يطلق البعض علي مايحدث في اليمن أزمة, والكثير من اليمنيين, يحلو لهم وصف مايجري في اليمن بالثورة الشعبية, فما الذي أخر سقوط النظام حتي هذه اللحظة, ومامدي تقاطع مايقوم به الشباب في ساحات التغيير. مع توجهات المعارضة, باختصار ما الذي يحدث في اليمن, منذ فبراير الماضي حتي الآن. يمكن تسجيل بعض الملاحظات التي أدت إلي تأخر سقوط نظام الرئيس صالح حتي الآن. الملاحظة الأولي: أن النظام السياسي, والمعارضة, وجهان لعملة واحدة, واقصد بالمعارضة أحزاب اللقاء المشترك, وعلي وجه الخصوص, حزب الاصلاح, والحزب الاشتراكي, فهذان الحزبان لايحظيان بشعبية جماهيرية, وليس لهم رصيد حقيقي يمكن المراهنة عليه, فقد حكما البلاد بطولها وعرضها, سواء قبل الوحدة بالنسبة للأشتراكي, أو بعد الوحدة بالنسبة لكليهما, واتهم الحزبان, إلي جانب النظام السياسي ممثلا في حزب المؤتمر الشعبي العام, بالفساد, وإهدار المال العام, وعدم الشفافية, والاعتداء علي أراضي المواطنين والاستيلاء عليها, وإقامة كيان ديمقراطي شكلي مزيف, طوال ثلاثة عقود مضت, فضلا عن ذلك فأن العديد من قادة حزبي الاصلاح والاشتراكي يمتلكون رصيدا اجتماعيا وسلوكا شخصيا غير سوي يعرفه أبناء المجتمع اليمني قاطبة. الملاحظة الثانية: أن كل فريق لديه من المؤيدين, والمعارضين, مايجعل المحللين السياسيين في حيرة من أمرهم, فمشاهد التأييد, والمعارضة, تملأ الساحات, يحشد النظام انصاره بالرغم من كثرتهم, في عدد محدود جدا من الميادين, بينما يقف الشباب, وأنصار المعارضة, في العديد من الساحات والميادين العامة, وفي حين يكتفي المؤيدون للنظام, بالاعتصام بعد انتهاء ساعات العمل الرسمية, وعقب صلاة الجمعة من كل اسبوع, تواصل المعارضة حشد مؤيديها في مختلف الساحات والميادين العامة, ليل نهار, ذلك المشهد الذي تنفرد به اليمن, لم نشهد له مثيل في الثورات العربية, التي عجلت بسقوط النظامين المصري, والتونسي, في أجل قصير. الملاحظة الثالثة: أن الرئيس صالح يواجه ضغوطا قوية من اقاربه, ومن قادة واعضاء حزبه بعدم التنازل, أو التوقيع علي أية حلول أو مبادرات من شأنها اقصاء حزب المؤتمر الشعبي العام من قيادة اليمن, وهو الحزب الذي حكم اليمن الشمالي قبل توحيد اليمن مايقرب من عقد ونصف, وحكم اليمن الموحد لمدة عقدين, وشعور هؤلاء بأنهم يمتلكون شرعية دستورية إلي جانب الشرعية الشعبية وهما الشرعيتان المنبثقتان عن آخر انتخابات رئاسية برلمانية شهدتها اليمن عام 2006, وهي الانتخابات التي شهد علي نزاهتها وشفافيتها منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية, وفقا للتقارير الصادرة انذاك استنادا علي النمط الديمقراطي الشكلي الذي كان متبعا. الملاحظة الرابعة: الانشقاق المبكر في صفوف المؤسسة العسكرية, وذلك بإعلان الفرقة الأولي مدرعات, بقيادة اللواء علي محسن, تأييدها وانضمامها لثورة الشباب السلمية, وهي من الفرق العسكرية المشهود لها بالكفاءة والإنضباط والتدريب القتالي المميز, ولكنها بالمقابل من الفرق التي اثارت من حولها الكثير من الجدل, فالبرغم من كونها نجحت في حسم معركة الوحدة أو الموت في ربيع 1994م إلي جانب الكثير من الوحدات العسكرية, إلا أنها فشلت في القضاء علي تمرد الحوثيين في محافظة صعدة, طوال ست سنوات من الحرب, كما أنها أي الفرقة أولي مدرعات, لم تتمكن من حسم الكثير من المواجهات التي خاضتها ضد تنظيم القاعدة في أكثر من موقع, الأمر الذي يعزز من الشكوك المتعلقة بارتباط الفرقة, وخصوصا زعيمها, بتنظيم القاعدة في اليمن. الملاحظة الخامسة: مرتبطة بالملاحظة السابقة, فقد اعتلي القادة العسكريون, وشيوخ القبائل بالتنسيق مع أحزاب المعارضة في مختلفة المحافظات ساحات الاعتصامات, وحلت الخلافات الطائفية والتناقضات المذهبية, محل النزاعات الشبابية الداعمة للثورة. الملاحظة السادسة: هي انه وبعد مرور اكثر من ستة أشهر ويزيد من الاعتصام, انقسمت الساحة السياسية في اليمن, إلي أكثر من أربعمائة وخمسين إئتلافا, كل منها له ملاحظاته ومطالبه واطروحاته, إلي جانب مجلسين, انتقالي, ووطني فضلا عن بعض المجالس والكيانات الهزيلة, وقد لاحظنا مستوي الانشقاقات التي نتجت عن قيام مثل تلك الائتلافات والمجالس الهشة, وأثر كل ذلك علي مسار الثورة. الملاحظة السابعة: أن النظام السياسي, والمعارضة, خصوصا الوجه الأحمر منه, يتحملون دون غيرهم اسباب تفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية والأمنية والإجتماعية التي تفتك بالبلاد, من خلال تبادل الاتهامات المتعلفة باقلاق السكينة العامة, وإجبار عامة الناس علي المساهمة في مختلف المظاهر الثورية. الملاحظة الثامنة: تتصل بما يحدث من مفارقات في هذه الثورة, فالكثير من شباب الثورة, المنقطعين عن أعمالهم الحكومية منذ أكثر من ستة أشهر, والذين يهتفون بتغير النظام وسقوطة, ويتوجهون بداية كل شهر ميلادي إلي خزينة الدولة, لاستلام رواتبهم, فضلا عما يحصدونه من معونات أحمرية تدفعهم للبقاء في الساحات ومواصلة الليل بالنهار, فأي مفارقة ثورية مدهشة هذه, وبالمقابل فإن النظام السياسي, هو الآخر لايبخل عن تقديم الدعم المادي والعيني علي مريديه, الذين يعتلون الساحات, ويتسلحون بشعارات تؤيد النظام, وتدعوا له بالبقاء, في مفارقة غريبة لن تجد لها مثيلا سوي في الثورة اليمنية. * عن الاهرام المصرية