الإصلاح.. خمسة وثلاثون عاماً من الحضور الوطني والشراكة السياسية    صحيفة "لا" تعرب عن تضامنها مع اسر شهداء التوجيه المعنوي    الرئيس الزُبيدي يلتقي نائب وزير الإعلام والثقافة والسياحة ويؤكد دعمه لتطوير العمل الإعلامي والثقافي والسياحي    بيان مهم للقوات المسلحة الساعة 8:40 مساءً    تواصل عمليات الانقاذ والاخلاء جراء العدوان الصهيوني بحي التحرير    اختتام بطولة الحباري لقفز الحواجز بمناسبة المولد النبوي    مركز الهدهد يدين العدوان الصهيوني على المتحف الوطني بصنعاء    "القسام" تدعو الأمة للتضرع إلى الله الليلة لاستمطار الفرج لأهل غزة    هل يستعيد العبادي المساحات المنهوبة تحت غطاء قوانين "النفوذ"    بيان الجمعية الوطنية يحدد الموقف من قرارات الزبيدي وبيان الانتقالي    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي يزور مستشفى الشيخ محمد بن زايد التعليمي بشبوة    الارياني: عودة 16 قطعة أثرية إلى اليمن تتويج لجهود حكومية ودبلوماسية    نائب وزير الأوقاف يناقش سبل تعزيز دور القطاع    مصدر أمني يكشف أسباب التواجد العسكري في حوش تابع لشركة النفط بعدن    هيومن رايتس: صحفيو اليمن يتعرضون لانتهاكات جسيمة وندعو للالتزام بحماية حرية الصحافة    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    الأرصاد يحذر من الانهيارات الصخرية وانزلاقات التربة ويتوقع هطول أمطار رعدية على مناطق واسعة    "يمنات" يحصل على أسماء بعض ضحايا الغارات الإسرائيلية على صنعاء والجوف    ماذا جرى للبنتاغون في 11 سبتمبر؟    الأخضر يكتب التاريخ باللقب الخليجي    عربية السلة.. سيدات العلا يكسبن القرين الكويتي    عاجل: العليمي والوفد المرافق له يغادرون عدن بعد قرارات الرئيس الزبيدي الصادمة لهم    عدن .. أزمة السيولة بين قرارات البنك المركزي وعجز الحكومة عن صرف المرتبات    ترامب يعلن مقتل المؤثر "تشارلي كيرك" بعد إصابته بالرصاص وبايدن يعلق على الحادثة    إصلاحيون على العهد    مجلة أمريكية: الضربات الإسرائيلية في اليمن جزء من إستراتيجية نتنياهو لتوسيع ساحة المعركة    عبد الفتاح إسماعيل وراشد محمد ثابت.. أي خيانة؟    مواجهتان حاسمتان في ختام الدور ربع النهائي لبطولة بيسان الكروية    المنتخب الوطني للشباب وصيفا لكأس الخليج العربي وعادل عباس أفضل لاعب    هيئة الآثار توجه نداء عاجل لليونسكو بشأن الغارات على منطقة التحرير    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي يزور مركز اللغة السقطرية للدراسات والبحوث    الصحة تغلق 4 صيدليات وتضبط 14 أخرى في عدن    إصلاح حضرموت ينعى القيادي وعضو محلي المحافظة حمد عمر مدي    النفط يرتفع متأثراً بالأوضاع في الشرق الاوسط    بدء أعمال سفلتة خط البنك المركزي في مديرية صيرة بعدن    الرئيس المشاط يعزي في وفاة الشيخ مجاهد يحيى معيض    جنيف: ندوة حقوقية تدعو الى ممارسة الضغط على المليشيات الحوثية لوقف الانتهاكات بحق التعليم    محافظ حضرموت يتفقد الأعمال الإنشائية في جسر المنورة    بن الوزير وباسمير يتفقان على سرعة تشغيل ميناء قنا التجاري    إغلاق صيدليات مخالفة بالمنصورة ونقل باعة القات بالمعلا    ميسي يحقق إنجازا غير مسبوق في مسيرته    العثور على مدفن عمره 5500 عام في ياقوتيا الروسية    توترات وقطع طرق رئيسية في حضرموت    نهب البنك المركزي وأسعار الصرف بصنعاء وعدن وفضيحة "الإعاشات"    منتخب الناشئين يدخل مرحلته الأخيرة استعداداً لبطولة كأس الخليج    ضبط 86 متهماً بإعانة العدوان و7 مطلوبين للعدالة في الضالع    مدير شركة مصافي عدن: الأسابيع القادمة ستدخل الوحدات الانتاجية للخدمة    تصفيات اوروبا لكأس العالم: انكلترا تكتسح صربيا بخماسية    جامعة حكومية تبلغ طلاب قسم الأمن السيبراني بعدم قدرتها على توفير هيئة تدريس متخصصة    الجراحُ الغائرة    إب.. السيول تغمر محلات تجارية ومنازل المواطنين في يريم وتخلف أضرارا واسعة    الاطلاع على تنفيذ عدد من مشاريع هيئة الزكاة في مديريات البيضاء    62 تغريدة صنعائية في حب "التي حوت كل فن": من يبغض صنعاء فإن له معيشةً ضنكًا*    تعز.. حملة ميدانية لإغلاق شركات الأدوية المخالفة للتسعيرة الجديدة    بحشود ايمانية محمدية غير مسبوقة لم تتسع لها الساحات ..يمن الايمان والحكمة يبهر العالم بمشاهد التعظيم والمحبة والمدد والنصرة    مرض الفشل الكلوي (20)    للمعاندين: هل احتفل الصحابة بالمولد بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام    حلاوة المولد والافتراء على الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما وراء أزمة التمرد في اليمن
نشر في الوطن يوم 25 - 11 - 2009

دخلت الأزمة مع المتسللين إلى الحدود السعودية أسبوعها الثالث، وإذا كانت القوات السعودية قد تمكنت من ردع المتسللين وإجبارهم على العودة عدة كليومترات داخل الحدود اليمنية، فإن السؤال الأهم هو: هل سيقومون بذلك مرة أخرى؟
لا شك أن أزمة الحوثيين في اليمن قد باتت جزءا من الخارطة الاجتماعية والسياسية في المنطقة، وبالرغم من أن البعض كان يأمل أن تنتهي الحركة بمقتل قائدها حسين الحوثي (2004)، إلا أن ما شهدناه خلال السنوات الخمس الماضية يدل على أن هذا التمرد ليس عابرا بقدر ما هو تجسيد لمرحلة مخاض عسيرة تمر بها قوة سياسية وحزبية ناشئة، وأعني بذلك الميليشيا الحوثية بصعدة. يخطئ من يظن أن هذه الحركة هي وليدة الأمس فقط، فهي نمت وترعرعت خلال العقدين الماضيين داخل وخارج اليمن، ولئن كان مفاجئا صعودها العسكري القوي، حيث عجزت القوات اليمنية الحكومية عن إخماد التمرد منذ تجدد الاشتباكات في أكتوبر الماضي، إلا أن ذلك يدلل على أن للحركة قاعدة شعبية مؤمنة بها أو خائفة منها في مناطق تواجدها. حتى اليوم خاضت الحكومة اليمنية ست حروب متتالية مع هؤلاء المتمردين الذين تصفهم بالأقلية، ولكن حصيلة هذه الأعوام تنبئ عن أن الحركة أكبر من كونها تمردا محدودا على الحدود، ولكنها نواة لحركة سياسية ذات ارتباطات أجنبية.
المراقب لأحداث الأسابيع الأخيرة يدرك بأننا أمام محاولة إيرانية مكشوفة لخلق جسم غريب على الحدود السعودية - اليمنية، وإذا اعتبرنا أن الحوثيين مازالوا فاعلين في حرب عصابات على الطرفين، فإن المحاولة الإيرانية تبدو ناجحة نسبيا، ففي الوقت الذي تفاوض فيه طهران لجنة (الخمسة+1) في جنيف، فإن أكبر وأهم دولة إقليمية – وهي السعودية - مشغولة بتطهير أراضيها من المتسللين ومراقبة حدودها البرية والبحرية، وأكثر من ذلك الاستعداد لموسم حج يلفه الحذر جراّء التهديدات الإيرانية.
لقد أكدت التصريحات الإيرانية حول أزمة صعدة أن إيران تستخدم الورقة الطائفية في مناوراتها الإقليمية بشكل واضح وبارز، فعلت ذلك في لبنان حين حرضت حزب الله على غزو بيروت، ثم تمكنت كذلك في العراق عبر فرض نفسها على التحالفات الانتخابية والقوائم، ووصلت مرحلة التأثير الطائفي إلى الحد الذي امتنعت فيه جمعية الوفاق الشيعية في البحرين عن التصويت لبيان أعد لدعم السعودية في حربها على المتسللين. ليس هذا فحسب، فشبكة التحالفات الإيرانية اليوم تمتد من أفغانستان، مرورا بلبنان، ووصولا إلى إريتريا. ونشاط الحرس الثوري وعناصر الباسيج بات بارزا في خليج عدن. لقد كشفت حرب السعودية على المتسللين عن شبكات تمويل تمر عبر دول مجاورة، وعن تجنيد لعناصر يمنية وخليجية وأجنبية يتم في مخيمات داخل وخارج إيران، وهو مؤشر على أن طهران التي تعاني ذاتها من تمرد سني في إقليم خوزستان، ترى أن صراعها مع الولايات المتحدة والعالم الغربي يجب أن يكون على أراضي حلفائها في المنطقة.
صحيح أن حجم ما نعرفه عن الحركة الحوثية محدود، ولكن المعلومات المتوافرة تشير إلى أن إيران استطاعت خلال السنوات الثلاث التي أعقبت 11 سبتمبر التأثير على رموز الحركة واستدراجهم إلى المشروع السياسي الإيراني. إذا ما راجعنا كتبا مثل "الزهر والحجر" ل عادل الأحمدي ، أو "الحرب في صعدة" تأليف عبدالله الصنعاني، لوجدنا أن إيران لم تخلق الحركة بقدر ما استطاعت أن تجتذبها بالمال والدعم المخابراتي والعسكري، وهو شيء مماثل لما قامت به بعد الثورة في العراق مع حزب الدعوة الذي أسسه محمد باقر الصدر، أو لبنان مع حركة أمل التي قادها موسى الصدر.
بالرغم من كل ذلك، فإن قدرة إيران على توجيه الحركة الحوثية مستقبلا ما يزال مبهما، فالحوثيون وبغض النظر عن تأثر أكثريتهم بطروحات الفرقة الجارودية في مسألة الخلافة - وهي أقلية بين الفرق والمدارس الزيدية -، إلا أنهم يختلفون مع الجعفرية/الاثني عشرية في كثير من الأصول، وبالذات في مسألة الولاية فهم يرون أحقية الهاشميين بالولاية وهو مخالف لما درجت عليه طهران من سيادة "الولي الفقيه". طبعا، الأزمة السياسية وتأثير المال والدعاية الإيرانية استطاعت تغطية تلك الفروقات، ولكن لا يُعرف إذا ما كان لذلك التوافق أن يستمر. هذا لا يعني أن الحركة الحوثية لم تُبن على أيديولوجيا دينية متطرفة، تماما مثل نظيراتها في العالم السني، بل هي في حقيقتها اليوم جماعة دينية متطرفة بلا مطالب سياسية محددة، على الأقل حتى الآن. حتى اتفاقية الدوحة (يونيو 2007) لم تكن في مضمونها ترجمة لمطالب سياسية لأهل الشمال، بل كانت أشبه بالاعتراف السياسي والعسكري بأبناء الحركة.
ولكن هل يعني ذلك أن الحركة بلا أفق سياسي؟
لا، فقرار التسلل إلى السعودية لا يبدو أنه جاء بناء على توصية إيرانية فقط، أو نتيجة ردة فعل على الدعم السعودي لحكومة اليمن الشرعية، ولكن أهم من ذلك أنه يخدم الموقف الاستراتيجي للحركة على المدى الطويل، صحيح أنه ليس بوسع الحركة أن تواجه الجيش السعودي واليمني بشكل مباشر، ولكنها أثبتت قدرتها على التحرك في حرب عصابات على الجبهتين، وهو مؤشر خطير، وما زيادة إيران عدد سفنها البحرية في خليج عدن إلا دلالة على رغبتها في بعث رسالة واضحة لدول المنطقة التي رفضت التدخل الإيراني. أي أنهم بدلا من إرسال مبعوثين دبلوماسيين أرسلوا سفنا عسكرية.
القراءة الواقعية لحادثة التسلل إلى الأراضي السعودية تقول بأن الحوثيين يرغبون في أن تكون السعودية طرفا إقليميا في المعادلة فهي دولة ذات أكثرية سنية وحليفة للولايات المتحدة، وفي ذات الوقت هي أبرز دولة عربية تقف بشكل مباشر أمام التمدد الإيراني في المنطقة. من خلال إقحام السعودية في الصراع، كان يأمل الحوثيون في أن تقوم السعودية برد عنيف أو متعجل يسقط من خلاله الكثير من المدنيين وتضطر السعودية معه إلى الدخول إلى الأراضي اليمنية، وبذلك يتعزز موقع الحوثيين في الداخل والخارج بوصفهم مدافعين عن أراضيهم بوجه جار متسلط.
حتى الآن فشل هذا الرهان، فالرد السعودي كان متعقلا ومدروسا، وقد قاومت السعودية فكرة الاستدراج هذه فوفرت ممرات آمنة للنازحين، وفرضت حصارا بحريا على منافذ التهريب للأسلحة والأفراد، كما أنها مستمرة في رد محاولات التسلل التي تجري بشكل شبه يومي. هناك ثقة كبيرة في قدرة السعوديين على التعامل مع هذه الأزمة مهما استغرقت، ولكن لا بد من الإقرار أن مفاتيح التهدئة - كما يقال - ليست في الضاحية الجنوبية أو صعدة بقدر ما هي في طهران، والرد على إيران لا يكون في أي من وكالاتها بل في التدخل المباشر في مفاوضاتها النووية مع الدول الغربية.
* نقلا عن الرياض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.