لم يكن النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب الذي فشل في تفجير طائرة أميركية يوم عيد الميلاد بينما كانت متجهة من أمستردام إلى ديترويت (شمالي الولايات المتحدة) سوى مشروع انتحاري للقاعدة في جزيرة العرب برعاية وعلم اطراف في الاستخبارات الامريكية وبمساعدة بريطانية، ربما كان يصب لضربة قوية للرئيس اوباما وإدارته وسقوط مبكر أمام الرأي العام الأمريكي لصالح خصومه من اليمين ، وربما لبلوغ بريطانيا الحشد الدولي لمساندة مشروعها المعرف بالجنوب العربي، فيما كان اليمن هو كبش الفدى لفاتورة تدخل واطماع استعمارية قديمة جديدة..هكذا تظهر مختلف التقارير المتفجرة ما بعد فشل المختار عبدالمطلب وان كانت بصيغ وتناولات مختلفة . في بعض ما ترصده تلك التقارير أن اوباما وإدارته كان شغلهم الشاغل معالجة ملفات أفغانستان والعراق والنووي الإيراني على نحو انصب لإثبات انتصار سياسته الجديدة على سياسة سلفة بوش الابن بوصف الأخيرة تتسم بالفشل، وبالمقابل كانت أطراف في أجهزة الاستخبارات الأمريكية وبتعاون بريطاني ، المعتمد على معلوماتها في صناعة القرار تعمل عكس ذلك بل تجر الرئيس الحالي لإغراقه في مستنقع جديد ولتدخل عسكري مباشر ساحته اليمن عبر تنمية المخاطر حول تنظيم القاعدة وتجمعه في اليمن وفشل الدولة في السيطرة على البلاد ومكافحة القاعدة وهو ما حصل خلال عام 2009، وبالتزامن كانت تلك الأطراف في ذات الوقت ترعى وبصورة مباشرة وغير مباشرة نمو القاعدة في الأراضي اليمنية من خلال التلاعب بالمعطيات المقدمة من اليمن وعديد من الدول العربية والغربية حول مناخ شجع نمو هذا التنظيم، متمثل بتجاهل تورط أطراف استخبارية ودول توسعية في دعم نشاط متطور للجماعات الإرهابية المسلحة والمتطرفة المختلفة أيدلوجيا والمتفقة هدفا على زعزعة امن اليمن وتقسيمه وإشعال التمردات وأعمال التخريب كمنطلق يستهدف امن المنطقة بأكملها. في السيناريو الذي كان يحضر له لو نجح عمر الفارق في مهمته الانتحارية ، هو تدهور بل سقوط مبكر للرئيس اوباما أمام الرأي العام الأمريكي وباستثمار مباشر من قبل خصومه ، ولم يكن اوباما ليحتوى تدهور شعبيته الذي كان سيصاحب ذلك غير توجيه ضربه بتدخل مباشر شبيه بما تبع 11 سبتمبر وساحتها اليمن واقلها تدخل دولي في البلاد كما تتبناه بريطانيا.. هنا يتلخص المشهد .. انتصرت الإدارة السابقة لما اتبعته في سياساتها لمحاربة الإرهاب ،وأعلن الرئيس الأسمر فشل سياسته مجبرا والتي يتبناها لصيغ أكثر عمقا في الملفات الملتهبة..وحصلت بريطانيا المتورطة في اشعال الصراع الجاري جنوب اليمن ودعم جماعات الانفصال على المكافئة بحشد التأييد الدولي في تدخل لتقسيم اليمن بحجة مكافحة الارهاب. كانت المعلومات التي تكشفت خلال الأسبوع الماضي ستموت وتختفي لو نجح النيجيري الانتحاري المختار في مهمته ، وكان اليمن سيدفع الثمن من أمنه واستقراره نتيجة ما كان سيتبع من تهور أمريكي وتحضير بريطاني مدروس، بدليل الحملة القائمة وغير المسبوقة التي يشنها اليمين والجمهوريين ضد الرئيس الحالي والتي اعتبرت أن سياسة الأخير أضعفت الولايات المتحدة وان رده الذي تبع فشل عملية النيجيري في تفجير الطائرة الأمريكية متخاذل في منع المخاطر عن الشعب الامريكي ، بل تطالب بتدخل حربي وعسكري مباشر في ضرب اليمن.. وبدليل بريطاني ايضا يتلخص بدعوة رئيس الوزراء لتدويل مشكلات اليمن في مؤتمر تم الموافقة الغربية عليه بما يتبعها من اهداف خطيرة. بتكشف المعلومات والتي يبدوا أن الرئيس الامريكي اوباما تأنى في الحصول على معرفتها لاتخاذ إجراءات وفق مستوى الحدث –رغم ضجيج لإخفاء حقيقة مشروع الانتحاري النيجيري – يؤكد مسئولين يمنيين حاجة البلدين الى صيغة جديدة للتعاون في مكافحة الإرهاب. ويبرز المسئولين اليمنيين ان مكافحة الإرهاب كان وما يزال جهدا وطنيا تعمل البلاد على معالجته ، ويعتقدون في موجبات الشراكة الدولية في مكافحة الإرهاب أن تعيد الولايات المتحدة صيغتها بمفهوم أوسع واشمل مما اعتمدت عليه في السابق بدرء ما يضرها والتغاظى عن مادون ذلك وان كان يقوض استقرار وامن اليمن ، مشيرين إلى أن ما يعصف باليمن من بطالة وفقر بجانب تنمية محدودة وقدرات وأنظمة امنية متواضعة ،وأعمال إرهاب وتخريب بصيغ وجماعات متطرفة ومختلفة تغذيها أطراف خارجية ،كل ذلك منظومة شاملة للتعاون والشراكة المفترضة. يتحدث التقرير الذي تلقاه الرئيس اوباما حول التحقيقات في المحاولة الفاشلة التي نفذها النيجيري عمر المختار عبدالمطلب عن علم الاستخبارات الامريكية بأمر الانتحاري وعن معلومات عن مراميه ، وعن تجاهل كل ذلك بما فيها تحذيرات والد عمر للسلطات الأمريكية عن نويا ابنه ، بل لم يتم إيقافه او منعه عن السفر للولايات المتحدة والابقاء على تأشيرة منحت له وتنتهي عام 2011 بالإضافة إلى تجاهل حتى تكثيف تفتيشه.. كما أن من التقارير المسربة عبر الصحف الأمريكية والبريطانية ، علم السلطات البريطانية بوجهت عمرعبدالمطلب ورعاية مشروعه بل جند من قبل القاعده هناك وغيره الكثير ، ومنها التايمز التي قالت انه رابع رئيس لجماعة اسلامية طلابية في لندن يواجه اتهامات بالارهاب في السنوات الثلاث الاخيرة.. وذكرت ان عمر عبد المطلب ترك كلية لندن الجامعية العام الماضي. كما ذكرت انه تم تجنيد عمر هناك وان بريطانيا رفضت طلبه لتجديد تاشيرة الدخول للدراسة في مايو الماضي. وهذه الأجهزة هي ذاتها التي تجاهلت كافة المعطيات المقدمة من اليمن بل ومن دوائر استخبارية عربية وغربية والتي أكدت أن نمو تنظيم القاعدة في اليمن مرتبط بمناخ تطور نشاط الجماعات الإرهابية المسلحة الأخرى والخارجة عن القانون.. وهي ذات الأجهزة التي لا تزال ترعى حركة التمرد الحوثي منذ 2004 متجاهلة ادراجها في قائمة الجماعات الإرهابية رغم ما بات مشهودا للعالم من عبث مخططها وبدعم ومساندة إيرانية معلنة .. وهي ذاتها نفت كل المعلومات والمعطيات التي تكشف دعم إيران للتخريب والإرهاب في اليمن من الحوثيين والقاعدة وجماعات الانفصال والتي شكلت بحراكها المسلح غطاء للقاعدة ،وكانت توصياتهاان الحكومة اليمنية تريد جر امريكا لمواجهة مباشرة مع ايران.. كما انها التي تجاهلت تعزيز احتياجات اليمن لمزيد من الدعم لواقع الفقر والبطالة المتفجرة كأحد الأسباب التي تدفع بالجماعات الإرهابية والمتطرفة لتجنيدالشباب ، وهي من تجاهلت معلومات عن تورط بريطاني في تسهيل انتقال الاسلحة والمتطرفين الى جنوب اليمن عبر بارجاتها الحربية في خليج عدن بحجة مكافحة القرصنة بالرغم من انها تتجاهل نشاطهم في البحر. كما أنها ذات الاجهزة التي تجاهلت اعترافات الرجل الثالث في تنظيم القاعدة المدمج مطلع 2009 من يمنيين وسعوديين تحت مسمى "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" وهو السعودي محمد عتيق العوفي الحربي الذي يوصف امريكيا بأنه «صانع قنابل القاعدة»، حيث كشف في اعترافات تلفزيونية بعد تسليم نفسه لسلطات بلاده منتصف العام الماضي أن إيران ترشد تنظيم «القاعدة» إلى أهداف استراتيجية ليتولى ضربها عناصره الذين ينظرون إلى ذلك بالجواز المطلق العام..كما جاء في اعترافات العوفي أن المتمردين الحوثيين داخل اليمن عرضوا عليه التفاوض من أجل ضرب أهداف في السعودية واليمن، بدعم مالي من إيران. وقال: «تحدثت مع مجموعة مسلحة في أحد الأودية داخل اليمن اثناء تمركزي هناك، وطلبوا مني التعاون مع قائدهم عبدالملك الحوثي، وطلبت منهم مغادرة المكان خلال 24 ساعة بعد شجار بيني وبينهم». وأضاف: «غضب عليّ زعيم التنظيم في الجزيرة العربية ونائبه بعد أن علما أني طردت الحوثيين، وأن الشجار أوشك أن يتحول تراشقاً بالنار، وقالوا لي: «يا أبا الحارث من باب المصلحة العامة أن نتفاوض معهم من أجل سحب الأموال، وليس لدينا أي مشكلات معهم، وقضيتنا مع السعودية واليمن فقط»..وذكر العوفي «ان التنظيم كان سيفرض عليّ حصاراً داخل اليمن في منطقة نائية، إلا أنني استعجلت وسارعت بتسليم نفسي إلى السلطات السعودية». إلى ذلك وفي سياق تصاعد المواجهة التي يقودها اليمين الأمريكي ضد الرئيس باراك أوباما حول ملف الأمن القومي، أكد معلقون ديمقراطيون قناعتهم بأن أوباما بصدد محاسبة غير مسبوقة للمسؤولين عن إغفال معلومات خطيرة، الأمر الذي سمح بمحاولة المتهم النيجيري عمر عبدالمطلب تفجير طائرة ديترويت، الحادثة التي استغلها اللوبي الصهيوني للدعوة لاتخاذ إجراءات قمعية بحق العرب والمسلمين . وأضافت المصادر أن قرارات تتعلق بإعفاء مسؤول أو مسؤولين كبار من مناصبهم، قادمة لا محالة ولو بعد حين، أو بتأجيل زمني بسيط حتى لا يحبط مجتمع الأمن القومي الأمريكي . جاء هذا بينما أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما ولأول مرة مسئولية القاعدة في جزيرة العرب والتي تتخذ من اليمن منطلق لها بالوقوف خلف محاولة تفجير طائرة "ديترويت" ، وأكد عزم بلاده مواصلة تقوية و تعزيز تعاونها مع اليمن خلال الفترة القادمة خاصة في المجال الأمني ومكافحة الإرهاب والقرصنة . وأشاد الرئيس الأمريكي في حديثه الأسبوعي الذي بث مساء الجمعة-السبت عبر الانترنت والراديو بمستوى التعاون والشراكة القائمة بين اليمن والولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب في الوقت الحاضر . وقال " لقد أقمنا شراكة جديدة مع اليمن، ومارسنا ضغوطا متواصلة على الإرهابيين, حيثما تواجدوا لتدبير المؤامرات والتدريب، من شرق أفريقيا إلى جنوب شرق أسيا، ومن أوروبا إلى (منطقة) الخليج.. وكان نجاحنا واضحا ". وتابع قائلا : " وكوني رئيسا للولايات المتحدة, فقد جعلت من أولوياتي تقوية شراكتنا مع الحكومة اليمنية لتدريب وتزويد قواتها الأمنية بالمعدات وتبادل المعلومات الإستخباراتية ودعم جهودها لضرب الإرهابيين من أعضاء تنظيم القاعدة. " وأردف الرئيس الأمريكي " تمكنا من خلال العمل مع شركائنا من عرقلة تمويل الإرهابيين وقطع عمليات التجنيد وكبدنا قيادة القاعدة خسائر جسيمة، وأحبطنا مؤامراتهم في الولايات المتحدة ، وأنقذنا أرواحا لا حصر لها من الأمريكيين". وكان أوباما بدأ مراجعة دقيقة لتقرير وتقييم استخباري حول الحادث قدمته له أجهزة الاستخبارات بما فيها تقارير عبر الهاتف من كبير مسؤولي مكافحة الإرهاب جون جرينر، وآخر من وزيرة الأمن القومي جانيت نابوليتانو، وهي المراجعة التي سيناقش نتائجها المبدئية مع جميع مسؤولي وزارات ووكالات الأمن والاستخبارات في اجتماع دعاهم إليه أوباما مساء الثلاثاء المقبل . وقد أرسل أوباما مسؤولين من إدارته لاطلاع أعضاء الكونجرس بلجنة الاستخبارات على تطورات التحقيق في الحادث، إلا أن بعض الأعضاء خرجوا بعدها ليؤكدوا ان تلك الجلسات لم تحمل معلومات جديدة . وقد استمرت الأجهزة الأمنية الأمريكية المختلفة في تحقيقات مكثفة حول تفاصيل الحادث، كما استمر تبادل الاتهامات رغم محاولات الرئيس الأمريكي إبقاء الأمر طي المراجعة الداخلية في الإدارة . وكان مسؤولون أمريكيون قد اتهموا وكالة الأمن القومي الأمريكي بأنها لم تبلغ أو تلفت النظر للأجهزة الأخرى إلى الاتصالات التي رصدت في اليمن خلال الخريف المنصرم، وكانت تتحدث عن عملية إعداد "شخص نيجيري" للقيام بهجوم لصالح القاعدة . وسرب بعض المسؤولين الأمريكيين معلومات عن وجود رصد المكالمات ومحادثات مباشرة بين عبد المطلب وشيخ يمني هو أنور العولقي ،الذي سبق اتهام الضابط الأمريكي المتهم بإطلاق النار على زملاء له منذ أسابيع نضال حسن بالتواصل معه . المعلومات نفسها التي تواردت اليومين الماضيين أكدت أن وزارة الخارجية الأمريكية، ووكالة الاستخبارات "CIA" علمتا عن طريق والد عمر عبدالمطلب في نيجيريا أن ابنه يتعامل مع راديكاليين باليمن وانه قطع كل اتصالاته بالعائلة، وهو ما ترتب عليه تسجيل اسم عبدالمطلب للمرة الأولى على قوائم الكمبيوتر، إلا أن كلا من الخارجية الأمريكية وال"CIA" لم تبحثا في ما اذا كان هذا الشخص لديه تأشيرة دخول صالحة لدخول الأراضي الأمريكية، وبالتالي لم يتم وضع اسمه في كشوف المراقبة والا كان تم منعه من ارتياد طائرة أمريكية أصلاً . وكانت لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ قد أعلنت عن قرارها البدء في جلسات استماع حول الحادث للتحقيق في ملابساته وأداء أجهزة الأمن، في الوقت الذي بدأ ديك تشيني نائب الرئيس السابق وبشكل مفتوح حملة ضد أوباما وإدارته، حيث اتهمه بالضعف حيال حماية أمريكا وأمنها القومي، وكرر تشيني "بأن أمريكا في حالة حرب" . وأضاف "عندما يدعي أوباما أننا لسنا في حالة حرب فهذا ما يجعلنا أقل أمناً، لماذا لا يعترف بأننا في حرب؟ من الواضح ان نظرة أوباما للعالم وهي النظرة التي جاء بها ضمن أهداف رئاسته حول التغييرات الاجتماعية وإعادة تنظيم المجتمع الأمريكي من الواضح ان نظرة أوباما تلك غير مفيدة . وأشار تشيني الى ان أوباما يضع رأسه في الرمال متجاهلاً انه كانت هناك محاولة لتفجير طائرة وقتل المئات . والى جانب تشيني، سارع زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب جون بونير (من أوهايو) بمطالبة أوباما بإلغاء قراره المتعلق بإغلاق معتقل غوانتانامو، وأيضاً وقف "شحن" المعتقلين منه الى مختلف دول العالم . وقد سارع الديمقراطيون بالرد بأن هؤلاء الذين يتهمون أوباما تناسوا ان من يتهمونهم بالعودة الى الارهاب والتآمر ضد أمريكا من معتقلي غوانتانامو السابقين، كلهم تم الافراج عنهم من إدارة بوش تشيني وليس أوباما . وبينما تواصل الحرب حول الأمن القومي الأمريكي، استمرت عمليات وضع المزيد من اجراءات التفتيش والمراقبة في مختلف المطارات الأمريكية لدرجة غير مسبوقة حتى بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، وهو ما استفاد منه الى حد كبير تيار اليمين المسيحي الصهيوني والمحافظون الجدد ووصل الأمر لمطالبة هؤلاء بمراقبة دقيقة لكل المسلمين والعرب بمن فيهم الأمريكيون الذين ينتمون الى أصول بعينها من المسلمين ومنعهم من الصعود الى الطائرات قبل التأكد من تفتيشهم بشكل كامل .