كانت حوالي التاسعة والنصف ليلاً "يوم الجمعة " جمعة النصر لشامنا ويمننا حينما أتصل بي رقم غريب، حين أجبت بادر الطرف الآخر بالتعريف بنفسه، وأن معه مراسل صحيفة واشنطن بوست، ويريد أن يسألني بعض الأسئلة حول الأحداث الأخيرة المتعلقة بمقتل العولقي الزعيم الاقليمي لتنظيم القاعدة فوجدتني أقول له تفضلوا بدون تردد.. المهم بدأ هذا المراسل بتوجيه السؤال الأول بما معناه: كيف سيكون الموقف الأمريكي تجاه صالح بعد النجاح في قتل أنور العولقي، بمعنى هل تتصور أن تحقيق هذه الخطوة سيزيد من تمسك الإدارة الأمريكية بنظام صالح أم ماذا؟ الحقيقة أن السؤال أربكني، وكدت أجيب ب "لا أدري" ، ولكني حاولت أن أعيد توجيه مسار المقابلة ، وأتحدث عن رؤية قوى الثورة في اليمن لقضية مواجهة الإرهاب، ولكن الصحفي كان محترفاً بما فيه الكفاية ليدرك هذا، وقد استوقفني وأعاد شرح سؤاله طالباً مني إجابة واضحة عليه . هنا قلت له بكل صراحة – فيما معناه- أني لا أملك إجابة على هذا السؤال، ولكني أعتقد ان أمريكا يفترض أنها دولة كبرى لها من مراكز المعلومات و الدراسات والخبرات ما يكفي لأن تدرك ببساطة أن صالح يقوم بدور مزدوج فيما يتعلق بموضوع الإرهاب ، فهو من ناحية يعلن تحالفه مع المجتمع الدولي وبالذات مع الولايات المتحدة، ويعرض كل خدماته ، ومن ناحية أخرى لا يتوانى عن تقديم كل ما من شأنه الإبقاء على فزاعة القاعدة، ويخصص أجهزة أمنية شديدة الخصوصية لإبقاء القاعدة على قيد الحياة وتحت السيطرة، والقابلية للتوجيه والتنشيط من حين لآخر، وذلك بهدف استمرار قدرته على ابتزاز المجتمع الدولي ودول المنطقة لدعمه مادياً وسياسيا، ولكن طبعاً وبالنظر إلى بساطة المجتمع اليمني ونسيجه الاجتماعي المترابط، فلم يعد يخفى على أحد في اليمن هذا الدور الهدام الذي يقوم به صالح، والذي يهدد اليمن مستقبلاً، فما هو تحت السيطرة اليوم قد يتفشى ويخرج عن السيطرة غداً، وبالتالي فكل ما لدي هو أمنية وليس استقراء، فما نتمناه أن تعي الإدارة الأمريكية أن مصلحتها في مكافحة الإرهاب ترتبط بالقوى الديمقراطية الحداثية وليس بقوى الاستبداد الفاسدة، وأن الإرهاب ما هو إلا منتج ثانوي من منتجات الاستبداد والفساد وبزوال الاستبداد والفساد تزول البيئة الحاضنة والمغذية للإرهاب، ولكن إذا سألتني عن ماذا وكيف سيكون الموقف الأمريكي على أرض الواقع أقول لك ببساطة "لا أدري" ولكني "أتمنى". شعرت أن الرجل بدأ يتفاعل معي أكثر ، وسألني فيما معناه: كيف أقيم هذه العملية الأخيرة التي تمت فيها تصفية العولقي وأثرها على مسار مكافحة الإرهاب؟ قلت له – فيما معناه- أنني اعتقد أنه ايضاً يفترض بالولايات المتحدة أن تدرك أن مكافحة الإرهاب لا يمكن ولا يصح أن يتم التعامل معها بهذه الخفة والبساطة، واختزالها في مسألة القتل، وأن قوى الثورة في اليمن لديها فهم مختلف أو بالأصح فهم أعمق وأدق لقضية مواجهة الإرهاب، فنحن نعتقد ان مواجهة الإرهاب مسألة معقدة وعميقة ولها بالضرورة أبعاد متعددة فكرية واقتصادية واجتماعية وسياسية وإدارية ، وأن الأرضية المتينة التي يمكن أن ننطلق منها لمواجهة الإرهاب تتمثل بالضرورة في قيام نظام ديمقراطي حقيقي ودولة مدنية حديثة تتحقق فيها كرامة الإنسان، وقدرته على الحلم بغدٍ أفضل، فلا شيء يخلق التشدد والنزوع إلى العنف والإرهاب كاليأس وإنسداد الأفق السياسي والاقتصادي والاجتماعي. يبدو أن هذه المعاني في إجابتي قد راقت لهذا الصحفي ، ولكنها لم تكن كافية أو أنها لم تجيب على ما كان يصبو إليه بالتحديد، فسألني فيما معناه عن موقفي من التدخل الأمريكي وقيامه بتنفيذ هذه الضربة داخل الأراضي اليمنية. قلت له أننا من حيث المبدأ نتفق مع المجتمع الدولي والولايات المتحدة على خطورة الإرهاب القاعدي وضرورة مجابهته بكل السبل، ونتفق على ضرورة تعاون الجميع على ذلك، ولكننا نختلف معهم في الكيفية ، ونعتقد – كما قلت- بضرورة وجود مشروع متكامل للمواجهة لا يعتبر القتل وحده خياراً ناجحاً ، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى نعتقد أن أبناء اليمن هم الأقدر والأولى من غيرهم بهذه المهمة وأن التدخل الخارجي لا سيما على الطريقة الأمريكية لن يأت إلا بنتائج عكسية وذلك في ظل ظروف وتكوين معين لشعبنا ندرك تماماً مزاجه وردود فعله. لا أدري ما إذا كنت قد وفقت في إجاباتي، ولذلك أنشرها كما هي تقريباً والعهدة على ذاكرتي، متمنياً من كل الأصدقاء والقراء التفكير في هذه الأسئلة والإجابات ، لعلنا نتوصل إلى إجابات أفضل تشكل جزءً من وعينا الثوري الجمعي، وتساعدنا على بلورة خطاب موحد قادر على استمالة المجتمع الدولي دون أي تنازل مبتذل أو مخل بحقوق اليمن وشعبه العظيم المتطلع لبناء دولته المدنية الحديثة المزدهرة والمستقرة التي لا تعيش على ابتزاز المجتمع الدولي والتسول الرسمي المهين، بل تمثل إضافة مميزة للمجتمع الدولي المتحضر. *عضو الجمعية الوطنية لقوى الثورة الشبابية الشعبية السلمية