كشفت الثورات العربية الأربع حتى الآن أن كل حاكم يسقط يبدو عند الذي بعده وكأنه ملاك، فعلي زين العابدين المسكين الذي زعم أنه لم يفهم إلا متأخراً سلم الجيش السلطة وهرب، وعذر زين العابدين أنه أول من استقبل الثورات، لم يكن لديه درس قبله يتعلم منه، لم يدرك أن هناك تداعيات فادحة، إن لم يحسن إدارتها، لم يكن لديه أنظمة سابقة يتجبر عليها ويقول لسنا القاهرة ولا اليمن، أُخذ على حين غرة وجاءت (الطقة في رأسه). المشكلة أن المظاهرات تشعلها عادة شرارة - لا أقول صغيرة لأن مقتل إنسان وترك قاتليه يتمتعون بالحرية لأنهم من أفراد الأمن كما في مصر، أو سلب مواطن بضاعته من التفاح لأكلها وترك البائع يجوع وإقفال باب المجلس البلدي في وجهه حين ذهب يشتكي في تونس - ليست سوى القطرة التي فاضت من الكأس، المظاهرات والاعتصامات تحدث لأن هناك أمراً فاض به الكأس ويطلب حلاً، لكن المعالجة هي التي تجعل الأمور تتداعى إلى حد عدم القبول بأقل من سقوط الرئيس. الحكام الذين ثارت عليهم شعوبهم، أطلقوا عليهم الرصاص والغاز المسيل للدموع، والطائرات، والقناصة، وحين لم ينفع ولم يرتدعوا، أطلقوا عليهم الحيوانات من حديقة الحيوانات لأن الأسد حين يأكلك لن يطالب أحد بمحاكمته، ثم أطلقوا عليهم اللصوص والمسجلين خطر من السجون، لم تدخر طريقة لإرهابهم، حتى إن معركة دارت وأطلق عليها معركة الجمل استخدم فيها الجمل والحصان في ميدان التحرير وانتصر عليها فريق الفيس بوك واحد صفر. المشكلة أن الثورات التي تلت ثورة تونس كانت تحمل سماتها الاحتجاج على الفساد والظلم وغياب القوانين العادلة، لكن البعض لا يريد أن يفهم، ولم يقل حتى فهمتكم، كل ما حصل مع زين العابدين الوديع، وكل ما قدم للشعوب هو حقوق كانت معطلة، وبدا الأمر وكأنه معالجة وتطوير وإصلاح، لم يحاسب أحد عن الأخطاء السابقة لأنه اعتبر جزءاً من النظام، وكل إدانة ولو لرجل صغير من النظام تبدو وكأنها إدانة للنظام نفسه. أما من خرج عليهم فهم مجرد «شوية عيال شوفوهم عاوزين إيه»، أو جرذان أو مندسين، أو أصحاب أجندة غربية، وعليه انظروا ماذا قال الرؤساء المثار عليهم والمخلوعين، لشعبه قال الأول فهمتكم، والثاني قال عاوز أموت في مصر، والثالث قال سأموت شهيداً حتى أقتل آخر جرذ فيكم، أما الرابع حين اجتمعت الملايين في اليمن، ومنهم قبيلته، وقائد قطاع الجيش في الشمالية والغربية وساعده الأيمن وقالوا له: ارحل. رد عليهم: ارحلوا أنتم. [email protected] الحياة