عزيز محمد - كشفت مفردات الأزمة اليمنية الطاحنة خلال الأيام الماضية حقيقة معضلة قوى المعارضة اليمنية المشتتة والتي تنخرها الصراعات بحسابات الثورة وتلاعب مراكز القوى في مسعى للابتلاع والهيمنة مع ضعف تكويناتها وغياب الرؤية الواضحة والموحدة ، ما يعد مؤشرا جليا في مسار إعاقة التحول وإحداث التغيير المنشود للشعب اليمني وبدعم إقليمي ودولي. لم يعد بمقدور واشنطن مساعدة معارضة لا تريد أن تساعد نفسها في الطريق الى القصر الجمهوري، حتى المقترح الذي جاء من أروقة السفارة الأمريكية بصنعاء بموازاة الضغوط على النظام لنقل السلطة ولإسناد المعارضة المبعثرة ونقل الكرة لملعبها عبر مشروع كيان"المجلس الوطني".. تهاوى منذ لحظته الأولى وتعرض لمذبحة سياسية مع إصرار مراكز القوى العسكرية والقبلية المتشددة في جبهة المعارضة ورموزها التقليدية داخل حزب الإصلاح على عدم استيعاب المطلوب. حين سارعت واشنطن عبر سفارتها والأروقة السرية لاقتراح الإتلاف الجديد للمعارضة ،كانت تسعى للملمت شتات الاخيرة في برنامج سياسي واحد خلال الفترة الانتقالية يمكن أن ينال ثقة المجتمع الدولي التي تعتمد سياسته الخارجية على التعامل مع طرف واحد وليس أطرف متشعبة كما هو حال القوى المناهضة لنظام الرئيس صالح. ما تأكد هو أن القوى المناهضة للنظام تعاني من معضلتين رئيسيتين ، الأولى في عدم تجانسها وتباينها في رؤاها للمخارج من الأزمة كلاً حسب معتقداته الفكرية وعلاقاته السياسية إضافة إلى تشعب تيارات الحراك الجنوبي ومطالبة بعضها بواقع جديد في الجنوب يبدأ بتقرير المصير ..والثانية والأخطر بروز مركز القوى بنهج الرصاص والبارود والجهاد بمسمى حماية ثورة الشباب والوصاية عليها وبمنطق الاجتثاث للأخر وإسقاط الدولة ساعية للاستحواذ مكبلة للتغيير . كل ذلك الفشل الذي أظهرته قوى المعارضة والتي تتصدرها أحزاب تكتل المشترك بقيادة الإخوان معززا لشكوك المجتمع الدولي الذي لا يثق حتى اللحظة بإمكانية توافق هذه القوى على صيغة حل موحدة تجاه الأزمة وبعدها خلال الفترة الانتقالية وتجنب الصراع فيما بينها ، فضلا عن الشكوك في قدرة المعتدلين على ترويض مركز القوى المتشددة والمغامرة مع ما تنتجه ممارساتها على الأرض من مخاوف انتهاء الديمقراطية وانتقال السلطة إلى قوى متطرفة. على أن عدم بروز أي موقف خارجي حتى اللحظة حول "المجلس الوطني" إيجابا أو سالبا" والاكتفاء بترقب الانهيارات المتسارعة في صفوفه مع محاولات إنعاش الكيان الوليد بتعهد المعارضة على إعادة النظر في تركيبته، لا يخفي حقيقة تعقيد الأزمة اليمنية وعدم ارتباطها فحسب بانتقال السلطة وإزاحة الرئيس صالح ، بل تمتد لتوجه داخل أروقة الخصوم لإسقاط الدولة، بدليل الفعل المسلح الموجه والممنهج وبخارطة موسعة صوب الجيش النظامي وتعطيل وتفكيك مؤسسات الدولة. يدرك حزب الإصلاح "الإخوان" بقواه التقليدية العسكرية والقبلية بقيادة "الأحمرين" الوجه الأقبح للنظام من خلال مليشيات الرعب والفوضى ، بان أي نجاح يتبلور في حل للازمة اليمنية سواء بتسوية مبنية على التوافق مجنبة انهيار الدولة ، أو عبر مسار انتفاضة الشباب وبكل تكوينات المعارضين والمستقلين ، يقودان لنتيجة واحده تتمثل في مسار سلمي لانتقال السلطة مع احتواء التمرد وانشقاق الجيش لصالح الدولة وانجاز التحول والتغيير . ولن يكون التغيير ومتطلبات التحول إلا بإزاحة مراكز القوى من أطراف الأزمة اليمنية وان مؤقتا ، وصولا لصناديق الانتخابات العقدة التي دوما ما سقط وتلاشى فيها حزب الإصلاح مع كل منعطفاتها السابقة نظرا لرفضه من قبل الشارع، فكيف وقد زادت إليه أخطاء قاتلة خلال "ثورة الشباب" بممارسات الإقصاء والاستحواذ من ثنايا الساحات وصولا لابتلاعها من قبل مركز القوى بمسمى أنصار وشيوخ وحرس ومقاتلي ومرشدي الثورة. ما يتأكد هو أن حزب الإصلاح -الطرف البارز في معادلة الصراع بتياراته التقليدية القبلية والعسكرية لن يقبل بغير حضور يجعل من تلك الأذرع ورموزها راعية للنظام الجديد وإعادة منظومة من الاستبداد المضاعف باسم الديمقراطية ، وليس غير الصدام والعنف والفوضى وتفجير الصراع العسكري الواسع بقادر على أن يجعل من رموز تلك القوى جزاء من أي تسوية قادمة في حين أن بقائها عائق أمام أي تحول. ومن خلال متابعة مجريات الأحداث منذ مايو الماضي يمكن الجزم بأن القوى المتشددة من ثنايا "الاخوان "المعارضة والمعادية لخيار التسوية بالحوار والتوافق قد حسمت أمرها نحو مسار العنف والفوضى وتفجير الأوضاع عسكريا لإسقاط الدولة. هي هنا في مثل هكذا توجه لا تشكل خطرا فحسب على برنامج المعارضة بمختلف توجهاتها الفكرية والسياسية لكونه يجمد عملها ويفرض منطق جديد يقوم على اعتبار الطرفين –مراكز القوى والمعارضة -ركني أي تسوية قادمة، بل تمتد الخطورة إلى قدرة هذه القوى فرض سيطرة كاملة على التحول أن تم انجازه بإعادة منظومة من الاستبداد المضاعف باسم الديمقراطية والتي لن تكون إلا إضعافا لكل الأطراف من تكتلات وقوى سياسية بمن فيهم الشباب أصحاب المصلحة الحقيقة في التغيير. أمس الاول كان حميد الأحمر القيادي الإصلاحي للمنظومة القبلية واحد عناصر الصراع الحالي على السلطة في اليمن يوجه رسالة تهديد ووعيد إلى السعودية ،أكثر منها رسالة موجهة للنظام ،مفادها حسم موقف معسكر التشدد في المعارضة نحو تفجير الأوضاع بالطريقة التي رسمتها وتمكنها من إقصاء كافة مكونات ورموز وهيئات النظام الحالي بل ومؤسسات الدولة. الأحمر ورغم أن حديثه لقناته "سهيل" جاء بمفردات استعلائية مستفزة متحدثا باسم الشعب اليمني والمعارضة والشباب وثورتهم، مثل في توقيت ظهوره مؤشرا حقيقيا لقرب توصل أطراف الأزمة لتسوية مبنية على مبادرة الخليج والية مبعوث الأمم المتحدة، فدوما ما اقترن الأحمر بتصريحاته العنترية مع كل خطوات توافق وحلحلة للازمة كمسعى لإفشالها. تجاوز الأحمر خطوط المرونة السياسية للمعارضة إلى مربع الإقصاء والتربص وبممارسات وأفعال متطرفة لإنهاء وجود الآخر في الساحة السياسية ، عبر عنها القيادي الاشتراكي محمد المقالح الذي هاجم تصريحات الأحمر بوصفه شخصا مستفز وان خصومته"مع الرئيس" شخصية وثأرية ولا علاقة لها بالوطن والوطنية، داعيا إياه أن كان حريصا على "الثورة" إلى أن يتوارى إلى الخلف لأنه في كل مرة يطلع بتصريح مستفز يطرد نصف المتعاطفين مع الثورة. وتساءل المقالح في تعليق له على تصريحات الأحمر حميد عن سبب تدخله في الحديث في كل منعطف من منعطفات "الثورة" وهل يريد أن يقول انه الأصل في "الثورة" وان البقية الفرع . القائم بأعمال السفير الأمريكي بصنعاء اليزابيث ريتشارد كانت قبل أيام ترسل إشارات واضحة في اتجاه ليس ببعيد عن هذ الخط لجانب اللواء المنشق عن الجيش على محسن حين إلتقته بمقره في الفرقة الأولى مدرع محذرة إياه من أي إقدام على مغامرة غير محسوبة بتفجير الأوضاع الأمنية والعسكرية. التحرك الأمريكي صوب مركز قيادة تنطلق منه كل العمليات الموجهة لاستهداف المؤسسة العسكرية في أكثر من منطقة منذ عدة شهور وبغطاء قبلي ، مدرك لخطورة تحول الانشقاق إلى تبعية لحماية مراكز نفوذ مع تشكيلة مضافة من مرتزقة لتحقيق طموحاتها السلطوية ما يعني إعاقة مسار التحول المنشود والذي سيضطلع به نائب الرئيس عبدربه منصور هادي وتعقيد مسار إعادة كيان الجيش الواحد وتحييده عن صراع الساسة. المؤكد أن ما يُقرءا من التطورات الميدانية هو توجه الجنرال لتوريط القوات المنشقة بإسناد كبير وبكل الإمكانيات للمليشيات القبلية والجهادية في حزبه الإصلاح لتفجير صراع قد يؤدي إلى تدمير الجيش اليمني كله ، الأمر الذي يدرك مخاطره الخارج وكثير من الوطنيين في السلطة والمعارضة على السواء برأي مراقبين. ومعلوم أن واشنطن لا تستند لتقارير السلطة أو المعارضة في إطار الاتهامات المتبادلة ، بل لمعطيات مرصودة عبر قنواتها المعروفة لتحركات التحشيد والتجنيد والتسليح والاستعداد الحربي لتفجير الأوضاع على الإيقاع القادم من طرابلس. يمكن القول هنا أن محاولة الأطراف المتشددة رفع سقف الخطاب نحو الآخر بدعوات حسم المعركة بزخم ومعنويات ثوار ليبيا العسكرية،ما هي إلا مدارات لانتكاساتها خلال الفترة الماضية والهروب من تبعات الفشل السياسي الممزوج بعمل مسلح ثبت عجزه مع كثير من الخيارات الأخرى المندفعة بطموحات شخصية وحزبية بمسمى حماية ومناصرة الثورة. الأيام الماضية عادة لتضع اليمن بالواجهة استنادا لتوقعات التصادم الكبير الذي يمثل فيه المنتصر مهزوم نظرا لواقع الانقسام في بنيان المجتمع وباتجاه تشعبات أطراف الأزمة ، وبموازاة ذلك فشلت المعارضة التي ينخرها الشتات في أول امتحان يمكن من خلاله أن تنال ثقة الخارج واعطاء إشارات ايجابية وتطمينات وتعهدات للمحيط اقلها أن يمضي اليمن واليمنيين بخير بدون الرئيس صالح. إضافة إلى ذلك فان قوى المعارضة بحاجة إلى معجزة تنتشلها وشباب الساحات من أزمة صراعاتها الداخلية ومن براثن أركان الفساد التي ركبت موجة الثورة لتحتمي بها مع مصالحها والمسمى الظاهري حماية ومساندة الثورة .. فهذه الاركان هي الصورة الأكثر بشاعة في النظام وإعاقة بناء الدولة لصالح استدامة الفساد والاستبداد باليمن. ما بات معروف لدى الجميع هو الشعارات التي يرفعها شباب الثورة هذه الفترة والتي تطالب بتطهيرها وتحريرها من الشخصيات التي تحاول أن تهيمن وتبتلع وتصادر قبل بلوغ اي اهداف، كما تنادي بإنقاذها لإنجاح مطالب التغيير، عبر رحيل جميع مراكز القوى من أطراف الأزمة بمن فيهم قادة الفوضى المسلحة ممن يطلقون على أنفسهم المساندين والمناصرين للثورة كونهم الخطر الأكبر عليها وعلى مستقبل اليمن.