"نجل الزنداني" يكشف عن رسالة من ايران لأسرتهم ..ماذا جاء فيها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    اختطاف خطيب مسجد في إب بسبب دعوته لإقامة صلاة الغائب على الشيخ الزنداني    فريق طبي سعودي يصل عدن لإقامة مخيم تطوعي في مستشفى الامير محمد بن سلمان    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    ارتفاع إصابات الكوليرا في اليمن إلى 18 ألف حالة    أسفر عن مقتل وإصابة 6 يمنيين.. اليمن يدين قصف حقل للغاز في كردستان العراق    اختطاف ناشط في صنعاء بعد مداهمة منزله فجر اليوم بسبب منشورات عن المبيدات    استشاري سعودي يحذر من تناول أطعمة تزيد من احتمال حدوث جلطة القلب ويكشف البديل    مركبة مرسيدس بنز ذاتية القيادة من المستوى 3    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    اليوم السبت : سيئون مع شبام والوحدة مع البرق في الدور الثاني للبطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت    مقاتلو المغرب على موعد مع التاريخ في "صالات الرياض الخضراء"    ضبط المتهمين بقتل الطفل الهمداني في محافظة إب بعد تحول الجريمة إلى قضية رأي عام    لماذا يخوض الجميع في الكتابة عن الافلام والمسلسلات؟    جماعة الحوثي توجه تحذيرات للبنوك الخاصة بصنعاء من الأقدام على هذه الخطوة !    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    حادث مروع .. ارتطام دراجة نارية وسيارة ''هليوكس'' مسرعة بشاحنة ومقتل وإصابة كافة الركاب    كان يرتدي ملابس الإحرام.. حادث مروري مروع ينهي حياة شاب يمني في مكة خلال ذهابه لأداء العمرة    قتلوه برصاصة في الرأس.. العثور على جثة منتفخة في مجرى السيول بحضرموت والقبض على عدد من المتورطين في الجريمة    بعد القبض على الجناة.. الرواية الحوثية بشأن مقتل طفل في أحد فنادق إب    تعرف على آخر تحديث لأسعار صرف العملات في اليمن    عشرات الشهداء والجرحى في غارات إسرائيلية على وسط وجنوب قطاع غزة    مأرب تقيم عزاءً في رحيل الشيخ الزنداني وكبار القيادات والمشايخ في مقدمة المعزين    السلفيون في وفاة الشيخ الزنداني    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    رفض قاطع لقرارات حيدان بإعادة الصراع إلى شبوة    قذارة الميراث الذي خلفه الزنداني هي هذه التعليقات التكفيرية (توثيق)    قوات دفاع شبوة تحبط عملية تهريب كمية من الاسلحة    ما الذي كان يفعله "عبدالمجيد الزنداني" في آخر أيّامه    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    لا يجوز الذهاب إلى الحج في هذه الحالة.. بيان لهيئة كبار العلماء بالسعودية    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    عاجل: إعلان أمريكي بإسقاط وتحطم ثلاث طائرات أمريكية من طراز " MQ-9 " قبالة سواحل اليمن    توني كروس: انشيلوتي دائما ما يكذب علينا    وزارة الحج والعمرة السعودية تكشف عن اشتراطات الحج لهذا العام.. وتحذيرات مهمة (تعرف عليها)    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اوراق تنشررؤية الحوثيين في حل قضية صعدة وماذا عن حزب الله والاثنى عشرية وايران باليمن
نشر في أوراق برس يوم 05 - 07 - 2013


المقدمة
ثلاثة أعوام مرّت منذ أن أعلنت السلطة وقف إطلاق النار في 11/2/2010م منهية بذلك فصول ما عرف بالحرب السادسة التي كانت أطول الحروب وأكبرها اتساعا وأشدها وطأة ومعاناة وقتلا ودمارا على أبناء صعدة والمحافظات المجاورة والوطن عموما ، تلك الحرب شهدت تدخلا سعوديا عسكريا وعدواناً مباشرا على ابناء الشعب اليمني وانتهاكا فاضحا للسيادة الوطنية مع تمويل و تحريض و رعاية سياسية سعودية واضحة سبقت التدخل العسكري و لا تزال مستمرة الى اليوم ، الأمر الذي عبر عن تواطؤ السلطة ضد مواطنيها، و لعله يلخص أحد أهم ابعاد الحروب العبثية على صعدة ويكشف عن الأطراف التي استثمرت مآسي اليمنين وتاجرت بدمائهم وقبضت الثمن لخدمة مشاريع ومآرب لا علاقة لمصلحة اليمن واليمنيين بها .
وبلا شك فإنّ النظرة المجردة والعلمية والموضوعية لقضية صعدة ومحتواها وآثارها الشاخصة التي ما تزال ماثلة وتتفاعل سلبا – للأسف – تجدد التعريف بذاتها يوميا وباستمرار في سياق ما أسفرت عنه من معاناة وآلام ودمار مادي ونفسي كانت قوى السلطة وشركاؤها في الحرب والعدوان – ولا يزالون - مسؤولين عنه وعن تبعاته .
توقفت حروب الدبابات والطائرات والمدافع ولم يتوقف استهداف محافظة صعدة وما جاورها المستمر بالحصار والعزل والتجاهل لمعاناة أبنائها على كل الصعد وفي شتى المناسبات .
من المؤسف ألا يلتفت أحد - إلا القليل – إلى بقاء الدمار والخراب والتشريد ماثلا في محافظة صعدة ومديريات: حرف سفيان محافظة عمران ، وبني حشيش محافظة صنعاء ومحافظة الجوف وغيرها، فلم يكلف أحد نفسه السؤال عن أحوال الجرحى والثكالى واليتامى وعن إعادة إعمار ما دمره العدوان .
مازال الضمير الوطني غافلا عن الاهتمام والوقوف على حقيقة الجوانب الأخرى الإنسانية والاجتماعية والبيئية لتلك الحروب التي طالت الإنسان والطبيعة في صعدة والكثير من المناطق المنكوبة لكي يسهم في معالجة القضية من خلال معرفة طبيعتها والحرب التي تناسلت وما تزال حروباً مستمرة ذات أبعاد ومستويات أخرى سياسية واقتصادية وثقافية وفكرية وإعلامية لم تتوقف.
في هذا السياق ثمة تساؤلات تطرح نفسها على الضمير والعقل الوطني هل انتهت بانتهاء حرب الدبابات والصواريخ والمدافع حملات الإثارة الإعلامية ذات الطبيعة العنصرية والمذهبية المدمرة للنسيج الوطني والتحريضية للقوى الخارجية بانتهاء الحرب؟ ، وهل توقفت حملات التخوين والتشويه ضد أنصار الله والحروب المفتعلة والاستهداف الشخصي المباشر بأعمال القتل والاغتيالات طيلة السنوات الماضية وفي أكثر من مكان ؟ ، ماذا نسمي هذا الاستهداف الممنهج لوجودهم المادي والرمزي وكل أشكال الإقصاء لنشاطهم الثقافي والفكري والسياسي وغير ذلك من الممارسات العدائية ؟ ، ألا تعد تلك الممارسات العدائية شكلاً من أشكال الحرب وإن بوسائل أخرى قد تكون أشد إيلاما وضررا ؟؟
والغريب ان من يتولى كبْر هذه الحملة بعض القوى المحسوبة على الثورة والتي ما إن وضعت أول قدم لها في السلطة حتى ورثت – في زمن قياسي- أخطاء وخصومات الماضي شمالا وجنوبا وغرائزه السياسية وإن بوقاحة أشد.
في مؤتمر الحوار وجدنا البعض ممن نحترم ونحتفظ لأنفسنا بحق الاختلاف والحوار معه يحاول جر مؤتمر الحوار الوطني حول قضية صعدة إلى مناكفات وسجالات سياسية وإعلامية لسنا بوارد الدخول فيها لأننا نرى بأنها لا تفيد الحوار الوطني ولا القضية التي نحن بصددها ، ومن المؤسف أن نرى ذلك البعض الذي لم يعيد فيما يبدو مراجعة مواقفه العدائية الجاهزة يسعى جاهدا- اليوم - لاجترار مواقفه تلك وقناعاته الخاطئة والمشوبة بالتعصب والتحامل على أنصار الله محاولا بأساليبه الالتفافية الإبقاء على جذوة الصراع مشتعلة والقضية مفتوحة على احتمالات مجهولة ليس الحل الوطني العادل من بينها .
ونعتقد أن من العبث أن يظن أي طرف اليوم أن العناصر المجهولة في معادلة قضية صعدة الوطنية أكثر من العناصر المعلومة والقابلة للفهم والتأويل العقلاني والمعالجة وفق رؤية وطنية منصفة يحاول البعض التشويش عليها بشتى السبل المكشوفة التي أثبتت عقمها وفشلها .
تعدد وجهات النظر حق من حقوق كل طرف من المتحاورين لكنه ليس الحق الذي يلتبس بالباطل وينوب عنه ويبرر له ظلمه وعدوانه ويدين الضحايا والمظلومين لانحيازات سياسية وطائفية، أين نحن من قول الخالق عز وجل (يا أيها الذين آمنوا لا يجرِمنّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ) صدق الله العظيم.
ثمة سؤال يطرح نفسه بدايةً ؛ هل تحتاج قضية ذات أبعاد وطنية مكتملة الشروط والأركان مثل قضية صعدة إلى ما هو أكثر من التجرد والموضوعية والإنصاف لمقاربتها ؟ ، وهل من المتعذر - ظاهرياً - التوصل الى رؤية واضحة قريبة من الموضوعية لهذه القضية ، تعفي الكثير من القوى الوقوع في ضبابية الفهم والتشخيص المغلوط للوقائع والمسببات وما ترتب عليها؟
الحقيقة أن الكثير من الأجوبة عن تلك التساؤلات وسواها تبرز من خلال محاولة البعض ممارسة الايديولوجيا بدلا عن السياسة (وبالذات حزب الاصلاح الذي ناقض ذاته وشذ عن موقف بقية القوى في المشترك الذي قدمته في رؤية الإنقاذ الوطني) من خلال ما عبرت عنه بعض الأوراق التي شخصت جذور قضية صعدة وأعادت من خلاله إعادة إنتاج خطاب السلطة الاتهامي المتهافت ، وإقامة الذرائع مقام الحجج والبراهين التي تنضح بها جذور القضية في محاولة لتبرير الحروب ومحاكمة الضحايا ومصادرة الحقائق الموضوعية للهروب من حقيقة انعدام أية مشروعية للحرب ، وتالياً إعفاء الذات الفاعلة في الحرب من التبعات الأخلاقية والقانونية وصولاً الى إعاقة أي توجه جدي لحل القضية كطموح منتظر من مؤتمر الحوار الوطني .
لقد كنا ولا نزال نأمل ان يكون انعقاد مؤتمر الحوار الوطني مناسبة وطنية ليمارس الجميع في فضاءاته الواعدة فضيلة الاعتراف بالخطأ وممارسة النقد الذاتي لنتخفف جميعا من أوزار السنين وتراكمات الأخطاء والخطايا التي ارتكبت بحق الوطن من قبل السلطات التي مارست القمع والفساد والإقصاء والحروب والعنف بشتى مستوياته المادية والمعنوية ضد كل أبناء اليمن عامة وصعدة خاصة تحت شعارات فضفاضة ومسميات وعناوين كبرى كالثورة والجمهورية والوحدة والثوابت وغيرها من الشعارات التي فقدت معناها بما شابها من تشوه وتجويف لدلالتها في الممارسة، وكان أن تهاوت جميعها بسوء تلك الممارسات القامعة والمصادرة لكافة الحقوق ، ومع ثورة الشباب الشعبية السلمية برزت الحاجة للتغيير وتجديد الواقع السياسي وصياغة عقد اجتماعي جديد يعيد الاعتبار للمواطن الانسان كقيمة عليا أكرمه الله سبحانه وتعالى يتوجب احترامه والوفاء بحقوقه وتجريم الاعتداء عليها لئلا تتكرر المآسي والصراعات والحروب التي تعد حروب صعدة أبرزها وأشدها تأثيراً وتدميرا .
من المهم طي صفحة تلك الفترات والممارسات السيئة في تاريخنا ومغادرة ثقافتها السلبية لكي نعبر إلى الحاضر الجديد والمستقبل الذي يجب أن يكون مختلفاً عن الماضي ، و هو ما لا يمكن تحقيقه إلا بتشخيص و معالجة مخلفات الماضي بشكل عادل و شامل .
و لعل محنة ست حروب ظالمة كانت تعبيرا عن تجليات كل الأدواء والعلل التي اعترت الواقع اليمني منذ أمد ليس بالقصير ، وبلا شك فإن فشل اليمنيين في بناء الدولة اليمنية الحديثة المستقلة والمعبرة عن مصالح كل فئات الشعب ، قد حولها إلى مجرد سلطة فاسدة وقمعية أقرب في ممارساتها الى العصابة منها الى سلطة فضلا أن تكون دولة ، وما شنها لتلك الحروب العبثية على أبناء محافظة صعدة وبعض المحافظات الأخرى إلا المثال الناصع، حيث صادرت وتجاوزت بذلك صلاحيات السلطتين التشريعية والقضائية للذهاب في مغامرة حرب غير مبررة ولا مشروعية قانونية لها .

المحتوى السياسي
عندما تَنْفَلِتْ السياسة من ضوابط الشرع والقانون والأخلاق، وتغدو نوعا من التسلط والاستبداد والعسف والجور وتجاوز الأنظمة والقوانين يصبح فهم ما جرى لصعدة وغيرها من المحافظات وبتلك الخلفية التي دفعت السلطة لشن الحرب دون سابق انذارٍ ممكنا ، ولعل فهم السياق العام المحلي والإقليمي والدولي وطبيعة النظام في اليمن توضح جوانب المشهد الذي شنت السلطة فيه الحرب ليس كضرورة وإنما كتكتيك من ضمن التكتيكات التي ظلت السلطة تلجأ إليها على الدوام .

2.1. المناخات السياسية الداخلية للحرب وتداعياتها
كانت شرعية النظام الحاكم قد بدأت في التآكل والتشظي منذ حرب صيف 1994م ، وبدأت القوى التي تشكل السلطة الحاكمة في التفكك و التنازع على السلطة و النفوذ و الثروة ، و اتجه كل فريق من تلك القوى إلى الاستحواذ على الوظيفة العامة و السيطرة على قطاعات اقتصادية و اجتماعية و ثقافية و إعلامية و سياسية واسعة ، و بالتزامن مع ذلك الصراع المحموم بين قوى السلطة كان هناك توافق فيما بينها على إقصاء و إضعاف و إنهاك كل القوى الوطنية و إبقاء اليمن ميدانا حصريا لصراع وسباق فيما بينها، جعل من السلطة مجرد غنيمة تختلف عليها القوى النافذة حينا ، و تتقاسمها حينا آخر، و صارت الدولة في حكم الغائب و حل محلها عصابة تحكم و تتحكم بالقرار و الجيش و الثروة .
بعد أحداث ال11 من سبتمبر كان للسيد/ حسين بدر الدين الحوثي موقفٌ على أساس المشروع القرآني ، وكان نشاطه ثقافيا اعتمد فيه على وسائل سلمية بحتة لا تتنافى تماما مع الدستور والقوانين النافذة، ورغم ذلك سعت السلطة في التضييق عليه وعلى كل من سار في ذلك النشاط بشتى السبل ، فعمدت إلى التعامل معهم بالشدة والبطش الشديد والعنف المفرط وزجت بالكثير منهم في السجون والمعتقلات على مدى أكثر من عامين إلى أن قررت بعدها شن العدوان والحرب فهيأت نفسها وأجهزتها الأمنية وجيشها بقيادة الجنرال علي محسن المعروف بميوله الأيدولوجية المتطرفة والمنطقة للمغامرة ، وهيأت محافظة صعدة لتكون مسرحاً لأبشع حرب شهدتها اليمن في تاريخها ، وقبيل الحرب بفترة وجيزة كانت قد دفعت إلى محافظة صعدة بنوعية من المسؤولين والقادة الأمنيين وعينتهم هناك لكتابة فصول تلك المغامرة الدامية بالحديد والنار والدماء والأشلاء والمعاناة، والتي استمرت على مدى ست حروب ظالمة.
و خلال فترة الحروب على صعدة وغيرها كان الوضع السياسي يزداد سوءا أكثر من ذي قبل و لم يكن بأحسن حالا من بقية جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية ، فمن جهةٍ عمقت الحروب المتتالية من الأزمة البنيوية الشاملة للدولة والنظام السياسي اليمني وتآكل شرعيته الدستورية والشعبية ووصلت به إلى مرحلة العجز التام في التعامل مع التحديات السياسية والاجتماعية وفقا لرؤية استراتيجية وطنية بعيدا عن المصالح الخاصة للمكونات العصبوية داخل منظومة النظام ، وقوضت ما كان تبقى للدولة من هيبة ومشروعية وأنهكت الجيش والمؤسسة العسكرية في مستنقع من الصراعات السياسية أسقطت ما تبقى له من هيبة و سمعة وطنية .
ومن جهةٍ أخرى أصبحت علاقة السلطة ببعض القوى السياسية في البلد والهامش الصحفي والحقوقي في أسوأ أحوالها وتعكس توجه منظومة الحكم على التفرد والهيمنة ومصادرة الحقوق والحريات من خلال إنشاء المحاكم الاستثنائية والاعتقالات التعسفية وإغلاق ومصادرة الصحف وشق وتفريخ الأحزاب والاعتداءات على الصحفيين والناشطين وتبني خطاب سياسي وإعلامي عدائي تجاه الآخر ....الخ.
حاولت السلطة بكل وسائل الترهيب والترغيب والابتزاز لمختلف القوى السياسية والاجتماعية بغية الحصول على إجماع وطني يضفي مشروعية على حربها في صعدة ، وعندما أصدرت أحزاب المشترك بيانها الشهير في 26/6/2004م (كان للحزب الاشتراكي الفضل الأكبر فيه) الذي عبرت عن رفضها للحرب واعتبرتها نهجا غير سليم لمعالجة المشكلات ودعت إلى وقفها فورا ودعت فيه مجلس النواب إلى الاضطلاع بدوره، هددت ما يسمى بلجنة شؤون الأحزاب بتاريخ 29/6/2004 بحل أحزاب اللقاء المشترك لموقفها من الحرب على صعدة، كما تعرض حزب اتحاد القوى الشعبية وصحيفة الشورى للاتهام بالملكية والإمامية ودعم المتمردين واقتيد رئيس تحريرها الصحفي عبد الكريم الخيواني رئيس تحرير الشورى إلى السجن ، ولم يكن حزب الحق أحسن حالاً من اتحاد القوى الشعبية فقد شاطره اتهامات السلطة بالإماميه والملكية وانه الجناح السياسي للتمرد الخ.
كما عمد النظام طيلة سنوات الحرب الى استحياء خطاب الستينات بكل مفرداته واستدعاء موروثات الصراع القديم من رهاب الإمامة إلى الفرز القائم على القحطانية والعدنانية والملكية والجمهورية ، واعتمد سياسة التعبئة الشعبية عبر التحريض الطائفي و القبلي و محاولة خلق مناخات عدائية بين أبناء المجتمع اليمني لها نتائج كارثية تفكك المجتمع وتهدد وحدته الوطنية والسياسية وتحدث شروخا عميقة في الوجدان النفسي والثقافي لضحاياها.
وفي المجمل فإن التداعيات السياسية المباشرة للحرب على المستوى الوطني قد تمثلت في :-
تعميق الانقسام السياسي والاجتماعي والمذهبي في اليمن .
أوجدت تصدعا في بنية النظام السياسي والعسكري والأمني .
فاقمت الحرب الأزمة السياسية بين السلطة والمعارضة وقوى الراي والحقوقيين وقلصت من مساحة الهامش الديموقراطي واتساع دائرة القمع لتنال الأحزاب والعلماء والناشطين والصحف والصحفيين بشتى أنواع الانتهاكات والمحاكمات الجائرة ، واستحياء خطاب الستينات الصراعي بكل مفرداته .
سمحت الحرب وتداعياتها المختلفة لبروز القضية الجنوبية وبدء الحراك المطلبي الحقوقي في المحافظات الجنوبية الذي تطور لاحقا ليغدو مطالب بفك الارتباط واستعادة الدولة الجنوبية ....الخ .
تعرض السلطة اليمنية فيما بعد لأوسع حركة انتقادات وضغوط من قبل الشعب اليمني وبعض المنظمات الإنسانية المحلية والعربية والدولية جراء انتهاكات حقوق الانسان .

إقليميا ودوليا
لم تكن الحروب على صعدة وبعض المحافظات الأخرى بمعزل عما كان يجري في المنطقة بل تأثرت به و كانت جزءا من حرب على شعوب المنطقة لصالح المشروع الأمريكي الذي بدأ يدخل حيز التنفيذ بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م ، كما أصابت تلك الحروب عبر متاجرة السلطة بها علاقات اليمن الخارجية ببعض محيطها العربي والاسلامي بأضرار فادحة في مقابل تعميق تدخلات أجنبية وإقليمية أخرى سياسيا وعسكريا وأمنيا؛ وقد كان التدخل العسكري السعودي ومشاركته في العدوان إلى جانب السلطة ذروة انتهاك سيادة الوطن واستقلاله، ويمكن تلخيص هذه الجزئية وعلاقتها بالحروب على صعدة في المحاور التالية :

رهن اليمن للتدخلات الأمريكية و التفريط في السيادة الوطنية
أسفرت أحداث ال11من سبتمبر عن نتائج كارثية على العرب والمسلمين وتداعيات خطيرة تمثلت بعضها في رضوخ معظم تلك الأنظمة لإملاءات الإدارة الأمريكية _خاصة التي شاركتها في لعبة الحرب في أفغانستان وما يسمى بالإرهاب_ التي دشنت تنفيذ مشروعها التآمري في المنطقة بالحرب والاستهداف وإعادة صياغة خارطة المنطقة لولادة شرق أوسط جديد، في وسط تلك الأجواء الترهيبية الأمريكية الكبرى للعرب والمسلمين شنت الإدارة الأمريكية وحلفاؤها من العرب والغربيين عدوانهم واحتلالهم لأفغانستان والعراق على مرأى ومسمع من العالم وتحت مبررات واهية وحجج كاذبة.
السلطة في اليمن كانت في مقدمة تلك الأنظمة المتخاذلة ولم تتردد في توقيع الاتفاقات الأمنية السرية والعلنية، وفي المقابل كانت الإدارة الأمريكية تستغل سياسة منظومة الحكم القمعية والمتسلطة، وطموحاتها نحو التفرد والتسيد، و الظروف السياسية والأمنية السيئة التي أَقحمَت البلد فيها – في إخضاعها أكثر وإذعانها لكل ما يطلب منها و التي سمحت بالتدخل في الشأن اليمني و انتهاك سيادته و احتلال أراضيه و مياهه الإقليمية حتى اليوم، حيث فتحت البلاد أمام الامريكان برا وبحرا وجواً وأمنيا واستخباراتيا وعسكريا وأصبحت اليمن وسياستها الداخلية والخارجية تتبع مصالح ومشاريع الإدارة الأمريكية في المنطقة ، ومن هنا فإن عدوان السلطة وإدارتها له قد أصابت السيادة اليمنية بأضرار فادحه عمقت من التدخلات الأجنبية والإقليمية سياسيا وعسكريا وأمنيا وقد كان التدخل العسكري السعودي ومشاركته في العدوان إلى جانب السلطة على أبناء محافظة صعدة وغيرها ذروة انتهاك سيادة الوطن واستقلاله.

الإضرار بمصالح اليمن و علاقاته مع الخارج من خلال توريط اليمن في عداءات لدول و قوى اقليمية لصالح دول و قوى اقليمية و دولية اخرى
بدأ الاحتلال وأدواته في المنطقة بالتفتيش عن مشجب يعلقون عليه الأخطاء التي ارتكبوها ويبررون من خلالها الجرائم والمذابح والفضائح – ابو غريب مثلا - التي يندى لها جبين التاريخ، فبدأ استدعاء الورقة الطائفية والفرز الطائفي والقومي في العراق والمنطقة ، وتم اختيار إيران والشيعة في المنطقة لتكون الخطر البديل و الجاهز عن خطر الكيان الصهيوني والاحتلال الأمريكي وإدخال شعوب المنطقة في أتون حروب طائفية، وحينها بدأ الحديث عن ما سمي بالهلال الشيعي والخطر الشيعي في المنطقة يثير الغرائز والحفائظ لدى بعض الأنظمة في المنطقة، من خلال ذلك عرفت المنظومة الحاكمة كيف تسوِّق للعبة لكسب ود السعودية ونيل رضاها وأموالها التي تدفقت خلال الحرب ومازالت .
فلم يكن من قبيل الصدفة أن يزعم بيان السلطة الأول المبرر للحرب قيام السيد/ حسين بدر الدين الحوثي برفع علم حزب أجنبي أو بخدمة نفوذ دولة أجنبية ، وطيلة الحرب ظلت الاثني عشرية وإيران وحزب الله والحوزات العلمية والمرجعيات حاضرة في خطاب السلطة الاتهامي الكاذب لأنصار الله والتبريري للعدوان والمتنافي بكل ما تعنيه الكلمة مع الحقيقة والواقع.
بذلك أدخلت القوى الحاكمة اليمن في عداءات مع دول إقليمية و دولية شقيقة وصديقة خسرت اليمن بسبب ذلك علاقات استراتيجية و مصالح اقتصادية و سياسية مع تلك الدول مثل ليبيا وقطر وإيران، التي كان النظام يسعى لتكريسها كعدو للشعب اليمني دون مبررات واقعية أو مسببات ملموسة متخذا من ذلك مبررا للعدوان أمام الشعب و متخذا من الحرب و نتائجها ايضا برهانا على جديته في محاربة ما سمي المد الإيراني المزعوم.



الموقف الدولي و الإقليمي الصامت و المتواطئ تجاه العدوان على صعدة وغيرها من المحافظات
بمعزل عن المشروع الأمريكي و مخططاته و دعمه للنظام فقد بدى المجتمع الدولي ينظر إلى قضية صعدة كشأن داخلي يمني ، حيث إنه يبدو للوهلة الأولى أن السلطة نجحت في إظهار الحرب على أنها حربها المشروعة ضد حركة تمرد مسلح، فكانت السلطة في مأمن من ردة فعل المجتمع الدولي الذي لا يتحرك عادةً إلا إذا تعلق الأمر بأمن الكيان الصهيوني ، وكانت صعدة وغيرها من المناطق المستهدفة وما يجري فيها بعيدا عن الأنظار وضمن طوق عسكري وأمني محكم جعلها بعيدة عن متناول وسائل الإعلام المحلي والأجنبي إلا ما ندر.
فلم يكن هناك أي موقف إيجابي في تجريم ووقف العدوان على صعدة وبعض المحافظات الأخرى سواءً من قبل الجامعة العربية أو منظمة التعاون الإسلامي أو الأمم المتحدة ، في حين أن مجلس التعاون الخليجي كمنظمة إقليمية خاصة ظل يعبر عن السياسة السعودية بإدانة الضحايا ومساندة السلطة .

السلطة والتلاعب بورقة الوساطات
إن دخول الوساطات والوسطاء لمحاولة حل القضايا والمشكلات أمر طبيعي وشائع في كل المجتمعات وعلى مختلف العصور والأزمنة، لكنه في الحالة اليمنية المتصلة بحروب السلطة على محافظة صعدة وغيرها من المحافظات تحول الى واحدة من آليات وأدوات الحروب بدلا من أن تكون سببا في الحل، والجدير بالذكر هنا أن القضية لم تكن بحاجة إلى وساطة من هنا أو هناك وإنما كانت بحاجة إلى إيقاف العدوان فحسب باعتبار أن السلطة هي من قامت بالعدوان دون أي مبرر أو مسوغ على المواطنين الآمنين في منازلهم وقراهم وبالتالي فحلها مرهون بإيقاف ذلك العدوان.
كانت السلطة تلجأ أحيانا إلى أسلوب الوساطات والوسطاء دون أن يكون لها بالمقابل أية صلاحيات أو تفويض يساعد على التهدئة وحل القضية ووقف الحرب بل كانوا عبارة عن رسل لحمل الرسائل منها فقط وذلك ما عبر عنه السيد حسين بدر الدين الحوثي في تصريح له لإذاعة لندن بتاريخ 19/7/2004م ردا على سؤال عن الاتهامات الموجهة اليه بإفشال المفاوضات : "احنا قابلين للحوار من قبل ومن بعد، الموضوع الذي نتحرك فيه موضوع فكري اساسا ومواقف طبيعية تتمثل في الشعار فلم يصل الينا مفاوضون وإنما كان يرسل رسلاء".
وقد تبين من خلال استخدام السلطة لورقة الوساطات انها انما أرادت حشر السيد حسين بدر الدين الحوثي في زاوية التهمة بالتمرد وعدم قبول الوساطات لإضفاء شرعية على الحرب واستمرارها ، ولم يتورع ما سمي بالمصدر المسؤول في 29/6/2004 من الترويج لفرية ادعاء الحوثي بانه امير المؤمنين وتكفير الوسطاء ورفض الالتقاء بهم على اساس انهم كفار مما حدا بالسيد حسين الى تفنيد تلك المزاعم لقناة ابو ظبي قائلا : "كثير من الادعاءات التي نسمعها سواء عن طريق بعض القنوات أو الاذاعة اليمنية كلها ادعاءات كاذبة....ما يقال عن موضوع التكفير نحن بعيدون عن اصدار احكام تكفيرية....هذه ادعاءات غير صحيحة ..هذه كلها محاولات لتضليل الراي العام سواء في الداخل أو الخارج لتتمكن السلطة من تنفيذ مهمتها الأمريكية".
لقد تعاطى السيد حسين مع ما يسمى بلجان الوساطات بمسؤولية واحترام لأنه كان يريد فعلا حقن الدماء وايقاف العدوان وتجنيب البلاد تداعياته، وكان على استعداد لتقديم كل ما يمكن عدا التخلي عن تدريس الثقافة القرآنية والشعار كما أكدت ذلك لجان الوساطات حسب الوثائق المرفقة ومنها : (1- وثيقة محضر اتفاق لجنة الوساطة الموسعة - المشكلة بقرار جمهوري في 27/7/2004م مرفق صورة القرار - مع السيد حسين بدر الدين على حل القضية وتسوية الخلاف موقعة بتاريخ 1/8/2004م، 2- رسالة الى الشيخ صالح الوجمان بخط يده يحدد فيها المكان الذي ستهبط فيه الطائرة المروحية التي ستقل لجنة الوساطة الموسعة التي شارك فيها العلماء وقيادات الأحزاب وممثلون عن الحكومة الخ، 3- رسالة السيد حسين بقلمه وخط يده الى رئيس الجمهورية بتاريخ 1ربيع1425ه وفيه ينفي نفيا قاطعا كل الادعاءات والاتهامات الموجهة ضده مذيلة بتوقيع وتصديق والده العلامة بدر الدين الحوثي).
ومما يدل على سوء نوايا السلطة إزاء المواطنين في المناطق المستهدفة وتوظيفها لورقة الوساطات والوسطاء بغية إكساب الحرب مشروعية واطالة أمدها وايهام الرأي العام بجدية السلطة في السلام أنها عمدت إلى عرقلتها وإحباطها من خلال الكثير من التصرفات منها :
تعريض الوسطاء للخطر من خلال استهدافهم واستمرارها للقصف أثناء عملها في المناطق المستهدفة، هذا بالإضافة إلى الإساءة الى الوسطاء أنفسهم والتشكيك فيهم والتشهير بهم في وسائل الإعلام المختلفة.
عَمِدت السلطة وباستمرار إلى تغيير ما كانت تسميه بلجان الوساطات رغبة منها في المجيئ بشخصيات جديدة تبدأ عملها من الصفر وبعد ان تكون اللجان السابقة قد بدأت تتفهم حقيقة ما يجري، وباختصار كانت السلطة تريد شهود زور لتبرير جريمتها في المناطق المستهدفة، وقد استغرب العديد من الوسطاء للقرارات الرئاسية المفاجئة بإنهاء عمل لجانهم ومنهم الدكتور عيدروس نصر النقيب عضو مجلس النواب عضو لجنة الوساطة للفترة من 12/6 وحتى 8/8/2007م الذي تحدث خلال ندوة نظمها منتدى حوار بقوله إن لجنته : " تم تجميدها في الوقت الذي كان مقررا لها ان تقابل قيادة الحوثيين وتفاجأوا بتشكيل لجنة جديدة" . والأمر نفسه تكرر مع اعضاء لجان الوساطة الذين جرى تعيينهم للإشراف على تنفيذ بنود اتفاق انهاء الحرب السادسة، في هذا الشأن تراجع تصريحات الاخوة عبد الله المقطري وزيد الشامي وعلي عبدربه القاضي على سبيل المثال .
لقد عملت معظم لجان الوساطة في ظل ضغوط السلطة وترهيب وابتزاز اعلامها المروج والمبرر للحرب ولعل ذلك يفسر بقاء معظم تقارير لجان الوساطة في حكم السرية .
لم تسلم الوساطة القطرية بدورها من تقلبات السلطة بين ترحيب بها وتشكيك فيها، ووصل الحد إلى إتهام قطر من قبل السلطة بدعم أنصار الله .
استطرادا لما سبق نشير الى تعرض الكثير من الوسطاء لإجراءات السلطة القمعية بالتعرض للاعتقال لفترات متفاوتة نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر :
1- الشيخ صالح الوجمان الذي تعرض للسجن لما يزيد عن عام ولم يفرج عنه الا بعد انتهاء الحرب السادسة .
2- العلامة عبد الله حسين المؤيد الذي تعرض للاعتقال والسجن لأكثر من عام ونصف .
3 – الشيخ علي ناصر قرشه تعرض للتوقيف بسجن وزارة الداخلية لعدة اسابيع .

العدوان وتداعياته الإنسانية (المحتوى الإنساني)
لا يمكن للمرء أن يتخيل حجم العدوان الذي شنته السلطة الحاكمة على محافظة صعدة وبعض المحافظات الأخرى كالجوف وعمران وحجة وصنعاء على مدى ست حروب ظالمة ووحشية شملت كافة المستويات العسكرية والنفسية والثقافية والفكرية والإعلامية والاقتصادية وغيرها، فما ارتكبه المعتدون من مجازر وجرائم ضد الإنسانية واعتقال وتشريد وتحريض وما خلفوه من مآسي ودمار بالكيفية الهمجية البشعة التي شاهدها وشهد عليها العالم أجمع وهى جرائم فاقت في بشاعتها كل الأعمال الوحشية المنافية للمواثيق والأعراف والمبادئ الدولية - عكس حجم المظلومية والمأساة التي تحتويها قضية صعدة وبصورة لا يجد الإنسان لها مثيلا في تاريخ اليمن بل والعالم، حيث راح ضحية ذلك العدوان الآلاف من الشهداء، وعشرات الآلاف من الجرحى والمعاقين، ومئات الآلاف من المشردين، والآلاف من المعتقلين، والمئات من المفقودين والمخفيين قسرا، ناهيك عن الآلاف من الأرامل واليتامى والمفصولين والمسرحين من وظائفهم.
إن ما ارتكبته سلطة العدوان من جرائم سيرد ذكر بعضها في ما يلي، تعتبر من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم العدوان والإبادة الجماعية طبقا للدستور اليمنى وقانون الإجراءات الجزائية، والمعاهدات والمواثيق الدولية التالية :
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
العهد الدولي بالحقوق المدنية والسياسية.
اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية.
اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
اتفاقية حقوق الطفل.
وجميعها مصادق عليها من الجمهورية اليمنية.

3.1. القوة العسكرية للعدوان
استخدمت المنظومة الحاكمة الجيش في عدوانها على المواطنين، حيث شنت عددا كبيرا من الحروب واسعة النطاق وبشكل ممنهج ضد السكان المدنيين في كافة مناطق محافظة صعده وبعض المحافظات الأخرى التي جعلت منها مسرحا للعملية الحربية في مخالفة واضحة لمهام الجيش التي نص عليها الدستور والقانون، فحشدت العشرات من الألوية والوحدات العسكرية بكل ما تملكه من قوة عسكرية هائلة وعشرات الآلاف من الجنود والتي بلغ عددها في الحرب الأولى فقط 18 لواءً عسكريا لتتجاوز ذلك فيما بعد ال 40 لواءً عسكريا بكامل عدتها وعتادها وفي ظل المساندة المستمرة للقوات الجوية؛ ولم تكتفِ بذلك بل دفعت بالآلاف من خارج إطار المؤسسة العسكرية للقتال وأباحت لهم البلاد والعباد، فمارسوا عمليات القتل والنهب والسلب وانتهاك الأعراض وحرمات البيوت، وفي الحرب السادسة شارك جيش المملكة العربية السعودية في ذلك العدوان بما يمتلكه من معدات حربية حديثة وتقنيات وتكنولوجيا عسكرية متطورة زادت من حجم المأساة والمعاناة.
في كل تلك الحروب استخدمت سلطة العدوان كل أنواع الأسلحة الثقيلة منها والمتوسطة والخفيفة كالطائرات، والصواريخ بأنواعها، والدبابات، والمدافع والقنابل المختلفة، بل وصل الحال إلى استخدام أسلحة محرمة دولياً كالغازات السامة والقنابل العنقودية والفسفورية والألغام بمختلف أحجامها وأشكالها وغيرها، كما شملت جرائمُ الحرب ضد السكان المدنيين القتلَ العمد والإبادة والتهجير القسري للسكان وتدمير المنازل وإتلاف الممتلكات وغير ذلك من الجرائم التي تدخل في نطاق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وهى الجرائم ضد الإنسانية التي لا تسقط بالتقادم.

الحصار
كانت السلطة تدشن كل عدوان حربي جديد لها بإطباق الحصار التام حول المناطق المستهدفة _التي تجاوزت فيما بعد صعدة إلى المحافظات المجاورة والقريبة_ وعزلها عن العالم تماما، حيث كان يُمنع دخول وخروج المواطنين لأي سبب كان بما في ذلك إسعاف المرضى والحوامل من النساء اللاتي يعانين من تعسر الولادة وكان يستثنى فقط خروج البعض من المدن والقرى بقصد النزوح، وقد أدى ذلك إلى شحة في المواد الأساسية والغذائية والعلاجية وانتشار الأوبئة، والذي أدى بدوره إلى معاناة إنسانية رهيبة للمواطنين الذين كان يصل بهم الحال في كثير من الأحيان إلى تناول أوراق الشجر والشرب من مياه غير صالحة، مما سبَّب في زيادة عدد المرضى ووفاة الكثير منهم وخصوصا الأطفال والنساء والشيوخ، كما كان يتم أيضا قطع وسائل الاتصالات والمواصلات ومنع وسائل الإعلام المحلية والدولية حتى من مجرد الاقتراب من تلك المناطق؛ وذلك لحجب الحقيقة عن العالم عموما واليمنيين خصوصا وفرض صورة زائفة ومغايرة لما يجري على أرض الواقع.
(انظر الملحق الخاص بذلك)


القصف العشوائي والإبادة الجماعية
كان يتم القصف الجوي والبري بشكل جنوني وهستيري وعلى نحو عشوائي، حيث استهدَف المنازل والمساجد والأسواق العامة ومخيمات النازحين والمنشآت الخدمية والتعليمية من كهرباء ومياه ومدارس ومستشفيات وطرقات وغيرها، فارتُكِبَت بذلك أبشع أنواع المجازر والجرائم المروعة التي يندى لها جبين التاريخ، حيث هُدِّمت المنازل فوق رؤوس ساكنيها، وقُصِفَت تجمعات المواطنين حتى في الأسواق العامة ومخيمات النازحين فغرقت في الدماء ومُلئت بها جثث الشهداء ووصل الحال بهم الى استهداف المواطنين الذين كانوا يهرعون لانتشال الجثث من تحت الأنقاض جراء القصف، ونتيجة للقصف المتواصل والعنيف كان يعيش الأطفال والنساء حالة رعب وخوف طوال مدة الحرب التي استمر بعضها ستة أشهر متواصلة سببت لعدد كبير منهم أمراضا نفسية بالإضافة إلى حدوث حالات إجهاض كثيرة للحوامل؛ كما كان يعتري بعض الأطفال والنساء حالات الإغماء عند سماعهم لأصوات الطائرات والانفجارات، وبالإضافة إلى ذلك فإن استهداف المنازل اضطَرَّ عددا كبيرا من المواطنين رجالا ونساء وأطفالا وشيوخا الى المبيت في العراء في ظروف معيشية وصحية بالغة السوء بعيدا عن أبسط مقومات الحياة.
ونذكر في ما يلي نماذج من المجازر الإجرامية المرتكبة ضد أبناء محافظة صعدة وبعض المناطق الأخرى :
مجزرة سوق بني معين برازح في صباح يوم الأحد الموافق 13/ديسمبر/2009م : راح ضحيتها أكثر من 95 شهيدا، وأكثر من مائة جريح.
مجزرة مخيم العادي للنازحين بمديرية حرف سفيان – محافظة عمران في يوم الأربعاء الموافق 16/9/2009م: راح ضحيتها أكثر من 90 شهيد منهم 45 امرأه و34 طفل، وقد تمت الإبادة الجماعية لهم وهم يهربون من قصف الطائرة ويحتمون بالعبارة تحت خط الإسفلت.
مجزرة عائلة منصور علي إبراهيم الدفاع بمديرية رازح بتاريخ 29/10/2009: راح ضحيتها أكثر من 20 شهيدا غالبيتهم من النساء والأطفال (خمسة أولاد وزوجاتهم وأولادهم).
مجزرة في حفلة عرس بمدينة النضير- مديرية رازح بتاريخ 20/12/2009م: استهدف فيها عرسا راح ضحيتها العشرات من القتلى والجرحى بينهم 17 امرأة.
مجزرة في مدينة النضير – مديرية رازح (آل أبو طالب) في فجر يوم الأحد الموافق 20/12/2009م : راح ضحيتها أكثر من 35 شهيدا من أسرة واحدة معظمهم من النساء والأطفال.
مجزرة سوق حيدان في صباح يوم الأربعاء الموافق 13/ أغسطس/ 2009م: راح ضحيتها 12 شهيدا و18 جريحا بينهم أسرة كاملة.
جريمة عساية ربوع الحدود بتاريخ 30 /جماد الأول /1929ه: راح ضحيتها أكثر من 25 شهيدا أغلبهم نساء وأطفال وقد تمت الإبادة الجماعية لهم أثناء هروبهم من قصف الطائرات .
مجزرة ضحيان بتاريخ 8/6/2008م: راح ضحيتها 9 نساء و6 أطفال كلهم شهداء.
مجزرة مخيم رغافة - مديرية مجز (وهو مخيم للنازحين يبعد 20 كم شمال مدينة ضحيان): راح ضحيتها 8 شهداء منهم 3 نساء و 5 أطفال أصغرهم رضيعة عمرها أسبوعين، كما سقط عدد من الجرحى.
مجزرة آل عامر في منطقة مذاب آل عمار في يوم الاثنين بتاريخ 30/11/2009م: راح ضحيتها سبعة شهداء منهم ثلاثة أطفال وأربع نساء، كم جرحت 9 نساء، وذلك عندما تم تدمير منزل فوق رؤوس ساكنيه.
مجزرة أسرة علي زيد السلمي النازح في منطقة الطلح صباح يوم الثلاثاء الموافق 8/سبتمبر/2009م: راح ضحيتها الأب والأم وأربعة أطفال والخامس وهو أصغرهم وعمره خمس سنوات أصيب بجروح بالغة.
مجزرة سوق الطلح عصر يوم الاثنين بتاريخ 15/ سبتمبر/2009: راح ضحيتها العشرات من الشهداء والجرحى.
مجزرة سوق حيدان بتاريخ 21/8/2009م: سقط فيها العشرات من الشهداء والجرحى.
مجزرة مخيم سودان 29/8/2009 :سقط فيها العشرات من الشهداء والجرحى
مجزرة مخيم يسنم بتاريخ 29/8/2009م : سقط فيها العشرات من الشهداء والجرحى.
مجزرة سوق الاثنين – مديرية ساقين بتاريخ 23/10/2009م : سقط فيها العشرات من الشهداء والجرحى.
(انظر الملحق الخاص بذلك)


دهس وحرق الجرحى والأسرى وسحلهم
ارتكبت السلطة المعتدية عددا كبيرا من الجرائم ضد الجرحى والأسرى ممن دافعوا عن أنفسهم وأعراضهم وممتلكاتهم؛ حيث كانت تتم تصفيتهم إما بإطلاق النار المباشر عليهم، أو دهسهم بالدبابات بشكل جماعي، أو تركهم يعانون من جراحاتهم في المعتقلات حتى الموت، كما تعرض البعض منهم للسحل في الطرقات والحرق قبل الموت وبعده، حيث كان يتم ربط أقدامهم إلى مؤخرة الأطقم العسكرية ومن ثم سحلهم لمسافات طويلة في الشوارع والطرقات _وعلى مرأى من المواطنين حتى الأطفال والنساء منهم_ يلفظون خلالها أنفاسهم الأخيرة في صورة إجرامية لم يسبق لها مثيل، من الأمثلة على ذلك ما تعرض له عدد من المواطنين في الثامن من إبريل من العام 2005م وذلك خلال الحرب الثانية من سحل وحرق في طرق وشوارع مدينة صعدة، والحادثة موثقة بالصور والشهود.(انظر الملحق الخاص بذلك)

حرب الألغام والقنابل العنقودية
توقفت حروب الطائرات والدبابات والمدافع إلا أن حرب الألغام لم تتوقف وما تزال قائمة حتى اليوم؛ حيث لا زال أبناء محافظة صعدة والمناطق الأخرى التي طالها العدوان على مدى ست حروب يعانون نتيجة الألغام ومخلَّفات الحروب التي أدت بشكل مباشر إلى استشهاد العشرات وجرح وإعاقة المئات من مختلف الفئات العمرية من الأطفال والمسنين والنساء والشباب، ولم تستثنِ حتى فرقَ نزع الألغام في بعض الأماكن حيث سقط منهم عدد من الشهداء والجرحى، كذلك فقد استخدمت السلطة أيضا في عدوانها الظالم القنابل العنقودية والتي مازال المواطنون يعانون منها حتى اليوم؛ حيث ألقت الطائرات على مساحات واسعة من محافظة صعدة وغيرها من المناطق وبشكل عشوائي عشرات الآلاف من القنابل العنقودية ذات الأشكال والأحجام المختلفة؛ مما خلفت العشرات من الضحايا.
الطفولة كانت أبرز تلك الضحايا حيث سقط عشرات الأطفال نتيجة للألغام ومخلفات الحروب وحتى شهر 11/2012م في إحصائية أولية تم رصد 31 حالة بتر من الأطفال منهم 23 من مديرية حيدان و حالتان من مديرية ساقين و حالتان من مديرية سحار و ثلاث حالات من مديرية شداء وحالة من مديرية مجز، أما من الكبار ففي إحصائية أولية سقطت نتيجة للألغام 97 حالة بتر و 800 حالة تشوهات، وقد أدى ذلك إلى الحد من قدرات الضحايا وعجزهم عن القيام بالوظائف والأدوار المتوقعة منهم نتيجة الإعاقات الدائمة أو المؤقتة.
كان يعْمَد الجناة الى زرع الألغام في أوقات السلم والعدوان بشكل منظم ومدروس خرقا لالتزاماتهم الدولية في تحريم استخدامها، ومما زاد الأمر سوءا هو تعمد زرعها في القرى والمناطق الآهلة بالسكان مع التركيز على الطرقات والمزارع وأماكن الرعي التي هي أساس الثروة الحيوانية التي يعتمد عليها بعض السكان، مما أدى الى حرمان الكثير من المواطنين من سبل عيشهم ومصادر رزقهم، كما أدى أيضا وبشكل مباشر إلى نزوح الكثير وعدم تمكنهم من العودة.
ونظرا لاستمرار نزيف الدم وتقطيع الأوصال فإننا نناشد الجميع في الوقوف بجديه للحد من الجريمة عن طريق تكثيف فرق نزع الالغام وتزويدها بالأجهزة المتطورة وإقامة مركز متخصص للأطراف في محافظة صعدة وغيرها من المنطق المتضررة والمستهدفة وجبر ضرر الضحايا ماديا ومعنويا.
(انظر الملحق الخاص بذلك)

الغاء حرية التعبير وحظر تبادل المعلومات
مارست السلطة المعتدية الانتهاكات بحق الكثير من الصحفيين والإعلاميين خصوصاً من بعد إعلان الحرب في منتصف 2004م، حيث مارست كل أساليب الترهيب المادي والمعنوي ضد كافة وسائل الإعلام غير التابعة لها والمحايدة وذلك لكي لا تتناول الحقيقة وتكشف عن حجم الجرائم والمجازر والانتهاكات والتعسفات التي كانت ترتكبها ضد المواطنين؛ وإمعانا منها في تكميم الأفواه والأصوات المناهضة للعدوان بما لا ينسجم مع المنهجية العدائية التي اتخذتها ضد مواطنيها، فقامت باقتحام مقرات بعض الصحف ومصادرتها والتحقيق مع الكثير من الصحفيين واعتقالهم لفترات طويلة خلافا للدستور والقانون؛ حيث كان يتم في الأخير تلفيق التهم لهم وإصدار الأحكام الجائرة عليهم من خلال محاكمات صورية افتقدت ابسط المعايير والمقومات اللازمة للمحاكمات العادلة وجرت في القاعات المغلقة لمحاكم السلطة الاستثنائية وغير الدستورية (محاكم أمن الدولة أو ما يطلق عليها المحاكم الجزائية المتخصصة )؛ من ذلك ما حصل للصحفي (عبد الكريم الخيواني ) رئيس تحرير (صحيفة الشورى ) سابقا، والصحفي/ محمد المقالح، كما كانت تُدبَّر أيضا عمليات الاختطاف والاعتداء للبعض منهم خارج إطار المعتقلات و محاولات الاغتيال بداخلها، هذا فضلا عن تعرض الكثير من الصحفيين للسب والقذف والتشهير في صحف منظومة العدوان ووسائلها الإعلامية الأخرى المرئية والمسموعة، ولم تقتصر مسألة تلفيق الاتهامات الكاذبة على الصحفيين الأحرار؛ بل شملت عددا من القضاة والفقهاء تم الزج بهم في السجون وإهدار كافة حقوقهم الدستورية والقانونية أثناء القبض والتفتيش والتحقيق والمحاكمة والإسراع برفع الحصانة خلافا للقانون لينتهي كل ذلك بأحكام ظالمة عبر محاكمات صورية كانت السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية الاستبدادية الفاسدة هي الخصم والحكم، فكان أن فجع العالم بأحكام الإعدام تصدر ضد قضاة وفقهاء وعلماء عرفوا لدى الكافة بطهارة اليد واللسان وكانوا نموذجا للقضاء المستقل المتمتع بالكفاءة والنزاهة كما هو الحال في حكم الإعدام الصادر ضد القاضي محمد لقمان والعلامة محمد مفتاح والعلامة يحيى الديلمي. (انظر الملحق الخاص بذلك)

انتهاك حرمة المنازل
من المعروف أن المجتمع اليمني ذو تركيبة اجتماعية محافظة، وفي كل المراحل التاريخية والسياسية السابقة كان هناك احترام لهذه التركيبة واحترام لحرمة المنزل وحرمة المرأة، ناهيك عن أن الدستور والقانون اليمني يجرم انتهاك حرمة بيوت المواطنين، ولكن بعد إعلان السلطة الحرب في منتصف عام 2004م قامت أجهزتها الأمنية والعسكرية وميلشياتها المسلحة من المرتزقة باقتحام الكثير من المنازل وانتهاك حرمتها وتفتيشها بصورة فجائية وهمجية ومعاملة النساء القاطنات فيها بشكل غير لائق، وكانت تقوم بإطلاق الأعيرة النارية، وتوجيه فوهات البنادق الآلية نحو ساكنيها وترويعهم خصوصا النساء والأطفال، ووصل التمادي بهم إلى اعتقال نساء لا ذنب لهن سوى ادِّعاء أن الزوج أو أحد الأقارب مشتبه به أو مطلوب لأجهزة السلطة الأمنية أو العسكرية، وبالإضافة لذلك فقد كانت تتم جرائم نهب وسلب ومصادرة للممتلكات الخاصة قدر ثمن بعضها بالملايين، كما كان يتم أحيانا التمترس في منازل المواطنين والقتال منها، واستخدام ساكنيها دروعا بشرية، وإجبارهم بالإنفاق عليهم طوال فترة احتلالهم لها.
(انظر الملحق الخاص بذلك)

إجبار المواطنين على النزوح (الإبعاد القسري للسكان )
أجبر العدوان على مدى ست حروب ظالمة شنتها السلطة على المواطنين في صعدة وبعض المناطق المجاورة على نزوح مئات الآلاف منهم من مناطقهم إلى أماكن مختلفة منها مخيمات الإيواء المؤقتة؛ وذلك نتيجة للقصف والقتل والتدمير من قبل منظومة العدوان الذي طالهم وطال أيضا منازلهم ومزارعهم وممتلكاتهم _التي مازالت حتى اليوم مدمرة وتنتظر الإعمار والتعويض_ إلى غير ذلك مما عاناه النازحون من مخاطر هددت أمنهم وسلامتهم الجسدية والنفسية، فمنذ شن الحرب الاولى الظالمة منتصف عام 2004م وحتى الحرب العدوانية السادسة التي اشترك فيها الجيش السعودي بشكل مباشر وفعلي وما تلا ذلك من خروقات من قبل منظومة الحكم والعصابات المسلحة التابعة لها - وجد المواطنون أنفسهم مع كل عدوان هدفا مباشرا للآلة العسكرية للسلطة وخصوصا الطيران في الأسواق والطرقات والمدارس والمنازل في الليل والنهار؛ فاضطر البعض منهم للنزوح دون أن يفكر حتى في المناطق التي يمكن النزوح إليها على الرغم من المخاطر الجسدية التي تصل إلى حد الاستهداف المباشر لهم بالطيران او بالأسلحة الثقيلة والخفيفة من مواقع السلطة، وكذا تعرضهم للعقاب القاسي في حال قُبض عليهم في النقاط الحكومية المتواجد فيها الجنود أو أفراد العصابات التابعة لها؛ حيث كان يتفنن أولئك في نهب مقتنيات النازحين الشخصية وابتزازهم ونهب أموالهم _خاصة إذا لم يسعفهم الوقت لأخذ وثائقهم التعريفية_ في استغلال إجرامي بشع لبؤسهم ويأسهم، كما كان يزداد الأمر سوءا إذا ما خسر هؤلاء النازحون الحماية التقليدية التي يوفرها أقرباؤهم الذكور الراشدون في حال نزح الأطفال والنساء لوحدهم.
ونظرا لاستخدام السلطة الحصار كأسلوب من أساليب الحرب، فقد كان النازحون عرضة للاستغلال من قبل المهربين، ولأن السلطة أيضا لم ترغب في توفير الحماية لهم بل شجعت على استغلالهم والفتك بهم فقد زاد الأمر سوءا وتعرضوا لعمليات نهب واسعة ومنظمة من قبل بعض العصابات الإجرامية.
وما إن يصل النازحون إلى المناطق التي اختاروها للنزوح؛ حتى تكون الأموال التي تبقت لهم غير كافية لتحمُّل نفقات السكن، هذا في ظل إخلال سلطة الحرب والعدوان بواجبها في تخصيص مساكن مناسبة لإيوائهم، أو على الاقل بناء الثقة لدى المجتمع المحلي لكي يتمكن من استقبالهم والتعاطي بإيجابية معهم، حيث إن بعض النازحين مثلا لم يتمكنوا من الحصول على مساكن في أمانة العاصمة بسبب رفض المؤجرين التأجير منهم بمجرد معرفة هوياتهم مما اضطر البعض منهم إلى الاستئجار بهويات أصدقائهم التي لا تحمل اسم (محافظة صعده)، أما الذين لم يستطيعوا تحمل نفقات السكن فقد اضطروا الى الاقامة في المدارس أو الكهوف أو العبّارات أو لدى المجتمعات المضيفة لهم من الأقارب والأصدقاء؛ لذا كان من الصعب معرفة عددهم الحقيقي خاصة وأن الكثير منهم لم يكونوا يرغبون في الكشف عن هوياتهم خوفا من اعتقال السلطة لهم في ظل الهيمنة والتحكم بعمل المنظمات الدولية، ورقابة الأمن القومي والسياسي لأعمالها ومراجعة الأسماء وعسكرة المخيمات؛ لذلك ظلت هذه الفئات من النازحين بعيدة عن الأنظار ولم يتم العناية بها صحيا أو تربويا أو ثقافيا أو ماديا.
إن أغلب النازحين عاشوا وذاقوا مرارة الهجرة القسرية والظروف غير المستقرة، سواء من جهة المخاطر التي تهدد سلامتهم البدنية أو من جهة المشقّات التي تعترضهم في محاولة الحصول على الضرورات الأساسية للبقاء على قيد الحياة؛ حيث وأن النزوح يعطل سبل العيش بشكل كبير، ويؤدي إلى انخفاض حاد في فرص الحصول على الضروريات بما في ذلك الغذاء والمياه النظيفة والمأوى والملبس الملائم والرعاية الصحية والصرف الصحي والمسكن المناسب مضافا الى ذلك المعاناة النفسية الخطيرة، ويعد حق النازحين داخليا في الحصول على هذه الضرورات مبدأ راسخا وبقوةٍ في القانون الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكافة المعاهدات الدولية ذات الصلة والقانون الدولي الإنساني حيث ينبغي حمايتهم سواء في الحالات الطارئة أو غيرها.
ومن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المكفولة عالميا للنازحين بالإضافة الى ما سبق ما يلي:
استهداف النازحين أثناء نزوحهم القسري وكذلك في المناطق التي يتم النزوح إليها وهى المخيمات والمدارس والكهوف والعبّارات وارتكاب المجازر ضدهم كما حصل للنازحين في (مخيم العادي) بسفيان حيث راح ضحية تلك المجزرة أكثر من تسعين شهيدا منهم 45 امرأة و34 طفلا، وكذلك في منطقة مطرة وغيرهما.
تدمير منازل ومزارع ومحال معظم النازحين قسرا؛ مما حال دون عودتهم، وهم الآن يتطلعون إلى سرعة إعادة الأعمار ودفع التعويضات المستحقة اللازمة لهم حتى تعود إليهم ممتلكاتهم ومنازلهم وكل ما خسروه ويستأنفوا حياتهم التي سلبتها منهم السلطة الباغية بحروبها العدوانية الظالمة.
قامت السلطة بحملة اعتقالات تعسفية منظمة للنازحين قسرا، وأحيانا استجوابهم وإهانتهم وحجزهم بدون وجه حق.
حُرِم عدد كبير من الطلاب النازحين من الدراسة، كما تم فصل بعض الموظفين من وظائفهم.
قيام بعض أزلام السلطة باستغلال واستثمار قضية النازحين ومعاناتهم، ووصل الأمر إلى حد محاولة سرقتها من أصحابها الحقيقيين وتثبيتها في أشخاص كانوا هم السبب الرئيسي في إجبار النازحين على النزوح وما جرى عليهم من مصائب وحاق بهم من ماسي .
لم يتم الالتزام بالمعايير المتعلقة بأماكن المخيمات وتنظيمها.
جرى استغلال الأطفال النازحين قسرا وذلك بسبب فقرهم؛ رغم أن بعضهم كان يتحمل المسؤولية في رعاية أسرهم لعجز أفرادها عن العمل بسبب المرض أو كبر السن.
(انظر الملحق الخاص بذلك)

فصل وتسريح الموظفين
استهدفت السلطة الكثير من الموظفين المدنيين والعسكريين على مستوى معظم المحافظات؛ حيث قامت بفصل المئات منهم من وظائفهم والذي كان المرتب بالنسبة للكثير منهم يعتبر المصدر الوحيد في إعالة أسرهم، كما قامت بتوقيف المئات منهم ومصادرة مرتباتهم، كذلك فقد تم نقل المئات منهم إلى محافظات ومناطق بعيدة ونائية، كما أنه تم حرمان أبناء المناطق المستهدفة من حق التوظيف والحصول على درجاتهم الوظيفية المستحقة، هذا ناهيك عن استهداف واضطهاد وإقصاء الكثير من الموظفين في أماكن أعمالهم وعدم مساواتهم بزملائهم في العمل وعزل الكثير من مناصبهم واحالة بعضهم للتقاعد، وغير ذلك من أساليب الاستهداف.

التسرب في التعليم
أجبر العدوان الكثير من طلاب المدارس والجامعات من أبناء المناطق المستهدفة على ترك الدراسة وضاعت عليهم عدة سنوات نظرا للأوضاع الأمنية المتدهورة وغير المستقرة في مناطقهم؛ حيث دمرت المئات من المدارس وسويت بالأرض نتيجة استهدافها بالقصف، بالإضافة إلى أنه أُجبر الكثير على النزوح إما هروبا من القصف أو نتيجة لتدمير منازلهم ومصادر عيشهم حينها وجد الآلاف من الطلاب أنفسهم خارج إطار الحياة الطبيعية اضطر الكثير منهم للعمل والانشغال بإعالة أسرهم، كما لم يتسنى للكثير منهم مواصلة التعليم نتيجة لعدم توفر البيئة التعليمية اللازمة والعامل النفسي المطلوب.
كما قامت السلطات أيضا بطرد وفصل واعتقال وملاحقة كثير من التلاميذ والطلاب وخصوصا طلاب الجامعات، حيث اضطر الكثير منهم للانقطاع عن الدراسة في الجامعة نتيجة للخوف من الاعتقال والاستهداف، أو لعدم استطاعتهم دفع مصاريفها خصوصا وأن أسرهم لم تعد قادرة على ذلك نتيجة تدهور أوضاعهم المعيشية، كذلك فقد قامت السلطات بفصل وتسريح وتوقيف ونقل المئات من المدرسين وحرمان طلابهم من التعليم نتيجة تلك التعسفات والممارسات اللامسؤولة.
ومن هنا فإننا نؤكد على ضرورة معالجة مأساة هؤلاء الطلاب وإيجاد آلية وحل مناسب لتعويضهم عن ما فاتهم من سنوات الدراسة وبعث روح الاندفاع التي ضُربت في أعماقهم للتعلم، وكسر الفارق الزمني الذي أصبح يفصلهم عن مستوياتهم التي كان يجب أن يكونوا فيها وأصبح بالنسبة لهم عائقا عن استئناف تعليمهم.

الاعتقال والقبض التعسفي
قامت منظومة العدوان باعتقال الآلاف منذ عام 2002م (قبل الحرب) بشكل تعسفي وبالمخالفة للدستور والقانون والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكانت ترتكب ضدهم كافة أنواع الجرائم والانتهاكات، حيث تم اعتقال أكثر من 800 معتقل قبل الحرب الأولى من مختلف المناطق والمحافظات كصعدة وحجة وصنعاء؛ وذلك بسبب ترديد الشعار (الصرخة)، وكان اعتقال معظمهم من داخل المساجد خصوصا الجامع الكبير بصنعاء وجامع الإمام الهادي بصعدة بعد الاعتداء عليهم بالضرب الشديد دون أي مقاومة من قبلهم، كما اعتقل العشرات منهم بمجرد استدعائهم من قبل الجهات الأمنية وتسليم أنفسهم طواعية ومن دون أي مقاومة أو تهرُّب، وظل معظمهم لسنوات داخل المعتقلات دون أن يتم إحالتهم إلى النيابة، كما تجدر الإشارة إلى أن من ضمن هؤلاء المعتقلين أطفالا تعرضوا للتعذيب، ولم يُسمح للمنظمات المحلية أو الدولية بزيارتهم والاطلاع على أحوالهم.
توسعت حملة الاعتقالات التعسفية وغير القانونية إلى معظم المحافظات اليمنية من بعد انطلاق الحرب الأولى، حيث أصبح عدد المعتقلين بالآلاف، واستُهدِفَ في المقدمة أبناء المذهب الزيدي من علماء ومدرسين وطلاب وخطباء وقضاة وأكاديميين وشخصيات سياسية واجتماعية بارزة، بالإضافة إلى معارضين للحرب، وأعضاء منظمات مدنية وحقوقية، وصحفيين، والجدير ذكره أن الاعتقال طال أيضا الأطفال والنساء ومن أبرز تلك الحالات قضية الأخت انتصار السياني وأخيها الحدث إبراهيم، كذلك فقد تم اعتقال الكثير من كبار السن ممن تراوحت أعمارهم ما بين 60 – 80 عاماً، كما كان يتم اختطاف رهائن وإيداعهم المعتقلات في سابقة خطيرة، والأفظع في ذلك أن بعض هؤلاء الرهائن كانوا أطفالا.




التعذيب حتى الموت
تعرض المعتقلون _ومن بينهم جرحى وأطفال وشيوخ_ للمعاملة السيئة ومختلف أنواع التعذيب، حيث كان يترك الكثير من الجرحى في السجون بدون أية رعاية صحية؛ الأمر الذي كان يتسبب في وفاة بعضهم، ومن الأمثلة على ذلك التالي :
الشهيد المعتقل/ هاشم حجر الذي استشهد في شهر سبتمبر من العام 2007م في السجن المركزي بصنعاء؛ حيث كان يعاني من المرض ومنعت عنه الأدوية حتى فارق الحياة.
الشهيد المعتقل/ بسام توفيق أبو طالب الذي استشهد بتاريخ 4/10/2009م في معتقل الأمن السياسي بصنعاء وظلت جثته معتقلة لدى السلطات لمدة لا تقل عن العامين، تم اعتقاله وهو متأثر بجراح نتيجة اصابات سابقة ومع ذلك فقد تم تعذيبه في المعتقل بأشد أنواع التعذيب _الذي ظهر على جثته بعد تسليمه وعرضه على الطبيب الشرعي_، وقد تم اهماله وتركه بدون رعاية صحية حتى فارق الحياة.
الشهيد المعتقل/ على شرف الدين عدلان حيث استشهد في سجن قحزة بمدينة صعدة، وتم اعتقاله ومن دون رحمة وهو في مستشفى السلام بصعدة يتلقى العلاج نتيجة مرض القلب، ومن ثم أصابه داء في الجلد داخل المعتقل ترك على إثره بدون أية رعاية صحية تذكر حتى أكل جسده الدود وفارق الحياة على إثر ذلك.
كما تعرض المعتقلون أيضا لإطلاق الأعيرة النارية المباشرة عليهم داخل السجون كما حصل في سجن (قحزة) بصعدة في العام 2006م، ناهيك عن الاعتداءات والمضايقات المتكررة من قبل معتقلين آخرين كانت يتم دسهم أو الإيعاز لهم بذلك من قبل إدارة السجن، كما كان يتم إجبار المعتقلين على التوقيع على أشياء غير صحيحة وأوراق لا علم لهم بما فيها.
(انظر الملحق الخاص بذلك)

سوء المعاملة
تمثلت المعاملة السيئة مع المعتقلين في الكثير من الأمور منها:
الإهانة والسب والقذف مع تناول المحارم والمقدسات والمعتقدات الفكرية بأقذع الألفاظ وأفحشها.
عدم السماح للمعتقلين بالحصول على الأقلام أو الأوراق، بالإضافة إلى التضييق عليهم في دخول الكتب في معظم الأحيان، ومنعها أحيانا أخرى.
عدم السماح لأسرهم بزيارتهم سوى مرة واحدة في الأسبوع ولعدة دقائق فقط، ومن بعد فترة التحقيق التي يتجاوز بعضها عدة أشهر _رغم أن مدتها في الدستور لا تتجاوز 24 ساعة_ وتكون هذه الزيارة من وراء شباكين ينفصلان عن بعضهما بمسافة لا تقل عن المترين؛ وفي حضور جندي مع كل معتقل يراقب ما يدور من حديث ويستعجل عودة المعتقل إلى محبسه بعد وقت قصير جدا.
عدم السماح لهم بإجراء المكالمات الهاتفية إلا في استثناءات نادرة.
معاملتهم بالمخالفة للدستور والقانون، وعدم إحالتهم إلى النيابة والقضاء سوى القليل منهم وبعد قضاء شهور وأحيانا سنوات طي الإخفاء القسري والاعتقال التعسفي لكي يواجهوا تحقيقات متحيزة ومحاكمات صورية تنتهي بالأحكام الجائرة والباطلة ضدهم.
اعتقال من يحاول زيارتهم في بعض الأحيان.

التعذيب النفسي
اتخذ التعذيب النفسي أشكالا عديدة منها:
إيداع المعتقل خصوصا في بداية الاعتقال في زنزانة انفرادية مصمَتة تحت الأرض (متر * مترين)يستمر البعض فيها أشهرا، لا ينفذ إليها الضوء ومعظمها مليئة بالحشرات، ويظل طوال الوقت على الإضاءة الصناعية.
تهديد المعتقلين بالقتل واعتقال أسرهم وخاصة النساء، وأحيانا يصل الأمر إلى التهديد بهتك أعراضهن، بالإضافة إلى تهديهم بمزيد من التعذيب.
تهديدهم بالاعتداء الجنسي.
تعريض المعتقلين لسماع أصوات تعذيب مرتفعة لبث الرعب في نفوسهم كجزء من التعذيب النفسي، بالإضافة لأصوات غناء مسجل مرتفعة.
تغطية أعينهم أثناء التحقيق.
إخفاءهم قسريا طوال فترة التحقيق وهى شهور وقد تصل إلى سنوات دون أن يعلم أهاليهم عنهم شيئا فضلا عن علمهم بأنهم معتقلون لدى السلطات.
عدم السماح لأهالي المعتقلين بالزيارة أو الاتصال طوال فترة التحقيق التي تستمر أحيانا عدة شهور، والبعض يتجاوز هذه الفترة.
عدم السماح لبعض المعتقلين بالذهاب إلى الحمام وجعلهم يقضون حاجاتهم في مرحاض داخل الزنزانة أمام زملائهم في وضع مهين لإنسانيتهم إمعانا في إذلالهم وتعذيبهم.
تعذيب بعض المعتقلين بالحبس الانفرادي في زنزانة ليس فيها أي ضوء وتكون مليئة بالقاذورات والفضلات البشرية والقوارض لمدة أيام.
النقل المتعمد للمعتقل أحيانا من سجن إلى آخر في الليل وتكرار استجوابه أو التحقيق معه مرات عديدة حيث تتم معظم تلك التحقيقات من أول الليل وحتى بعد الفجر؛ إمعانا في إرهاب المعتقل وتعذيبه ومنعه من النوم.
منع الوضوء للصلاة أحيانا.
تسليط بعض المساجين على قضايا أخرى (كتنظيم القاعدة) للاعتداء على بعض المعتقلين المحسوبين على أنصار الله.

التعذيب الجسدي
اتخذ التعذيب الجسدي للمعتقلين في الحبوس السرية والسجون العلنية لسلطة العدوان عددا من الأشكال منها ما يلي:
الأذى الجسماني الجسيم الناجم عن الضرب بقضبان حديدية، وتعرض البعض للجلد المفرط وغير ذلك.
حشر عدد كبير من المعتقلين في زنزانة صغيرة جداً بحيث يستمر البعض واقفا ليتسنى للبعض الآخر الجلوس.
تغطية أعين المعتقلين أثناء التحقيق وتقييد أيديهم إلى الخلف وربطها بسلاسل يتم تعليقهم بواسطتها، وتستمر أجسادهم معلقة على هذه الحالة طوال الليل وأكثر مع استمرار التعذيب، كما كان يتم إجبار المعتقلين على الوقوف وأرجلهم متباعدة طوال الليل مع تعذيب مستمر.
اللطم على الوجه بشكل متكرر طوال التحقيق باليد وبالحذاء وإدخالها إلى الفم كنوع من الإذلال الهمجي للمعتقل والحط من كرامته الإنسانية.
الركل في الخصيتين والفخذين، واللكم في الوجه والصدر.
التعذيب أحيانا بالكهرباء.
الوقوف كامل النهار تحت حرارة الشمس بدون أي طعام أو شراب بحيث يسقط المعتقل مغشيا عليه.
تقديم طعام رديء للمعتقلين دون أي اهتمام بنظافته، حتى أنه بعض الأحيان يكون فيه حشرات.

المحاكمات الصورية
قامت السلطات بزج الآلاف في السجون والمعتقلات السرية والرسمية، وظلوا يقبعون في تلك السجون من دون أي محاكمات أو تهم محددة، وتم إحالة القليل منهم إلى المحاكمة بعد احتجاز غير قانوني طال لأشهر عديدة والبعض لسنوات، وبعد إجراءات نيابية متعسفة، تم عرضهم على محاكم استثنائية غير دستورية، وتمت محاكمتهم بإجراءات استثنائية لم تضمن لهم أبسط حقوق المحاكمة العادلة.
(انظر الملحق الخاص بالمعتقلين)

الإخفاء القسري
عديدة هي الجوانب الإنسانية المؤلمة لحروب السلطة العبثية على محافظة صعدة وغيرها من المناطق منها الجانب المتصل بمئات المخفيين قسريا والذي لا يزال مع بقية الجوانب الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها ينتظر قيام السلطات والمجتمع اليمني بدورهما بالكشف عنه.
كان على رأس هؤلاء المخفيين قسرا من قبل السلطات السيد/ حسين بدر الدين الحوثي، حيث تم إخفاؤه لأكثر من ثماني سنوات ابتداء من العاشر من سبتمبر 2004م وحتى الثامن والعشرين من ديسمبر 2012م.
وهنا فإننا نؤكد بأن السلطة السياسية مسؤولة مسؤولية كاملة شرعا وقانونا عن الكشف عن مصير المفقودين والمخفيين قسرا، وبين يدي الأخوة في مؤتمر الحوار الوطني والرأي العام الوطني ومنظمات حقوق الانسان العربية والدولية نضع قائمة تضم بعض أسماء المفقودين والمخفيين قسرا والبالغ عددهم 519 شخصا من أبناء هذا الوطن الذين نكبوا في حروب السلطة العبثية عليهم.
والجدير بالذكر هنا أن السلطات مارست عملية الإخفاء القسري بحق معظم من تم اعتقاله وخاصة من اعتقل في زنازين الأمن السياسي والقومي وذلك طوال فترة التحقيق غير القانونية، والتي كانت تستمر لفترات طويلة كان يصل بعضها إلى عدة أشهر دون أن يعلم أهاليهم عنهم شيئا. (انظر الملحق الخاص بذلك)



صندوق الإعمار
من المعلوم بأنه تم إنشاء ما سمي ب صندوق إعادة إعمار محافظة صعدة بعد الحرب الرابعة وذلك بعد ان بادرت دولة قطر بالوساطة لدى السلطة لوقف عدوانها على أبناء محافظة صعدة وغيرها من المحافظات، وتكفلت بإعادة بناء ما دمرته الحروب الظالمة، وكذلك تعويض المتضررين، وإخراج المعتقلين من السجون، وكشف مصير المفقودين.
ومنذ ذلك الحين والصندوق يراوح مكانه سواء نتيجة التعطيل أو الإهمال أو غير ذلك، حيث تم تعطيل الصندوق مرارا ومنذ الوقت الذي لم يكن قد بدأ عمله أصلا سواء باتخاذ قرارات الحروب أو اعتماد أسلوب العرقلة المتعمدة والمباشرة، مؤخرا وعندما شرع الصندوق في مزاولة بعض مهامه تفاجأ المواطنون بإهماله للجانب الزراعي بشكل كبير، بالإضافة إلى جانب التعويض عن المواد العينية والتجارية التي كان يمتلكها المواطنون وتم فقدها أو نهبها من قبل الجنود والمرتزقة ممن جندتهم السلطة معها، أو دمرت مع دمار منازلهم ومحلاتهم التجارية، والتركيز على الجانب العمراني الذي لم يتجاوز الإنجاز فيه 2% من إجمالي الدمار الموجود؛ هذا بالإضافة إلى امتناع الصندوق عن التبني المباشر لعملية البناء والاكتفاء بالدفع للمتضررين نسبة 70% فقط من إجمالي الضرر وبحيث يكون الدفع على عدة مراحل وفق آلية تعسفية تبدأ بدفع نسبة 20% فقط، وتجدر الإشارة هنا إلى عدم البت في مسألة الإعمار في معظم المناطق التي خارج إطار محافظة صعدة كمديرية سفيان التي طالها خراب ودمار كبير وغيرها من المناطق.
من الأخطاء والتجاوزات التي يقوم بها الصندوق أيضا تمنعه وتلكؤه في اعتماد ما اضطَرَّ بعض المواطنين لبنائه أو ترميمه من منازلهم واعتبار ذلك خارج إطار الضرر، هذا مع اعتبار الخلل في تقييم الأضرار واعتبار بعض المنازل المدمرة كليا بأنها مدمرة جزئيا، هذا بالإضافة إلى أنه يتم التعويض لمنشآت متضررة من الحروب المتأخرة بينما هناك منشآت ومساكن مدمرة مازالت منذ الحرب الاولى.
من القضايا التي سببت عناء لدى المواطنين فيما يخص التعاطي مع الصندوق هي ضرورة الرجوع في كل صغيرة وكبيرة إلى صنعاء وارتباط معظم معاملاته بها، هذا بالإضافة إلى أن الكثير من الموظفين والمهندسين وخصوصا ممن يعملون في عملية الحصر وتقييم الأضرار معظمهم موظفون ومرتبطون بأعمال أخرى ناهيك عن كون الكثير منهم من محافظات أخرى والذي يسبب لهم صعوبة في التعاطي مع أبناء المحافظة.
المحتوى الاقتصادي
في بلد وصف دائما بالفقر ومحدودية الموارد والاعتماد على مساعدات الغير فإن أي حرب داخلية أو توترات أمنية لابد وأن تنعكس سلبا على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية ناهيك عن الجوانب الأخرى، وفي بلد كاليمن موبوء بالفساد المزمن فقد أدت سلسلة الحروب التي شنتها السلطة على صعدة وبعض المناطق في المحافظات الشمالية على مدى سنوات طويلة الى عدة نتائج سلبية؛ بل كارثية على المستويات الاقتصادية والتنموية على مستوى اليمن عموما والمناطق المستهدفة خصوصا، نذكر أبرزها فيما يلي:-
على المستوى العام فقد تعرضت خزينة الدولة لنزيف هائل جراء الانفاق على تلك الحروب العبثية التي كلفت بلا شك مليارات الدولارات، والذي كان الضحية الأول والأخير في كل ذلك هو المواطن اليمني؛ سواء من خلال التراجع للاقتصاد المتدهور أصلا في البلد والذي كان ينعكس سلبا على المواطن من خلال الجرع و ارتفاع الأسعار أو الغاء تنفيذ مشاريع خدمية كثيرة كان من المفروض تنفيذها حسب الخطط المعدة لها، أو من خلال تقليص فرص العمل في القطاعين العام والخاص إلى غير ذلك من الانعكاسات، وتجدر الإشارة إلى أنه ظهر الكثير من تجار الحروب الذي كان لهم دور بارز في عملية السطو على أموال الخزينة العامة وزيادة معاناة الناس.
نتيجة قتل وتشريد وجرح وإعاقة عشرات الالاف من المدنيين والعسكريين نتيجة العدوان الظالم، بُدِّدَت طاقات وموارد بشرية هائلة كانت اليمن بحاجة اليها، حيث تقدر الضحايا من المواطنين غير العسكريين حسب إحصائيات أولية بحوالي 25 ألفا ما بين شهيد وجريح ومعاق.
تسببت الحروب الست على محافظة صعدة وبعض المناطق في المحافظات الشمالية بكوارث كبرى طالت كل مقومات الحياة فيها، استهدفت العمران والبنية الزراعية والمنشآت التعليمية والمساجد والمنازل والموارد الخدمية من كهرباء واتصالات ومياه وطرق وغيرها، والتي لاتزال مدمرة حتى اليوم حيث بلغت في مختلف المديريات والعزل من خلال إحصائيات أولية وتقريبية على النحو التالي:
أكثر من ثلاثين ألف منزل مدمر.
أكثر من سبعة آلاف مزرعة مدمرة.
أكثر من 500 مسجد ومدرسة علمية مدمرة.
أكثر من ألف ومائتي سيارة مدمرة ومنهوبة.
منهوبات تقدر بحوالي 50 مليار ريال يمني.

سبب العدوان ضررا بالغا على القطاع الزراعي في محافظة صعدة الذي يعتبر مصدر الدخل الرئيسي لمعظم أبنائها وموردا اقتصاديا مهما للبلد ككل، حيث تم حرق الكثير من المزارع ودهسها بالدبابات، والتي لم تُستهدف منها كانت تتصحر نتيجة الحصار وشحة مادة الديزل، مما خلف معاناة كبيرة لأبناء المحافظة فضلا عن خسارة البلد الاقتصادية، وتجدر الإشارة إلى أن معظم الحروب كانت تدشنها السلطة مع بدء موسم حصاد المنتجات الزراعية في المحافظة، كما تجدر الاشارة أيضا هنا بأن جريمة الحصار عبر إغلاق المنافذ الحدودية في المحافظة أمام المنتجات الزراعية مازالت قائمة حتى اليوم حيث قامت ما يسمى بحكومة الوفاق بإغلاق منفذي البقع وعلب العام الماضي بالتزامن مع مواسم الحصاد ومازالت مغلقة حتى اليوم.
دمر العدوان الكثير من الاستثمارات الخاصة بالمواطنين كالمحلات التجارية وغيرها.
تم فصل الكثير من وظائفهم على مستوى معظم المحافظات، والذي كان المرتب بالنسبة للكثير منهم يعتبر المصدر الوحيد في إعالة أسرهم، ويقدر عدد الموظفين ما بين مفصول وموقوف ومنقول بأكثر من 1500 موظف.
تحولت الميزانية الخاصة بالمناطق المستهدفة الى نفقات تشغيلية عسكرية.

(انظر الملحق الخاص بذلك)

المحتوى الاجتماعي
على المستوى الاجتماعي لتلك الحروب العدوانية نستطيع القول بان تلك الحروب وما صاحبها من انتهاكات واسعة لحقوق المواطنة قد أصابت النسيج الاجتماعي بندوب وأضرار يتمثل بعضها في التالي:-
إحياء السلطة - بخطابها السياسي والإعلامي - للنعرات المذهبية والعنصرية، وممارسة التحريض من قبل أعلى مستويات السلطة حتى أصبحت تهمة ما أسمته بالحوثية تعني الاعتقال والمحاكمات والطرد من الوظيفة والنبذ الاجتماعي والاستهداف بشتى صوره وأشكاله.
سعت منظومة الحكم الى إحداث حالة من الفرز الاجتماعي بين المواطنين، كما عملت على توظيف القبيلة في الحشد والتعبئة للحرب دون مراعاة للتركيبة الاجتماعية والقبلية للمجتمع اليمني، فأوكلت الى من استجاب لها ممارسة أعمال العقاب الجماعي لمواطني صعدة والمناطق المستهدفة الأخرى؛ حيث قامت تلك الميليشيات بعمليات النهب والسلب وارتكبت الجرائم والانتهاكات بأنواعها.
ما خلفه العدوان من قتل وتشريد وتدمير أحدث الكثير من الأضرار على المستوى الاجتماعي والأسري، وظهرت حالات كثيرة من الأمراض النفسية.
سببت الاعتقالات انعكاسات سلبية كثيرة على المستوى الاجتماعي، منها ما تمثل في اعتقال المعيل الوحيد لبعض الأسر، بالإضافة الى التأثيرات النفسية نتيجة لذلك.

المحتوى الفكري والثقافي
إن السيد حسين بدر الدين الحوثي لم ينطلق في ما قدمه من خصوصية المذهب الذي ينتمي اليه بل من رحابة واتساع وشمول القرآن الكريم الذي يجمع الأمة الاسلامية بكل مذاهبها وأطيافها، وكان يؤكد بأن في القرآن الكريم ما هو كفيل بنهضتها وعزتها واستقلالها وتطورها وقدرتها على التصدي لمشاريع الهيمنة الصهيو- أمريكية المحدقة باليمن والمنطقة.
لم يكن المشروع القرآني الذي انطلق على أساسه السيد/ حسين بدر الدين الحوثي يستهدف الانقلاب او الاصطدام بالسلطة الحاكمة في صنعاء كما أكد ذلك في ثنايا محاضراته وفي تعاطيه مع العدوان، في حين كان للسلطة حساباتها الداخلية والخارجية الخاصة، ونظرت الى السيد حسين بدر الدين بما يمثله ذلك المشروع القرآني كحالة يجب استثمارها سياسيا ومذهبيا داخليا وخارجيا، فحركت آلة الحرب مشفوعة ببيانات سياسية وخطاب اعلامي تحريضي وطائفي اتسع نطاقه ليصبح من ثم حربا على تراث وطن وهوية شعب ضربت بجذورها في أعماق التاريخ اليمني، ونذكر هنا بعض مظاهر تلك الحرب الموازية من خلال الاشارة الى:-
حظر ومنع محاضرات وملازم السيد/ حسين بدر الدين الحوثي بالإضافة الى رفع الشعار (الصرخة).
قرار مجلس الوزراء بتاريخ 30/4/2004م إغلاق جميع المدارس والمراكز الخاصة بالتعليم الديني التي تعمل خارج ما سمي بقانون التعليم، وأغلقت بالفعل جميع المراكز الدينية في صنعاء وذمار وحجة وعمران وغيرها التي تتبع الزيدية وفي حين لم تمس المعاهد والمراكز الأخرى البالغة الضخامة.
في محافظة صعدة وحرف سفيان وبعض المناطق التي طالها العدوان لم تقم السلطات بإغلاق المدارس العلمية وحسب؛ بل قامت بتهديمها وتسويتها بالأرض، ومازال يعاني المواطنون حتى اليوم من ذلك.
تم فصل وتسريح ونقل المئات من المدرسين إلى محافظات نائية وبعيدة بشكل تعسفي وغير مبرر.
أجبر العدوان الكثير من طلاب المدارس والجامعات من أبناء تلك المناطق على ترك الدراسة والانشغال بإعالة أسرهم بعد فقْد عائلهم أو تدمير مساكنهم أو مصادر دخلهم، كما قامت السلطة بطرد وفصل واعتقال وملاحقة كثير منهم.
تم تدمير أكثر من حوالي 500 مسجد ومدرسة علمية حسب إحصائية أولية.
مصادرة الكثير من المكتبات الزيدية في عدد من المحافظات، وكذلك كثير من الكتب – مثل نهج البلاغة والصحيفة السجادية - من المكتبات اليمنية ومعارض الكتاب، حتى أن مكتبتي وزارة العدل والمعهد العالي للقضاء لم تسلما من تلك الهيستيريا وتمت إزالة واخفاء كل الكتب الفقهية الزيدية منها.
في إطار تلك الحملة العنصرية على المستوى الثقافي تم في شهر اغسطس 2004م تكليف لجنة أمنية وزارية بما سمي مراجعة المناهج التي تجاوزتها الى محاولة إلغاء وشطب كل ما له علاقة بالموروث الفقهي والفكري اليمني وكان من بين توصياتها التي تم تنفيذها إلغاء الآذان بحي على خير العمل – من الإذاعة والتليفزيون – وتضمين السب في المناهج ومصادرة (بقية) أوقاف المساجد الزيدية الخ.
قبل وأثناء شن الحرب شهدت اليمن أسوأ موجة من انتهاكات الحقوق والحريات الدينية والسياسية والفكرية، وتم الزج بالعشرات من العلماء والقضاة والدعاة في السجون والمعتقلات وتم استبعاد عشرات الخطباء من منابر الجمعة؛ وتغييرهم بآخرين منسجمين مع توجهات السلطة حيث تم مصادرة حوالي 430 مسجدا زيديا، كذلك فإنه وبتهم ذات صلة بالتحريض المذهبي والطائفي أجريت الاعتقالات والمحاكمات الصورية للقاضي العلامة محمد لقمان وللعالمين محمد أحمد مفتاح وعشرات آخرين.
تم منع وحظر الاحتفال بالمناسبات والشعائر الدينية المعروفة على نطاق واسع في المحافظات الشمالية كعيد الغدير والمولد النبوي.
في تلك الأجواء المشحونة صدرت عشرات الكتب ومئات النشرات والمطبوعات والمقالات تبرر سفك الدماء وسياسة الاجتثاث الجارية في محافظة صعدة وبعض المحافظات الشمالية.

(انظر الملحق الخاص بذلك)

والحمد لله رب العالمين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.