شغب الملاعب في عدد من دول العالم ظاهرة لا ينكرها أحد، لكنها في اليمن تعبر عن حالة من الاحتقان السياسي والاجتماعي الذي بدأنا نلمسه في كل شؤون حياتنا، فهو شغب يمد الأزمة الحالية بالمزيد من صور الكراهية لبعضنا البعض، وهي التي لم نكن نعرفها منذ سنوات طويلة، بما فيها تلك السنوات التي كانت فيها البلاد مشطورة إلى دولتين. حادثة الشغب التي شهدها ملعب بارادم بمدينة المكلا بمحافظة حضرموت قبل انتهاء مباراة فريق شعب حضرموت وفريق الرشيد من تعز (الجمعة الماضية)، وما تخللها من إطلاق نار وهرج ومرج كانت انعكاساً طبيعياً لحالة الاحتقان السياسي القائم اليوم، خاصة في المحافظات الجنوبية، فالناس كانوا في الملعب، كما هو الحال في الشارع، مأخوذين بالأزمة وتفاصيلها ودرجة حرارتها التي تصل حد الغليان، وكان تصرفهم في الملعب كتصرف السياسيين في الشارع، بخاصة إذا ما عرفنا أن اشتباكات عدة وقعت منذ أيام بين قوات الأمن ومواطنين غاضبين من استمرار اعتقال بعض أبناء المحافظة على الرغم من التوجيهات الصريحة لنائب الرئيس عبد ربه منصور هادي التي قضت بالإفراج عن كافة المعتقلين، وذلك أثناء المؤتمر الفرعي للمجلس المحلي بالمحافظة. لا أريد هنا أن أكون حكماً لتقييم ما جرى ومن كان البادئ، ومن استفز الآخر اللاعبون أم الجمهور الذي حضر الملعب لمشاهدة المباراة، فتلك أمور متروكة للجهات الأمنية المختصة، إلا أن الحادث أكد أن جميع من في الملعب كان مستنفراً ومستفزاً، وكان أبسط حادث يمكنه أن يشعل ما أشعل من أحداث في الملعب. بالطبع هذا لم يكن حادث ملعب بارادم بالمكلا هو الأول من نوعه؛ فقد سبقه شغب مماثل في أوقات متفاوتة في أماكن مختلفة من البلاد، حيث شهدت محافظة الضالع حادثاً مماثلاً، ووقع آخر بمحافظة أبين ورابع بمحافظة حجة، وخامس في إب، وكلها، للأسف، تقع أثناء لعب فريقين أحدهما من المناطق الشمالية والغربية، والآخر من المناطق الجنوبية والشرقية من البلاد، والمشهد قابل للتكرار في أماكن أخرى إذا ما استمرت حالة التجاهل لمعالجة هذه القضية وللأزمة الوطنية بكامل تفاصيلها. لهذا فإننا نقول لمن يريد إشعال الحرائق في البلاد افرحوا يا هؤلاء؛ فقد وصل الاحتقان إلى الملاعب، فهذا الاحتقان صار يتمدد في كل مكان، بدءاً من حقل السياسيين، مروراً بالملاعب الرياضية وليس انتهاء بالصروح العلمية الجامعية، حيث اشتبك طلاب قبل أكثر من أسبوعين في حفل تخرج طلاب إحدى الجامعات في العاصمة صنعاء بسبب اتهامات البعض لزملائهم بأنهم من منطقة كذا، وأنهم انفصاليون. ما يحدث أمر خطير، وهو يحتاج إلى وقفة حقيقية لمعالجة الاحتقان القائم، ولنترك قليلاً حالة الصمت حيال ما يجري في المشهد بعموميته، لا يجب تغطية الاحتقان القائم بالمزيد من التعبئة والتحريض ضد بعضنا البعض، فهذا يولد "الكره" حتى في ملاعب "الكرة"؛ فما حدث في المكلا يمكن أن يتكرر في أماكن أخرى، وما لم نعالج جذور الأزمة القائمة فإننا سنجر وراءنا الكثير والكثير من الآلام والمتاعب لن نستطيع علاجها ولو بمرور قرون من السنوات. *(السياسية)