا تقوم على الدم، ولا تقوم القبيلة أيضاً على الطائفة، ولا تقوم على الدين ولا ترتكز على المهنة، فالمؤسسة القبلية تجمع مدني يقوم على أساس جغرافي مكاني مثلها مثل مؤسسات الحكم المحلي.
- تتعدد وسائل القبيلة في تحقيق أهدافها، فقد تستخدم الحوار والتحكيم والوسائل السلمية، وقد تلجأ إلى السلام وهذا ما قد يميزها عن المجتمع المدني مع مراعاة أن الأحزاب السياسية والتجمعات المدنية والطائفية قد تلجأ إلى السلاح. بالمقابل هناك رأي غالب في أوساط الباحثين والأكاديميين يستبعد القبيلة من قوام المجتمع المدني، ويجعلها في مقدمة الأسباب التي تعوق تطور المجتمع المدني وبناء الدولة الحديثة لأنهما قائمان على مفهوم المواطنة بينما القبيلة مؤسسة اجتماعية ما دون وطنية وتقوم على العصبية، وهي مصدر من مصادر العنف أثناء العملية الانتخابية، فالمجتمع المدني مجتمع نقيض للمجتمع القبلي والمجتمع الديني والمجتمع العسكري.
ثانياً: يمر المجتمع اليمني بمرحلة انتقالية تتسم بالتداخل بين الصور الحديثة للمؤسسات المدنية والأشكال التقليدية، ويرجع ذلك إلى غلبة التكوينات القبلية التقليدية ومنظومة القيم المرتبطة بها، علاوة على أن التطور الاقتصادي الاجتماعي السياسي ما يزال ضعيفاً ولم يتمكن من تهميش المؤسسات العصبوية وتراثها القيمي، وعليه فقد ظهرت كثير من مؤسسات المجتمع المدني كالجمعيات الخيرية تمارس عملها وفقاً للمنظور التراثي الذي يرى في الفئات الاجتماعية المستحقة للمساعدة فئات ضعيفة بدلاً من وضع هذه الفئات الاجتماعية موضع الاستحقاق وإعطائها فرص المشاركة باعتبارهم فاعلين اجتماعيين.
ويظهر هذا التداخل كذلك في عمل الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية الأخرى انطلاقاً من الضعف المؤسسي القانوني لهذه المؤسسات الذي من شأنه إتاحة الفرصة للأشكال التقليدية وآلياتها الثقافية بأن تبرز أكثر فاعلية من المؤسسات الحديثة خاصة فيما يتعلق بحماية أعضائها وتقديم الخدمات الاجتماعية الاقتصادية وإحساس العضو أنه موضع الرعاية والاهتمام، الأمر الذي يفتقد في المؤسسات الحديثة كالأحزاب التي يسيطر عليها النمط الشكلي والنخبوي والانفصال بين القيادة والقواعد وبعض الأحزاب تهتم باستقطاب القبيلة من أجل دعم موقف الحزب وبطريقة تجعل منها قوة فاعلة داخل التنظيمات الحزبية الحديثة.
إن مبرر الرجوع إلى النمط السائد من منظومات الفكر التقليدي هو امتداده في بنية المجتمع المدني العربي المعاصر، وتدخله في النقاش الدائر حول المشروع الديمقراطي، وحضور الفكر التقليدي، بمعنى التأثير ورسم الحدود في صياغة آراء ومواقف النخب السائدة.
والعلاقة بين النمطين التقليدي والحديث أو بعض مكوناتهما تأخذ شكل التعايش في بعض الحالات والتوتر والصراع في حالات أخرى، وبعضها بؤر للانفجار أو قابلة للتفجير في حالات ثالثة، وقد شاركت التجمعات القبلية في اليمن في صياغة الآراء والمواقف، مثل مؤتمر التلاحم الذي ضم عدد من القبائل، وأصدر في ختام أعماله بياناَ تضمن العديد من المطالب المدنية مثل (استقلال القضاء – حرية الصحافة – قيام انتخابات حرة – حلول سلمية للنزاعات القبلية، ومثله أيضاً مؤتمر التضامن عام 1992م، وكذلك مؤتمر سبأ في نفس العام خرج بجملة من التوصيات حول الانتخابات، والفساد ومعالجة النزاعات القبلية، لكن هذه المؤتمرات عقدت في مناخ تصادمي، حيث كان بعضها رداً على تحركات البعض الآخر فقد لجأ كل من المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي إلى استقطاب التجمعات القبلية.
ولعل ما حدث في العراق والصومال بعد انهيار الدولة يعزز مبرر الرجوع إلى البنى التقليدية لدى من يرون بأن القبيلة في اليمن لا تزال في هذه المرحلة تلعب دوراً مهماً في التوازن بين السلطة والمجتمع، وإذا ما انهارت القبيلة - وقبل استكمال بناء المؤسسات المدنية الحديثة – فإن انهيارها سوف يصب في صالح المؤسسة العسكرية المجندة لصالح الأنظمة الاستبدادية. وبالعودة إلى التاريخ فقد لعبت القبيلة – برأيهم – دوراً هاماً في حياة المجتمع اليمني وبشكل خاص عند انهيار سلطة الدولة، أو في مواجهة الغزو الخارجي، أو في تماسك ِأفراد المجتمع. لقد قامت القبيلة عند انهيار السلطة المركزية بحماية الطرقات، وتهجير المدن والأسواق والتزمت بالدفاع عن كل من لا يحمل السلاح كالمرأة، والفقهاء ورجال الدين، وأصحاب المهن، والأقلية غير المسلمة.
ثالثاً: يرتبط دور المجتمع المدني وفاعلية الآليات المدنية في حل النزاعات والتعامل مع الأحداث أثناء العملية الانتخابية، بعلاقة هذا المجتمع وآلياته، وبالدرجة الأولى بدور الانتخابات نفسها بطبيعة نشأة المجتمع المدني ودوره في المشروع الديمقراطي.
فالمجتمع المدني نشأ في فضاء إقصائي متبادل، ولم يتطور كفضاء للحريات إلا في حدود بسيطة. كما أن دور المجتمع المدني في المشروع الديمقراطي ضعيف بقدر ضعف هذا المشروع كمطلب اجتماعي. إذ ما يزال المشروع مقيد بظروف نشأته مع قيام الوحدة اليمنية، حيث أن قرار توحيد اليمن – كما يقول أحد الباحثين – تطلب ليبرالية سياسية لأسباب براجماتية، وإذا كان التحول إعادة توزيع القوة بحيث تتنازل الدولة عن مساحة هيمنتها لحساب المجتمع المدني، فإن الحزبين الحاكمين بعد الوحدة، لم يتنازلا عن مجالات نفوذهما لحساب المجتمع المدني، وإنما حاول كل قطب جذب أكبر قدر ممكن من القوى الاجتماعية السياسية لتدور في فلكه، كما أتبعت سياسة تجاه الأحزاب أو مؤسسات المجتمع المدني تقوم على الاحتواء والتفريخ وما تزال عملية الاستقطاب والاحتواء قائمة، وتشكل في طبيعتها الحالية مصدراً من مصادر العنف المعنوي والمادي في العملية الانتخابية.
رابعاً: إن ضعف مؤسسات المجتمع المدني العربي لا يعود فقط إلى مركزية السلطة السياسية ونزوعها إلى الهيمنة أو تتعلق بظروف نشأة المجتمعات المدنية وإنما لهذا الضعف أسباب أخرى، يخص منظمات المجتمع المدني من حيث فقدانها للعمل المؤسساتي، وغياب الشفافية المالية والإدارية وضعف الممارسة الديمقراطية، كما أن التمويل الخارجي شجع الظهور المفاجئ والفوضوي لمنظمات عدة، وهناك مشكلات تقنية، خبرة قياداتها ونشاطاتها التقنية والمهارية ضعيفة، ولا تتمتع بالحد الأدنى من الخبرة في مجال بناء الكفاءات الجديدة القادرة على تحديد أهداف المجتمع المدني وأولوياته، وخططه العملية، كما أن تجارب منظمات المجتمع المدني في مجال إدارة الحوار الداخلي لا تزال محددة.
فاعلية الآليات المدنية في الانتخابات:-
أولاً: الحوار:-
الحوار مفهوم ثقافي حضاري، ومطلب إنساني دائم الحضور لا يرتبط بفترة زمنية أو فعالية محددة، والحوار عملية تجري بين جميع الأطراف المشاركة في الحياة السياسية وتقوم على الإدماج والرغبة الجماعية في التفاهم والتعلم وتوضيح القواسم المشتركة والقيم الأساسية للتعايش المشترك وتكامل وجهات النظر المتعددة، وبصرف النظر عن أطراف الحوار في الوقت الراهن، مع التشديد على ضرورة إشراك منظمات المجتمع المدني فيه فإنه ضرورة وحتمية للخروج من دوامة النزاعات والصراعات المهلكة والمستنزفة للطاقات والقدرات، في كافة مجالات الحياةِ، وخاصة في حل النزاعات أثناء العملية الانتخابية التي تستنفر فيها كل حالات التشظي والإقصاء والعدوانية، وتستخدم كل وسائل الترغيب والترهيب والتضليل، للحصول على أكبر قدر من المكاسب الانتخابية في سعي محموم. إما لكسب الأغلبية التي تمكن طرف من أطراف العملية السياسية الانفراد بالحكم وصناعة القرار، أو للاقتراب من التنافس لتقاسم السلطة بين الأطراف الكبيرة أو الاستمائة في الحصول على قدر من الأصوات لإثبات الوجود في الحياة السياسية والصمود أمام التهميش والإقصاء.
إن التنافس في العملية الانتخابية ومحاولة الحصول على أغلبية ِأصوات الناخبين هو أمر مشروع ولا جدال في ذلك، ولكن استخدام الطرق والأساليب غير الديمقراطية وغير السلمية، يفرغ العملية الانتخابية من وظيفتها في الإصلاح السياسي، وبدلاً من أن تكون الانتخابات عاملاً من عوامل الاصطفاف الوطني، والمشاركة الشعبية في التنمية الشاملة، تتحول إلى بؤرة للتوتر والصراع والتمزق وإهدار الجهود والطاقات، في مجتمع هو أحوج ما يكون للتوافق والاندماج.
يسهم الحوار بدرجة كبيرة في التقارب بين الأطراف وفي إزالة الحواجز المتراكمة من سوء الفهم المتبادل ومن الأفكار المسبقة القائمة على أسس غير صحيحة، وتعزز أهداف الحوار بالالتزام الجماعي بعدد من المبادئ أهمها:
1- تكافؤ الإرادات وعدم التمييز بين الأطراف.
2- القبول الفعلي بالتعدد بوصفه أحد الملامح الثابتة للديمقراطية ومصدراً للتقدم والازدهار.
3- الحق في الاختلاف والمغايرة واحترام حقوق الإنسان.
4- الاحترام المتبادل والتسامح في وجهات النظر.
5- القبول بالتعاون والسعي للتفاهم كآلية مناسبة لتعزيز القيم المشتركة.
وقد وضعت وثيقة الدوحة (حول استراتيجيات مساهمة المجتمع المدني في التحول الديمقراطي في البلدان العربية) الحوار النشط والمفاوضة الخيار الاستراتيجي الأول في علاقة المجتمع المدني بالسلطة، الذي يهدف إلى أن يحاول المجتمع المدني إقناع الأنظمة بأن من مصلحتها الدخول في علاقة شراكة مع الجمعيات والمنظمات المستقلة من أجل تبادل الأدوار في مجال الإصلاح السياسي.
ونوهت الوثيقة التي صاغتها عدد من منظمات المجتمع المدني من مختلف الأقطار العربية، إلى أن الخلط بين وظيفة الحزب السياسي ودور المنظمة المدنية لا يساعد على تنشيط الحوار داخل المجتمع المدني أو مع السلطة. فبناء أجواء الثقة الضرورية أو أي حوار قد يفترض التقيد بخطاب معتدل وصريح مع تجنب أساليب التشخيص والتجريح ومفردات التصعيد السياسي، وهو أمر لا يتعارض مع الحق في اللجوء إلى مختلف وسائل التعبير والضغط بل يتكامل معه.
كما أكد البيان الختامي لمؤتمر أولويات الإصلاح في العالم العربي المنعقد في القاهرة 5-7 يوليو 2005م، على أن الإصلاح من أعلى أي الذي يأتي من السلطة، لن يتوقف على طبيعة الإرادة السياسية للنظم الحاكمة، ولكن أيضاً على ديناميكية المجتمع المدني والأحزاب السياسية وطبيعة تفاعلات المجتمع الدولي مع تلك الدول.
وتضمن إعلان صنعاء 11-12 يناير 2004م، الالتزام بالعمل على تطوير آليات التعاون والحوار الديمقراطي بين الحكومات المشاركة وتشكيلات المجتمع المدني، والعمل على إنشاء المنتدى العربي للحوار الديمقراطي كأحد الآليات الرامية إلى تحفيز الحوار وتوطيداً لعلاقة الشراكة بين السلطات العامة وتشكيلات المجتمع المدني. وأن تقرير الحكم الصالح لا يتأتى إلا بمشاركة المجتمع المدني في عمليات الحوار والمداولات التي تفضي إلى أشكال جديدة من التنظيم السياسي.
لقد أصبحت الشراكة وضرورة الحوار بين المجتمع المدني والسلطة أمراً محسوماً على الصعيد النظري عبرت عنه كثيراً من الوثائق التي شاركت في صياغتها منظمات المجتمع المدني في اليمن أو التي شاركت الحكومة اليمنية في صياغتها، ولكنها ظلت حبراً على ورق، فلم يتحول الحوار والتفاوض إلى اختيار استراتيجي مدروس، وأداء المنظمات المدنية ضعيف في هذا المجال، ولم يطرح على النشطاء بجدية حتى يصبح آلية هامة من آليات التحول الديمقراطي وقد أثبتت التجارب أن منظمات المجتمع المدني قد تنجح في ممارسة الضغط على الحكومة من أجل إنجاز بعض المطالب لكنها ليست مهيئة لإدارة حوار مباشر مع الحكومة ومازالت الحوارات التي تجري بين حين وآخر، تتم بين الأحزاب، ولا تشرك فيها منظمات المجتمع المدني.
إن الحوار مطلوب باستمرار، وليس فقط في النزاعات الانتخابية، فهناك حوارات مهدت وساعدت العملية الانتخابية أن تجري بسلام ونزاهة مثل أول انتخابات نيابية، لكن هذه الانتخابات أعقبها أزمة سياسية عميقة انتهت بحرب صيف 1994م، وهذه الأزمة دلت على أن الأطراف المتنازعة، قبلت بالحوار من خلال لجنة حوار القوى السياسية، كسباً للوقت، ولكن مع ذلك أثمر الحوار الذي دام أشهر طويلة وثيقة العهد والاتفاق التي أجمعت عليها جميع القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وحظيت بمشاركة شعبية قوية، وأوضح الحوار مكامن الخلل.
وقبل انتخابات عام 1997م، حدث حوار بين أحزاب مجلس التنسيق الأعلى للمعارضة، وحزب الإصلاح، وتوصل الحوار إلى الاتفاق على وثيقة (الضوابط الدستورية والقانونية للانتخابات). لكن الإصلاح ما لبث أن تنصل عن اتفاقه مع أحزاب مجلس التنسيق، وعاد إلى تحالفه مع المؤتمر الشعبي العام وتقوى هذا التحالف في الانتخابات الرئاسية التي أجريت عام 1999م، ثم انفرط هذا التحالف خاصة بعد عام 2001م وقام التجمع اليمني للإصلاح بإجراء حوار مع مجلس التنسيق انتهى إلى دخول الإصلاح في تحالف مع المعارضة تحت اسم تحالف اللقاء المشترك الذي دخل كتكتل واحد في الانتخابات النابية 2003م، والانتخابات الرئاسية والمحلية التي أجريت عام 2006م، في كل الانتخابات ظلت الحوارات قائمة بين الأحزاب السياسية، مستبعدة مؤسسات المجتمع المدني، وهي ضعيفة لا تستطيع أن تقدم أي مبادرات من جانبها بسبب الاحتواء الحزبي الذي أفقد مؤسسات المجتمع المدني الاستقلالية والحياد وهما أهم عنصرين لفاعليتها وتأثيرها في استخدام الحوار والتوسط لإنهاء النزاع أثناء الانتخابات.
وقد كان للحوارات بين الأحزاب والقوى السياسية دوراً ملحوظاً في كبح أعمال العنف والشغب أثناء العمليات الانتخابية وعلى سبيل المثال أجرت الأحزاب السياسية في الانتخابات 2003م ست جولات حوار حول قضايا القانون واللجان ثم التقسيم الإداري. مما جعل عملية الانتخاب تحت سيطرة الأحزاب، ويعود الفضل في تراجع العنف في هذه الانتخابات عن سابقاتها إلى اتفاق الأطراف الحياة السياسية على ضوابط انتخابية مثلت عنصراً حيوياً التزم بقدر كبير من الانضباط لدى كافة الأحزاب والقوى السياسية باستثناء حالات نادرة لم تخل بشروط المنافسة السلمية، وقد تعزز قوة ووزن اتفاق الضوابط بقرار إعلان يوم 27 إبريل 2003م يوماً بلا سلاح.
لكن المشكلة أن حوار القوى السياسية يعود إلى نقطة الصفر. في كل عملية انتخابية، حيث يعود الخلاف في كل مرة حول تشكيل اللجنة العليا للانتخابات وقانون الانتخابات وغيرها من الأمور التفصيلية وكأنها تقع لأول مرة، بسبب التسويات السياسية خارج نطاق القانون، لذلك تستبعد منظمات المجتمع المدني من الاشتراك في الحوار والمفاوضات، وهذا يبين بوضوح أن الحوار الذي يجري في اليمن وسيلة تكتيكية وليس خياراً استراتيجياً للإصلاح السياسي، وأشار تقرير دولي أن في اليمن غالباً ما كانت تحل النزاعات بين الحكومة والمعارضة، من خلال الاتفاقيات السياسية التي تتم في آخر لحظة – وليس من خلال التعديلات التشريعية، وهذا يحبط تطوير إطار انتخابي مستقر يقوم على أساس الدروس المستفادة من العمليات السابقة، ولكي يكون الحوار جاداً ومثمراً لابد من صياغة نتائجه في قوانين لضمان عمل حقوقي كامل. من هنا نفهم الأزمة القائمة في انتخابات عام 2009م، حيث وصلت الحوارات بين المعارضة والمؤتمر الشعبي إلى طريق مسدود لأن المعارضة بدأت تبحث عن مخارج قانونية لكسر احتكار السلطة والغالبية المريحة في البرلمان لصالح المؤتمر الشعبي، ومن هذه المخارج أحداث تعديلات دستورية تمس شكل النظام السياسي وذلك بتفضيل النظام البرلماني على النظام الرئاسي وكذلك المطالبة بتعديل النظام الانتخابي من القائمة المطلقة إلى القائمة النسبية وهذا ما يرفضه المؤتمر الشعبي وبدأت المطالبة عقب الانتخابات المحلية فبراير 2001م حين تعالت الأصوات المطالبة بتعديل الانتخابات ولكن الجميع قبل بالتسويات السياسية في الانتخابات التالية.
أشرنا سابقاً أن الحوار آلية مدنية مستمرة للتفاهم حول المشكلات، لا يرتبط بفترة زمنية أو فعالية محددة، ولكن الحوار في اليمن موسمياً يدور حول الانتخابات.
إن ارتباط الحوارات والتسويات السياسية بالعمليات الانتخابية تحديداً قد يساهم في حل النزاعات الانتخابية، ويعمل على سيرها بشكل حسن من الناحية التقنية، لكن الانتخابات نفسها لا تحل مشكلات الوضع السياسي.
الرقابة على الانتخابات:
تعتبر الرقابة على الانتخابات من الضمانات الأساسية لحسن سير العملية الانتخابية والتأكد من نزاهتها وسلامتها، ويجب إجراء عملية الرقابة في كافة مراحل الانتخابات، قبل وفي أثناء وبعد الانتخابات وفي كل مركز انتخابي، في ظروف علنية تتسم بالشفافية لتساهم في توفير الثقة بالعملية الانتخابية والاطمئنان لنتائجها، ويجب أن تشتمل على مراجعة حقوق الإنسان الأساسية لتقرير مدى حرية وعدالة الانتخابات، ومدى موافقتها لأحكام القانون والمعايير الدولية والقيام برصد وتوثيق الانتهاكات والمظاهر التي تخل بسير العملية الانتخابية.
وكان أبرز مجالات الشكاوي والاتهام المتبادل بين المعارضة والسلطة في الانتخابات النيابية للعام 2003م وما قبلها محصور في الجوانب التالية:-
- تدخل القيادات الحكومية في صالح مرشحي الحزب الحاكم.
- اعتقال ناشطين من أحزاب المعارضة.
- تمزيق ملصقات انتخابية من السلطة والمعارضة.
- إطلاق نار على بعض اللجان.
- الاعتداء على بعض أعضاء اللجان أو تهديدهم.
- عدم حيادية اللجنة العليا للانتخابات.
- تدخل اللجان الأمنية في صميم العملية الانتخابية.
كما تشمل الرقابة على الانتخابات، الرقابة على الوسائل الإعلامية، وفي هذا الصدد أكدت تقارير دولية ومحلية أن هناك قلق بشأن الموقف العام لوسائل الإعلام في اليمن. فلا يوجد نص واضح حول الرقابة على الإعلام، وعادة ما تشكو المعارضة من استخدام أجهزة الإعلام الرسمية لصالح الحزب الحاكم، ولا تتاح فرص متكافئة للأحزاب في عرض برامجها الانتخابية في تلك الأجهزة، فلابد من ضمان آلية نزيهة لمراقبة أجهزة الإعلام العامة والخاصة في كل مراحل العملية الانتخابية، وكذلك ضمان التغطية الإعلامية النزيهة، وهناك رأي واسع لدى الباحثين والمهتمين بالتعددية السياسية والعملية الانتخابية، بضرورة تنفيذ آليات المراقبة على وسائل الإعلام من قبل مؤسسات المجتمع المدني، وأوصت ورشة إيطاليا عن التعددية السياسية والعملية الانتخابية في الشرق الأوسط، أنه على حكومات المنطقة السماح بحرية الوصول إلى الإعلام، وأن تكون هناك فترة زمنية كافية قبل الانتخابات لتشكيل الرأي العام.
وقد درجت الحكومة اليمنية في كل الانتخابات من حيث المبدأ على دعوة المنظمات الدولية العاملة في مجال الرقابة على الانتخابات والسماح للمراقبين بالعمل دون قيود وتسهيل عمل المراقبين كجزء من العملية السياسية، وعلى الرغم من الخبرة القصيرة لمؤسسات المجتمع المدني المحلية في مراقبة الانتخابات، إلا أن دورها المتنامي يزداد تأثيراً في العمليات السياسية، وقد نشأت أول منظمة محلية للرقابة على الانتخابات في أول انتخابات برلمانية بعد قيام دولة الوحدة عام 1993م، وتشير التقارير إلى مشاركة (24) منظمة محلية بلغ عدد مراقبيها حوالي (19.722) في انتخابات عام 2003م، كما شارك أكثر من (371) مراقب من المؤسسات الإعلامية الدولية والإقليمية والمحلية حزبية وأهلية ورسمية، وشاركت الأحزاب السياسية بمراقبين وصل عددهم إلى (743) مراقباً، بالإضافة إلى مشاركة مراقبين في السفارات والهيئات الدولية بعدد (150) مراقباً ليصل إجمالي المراقبين المحليين والدوليين إلى (20.986).
ولاشك أن الرقابة على الانتخابات تلعب دوراً مهماً في التخفيف من مظاهر الانتهاكات التي قد تؤدي إلى النزاعات والعنف، ولا توجد دراسة لتقييم أثر رقابة منظمات المجتمع المدني على الانتخابات، في اليمن، ومع ذلك هناك تنامي واضح لدور منظمات المجتمع المدني في هذا الجانب وأن شاب هذا الدور بعض السلبيات التي تمثلت في:-
- عدم كفاية أعداد المراقبين المدربين والمؤهلين للقيام بعملية الرقابة، وتركز معظمهم في المدن الرئيسية.
- دخول الأحزاب والقوى السياسية في عملية المراقبة مما يفقد المراقبين الحيادية والنزاهة.
- تضارب تقارير الرصد والتوثيق لعمليات الانتهاكات بسبب التسييس وعدم الالتزام بالمعايير الدولية للمراقبة، حتى أن بعض التقارير تفتح مجالاً للنزاع.
- ضعف آليات تنفيذ العملية الرقابية.
الآليات القانونية والقضائية:-
تعتبر الآليات القانونية والقضائية أول وأهم الوسائل المدنية الموضوعية لحل النزاعات في كل مراحل العملية الانتخابية، بيد أنها أضعف الآليات تأثيراً وقدرة على أداء دورها في الانتخابات فضلاً عن ضعف سلطة القانون في الحياة السياسية والاجتماعية بشكل عام في اليمن.
وتقتصر مهمة مؤسسات المجتمع المدني في هذا الجانب، على مراقبة تطبيق أحكام القانون في سير العملية الانتخابية، والتأكد في سلامة الإجراءات وفقاً للقانون، ورفع الشكاوي بما يقدرون أنها انتهاكات إلى القضاء في حين أن تقرير مدى سلامة إجراءات الانتخابات وتوافقها مع القانون والفصل في المنازعات والخروقات تعود إلى القضاء.
وفي الواقع فإن اللجوء إلى القضاء لحل النزاعات والبت في سلامة الإجراءات ليس له تأثير، وفي هذا الصدد دعا تقرير دولي إلى القيام بإصلاحات شاملة للإطار القانوني والإداري للانتخابات في اليمن يتضمن المعايير الدولية للانتخابات، وهذا من شأنه أن يحسن الانتخابات ويساهم في الاستقرار السياسي، وأوضح التقرير أن قانون الانتخابات غير واضح بشأن كيفية رفع القضايا ذات الصلة بالانتخابات أمام المحاكم، وأيضاً تحديد المحاكم المختصة للقيام بذلك، كما أن القانون لم يأت على ذكر معايير لاختيار وتكوين اللجنة العليا للانتخابات، وهذه ما تزال محل نزاع دائم بين الأحزاب السياسية والمعارضة في كل الانتخابات، وغالباً ما تحل النزاعات بين الحكومة والمعارضة من خلال الاتفاقيات السياسية، وليس من خلال التعديلات التشريعية، وهذا يحبط تطوير إطار انتخابي مستقر.
وقد توقف الحوار بين المعارضة والحكومة، بسبب التعديلات التشريعية عندما طلبت المعارضة تعديل قانون الانتخابات من القائمة المطلقة إلى القائمة النسبية، ويرى بعض الباحثين أن هذا التعديل من العوامل التي ستقضي على بؤر التوتر والقلق السياسي، وسوف يؤدي إلى تراجع معدلات العنف الانتخابي. ففي ظل نظام الانتخاب الفردي بالأغلبية النسبية فإن الفوز والفشل هو فردي وشخصي في إطار جغرافي محدد مما يدفع المرشحين والمرتبطين بهم إلى استخدام كل الوسائل بما فيها العنف من أجل الفوز، وذلك على العكس من نظام الانتخاب بالقائمة، الذي يعرف المرشح أن فوزه لا يتوقف على حصوله على أصوات الناخبين في إطار جغرافي محدد، وإنما على فوزه بحصول عدد كبير من الأصوات في مناطق عديدة، والمرشح لا يمارس العنف لأن ممارسته للعنف قد لا يؤدي بالضرورة إلى فوزه هو، وإنما إلى فوز أشخاص آخرين بالقائمة التي هو مرشح فيها.
إن المسألة هنا لا تتوقف على التعديلات التشريعية والعمل بهذا النظام الانتخابي أو ذاك، وإنما في تطبيق سيادة القانون، وفاعلية ونزاهة السلطة القضائية، ففي اليمن هناك بعض الأحكام القانونية التي تمثل أفضل الممارسات الانتخابية، والبعض الآخر يتضمن أوجه قصور كبيرة.
التوعية الانتخابية:-
تساهم التوعية الانتخابية في نشر الثقافة الديمقراطية والتأكيد على أهمية المشاركة الشعبية الواسعة في الانتخابات كآلية جوهرية لتحقيق عملية الإصلاح السياسي والتغيير نحو الأفضل. كما تساهم التوعية الانتخابية بقسط وافر في التغلب على المعوقات والحد من أسباب النزاعات أثناء العملية الانتخابية عن طريق تكريس ثقافة الديمقراطية التي تنبذ التعصب والعنف، وعن طريق التدريب ونشر المعلومات والأدلة المتعلقة بالجوانب القانونية والحقوقية، والإجرائية. بهدف تحقيق فهم موضوعي لدى الأفراد والجماعات السياسية وزيادة التفاعل البناء والمشاركة التعاونية في إنجاح العملية الانتخابية.
إن التوعية الانتخابية من أبرز الوسائل المدنية، وأكثرها أهمية وصعوبة في نفس الوقت، لتفشي الأمية التي تبلغ نسبة عالية في المجتمع اليمني وهي أكبر عقبة في طريق التحول الديمقراطي، وتفعيل المشاركة الشعبية في الانتخابات، خاصة في المناطق الريفية التي تعيش فيها غالبية السكان، ضمن علاقات اجتماعية تقليدية تشكل فيها العلاقات القبلية القرابية مؤثراً كبيراً في اختيار المرشحين والمشاركة في التسجيل والتصويت، وتمثل عنصراً قوياً لإثارة النزاعات والصراعات في جميع مراحل العملية الانتخابية، نتيجة لغياب ثقافة المواطنة، والثقافة الحقوقية.
وتقوم التوعية الانتخابية على عدد من الآليات أهمها:-
- عقد الندوات وجلسات الحوار، وورش التدريب لقادة الرأي والأحزاب السياسية وناشطي المجتمع المدني لتعريفهم بدورهم الانتخابي، ورفع كفاءة المشاركين في اللجان الانتخابية، والتوعية والرقابة على الانتخابات وإدارة الحملات الانتخابية.
تنفيذ الحملات التوعية الانتخابية التي تعمل على رفع وعي المواطنين بأهمية المشاركة وتعريفهم بالإجراءات ودفعهم إلى تسجيل أسمائهم في مراكز التسجيل، وحض المواطنين على الاقتراع.
من هنا نجد أن التوعية الانتخابية مدخل مهم في جميع الآليات المدنية، كالحوار والرقابة ورفع الشكاوي والمنازعات إلى المحاكم المختصة، كما أن التوعية مهمة رئيسية لجميع الفاعلين في العملية الانتخابية بكل مراحلها، مثل لجان القيد والتسجيل، والمراقبين وتقوم مؤسسات المجتمع المدني المتخصصة في مجالات الدفاع والمعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان والحقوق الديمقراطية بدور محدود في التوعية الانتخابية. لأن هذه المؤسسات المتركزة في المدن لا تكاد نشاطاتها التوعوية تغطي أماكن تواجدها في المدن الكبيرة ومراكز المحافظات، مع ضعف في الإمكانيات المالية وضعف في الكفاءات والآليات المتاحة وقلة عدد المتطوعين. فكما لاحظنا قبيل مرحلة القيد والتسجيل التي جرت هذا العام، فقد قام عدد محدود من المنظمات بعقد دورات تدريبية وورش عمل للرقابة على الانتخابات لا يتجاوز عدد المشاركين في كل ورشة عن 50 مشاركاً ومشاركة، تركزت في عدد قليل من مراكز المحافظات في حين أن بعض المنظمات، تدعي أنها تساهم بأكثر من ألف متطوع في حملات التوعية والرقابة على الانتخابات، فكيف يحصل هؤلاء على التدريب اللازم لأداء مهامهم ؟.
هناك تأثير كبير لوسائل الإعلام مثل الإذاعة والتلفزيون والحملات الإعلامية للأحزاب والتنظيمات السياسية، وكذلك يمكن للجان الانتخابية أن تقوم بدور كبير في التوعية الانتخابية، ولكن قد لا تتوفر في هذه الوسائل عناصر الحياد والنزاهة، وكما قلنا سابقاً، لا توجد آليات لضبط ومراقبة أداء الوسائل الإعلامية.
المراجع
- أحمد عبدالله الصوفي وآخرون: التحول الديمقراطي في اليمن، المعهد اليمني لتنمية الديمقراطية، صنعاء.
- سارده بن نفيسه وآخرون: المجتمع المدني والجمعيات والسلطة المحلية، المعهد الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية، صنعاء 2008م.
- د. عادل الشرجبي: أزمة التحول الديمقراطي في اليمن، مؤسسة العفيف الثقافية، 2005م.
- عبدالحسين شعبان وآخرون: تقييم برامج الإصلاح الديمقراطي في الوطن العربي، مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان، تعز 2007م.
- د. فؤاد الصلاحي الدولة والمجتمع المدني في اليمن، مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان، تعز 2001م.
- مجموعة: اليمن .. الدورة الانتخابية الكاملة، المركز العام للدراسات والبحوث والإصدار، صنعاء.
- مجموعة: المجتمع المدني في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت.
- وثيقة الدوحة حول إستراتيجيات المجتمع المدني في التحول الديمقراطي في البلدان العربية، يناير 2005م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.