المؤيدون والمراقبون والمعارضون متفقون جميعا على شيء واحد حول باراك أوباما: أنه لا يمكن الوثوق به كحليف، وربما أن شعوب الشرق الأوسط، وخاصة مصر، يعرفون ذلك أفضل من الآخرين جميعا. مع عودة باراك أوباما من رحلة إلى أفريقيا قام بها مع عائلته وكلفت حوالي 100 مليون دولار، يواجه الرئيس الأميركي عاصفة نارية من الأزمات الداخلية والخارجية - معظمها تسبب هو بها - رئاسته مليئة بفضائح تتعلق بالتجسس الداخلي، من قيام دائرة الإيرادات الداخلية بتجميع قائمة بأسماء "أعداء أوباما" من المنظمات ليتم استخدام الضرائب لمضايقتها، إلى قيام وكالة الأمن القومي بسرقة بيانات البريد الإلكتروني وبطاقات الاعتماد والهواتف لجميع المواطنين الأميركيين. على الصعيد الدولي، يجد أوباما نفسه في مواجهة مع كل من روسيا والصين حول مصير إدوارد سنودن، المتهم بالتبليغ عن وكالة الأمن القومي، ومضاعفات قراره في 13 يونيو بالبدء بتسليح المتمردين السوريين بقوة. ولكن ربما تكون أكبر ورطة يواجهها الرئيس أوباما هي في سلسلة الأخطاء التي ارتكبها في علاقته مع مصر. في يناير 2011، عندما نزل ملايين المصريين إلى الشارع للمطالبة باستقالة الرئيس حسني مبارك، تردد أوباما وتخبط إلى أن جعلت الأحداث على الأرض النتيجة محتومة، بالنسبة لمؤيدي الرئيس مبارك، كان أوباما خائنا أدار ظهره لحليف مخلص خلال أزمته، وبالنسبة للمحتجين في ميدان التحرير، كان أوباما منافقا لم يؤيد ثورة الشعب إلا قليلا وفي وقت متأخر. في وقت متأخر من الثورة، أيدت الإدارة الأميركية المحتجين في ميدان التحرير. واشنطن بالكاد تحملت الفترة الانتقالية التي أدار خلالها المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية شؤون البلاد. خلال تلك الفترة، استنتجت إدارة أوباما أن الإخوان المسلمين يمثلون قوة الإسلام السياسي العصري البراجماتي. قبل الانتخابات، تم استقبال وفد من جماعة الإخوان المسلمين في "واشنطن الرسمية" التي كانت في معسكر أوباما. وعندما أجريت الانتخابات منذ عام، اعتبرت إدارة أوباما النتائج الانتخابية أمرا متوقعا سلفا – حتى قبل أن يدلي أي مصري بصوته. عندما فاز محمد مرسي في الانتخابات بهامش ضئيل، امتدحت واشنطن فوز مرسي واعتبرته انتصارا للديموقراطية. ما إن تولت حكومة مرسي مسؤولياتها حتى زاد تقارب واشنطن منها أكثر، وبحسب رواية إدارة أوباما، فقد فازت الديموقراطية في شكل انتخابات عادلة على الحكم العسكري وأن مصر أصبحت على طريق الازدهار والاستقرار. وعندما سافر وزير الخارجية جون كيري إلى القاهرة أوائل هذا العام، أحضر معه رسالتين. قال للرئيس مرسي إن على مصر توقيع اتفاقية مع صندوق النقد الدولي فورا، لأن ذلك سيفتح أبواب الاستثمارات الخارجية المباشرة على مصراعيها. كما طلب كيري من قادة الجيش المصري أن يبقوا في ثكناتهم وينسوا فكرة التدخل في حال وقوع أزمة لإعادة الاستقرار في البلد على حساب فوز الإخوان المسلمين في الانتخابات. عندما نزل ملايين المصريين إلى الشارع في 30 يونيو مطالبين بتنحي الرئيس مرسي بسبب فشله في تنفيذ المطالب الاقتصادية الطارئة للشعب المصري، أعرب عدد من المتظاهرين عن رأيهم بأن سفيرة الولايات المتحدة آن باترسون كانت الشخص الوحيد في البلد المكروه أكثر من الرئيس مرسي. باترسون كانت تتمتع بسمعة سيئة على أنها تطبق سياسة أوباما في تأييدها حكومة مرسي والإخوان المسلمين – بدون طرح أي أسئلة. من المبكر جدا توقع أي نتيجة سريعة حول توجهات هذه المرحلة الجديدة من الثورة المصرية. لكن من المناسب تماما تقديم تشخيص مرحلي لأخطاء الرئيس أوباما. آمل أن تقييما نقديا سريعا يمكن أن يؤدي إلى تصحيح المنهج في السياسة وتجنب أخطاء مستقبلية. أولا والأهم، على الرئيس أوباما أن يتعلم أن القاهرة ليست بيفرلي هيلز، كاليفورنيا، أو فلوريدا. المصريون عاشوا في ظل الحكم الملكي والحكم العسكري خلال فترة لا بأس بها من القرن العشرين. الجيش المصري مؤسسة محترمة، وهو يعتبر الضامن لاستقرار البلد. عندما وجه القائد العام للجيش إنذارا للرئيس مرسي يوم الاثنين 1 يوليو، وأعطى الرئيس 48 ساعة للتوصل إلى اتفاقية وحدة وطنية مع المعارضة، هتفت الحشود في ميدان التحرير للجيش لأنه وقف مع الشعب ضد الحكومة التي فشلت في تنفيذ وعودها. في الولايات المتحدة، الجيش بلا نقاش يخضع لسلطة مدنية. في مصر، الجيش ضمان للبلد، ويتوقع منه التدخل في الأزمات وفرض النظام. تأييد إدارة الرئيس أوباما الساذجة للإخوان المسلمين على أنهم مصلحون براجماتيون كان خطأ آخر وكانت له نتائج أكثر سلبية في 1 يوليو، فيما كان لا يزال في أفريقيا، اتصل الرئيس أوباما مع الرئيس مرسي ودارت بينهما محادثة خاصة طويلة. الرئيس مرسي نشر فورا من خلال المتحدث باسم الرئاسة بأن الرئيس أوباما عبر عن ثقته به. لكن واشنطن نفت فيما بعد توصيف "ثقة"، مما سبب تصدعا محتملا في التعاون بين مرسي وأوباما. في نفس الوقت، هناك تقارير بأن السفيرة باترسون كانت تطلب من الجيش عدم التدخل في أي صراع محتمل. اتصال أوباما وتحذيرات باترسون متنافضان، وهما مؤشر على أن أوباما، رغم قضائه 4 سنوات في المنصب، لا يزال يرتكب نفس الأخطاء التي يرتكبها الرؤساء عادة في أول عام لهم في الحكم. هل سيفهم الرئيس أوباما أخيرا أن الوضع المصري معقد وخطير وأن عليه ألا يصدر أحكاما عامة أو يتدخل بشكل غير مدروس؟ طالما أن واشنطن تتخبط فإنها لن تفهم الوضع في مصر بشكل صحيح وسوف تتسبب في بناء مشاعر معادية لأميركا في الشرق الأوسط. حاليا، الرئيس أوباما ودائرته الداخلية الضيقة من مستشاري البيت الأبيض حولوا مصر إلى وضع خاسر في كل الأحوال، وهذا ليس في مصلحة أحد على الإطلاق. ___________ *المصدر : الوطن السعودية