في الحلقة الماضية استعرضنا تاريخ نشأة الدولة السعودية الثالثة ودور مبارك الصباح حاكم الكويت في فتح العلاقة بين عبدالعزيز ودعم تحركاته للسيطرة وتوسيع مناطق حكمه ودور بريطانيا في أحياء الحركة الوهابية وارتكاز نشأة الدولة على الدعم البريطاني من ناحية واستعرضناه بشكل مختصر والركيزة الثانية وهي الدور العقائدي في تجييش القبائل وجحافل الغزو التي أعدها عبدالعزيز آل سعود والتي سوف نستعرضها بشكل مفصل في هذه الحلقة. أعتمد عبدالعزيز في الركيزة الثانية على أنشاء مليشيات عقائدية مسلحة تكون أداته العسكرية لتحقيق طموحاته في توسيع العرش السعودي وقد تفتقت الذهنية السعودية البريطانية على تأسيس جماعة تحت مسمى (جماعة الأخوان) وقد إضافة الوهابية لها لتمييزها عن غيرهم من الجماعات . حيث عمل عبدالعزيز على تجميع البدو الرحل الذين كانوا يشكلون أكثر من 70% من سكان هضبة نجد ويعيشون حياة الجاهلية الأولى التي تقوم على الصراعات القبلية والغزو والسلب والنهب والقتل وقام بتجميعهم في واحات زراعية سميت (الهُجر) ليتعودوا على الاستقرار وممارسة الزراعة وتم تنظيم النزاعات الحربية لديهم واستغلالها لتحقيق الأهداف السياسية للعرض السعودي تحت مسمى الجهاد ونشر الإسلام الحقيقي وقد اعتبرت هذه الهُجر كثكنات عسكرية يتم فيها تنظيم الجماعة الوهابية عسكرياً وتسليح أعضائها للقيام بعمليات الغزو والسلب تحت مسمى الجهاد الديني مقابل الحصول على نصيب من غنائم الحروب والغزوات وقد عين (فيصل الدويش) قائداً وزعيماً للجماعة الوهابية. وقد عمل عبدالعزيز على توسيع تلك الهُجر بما يزيد عن مائة هجرة مستفيداً من الدعم المادي البريطاني ليوسع تلك الهُجر لتمثل معظم الأجزاء المسيطر عليها وليزيد العدد من عشرة آلاف مقاتل إلى أكثر من خمسين ألف مقاتل. وقد أجمع المؤرخون على أن تكوين الجماعة الوهابية لم يكن بهدف ديني كما هو ظاهرها لكنها استندت على الدين لاستخدامه في عمليات الصراع السياسي. ولعل الخطر في تجربة الجماعة الوهابية هو البناء العقائدي وقولبته بمعايير ملامحها تظهر في :- 1- قولبة الفكر في العودة إلى عصر النبوة والسلف الصالح والنظر إلى الخلف دون الحاضر أي المستقبل والعمل على احياء الماضي والتمسك بحرفية النصوص كما وردت في القرآن والسنة دون ترك مجال للاجتهاد وإعمال العقل وهي النتاج الطبيعي للمجتمعات البدوية المتخلفة. 2- قامت هذه الحركة على أساس التطرف والتشدد في أمور الدين والدنيا كفرض عقوبات تصل حد الموت لمن يسمع الموسيقى أو يحلق اللحية أو يتخلف عن صلاة الجماعة. 3- اعتبرت الجماعة الوهابية أنفسهم بأنهم المسلمون الوحيدون ومن ثم فهم يتميزون عن غيرهم ونظروا إلى الاخرين بتعصب واستعلاء وعاملوا الاخرين بقسوة وتطرف وعداء شديد. 4- وقفت الوهابية موقفاً معادياً من الحضارة الحديثة ومنتجات العقل الإنساني حيث يرفضون المخترعات الحديثة ويعتبرونها أعمال شيطانية. 5- جاءت الوهابية بخطر كبير تمثل في مبدأ تكفير المخالفين حيث اعتبرت هذه الجماعة من يخالفها من المذاهب ليسوا مسلمين وأن المجتمعات التي لا تؤمن بالفكر الوهابي مجتمعات كافرة. وهو ما يمكن إسقاطه في دعوة السعودية للحرب على اليمن باعتبارها حرب ضد المجوس في اليمن لأنهم يخالفونها في المذاهب والاتجاه واعتبار قتالهم جهاداً في سبيل الله ، وهذا المبدأ التكفيري الذي اعتمدته الوهابية هو يعمل على إعطاء الشرعية في مهاجمة الآخرين ومحاربتهم باعتبارهم غير مسلمين. ونكتفي بهذا على أن نواصل المراجعة التاريخية لهذه الدولة ومنهجها التكفيري الذي يقودها لتدمير العالم العربي والإسلامي في حلقات قادمة. المرجع: كتاب (السعودية والاخوان المسلمين) للدكتور/ محمد أبو الإسعاد