لم تكتفي مافيا الفساد التي يتورط فيها متنفذين على العبث والنهب للبلاد والعباد ، بل تذهب بين والفينة والاخرى للسيطرة على موارد وأرزاق اسر فقيرة . في مشاهد تتكرر بدأ بالخصخصة المشبوهة لمؤسسات انتاجية حكومية لا هي نجحت حتى الآن ولا سلم من مذابحها مئات العمال والموظفين ، مرورا بفساد متنفذين برداء استثماري نهبت البحر والأرض وعبث بما فوقها وتحتها من الثروات . في الوقت الذي يشتعل فيه الجنوب من نهب الأراضي وتهميش الكوادر وتسريح أرباب الأسر من مؤسسات كانت تعول الالاف منهم قبل خصخصتها لمافيا الفساد ، تتجه عصابات الفيد بعد ان أكملت المهمة إلى الحديدة لبدء مشوار جديد في نهب أراضي الناس بعد نهب البحر والسيطرة على موارد وأرزاق اسر فقيرة تحت يافطة استثمارات مشبوهة لمتنفذين ، وكأن الحكومة تنتظر ان يخرج أبناء الحديدة يطالبون بدولة غرب اليمن أسوة بدعاة الانفصال في الجنوب.. لعل ما طال شركة تصنيع الملح والجبس بمنطقة الصليف -محافظة الحديدة - نموذج جديد يلخص جانبا من عبث عصابات الفيد التي لا تكترث للعدالة والقانون ولتشريد الآلف العمال وتعرضهم للمهانة والجوع بعد فقدان مصدر دخلهم طالما استمر قادرة البلاد نائمون في أحضان العيش الرغيد. وتفصيل القصة ان شركة إنتاج وتسويق الملح كانت والى وقت قريب تمثل احد النماذج العراقية كأولى الشركات في البلاد بمجال الإنتاج للملح، وقد قام الرئيس علي عبدالله صالح بزيارتها لعدد من المرات ، وصدر قرارمجلس الوزراء في عام 2004م باعتبارها كشركة خاصة مساهمة مغلقة وباسم العمال والموظفين للشركة وكتجربة كان يجب أن تكون ناجحة .. وفعلاً بدأت مسيرة الانتاج تسير بوتيرة عالية وبمردود إيجابي كبير حتى حلت الكارثة. والكارثة التي حلت بالشركة وعمالها وأسرهم بدأت مطلع العام الماضي 2008 حينما تحركت اطماع لمجموعة من المتنفذين وبأساليب احتيالية نجحت في الاستيلاء على بعض مواقعها في كل من مديرية اللحية والمنيرة (القمة) والقيام باستخراج مادة الملح وبتواطؤ عدد من الإدارات الحكومية بالمحافظة بحمايتها أو الشراكة والقيام ببيع مادة الملح للسوق المحلي بسعر يصل الى ألف ريال للطن وكان سعره من قبل شركة الملح (مؤسسة ملح عدن بخمسة عشر ألف ريال) . هؤلاء من "مافيا الفساد" يصفهم كبار مسؤولي محافظة الحديدة بأنهم مستثمرون .. غير ان الواقع عكس ذلك ، فأي استثمار هذا الذي يكون المشروع الواحد منها مشغلا لعدد لا يتجوز اصابع اليد من عمال وموظفين ، في وقت لدى شركة الملح 300 موظف ومتعاقد وعدد يصل الى أكثر من ألفي عامل بالأجر اليومي في الممالح بمديرية اللحية والمنيرة (القمة) والصليف حرموا من موارد رزقهم وأسرهم . وليس هذا وحسب بل أن مجاميع الفيد بعد سيطرتها على مواقع الشركة وانتاج مشبوه للملح ضربت الأسعار وأضعفتها بهدف اغلاق شركة الملح ، وبالفعل أصبحت الشركة لا تستطيع الوفاء بالتزاماتها من مرتبات وضرائب ومستلزمات إنتاج ودفع تأمينات الموظفين مما أدى الى تراكم مديونياتها وأصبح الموظفون بدون مستحقات لأكثر من تسعة أشهر. ففي رسالة استغاثة لمن يهمه الأمر وصلت "الوطن" ، يقول موظفي الشركة وأسرهم "ويعلم الله بحالنا وحال أسرنا.. لانجد لقمة العيش وإن حصلنا على الإفطار لا نحصل على بقية الوجبات". ويضيفون "هؤلاء المتنفذون سطوا على مواقع الشركة التي تحمل تراخيص ومسددة رسومها لأراضي الدولة وهيئة المساحة الجيولوجية وكأرض دولة ويتحايلون بأنهم يمتلكونها بموجب بصائر مزورة وقد أصدرت محكمة الاموال العامة بالمحافظة أحكامها بذلك. ولكن -يتابعون في رسالتهم – "التنفيذ لم يتم برغم علم قيادة المحافظة ويعملون تحت حمايتها ولم تستطع الحكومة ممثلة بالمحافظة بعمل حلول سوى وعد من المحافظ بأن يمنح الموظفين حالات الضمان الاجتماعي وبذلك سيتم تحويلنا الى أيتام أو أرامل".. متسائلين "هل هذا حلٌّ ومنطق بدلاً من الإنصاف من قبل رأس الدولة في المحافظة ". ويضيفون "كذلك أوكل المحافظ وكيله لمعالجة المشكلة والذي بدوره قام ببيع أصول الشركة من معدات وخرد وبطرق غير قانونية أو مزايدة ولم يعمل حلاً للإنتاج وتنفيذ ما أمرت به المحكمة أوما تقرره وثائقنا وتراخيصنا وبحسب القانون". ويختتمون رسالتهم بالقول "ليس لنا ملاذ ومنقذ لأطفالنا ورفع الظلم والإنصاف سوى عدالة وحكمة قائد البلاد، وقلدكم الله فينا فهذه إحدى بؤر الفساد والمطلوب اقتلاعها ومحاسبتها".