لم يبدع النظام السابق في شيء كإبداعه في إهدار المال العام وتمكين جلاوزة وأرباب النفاق المنتفعين من العبث بمقدراتنا ونهب المال العام، ولعل الخصخصة وعقود الإيجار والانتفاع تعد من أهم نقاط العبور المفصلية للمرتزقة التي ينبغي النبش فيها لتسليط الضوء على عبث شلل لا يمكن وصفها إلا بعصابات الإجرام المتمنطقة بسبق الإصرار والترصد المتكئة تحت مظلة النظام والقانون. قانون العبور في مسار الخصخصة أنشئ مصنع أسمنت باجل أواسط السبعينات، وتناوب على إدارته عدة أشخاص، غير أن مديره الحالي الأطول عمراً وربما الأسوأ حظاً حيث يدركه الربيع العربي بأصدائه وتجلياته, وهو يتربع على إدارته لما يقرب من عقدين, وقد حولت مافيا الفساد هذا المصنع من قلعة اقتصادية إلى خرابة أو لنقل وكرا.. تتآمر عليه وتحت سقفه وبين جدرانه, فالمصنع الذي يعمل بخطي إنتاج ومبيعات بلغت ذات يوم أكثر من 50000 كيس يومياً متوقف ومنذ سنتين ونصف تقريبا وهو يدور في فضاء الثقب الأسود مع عمالته التي تضاهي الألف شخص وباتوا لا يلوح أمام أنظارهم سوى شبح الضياع! لقد أوقعه سوء الطالع تحت سيطرة قانون التأهيل للخصخصة (وهو قانون لئيم يبتدئ بالتسيب إدارياً فالتراجع إنتاجاً, ثم التدهور والعجز فالإنفاق لإعادة التأهيل وقبل الوصول للتعافي الكلي تتداركه لجنة الخصخصة بالرحمة بيعا على المستثمرين الجدد) .. نعم تعلمت مافيا الفساد هذا القانون من فضيحة صوامع الغلال حين اعترضت شخصيات رسمية في المحافظة بشدة وصعدت الموضوع إلى رئاسة الجمهورية باعتبار الموضوع مؤامرة على منشأة وقلعة اقتصادية في أوج الازدهار, وفي حينه لعب مكتب الرئاسة دور الذكي الأول في تمريرها, ولعل براعة اختراع هذا القانون سجلت لدهاة المكتب من ذلك الحين. في دهليز قانون الخصخصة عبرت شركة الغزل والنسج بمصانعها وملح الصليف وغيرها كثير، وفي ثقبه الأسود يدور اليوم مصنع اسمنت باجل والنقل البري واليمنية للطيران وهلم جرا. ما خفي أعظم في الظاهر تقول الأحداث والوقائع إن غلاء الوقود هو السبب الرئيس في توقف المصنع عن الانتاج لكن العالمين ببواطن الأمور يتهامسون عن صراع خفي بين توفيق عبدالرحيم من جهة وعبدالله فاضل ومعه شخصيات نافذة بالمصنع من جهة أخرى، والصراع متشعب ومتعرج لكن الظاهر منه هو استبدال المازوت ذا الكلفة العالية القادم من طريق عبدالرحيم في 2007 بمادة بالبيتوميل القادم من متعهد سعودي عبر فاضل في صفقة لم تخضع لإجراءات المناقصة, وقد اتضح لاحقاً قيام الجهة المتعهدة بخلط لتر واحد من القار مع 75 لتر ديزل محلياً في أحد الأحواش بشارع الخمسين في الحديدة وهي صفقات فساد تمت بتواطؤ الإدارة رغم مخاطرها على المصنع والبيئة، إضافة لاستنزاف الديزل بشكل كبير على حساب صغار المستهلكين، وهو ما اعتبره جهاز الرقابة والمحاسبة جريمة بحق الاقتصاد القومي ، وكل ذلك من أجل جني فارق سعر يذهب إلى جيوب الفاسدين, لكن شراكات تجارية أخرى في المجال نفسه، بحسب مصادر مقربة، وطموحات خاصة ذات علاقة لن تكون بمنأى عما يجري هنا, فالتوسع في شراء الأراضي حول المصنع بشكل أكثر من المتهور, وإعادة تأهيل خط لإنتاج الأسمنت الأبيض رغم تعارضه مع سياسة توفير الوقود والأزمة فيه , ورغم كلفة التأهيل العالية التي تصل إلى نصف كلفة إنشاء مصنع حديث آخر, والتوسعة التي لا تتجاوز بطموحها إنتاج 750000 طن سنويا, في سوق منافسة شديدة.. والإنفاق الخيالي على التوسعة المتعثرة تشي بخصخصة تتوثب خلف الأكمة. العقود ريش على ما فيش! ربما يقول قائل إن كل ما سبق لا يتعدى تخرصات ليس إلا , لكن عقود توريد الجبس تجلسنا في حضرة «جهيزة» فعقد الاستغلال رقم (8) للعام 2007 لهيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية ينص على تمكين المصنع من استغلال الجبس بجبال الحمراء في مديرية اللحية بمساحة 350000 متر مربع على أن يدفع سنويا 3030$ مع إتاوة بنسبة 3 بالمائة من قيمة الجبس المستخرج ملتزماً بالضرائب والرسوم وأية مبالغ أخرى مستحقة للدولة, ويلزمه كذلك باتخاذ التدابير اللازمة لحماية البيئة والتحكم في آثار التلوث وفقا للقانون والمعايير الدولية .. ولا يجوز للمصنع تصدير أي مادة معدنية أو صخور صناعية إلا بموافقة خطية من الهيئة.. فيا ترى ما الذي يحدث في هذا المنجم وما الذي آل إليه العقد؟ يعتبر عقد الاستغلال المشار إليه هو القشة التي قصمت ظهر شركة إنتاج ملح وجبس الصليف إذ تم منح مناجم الحمراء لإسمنت باجل رغم أنف شركة ملح الصليف التي يدعي موظفوها أن حق الامتياز بالمنجم هو لها، وقد سحب منها في مؤامرة تتورط بها إدارة الشركة عن وعي وترصد (حسب قول عمال في شركة الصليف). ما يهمنا هنا هو تعرض المنجم لاستنزاف جائر عبَرَ فوق أسطر هذا العقد دون أن يوليه اعتباراً (على حد علمنا على الأقل) فمصنع باجل يسحب احتياجاته من المواد الخام وإلى جواره يغذي احتياجات مصنع البرح (الحكومي) ومصنعي الأهلية وتهامة (قطاع خاص)، وحول مالكيها وعلاقتهم بالنافذين داخل المصنع يدور كثير من اللغط لكنه يبقى تخرصات ستكشف الأيام صدقه من الزيف!. الأدهى والأمر أن مصنع باجل (صاحب الامتياز) يقوم باستيراد الجبس الخام (شراء) من المتعهد هايل الزبيري الذي بدوره يتسلم قيمة الجبس بموجب عقود ومراسلات تغطي فترة 5 سنوات تقريباً، في حين لا يوجد عقد إيجار للمنجم عليه لا من قريب ولا من بعيد. وحين وضع جهاز الرقابة والمحاسبة يده على الجرح قبل ثلاث سنوات تم ذر الرماد في عيون موظفيه بقيد 500,000 ريال على الزبيري تطن طنين, وكانت بيضة الديك .. بالطبع هذا المبلغ لا يغطي ولا رسوم سنة واحدة لهيئة المساحة التي يدفعها المصنع سنويا والبالغة 3030$, وسوى هذا- حد علمنا- لم تتحصل خزينة الدولة لا قطمير ولا نقير سوى نسبة 3 بالمائة من قيمة الجبس الخام, ولا حتى ضرائب المبيعات والدخل طيلة الفترة .. وقد قدرت جهات الاختصاص الضرائب على مبيعات الزبيري على المصنع من جبس ومواد اضافية أخرى من بزلانا ومواد حديدية بما يزيد على 50 مليون ريال لم يخصمها المصنع! وهذا المبلغ يرى بعض العالمين بالأمر أنه متواضع كثيرا, ونحن بدورنا نقف عند هذا الحد ونوكل التحقيق فيه للجهات المعنية في حكومة الوفاق الوطني ..أما استهلاك المصانع الثلاثة الأخرى للجبس الخام فهو أيضا يذهب لمغارة علي بابا حيث نجهل نحن ثناياها. كبر السن يضعف الحواس هذا غيض من فيض المصنع المترنح على حافة الانهيار ولن نتطرق لمرتبات «الكتاكيت» أثناء الابتعاث الدراسي خارج الوطن ولا مواقعهم الادارية والمؤهلات التي بها بلغوا ما بلغوا فهي قد لا تتعدى الأمور الثانوية, غير أن لنفقات التوسعة أصداء ودوياً يصم الآذان.. لكن الإدارة التي بلغت التقاعد ولم تتقاعد ربما ضعف منها السمع والبصر حتى أنها لا تدرك ما حولها من ضجيج..