نصير الأسعد ( المستقبل اللبنانية ) - المشهد الإقليمي "أصدق إنباءً من الكتب". في هذا المشهد الإقليمي أن إيران التي تدخل أزمتُها المفتوحة شهرَها الثالث والتي تستعد لإستقبال قرار دولي بعقوبات "موجعة" بعد نحو شهر من الآن، واجهت في الآونة الأخيرة سلسلة إخفاقات إقليمية. الإخفاقات الإقليمية لإيران فقد خسرت إيران الإنتخابات اللبنانية في حزيران الماضي بفشل فريقها في الحصول على الغالبية النيابية، وكانت توعّدت بأن فوز فريقها سوف يغيّر وجه المنطقة. وتزامناً مع الإنتخابات في لبنان، سُجّل تراجعٌ للإمتدادات السياسية الإيرانية في العراق كما في الكويت. أما في فلسطين، فبالإضافة الى مشاهد الصراع في غزة ودلالاته وأبعاده، فإن المؤتمر السادس لحركة "فتح" شكّل إيذاناً بمرحلة فلسطينية جديدة سواء على صعيد العلاقات الفلسطينية الداخلية أو على صعيد إعادة إنتاج الخارطة السياسية وتوازناتها عند محطة الإنتخابات التشريعية والرئاسية في الشهور المقبلة. والحال في اليمن تفيدُ أن "الجماعة الحوثيّة" التي تدعمها إيران وتموّلها وتدرّبها، والتي أرادت إيران منها إختراق الجزيرة العربية وهزّ أمنها وإستقرارها، قد تلقّت في الأيام الماضية ضربات موجعة. تواجهُ طهران إذاً "إستحقاق" العقوبات الدولية "الموجعة" أواخر أيلول المقبل، وقد حصدت عدداً لا يُستهان به من الخسائر على الصعيد الإقليمي. سوريا و"الامتحان العربي" غير أن ثمة معطىً "متحركاً" في الإقليم يُقلق السياسة الإيرانية أيضاً. تستعدّ الولايات المتحدة في أيلول المقبل لإطلاق مبادرتها السلمية المستندة أساساً الى مبادرة السلام العربية، وبالتنسيق مع النظام العربي الرسمي. وقد مهّدت المملكة العربية السعودية لمسألة إعادة الإعتبار لمبادرة السلام العربية كما لفرض توازن مناسب لذلك، بمبادرة وضعها خادمُ الحرمَين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تحت عنوان "المصالحة العربية" التي تعني عملياً إستعادة سوريا الى النظام العربي وإستراتيجيّته. وبالفعل، فإن هدف الإتصالات السعودية السورية في الشهور والأسابيع الماضية، كان تحقيق تلك "العودة السورية" التي لم يخفِ النظام السوري إستعداده لها ممراً الى "إستئناف" علاقته بالمجتمع الدولي. ولم يكن خافياً أن "الإمتحان السعودي" لتلك "العودة السورية" إنما جرى إختيارُ لبنان عنواناً رئيسياً له. وليس خافياً الآن أن التتويج السوري المطلوب كي تُعتبر سوريا "ناجحة" في "الإمتحان" هو تسهيل تشكيل الحكومة اللبنانية برئاسة زعيم الغالبية النيابية سعد الحريري. إن هذا المعطى "المتحرّك"، أي "تحرّك" سوريا نحو العودة الى النظام العربي برعاية سعودية، وهو التحرّك المفتوح باتجاه إنخراط دمشق في عملية سلمية إقليمية متجدّدة بالتنسيق بين واشنطن والنظام العربي، يقلق إيران، سواء كان التعبير الإيراني عن القلق مكشوفاً أو ضمنياً. القلق الإيراني وتعطيل التسويات في مثل هذا "المناخ" الإقليمي، أي في مثل هذه "الزركة" الإيرانية داخلياً وإقليمياً على حد سواء، وأمام "إستحقاق أيلول"، من الطبيعي إفتراض أن إيران ليست في صدد تسويات ب"المطلق"، وأنها ليست في صدد تسهيل حصول تسويات حيث تستطيع أن تمنع حصولها. وبهذا المعنى، لا يمكن قراءة التصعيد في وجه تشكيل الحكومة في لبنان، إلاّ بوصفه إنعكاساً لقرار إيراني بمنع تسهيل التسوية، يلتزمه "حزب الله" وينفّذه الجنرال ميشال عون. سوريا و"حدود" التحايل ومع ذلك، "يجب" ألاّ يُفهم من المقدّمات الآنفة أن ثمة تعقيداً إيرانياً حزب اللهيّاً، في مقابل تسهيل سوري. أي أن ثمة إستدراكاً واجباً في هذا السياق. ذلك أنه يستحيل على أي مراقب جاد ألا يلاحظ أن دمشق بالرغم من مصلحتها في أن يؤكد النظام العربي "قبوله" بها وحاجتها إلى هذا "القبول العربي"، وبالرغم من مصلحتها في أن يُعلن نجاحُها في "الإمتحان" إنطلاقاً من لبنان، لا تزال تُماطل. وفي ظنها أنها تستطيع ان تتحايل كأن تقول مثلاً إنها تسهل من ناحيتها لكنها "لا تمون" على عون... وعلى "حزب الله"! وإذا كانت "المماطلة" لعبة سورية تقليدية تأمل سوريا منها عادة "رفع سعرها" أو "كسب الوقت"، فان مماطلتها هذه المرة مكلفة لها. أي ان سوريا أمام، إستحقاق داهم: التسهيل في لبنان إنجازاً ل"الإمتحان". فلا يُمكنها أن تسترسل في الجمع بين وعود العودة الى النظام العربي من جهة ووعود "الممانعة" مع طهران من جهة ثانية، لأن الوقت "محدّد ومحدود". وعلى كل حال، فان زيارة الرئيس السوري بشار الأسد الى إيران التي كانت مقررة أول من أمس الأحد وأُرجئت إيرانياً إلى يوم غد، ستكون إن حصلت محكًّا ليس للعلاقة السورية الإيرانية وحسب، لكن لمستقبل العلاقة السورية العربية بالدرجة الأولى. عون نقطة التقاطع عليه، أي وفقاً للمعاني السالفة، فإن التصعيد العوني في وجه تشكيل الحكومة ليس من صنع عوني. فواقع الأمر أن "حزب الله" الذي لا يرغب في أن يتصدر المشكلة مباشرة وبنفسه، أعطى عون "تعليمة" العرقلة.. حتّى من غير أن يشرح له الحيثيّات. أي ان "العقدة العونية" إنما هي عقدة إيرانية حزب اللّهيّة. وافق "حزب الله" على "الإطار الحكومي" لكنه ربط نزاعاً عبر عون مع الوضع اللبناني.. في إنتظار إيران. ولما كانت العقدة الإيرانية الحزب اللّهيّة تحصل على تقاطع مع مماطلة سوريّة، فإن الجنرال ليس سوى التقاطع بين العقدة من ناحية والمماطلة من ناحية أخرى.