للثورة اليمنية سَمْتُها الخاص، تنمو وتتصاعد، تتوسع رقعتها، يتألق أبناؤها، يتخلصون من كثير من العادات السيئة، والصفات الخاملة، تركوا السلاح وأقاموا منتديات الحوار والتفاهم، تعودوا على قبول الآخر، شعروا بحلاوة الأخوة، أحد المعتصمين بعد أداء الصلاة صافح من كان عن يمينه وسأله من أين أنت؟ أجابه: من تعز، والتفت ليصافح من صلى عن شماله فسأله فقال: أنا من محافظة شبوة فأجهش بالبكاء، وقال لم أشعر بمتانة الوحدة إلا في هذه الثورة، صور لا تحصى من البهاء والجمال والسمو والتضحية يصعب التعبير عنها، ماكان لها أن تظهر بعد سنوات من النكد وزرع الأحقاد والضغائن لولا هذه الثورة!! تستكمل الثورة أسباب النصر بما في ذلك إقامة الحجة على الظالمين، وكشف تعنت النظام أمام دول الجوار والمجتمع الدولي، فقد أعلن الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي مبادرتهم قبل أربعين يوماً، لكن النظام تعامل معها بطريقته المعهودة في المماطلة والتسويف وإثارة الزوابع حول دولة قطر، ومحاولة كسب الوقت، وظل يطلب التعديل والتغيير، ولم يدرك الأشقاء أسلوب المكر الذي ظل يستخدمه مع المعارضة لأكثر من عشر سنوات، وجاءت النسخة الرابعة من تلك المبادرة لتصبح مشكلة وليست حلاً، لأنها تعاملت مع الثورة الشعبية الشاملة كخلاف بين قوى سياسية، وسيتكرم الرئيس بالتدخل لحلها، لم تستوعب أنه صار خصماً وسبباً رئيساً لكل المشكلات!! من المؤسف أن إخواننا في الخليج لم يدركوا أنه خلال مدة مبادرتهم سفك النظام دماء أبناء الشعب وسقط عشرات الشهداء وآلاف الجرحى، وما زال يكيد ويؤجج نار الفتنة والحرب، وقد شعر اليمنيون بالأسى لأن المساعي الحميدة لم تفلح في حقن دماء اليمنيين، وبدا وكأن الأخوة الخليجيين قد أداروا ظهرهم للشعب وثورته وشبابه، انحازوا للماضي، ولم يختاروا المستقبل، ومع ذلك فسنظل إخوتهم وجيرانهم ولن نستغني عنهم، لكن الثورة يمنية، واليمنيون معنيون بانتصار ثورتهم بغض النظر عمن خذلهم أو وقف معهم!! بعد انسداد المسار السياسي زاد الحماس في الساحات، وارتفعت وتيرة الاحتجاجات في مختلف المدن، ويحشد النظام كل ما في جعبته من أموال وأسلحة وقوات للتصدي للشعب الثائر، يحاول افتعال الأزمات من محافظة إلى أخرى في الغاز المنزلي والبنزين والديزل والكهرباء ، لكن الشعب يتكيف مع أسوأ الأحوال، ويمضي لتحقيق أهداف ثورته، التي تظهر ثمارها ويدنو أوان قطافها، ويستغرب من يدخل ساحات الاعتصامات وهو يرى نصب الخيام الجديدة، واستمرار إدخال التحسينات على الخيام القديمة لتكون أكثر ملائمة للحرارة والأمطار، إشارة إلى الإرادة القوية والعزيمة على الصمود حتى تصل الثورة إلى مقاصدها.. كل يوم يكسب الثوار ويخسر النظام، واعتماده على الأكاذيب والحيل يعجل بيأس الأقربين منه، بل إن السقوط الأخلاقي الذي تبديه آلته الإعلامية تزيد الثورة قوة، وثقة في نفوس الشعب، يكثر أنصار الثورة ويقل أنصار النظام، تتصدع الأعمدة التي يعتمد عليها، وحتى الأموال والأسلحة التي يوزعها تزرع الحسد والحقد والضغائن بين أتباعه. ولعلنا اليوم أقل قدرة على مخاطبة شباب الثورة في أن يتحلوا بالمزيد من الصبر، لأن النظام يغلق كل الأبواب التي تجنب اليمن الخسائر والتضحيات، لكننا نؤكد لهم بأن الحماس لا يمنع استكمال الأسباب، وضرورة تنسيق الجهود، والحكمة تعني وضع الشيء في مكانه، وعليهم أن يحذروا الاندفاع دون ترتيب، عليهم أن لا ينقادوا للمصايد التي يعدها لهم النظام فيسهل عليه اقتناصهم ولاسيما وقد عرفوا قسوته ومكره وعدم مبالاته بالدماء!! إن أبناء الشعب الثائر الذين يتقدمهم الشباب يظهرون بطولات نادرة، وتضحيات عظيمة، وقد حققوا إنجازات كبيرة، ويكفيهم أن ثورتهم شلت حركة النظام وحاصرته، وأكسبتهم عطف القريب والبعيد، واقتنع الداخل والخارج بأحقية مطالبهم، والأعين ترقب لحظة انتصارهم، والنصر صبر ساعة، وإذا كانت الشجاعة لا تتنافى مع الحكمة، فإن الإقدام لا يعني التهور، والتوكل لا يمنع الأخذ بالأسباب. ومع ذلك فإن التغيير لا يتم بدون تضحيات، وإذا كانت أمتنا على أعتاب ميلاد جديد، فإن لكل مخاض آلام، ونسأل الله السلامة للشعب وللمولود الذي ينتظره بفارغ الصبر الصحوة نت