مع جدية وعزم الدولة هذه المرة على حسم التمرد والإرهاب الحوثي واستعادة هيبتها وبسط نفوذها على كامل صعدة وسط تأييد ودعم وتحالف شعبي غير مسبوق محذرا من ان عدم حسم الدولة بشكل نهائي لملف صعدة سيكون له تداعيات كبيرة على امن اليمن واستقراره.. يبرز التساؤل حول طبيعة المعارك الجارية وإمكانيات تحولاتها وإدارتها . خلال الشهرين الذين سبقا عودة المواجهات العسكرية بين الحكومة والمتمردين التابعين للحوثي او ما يسمى الحرب السادسة في "شمال غرب اليمن " كان التصعيد الميداني للحوثي في مقابلة مبادرات السلام التي كانت تعرضها الحكومة منذ 5 سنوات واخرها قرار الرئيس صالح في يونيو 2008 ايقاف العمليات العسكرية من جانب واحد حقنا لدماء أبناء شعبه ، كان قد وصل في تماديه المسلح وأعماله الإجرامية إلى نحو خطير. لم يكن يشك أحد من المتابعين للشأن اليمني في ان مليشيا التمرد الحوثي تحضر لاستئناف حربهم " بالنيابة"ضد المواطنين الأبرياء وضد الدولة ككيان سيادي لاستعادة ما أكده زعمائه حقهم الإلهي في الحكم الذي اغتصبته الثورة والجمهورية قبل 47 عاما.. ولكن الجميع كان يترقب متى ساعة الصفر؟. ويبدوا ان ساعة الصفر كانت تضعها معطيات متعددة.. الأولى تحركات ايرانية لافتعال ازمة إقليمية في الضفة الأخرى من الخليج عبر الدفع بحرسها الحوثي اقصى الشمال الغربي لليمن لتفجير جبتهم الناضجة عسكريا ،في محاولة لتخفيف الضغط الحكومي اليمني المكثف إزاء تحركات على جبهة أخرى بعيدة عن صعدة اليمنية تمثلت في خليا انفصالية جهادية قاعدية متشابكة، حيث بدت عمليات اختراق مبكرة بذلها طهران بسرية في جنوب اليمن بالقرب من حليج عدن وفى منطقة حساسة واستراتيجية وخطيرة بدورها منذ عام 2006. اما المعطى الثاني فكان ميدانيا حيث استبقت مليشيا الحوثي الحرب الحالية بسلسلة هجمات للاستلاء على مواقع للجيش واستحداث مواقع عسكرية بعد تجنيدهم أنصار كثر خلال العام الماضي حتى من صغار السن ،ثم السيطرة الكاملة على مختلف مديريات صعدة وطرد السلطات المحلية، واعتقال وقتل المئات من المواطنين رجال ونساء واطفال ونسف منازلهم للاشتباه بعلاقتهم بالسلطة او تعاونهم معها في حروبها السابقة وبسط قوانينهم وإجراءاتهم ونفوذهم في كافة مناطق صعدة ، فضلا عن الاحتفال بإنتاج معاملهم وورش تصنيعهم لكميات ضخمة ومتطورة من الألغام الفردية والمضادة للدروع وتطوير متفجرات وصواريخ ، وصولا الى مناورة استعراضية في مناطق المحافظة التي احكمت السيطرة عليها على الحدود اليمنية -السعودية استخدمت فيها مختلف انواع الاسلحة والمعدات العسكرية ، بل والاتجاه للسيطرة على سلسلة الجبال الحدودية امتدادا الى ساحل البحر الأحمر. بوصول المتمرد الحوثي الى فرض الحرب من جديد على الدولة..كانت قد هدئت جبهت اختراق الجنوب لعمل يقوي من حضورها المسلح وبانتظار الدور المكمل للحوثيين في حالة الارهاق او الانتصار على الجيش، غير ان مالم يتوقعه الحوثي وأنصاره هي معركة لا ترى فيها الدولة غير "الدرس الأخير"ولا تقبل غير حسم المعركة لصالحها .. وتكشف معطياتها المعركة صورة مغايرة لما ألفه المتمردون وبتكتيكات وعمليات نوعيه تتناسب وخبرة خمس حروب مع تلك العناصر الإرهابية وتحضيراتهم "كمية وعددا وعتادا" وما اعتادوا عليه من اساليب استدراج الجيش لحروب عصابات ..عمليات عسكرية لا تستعجل النصر الزائف بمقدر ما تتمعن بلوغ الهدف في استئصال السرطان إلى غير رجعة على اعتبار أن "لا طريق لعودة صعدة إلى أحضان الدولة إلا بهذا الأسلوب". ومع نجاحات قوات الجيش والأمن وأبطاله الشرفاء في ملاحم بطولية في مواجهة تمرد الارهاب والخيانة الحوثية ، كشف زعيم التمرد الحوثي ومعه قيادات جهادية وقاعدية في جنوب اليمن بقيادة الفضلي وبمباركة علي سالم البيض المجدد لانفصال جنوب اليمن عن شماله خلال اليومين الماضيين ، كشفوا طلاسم التشبيك في مسعا لتحويل بل وتشتيت مجريات الردع العسكري للتمرد الحوثي . وفيما توعد الأول بتوسيع رقعة الحرب في محافظات اخرى والاعلان عن الافراج عن جنود استجابة لمطالب جنوبية ، استجاب الجهادي الفضلي وأتباعه لذلك بتصعيد لما يسمى الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال ، وسبقهم الراعي لحراك القاعدة في الجنوب علي سالم البيض ذلك بتأييد الارهاب والتمردالحوثي والتلميح بالدعم الإيراني القطري لملفه الجديد للانفصال -بعد فشله في بلوغه عسكريا عام 1994- ولتصفية حساباتها مع السعودية بدم اليمنيين وامنهم واستقرارهم . ويلفت المراقبون إلى أن التأييد والدعم المتبادل من قبل المتمردين الحوثيين وقيادات جاهدية قاعدية وانفصاليه يصب في اتجاه توسيع دائرة الارهاب في اليمن . وكانت تقارير استخبارية دولية قد كشفت مؤخرا عن تزايد التهديد الإيرانى لخليج عدن وباب المندب وربطت مؤخرا بين القاعدة البحرية الإيرانية فى ميناء عصب وبين خطة سرية أعدتها طهران لاختراق الجهة المقابلة، أى اليمن. وتكشف هذه التقارير أن الفترة الأخيرة شهدت تحركات إيرانية مشبوهة فى جنوب اليمن مشيرة إلى أن المخابرات الإيرانية التى كانت نشاطاتها فى دعم المتمردين الحوثيين فى منطقة صعدة فى الشمال تثير اهتمام الأجهزة الاستخبارية الدولية باتت حاليا موضع رصد ومراقبة بسبب ما يعتبر محاولات اختراق بجنوب اليمن. ويؤكد أحد التقارير أن الحرس الثورى الإيرانى قام مؤخرا بإعادة تحريك خلايا أصولية متطرفة يمنية معروفة بارتباطها بإيران ودعمها لزعزعة للاستقرار فى جنوب اليمن، حيث يكشف التقرير أن فيلق القدس قام بنقل عناصر يمنية من القاعدة من أفغانستان وتسهيل تسللها مجددا إلى جنوب اليمن وقد فر هؤلاء عبر إيران وبحماية قوات القدس. ويبدو أن المساهمة الإيرانية فى نقل متطرفين من أفغانستان إلى جنوب اليمن إضافة إلى إحياء خلايا نائمة فى منطقة عدن لحساب إيران قد قادت إلى تعزيز مخاوف الجهات الاستخبارية الدولية المراقبة للنشاطات الإيرانية فى إريتريا من وجود مخطط إيرانى يستهدف خليج عدن وباب المندب وفتح جبهة جديدة فى القرن الإفريقى وعند أطراف الخليج. والجدير بالذكر أن هذه التحركات الإيرانية جاءت فى وقت تشهد هذه المنطقة حشودا بحرية متعددة الجنسية، وفى وقت يجرى الحديث عن تعزيز البوارج العسكرية وإعادة إشعال الساحة الصومالية . وفى معلومات أن التمدد الإيرانى فى اتجاه إريتريا وما قابلها في ميناء ميدي اليمني بامتداد صعدة ، وكذا في جنوب اليمن مع ما يعنيه من تهديد بفتح جبهة هناك وتوسيع الطموحات الإيرانية مازال يثير العديد من التساؤلات ومازال محط رصد واهتمام كبيرين من قبل العديد من الدول، سواء لتأكيد طموحاتها وموقعها الإقليمى وتحسين أوراقها التفاوضية مع الإدارة الأميركية الجديدة عبر فرض دورها فى معادلات جديدة على الأرض أم لإبعاد خطر الحرب عن حدودها وشن حروب بالوكالة بينها وبين واشنطن .