ما الذي كان يفعله "عبدالمجيد الزنداني" في آخر أيّامه    رفض قاطع لقرارات حيدان بإعادة الصراع إلى شبوة    قذارة الميراث الذي خلفه الزنداني هي هذه التعليقات التكفيرية (توثيق)    قوات دفاع شبوة تحبط عملية تهريب كمية من الاسلحة    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    قيادي إصلاحي يترحم على "علي عبدالله صالح" ويذكر موقف بينه و عبدالمجيد الزنداني وقصة المزحة التي أضحكت الجميع    عاجل: الحوثيون يعلنون قصف سفينة نفط بريطانية في البحر الأحمر وإسقاط طائرة أمريكية    دوري ابطال افريقيا: الاهلي المصري يجدد الفوز على مازيمبي ويتاهل للنهائي    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    لا يجوز الذهاب إلى الحج في هذه الحالة.. بيان لهيئة كبار العلماء بالسعودية    عمره 111.. اكبر رجل في العالم على قيد الحياة "أنه مجرد حظ "..    آسيا تجدد الثقة بالبدر رئيساً للاتحاد الآسيوي للألعاب المائية    رصاص المليشيا يغتال فرحة أسرة في إب    وزارة الحج والعمرة السعودية تكشف عن اشتراطات الحج لهذا العام.. وتحذيرات مهمة (تعرف عليها)    سلام الغرفة يتغلب على التعاون بالعقاد في كاس حضرموت الثامنة    حسن الخاتمة.. وفاة شاب يمني بملابس الإحرام إثر حادث مروري في طريق مكة المكرمة (صور)    ميليشيا الحوثي الإرهابية تستهدف مواقع الجيش الوطني شرق مدينة تعز    فيضانات مفاجئة الأيام المقبلة في عدة محافظات يمنية.. تحذير من الأمم المتحدة    أول ظهور للبرلماني ''أحمد سيف حاشد'' عقب نجاته من جلطة قاتلة    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    الإطاحة بشاب وفتاة يمارسان النصب والاحتيال بعملات مزيفة من فئة ''الدولار'' في عدن    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    مغالطات غريبة في تصريحات اللواء الركن فرج البحسني بشأن تحرير ساحل حضرموت! (شاهد المفاجأة)    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة إلى الرئيس اليمني المفترض: لهذا نحن قلقون!
نشر في أوراق برس يوم 26 - 01 - 2014

هل رأيت حشود أنصار الله تغزو صنعاء للمطالبة بإقالة الحكومة التي سببت لك الفشل في إدارة الدولة؟ هل سمعت طبولها وقذائفها تدق أبواب العاصمة؟ هل علمت أنها في "أرحب" على بعد كيلومترات قليلة من منزلك؟
أسئلتي لا تريد منك إجابة متهورة. فلن تستطيع فِعل شيء وأنت مكبل بقيود "المبادرة الخليجية" التي لم يوقع عليها هؤلاء الغزاة الحوثيون. سأصفهم هكذا "الغزاة" لأن كل شيء في مناطقهم التي يسيطرون عليها لا يشكل شيئاً من مبادئ التنوع المفترضة في أي مجتمع. لقد طردوا "السلفيين" من "دماج" وأنت تتحدث مع وفود المحافظات عن الأقاليم (!) وفي إقليمهم لم يعترفوا بمن يخالفهم مذهباً وفكراً. حاصروهم في خمسة حروب سابقة وشنوا عليهم حصاراً خانقاً دام أكثر من مائة يوم إلى أن تنازل شيخهم "الحجوري" بتغليب النفس على الموت وإنقاذ أصحابه الذين تاهوا في مسيرة الهجرة.
رحل أكثر من عشرة الآف سلفي من دماج مع عائلاتهم وقُتل ما يقارب ثلاثمائة شخص في معركة مؤلمة لكل الوجود والتقارب المذهبي المفترض، وعلى الجبهات الأخرى التي يسعرها الحوثيون في مختلف مناطق الشمال اليمني ينتصرون ويحققون تقدماً مدهشاً تحت غطاء مالي باذخ وإصرار عقائدي على تسمية المقاتلين ب"المجاهدين". وأنت يا "رئيسي" منشغل بلملمة تراث الحوار الوطني والتحرش بتركة صالح التي انقذتك من غضب الساحات وكبحت جماح "مستشارك العسكري" للوصول إلى كرسيك الأثير.
هل تعي أنت وكل الذين يتخذون من الرئيس السابق وأنصاره شماعة لتقدم الحوثيين الكاسح ويوجهون إليه سبابة الإتهام بدعمهم وتسهيل حوائجهم ومغامرات تسليمهم أسلحة "تركيا" وعتاد الحرس الجمهوري السابق بأنهم جميعاً في مرمى قناصة "السيد" الذي يثير زوبعة من القلق الحقيقي على كل مقدساتنا الثورية ونظامنا الجمهوري وإرثنا التعليمي والإداري الطويل.
نحن قلقون يا صاحب الفخامة.. قلقون من كل شيء لا يعنيك ولكنه يعنينا كثيراً. يشكل وعينا وأهميتنا ومعيشتنا وكل تفاصيلنا وحياتنا أيضاً. أنت لم تعد مباليا بالوحدة. لكن أن تترك النظام الجمهوري يتقهقر مع كل ضربات الإمامة المتسخة فذلك أمر مخيف سيوصم تاريخك الرئاسي بالألم. لست أدعوك الإنتصار لبغضاء أبناء الشيخ الأحمر وغباءهم السياسي. ولا أمنحك صكاً للذهاب بجيوشك المهانة إلى أقاصي الشمال لإنتزاع نصر دموي غير واضح المعالم. لكني أدعوك لإيقاف هذا العبث وطمأنتنا على المستقبل. لا تتحدث إلينا كأحد المستغرقين في أحلام اليقظة. ولكني أدعوك لسماع ما أقوله.. فأنا قلق.. قلق للغاية.
في فبراير 1994م خرج المتصارعون بوثيقة العهد والإتفاق بعد نزاع على السلطة التي توحدت قبل أربعة أعوام منذ ذلك التاريخ، وفي أشهر قليلة إندلعت حرب الإنفصال وخسر معسكر الإشتراكيين كل شيء ولاذ بالشاطئ هرباً من تقدم الجيوش المتحالفة (الإسلاميون – القوات المسلحة). كان د. محمد عبدالملك المتوكل مهندس وثيقة العهد والإتفاق أحد الذين فروا من جحيم تلك الحرب إلى المنفى الإجباري. هذا الرجل هو أخطر ما في هذه القصة. بجانبه رفع الشاب الطامح حسين بدر الدين الحوثي من صعدة صوته عالياً لمناصرة قوات "البيض" فأودعه الرئيس السابق السجن ثم افرج عنه بعد إنتهاء الحرب بوساطة وتعهد المرحوم يحيى المتوكل. يمكن تسمية هذا تحالفاً إمامياً هشاً لإسقاط دولة الوحدة التي قامت على أنقاض الحلم البائس بإعادة الحكم الدستوري الملكي لليمن الذي بدأ مع اغتيال الإمام يحيى حميد الدين في 1948 وسقط بعدها بأسابيع على يد وريث العرش الإمامي أحمد – النجل الأكبر للإمام المغدور.
كان الدكتور المتوكل شاباً يافعاً في ذلك الوقت. عمد إلى ممارسة الثورية والتوعية الممنهجة لإسقاط حكم الإمام الجديد. كان ممتلئاً بكل شيء جيد وأصبح في سبعينيات القرن الماضي وزيراً في حكومة الشهيد الراحل إبراهيم الحمدي.
تقدمت السنين وجاءت الوحدة ووجد الدكتور العبقري أنه حامل مشروع الحكم الدستوري. ربما لأنه ليبرالي محترف لا يعنيه أمر الملكية الامامية. بل جمهورية كإيران مع بعض التحسينات التي يرعاها المذهب الزيدي هنا. شكّل الرجل مع آل الوزير وهم مفكرون مجتهدون حزب اتحاد القوى الشعبية الى جانب القوى الإسلامية والقبيلة التي تُعرف الان بإسم "التجمع اليمني للإصلاح". ساهمت هذه القوى في تأجيج الخلاف بين طرفي الوحدة الرئيسيين. انضوى اتحاد القوى الشعبية "الهاشمي" في مسار القوة الاشتراكية التي كانت تمثل دولة الجنوب، ودخل الإخوان المسلمون كحليف قوي مع دولة الشمال فقد كان لها تاريخ مليشاوي مسلح وناجح مع نظام الرئيس "الشمالي" صالح في مواجهة الجبهة الوطنية المدعومة من نظام الاشتراكيين الجنوبي أيام التشطير. وصلت ذروة الخلاف لمنتهاها وبادر الدكتور المتوكل بصياغة وثيقة الحوار الوطني المعروفة بوثيقة العهد والاتفاق لكنها سرعان ما تداعت بهزيمة الطرف الاشتراكي الذي كان يسانده حزب "المتوكل" وهو يدرك جيداً أن تنظيمه السياسي النخبوي غير قادر على التأثير في ظل سيطرة قوة واحدة على البلد.
عاد الدكتور المتوكل بعد اعوام قليلة بتدخل الشيخ الراحل وزعيم حزب الاخوان المسلمين باليمن عبدالله الأحمر. ليبدأ من جديد! في احدى ليالي العام 1997م التقى اللواء يحيى المتوكل -رحمه الله- بالرئيس صالح يرافقه الشاب البرلماني عن محافظة صعدة حسين الحوثي وبعض الشباب المتحمسين لفكرة إنشاء تنظيم الشباب المؤمن كإحدى التنظيمات الدينية القائمة على المذهب الزيدي (مذهب الحكم الإمامي الرسمي) واقنعوه بدعمهم لمواجهة الفكر الاخواني والوهابي المنتشر في اليمن والذي سيشكل لاحقاً تهديداً لحكم الرئيس السابق إذا لم يواجهه فكر مضاد قادر على تحديد تأثيره. ولما كان صالح يهوى اللعب على المتناقضات وتغلبه طبائع التسامح فقد تحمس للفكرة وتحرك التنظيم الجديد في أغلب المناطق الزيدية الشمالية برعاية الدولة. كان ذلك بعد خسارة حزب التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان) في انتخابات برلمان 1997م وانفراد المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه صالح بحكومة ليس فيها إئتلاف سياسي كباقي حكومات ما بعد الوحدة. حينها شعر الإخوان بمرارة ما حدث وأنهم كانوا ورقة استخدمها الرئيس السابق للقضاء على الشريك الوحدوي الجنوبي.
ذهب الاخوان الى المعارضة وبدأ الدكتور المتوكل بإعادة التحالف مع الاشتراكيين الذين كانوا يبحثون عن قوة دينية مساندة في صراعهم مع الاخوان. لم تتمكن الاحزاب الهاشمية مثل "اتحاد القوى - الحق" من اسنادهم وانتهى الأمر بالتحالف مع الاخوان عبر فكرة انشاء احزاب اللقاء المشترك التي كانت امتدادً لمجلس التنسيق لاحزاب المعارضة وهي فكرة الدكتور المتوكل مع التركيز على توظيف الاخوان كقوة شعبية مواجهة المؤتمر الشعبي الحاكم. كانت تلك فكرة المتوكل وكان عرابها جارالله عمر الذي أدى مقتله لخلق "المشترك" فقد كان الأخير بحاجة لأضحية تُسكِت الاصوات المعارضة من تحالف الاخوان واليسار. هذه الأصوات ارتفعت بإستنكار داخل الاخوان وفي منظومة الحكم المرتبطة بهم وتفكيك الاعاقات داخل اليسار.
وصلنا الان الى العام 2003. انفرد المؤتمر الشعبي العام مرة أخرى بحكومة خاصة به عبر انتخابات نيابية جديدة وبقيت احزاب اللقاء المشترك في موقعها المعارض مُحاولة بناء صفوفها ببرمجية احترافية ممنهجة وقد وجدت في أسرة الشيخ الأحمر ملاذها المأمول لتكوين حشد قبلي مؤازر لمخططها الاحترافي للسيطرة على السلطة. إلا أن حكمة الشيخ الراحل كانت تؤجل مرحلة الاصطدام والتأجيج للشارع الذي بات ضائقاً من أحواله المعيشية. وفي صعدة أيضاً مازال تنظيم الشباب المؤمن يواصل تعبئته العامة لتكوين قوة طلابية وجيش مليشاوي (زيدي) خاص به على غرار الجناح المسلح للإخوان المسلمين. ومع تزايد سلطة عائلة الرئيس السابق التي كانت تتحكم بفصيل ضخم من قوة الجيش الرسمي والأمن والمخابرات.
-إتجه اللقاء المشترك نحو الجنرال علي محسن اهم حليف استراتيجي عسكري ل "صالح" وتضخيم أسفه على تقوية الأخير لعائلته على حساب قوته العسكرية التي باتت ضعيفة مقارنة بما يمنح للعميد احمد علي عبدالله صالح قائد قوات الحرس الجمهوري "سابقا".
-في العام 2004م ذهب الرئيس السابق براً الى السعودية لأداء مناسك العمرة برفقة الشيخ الزنداني وعلى الحدود توقف "صالح" للصلاة في جامع الهادي بمدينة صعدة. ومن هناك تفاجئ الرجل بسماعه للصرخة "الحوثية" التي دوت في كل مكان بالجامع من اعضاء تنظيم الشباب المؤمن.. وحينها شعر الرئيس بالخطر الحقيقي من عاصفة هؤلاء الشباب الذين يتزعمهم حسين الحوثي. كانت مكيدة الاخوان عالية الذكاء. تعمدوا ادخال الرئيس السابق الى الجامع لاقناعه بخطورة ما يحدث وضرورة مواجهته بكل السُبل. وكانت هناك على الحافة دول أخرى يهمها عدم توسع المد "الحوثي" فحفزت صالح على ضربهم في مهدهم. ولكن الجميع كانوا يكيدون لاغراق الرجل في مستنقع دموي بشع.
بعد أشهر انفجرت الحرب في صعدة. وتولى الجنرال "محسن" قيادة المعركة بصورة تضمن اضعاف المستهدفين وجعلهم بؤرة دائمة لإشغال الرئيس السابق وعدم استمراره في مهمة ازاحة النفوذ الاخواني وإبقاءه رهينة قوتهم الدعائية والمليشاوية.
-لن اسهب كثيرا في سرد الوقائع السابقة. فتزاحم السيئات وانشطار التعاون الخفي والظاهر داخلياً وخارجياً مع مظلومية الحوثيين شمالا والحراكيين جنوباً اوصل البلد وقيادة الدولة لمرحلة الانسداد الفعلي وسط موجة هائلة من الدعاية الموجهة لتحفيز الرأي العام اليمني بضرورة التغيير. وفي المنتصف كان الدكتور المتوكل يتحدث عن الليبرالية والحقوق موجهاً احزاب المشترك بتصورات اوصلتهم الى الفراغ. بلغ الصراع مع موجة الربيع العربي الذي عصف بكل شيء. وكان خروج التنظيم الاخواني الى الشارع للسيطرة على احتجاجات الكثير من الناس فعالاً. اضافة الى التداعيات التي كانت تتوقع انهاء حكم عائلة "صالح" جذرياً والانقضاض على تركته من رجاله السابقين الذين هربوا الى الخيام مع عاصفة الموت في جمعة 18مارس 2011.
بعد أشهر قليلة تعرض "الرئيس" ونظامه لهجوم صاروخي مدمر خلال تأديتهم لصلاة الجمعة في جامع النهدين بدار الرئاسة. قُتل كثير ونجا "صالح" بأعجوبة. فتغيرت المعادلة السياسية برمتها. صار الرجل الجريح متمتعاً بقوة افضل من سابقها على الصعيد الشعبي وتماسك حزبه الحاكم وظل مسيطرا على المشهد العام المناوئ لاحتجاجات الربيع الثائر الذي يتزعمه الاخوان.
تراجع الجمهوريون الإماميون عن موقفهم من الفوضى الاخوانية التي بدأت ملامحها تتضح في بلدان عربية أخرى مثل مصر وليبيا وتونس التي سيطر عليها الاسلاميون الاخوان. وبعد تسليم الرئيس السابق للسلطة وانتخاب نائبه كرئيس توافقي جديد. حقق الاخوان الهدف بإزاحة رأس العائلة عن السلطة لكنهم خلقوا بضربهم للنظام اليمني ولحليفهم الاستراتيجي كيانات مسلحة اكثر قوة من وجودهم السياسي او تنظيمهم المسلح مثل الحوثي في صعدة والحراك في الجنوب اضافة الى تدني رصيدهم الشعبي وافاقة الرأي العام العربي على انتهازية اخوانية وقحة عصفت ببلدانهم. ولم يكن اليمن خارج هذه المعادلة.
تنبه الاخوان للمأزق الذي وضعوا انفسهم فيه مع استمرار النجاحات السورية في القضاء على تنظيماتهم المسلحة وسقوطهم المدوي في مصر وتحولهم من حزب كان يدعو للمساواة والحرية والتنوع الى مجموعات جهادية اشبه بالعصابات المؤذية التكفيرية القاتلة.
هنا.. صار "محسن" مستشارا. آل الشيخ الأحمر كشفوا غطاء الدولة والنفوذ عنهم. والاخوان فشلوا في ادارة الحكومة. تفاقم الغضب الشعبي عليهم. وضربات "الحوثيين" تقضي على وجودهم في كل موقع بشمال الشمال. الان فقط.. عرفوا جلياً أنهم صنعوا ثورة ل "أنصار الله" وستشكل المعادلة القادمة تحالفات جديدة سيكونون فيها الحلقة الأضعف.
بادر الدكتور المتوكل بزيارة الزعيم صالح الى منزله. واندهشت جميع القوى الثورية لهذا التصرف. لكن الزائر كان يعي موقع "الزعيم" القوي فقد كان بحاجة الى تحييده في صراع الحوثيين مع الاخوان. وتأكيد ألمه الجامح من خيانة الاخوان الفاجرين له وانقلابهم على سلطته وعائلته ودولته. وبالتالي انفراد "انصار الله" الذين لم يوقعوا على المبادرة الخليجية الحديث بإسم "الثورة" في ظل عودة كل رجال الرئيس السابق للحكم وتذمر العامة من خدعة "التغيير" التي كانت في الحقيقة استهدافاً شخصياً للعائلة. كل الوجوه الحاكمة اليوم التي تدعي الثورية هي اركان الرجل السابق. وحدهم "انصار الله" الذين يتزعمهم الشاب عبدالملك الحوثي يعتبرون القوة الناشئة التي ظهرت بفضل "الثورة". في موازاة تكلس الاحزاب وانعدام التعددية السياسية في كل المناطق اليمنية وظهور قوى جديدة مثل الحراك الجنوبي.
الخارطة المتوفرة حالياً عصية على توقع أعمق المحللين السياسيين خبرة بمستقبل اليمن. غير أن ملامح تقدم الحوثي الجهادي غير المبرر في نهمه التوسعي على الأرض واعادة تحالفه مع جناح علي سالم البيض الذي آزره في حرب صيف 94م يشكل قوة مؤثرة اعتمدت على تحييد "صالح" من الصراع الدموي واضعاف آل الأحمر ودك تحصيناتهم والغاء هوية "حاشد" كقبيلة نافذة في ظل فشل شيخها الجديد من الامساك بخيوط القبيلة الحاشدية ك آل عاطف وأبوشوارب وجليدان وغيرهم الذين يناصبون ابناء الاحمر خصومة تمنعهم من دعمهم في مواجهة المجاهدين الحوثيين. ومع افراغ الجنرال "محسن" من قوته العسكرية نسبياً بدواعي الهيكلة. تأمل " بكيل" القبيلة المواجهة ل "حاشد" أن يسهم صراع الحوثيين مع آل الأحمر في تقويتهم قبلياً خاصة إذا عرفنا أن زعيم "بكيل" الشيخ الشائف يناصر الرئيس السابق الذي ينحدر أساساً من قبيلة "حاشد" المتهاوية.
لماذا نحن قلقون؟ الأقاليم تشكل هوية جديدة لتغيير الخارطة الجغرافية في البلد. الحوثيون مصرون على تعميق هويتهم وسيطرتهم بكافة السبل ويؤسسون لجيشهم الحقيقي في اكثر من أقليم. ومنها اقليم حضرموت الذي يسيطر عليه جناح علي سالم البيض المدعوم إيرانياً مع الحوثي. والجديد في الأمر أن الحوثيين مازالوا مسيطرين على خيام 2011م التي غادرها الجميع وبقوا بداخلها لمثل هذه الأيام التي تمكنهم من استعادة السيطرة على الشارع. غير أن بشاعة حربهم على السلفيين المسالمين شكلت وصمة عار في مسيرتهم التي يحاولون اضفاء النزاهة عليها. إلا أن ذلك لن يؤثر مستقبلا على مطامحهم الخطيرة في الوصول الى المشهد "الخميني" من داخل العاصمة صنعاء.
في إيران كانت ثورة شعبية استمرت لعدة سنوات، محقّة سلميّة إلى أبعد الحدود.. وذات يوم نزق أعطى الشاه أمراً للجيش بقتل كل مدني في الشارع.. مهما كانت وظيفته أو مهنته أو مطالبه. حدثت مجزرة بالالاف بحق الشعب الايراني..عرف الخميني بالأمر وعلى الفور نادى وجهاء المناطق وأعيانها، وطلب منهم نزول كافة أطياف الشعب إلى الشارع في اليوم الثاني للمجزرة.. حاملين بأيديهم وروداً حمراء.. وعلى كل واحد منهم وضع الورد في فوهة بندقية الجندي الذي يقتله.. لاقى قرار الخميني الامتعاض والشجب من قبل الأشخاص..وتساءلوا كيف نبادرهم بالورد وهم يبادروننا بالرصاص..ماذا حدث في اليوم الثاني؟ نزلت الملايين إلى الشارع.. بدأ ضرب الرصاص عليهم.. سقط الصف الأول والثاني والثالث حتى وصل من وصل إلى الجندي.. فوضع الوردة في بندقيته.. وابتسم له بسلام!
النتيجة.. انشقاق أكثر من ثلاثة أرباع الجيش الايراني.. تلاه انشقاق كامل لسلاح الطيران بعد أيام قليلة.. لينهار نظام الشاه بعد بضع شهور.
عاد الخميني من منفاه وقاد بلاده نحو النصر والتقدم والتنمية المذهلة. هذا هو الأنموذج الايراني الذي مازال خياراً ناجحاً ويتبناه الحوثيون كمنهج وفكرة في مقابل فشل الانموذج التركي الذي سوق له الاخوان وأظهر فحشه وتداعيه مثيرا كراهية لا حدود لها في العالم العربي.
القصة ليست مؤامرة انها تقنيات احترافية لإدارة صراع في ظل متاهات بلا مشاريع..
اليمن تعيش وعي المنازع الذي ينتظر موته.. وفهم الواقع بداية لتحديد الخيار الاصوب. الاميركيون تائهون وقد يخنقون اليمن بحلول يعتقدون نجاعتها وهي المرض.. لا يتآمرون لكنهم مازالوا واقعين في فخ غبي ناتج عن عجزهم في فهم واقعنا، يبدو ان التجربة تسير في مسارها وبمجرد تحركها ستتضح المخاطر وعندئذ يعتمد الأمر على وجود طاقة شعبية تنتجها الانتخابات.. لذا يجب أن يبقى المؤتمر الشعبي العام كقوة لابد من حمايتها وتدعيم وجودها وتفعيل طاقاتها. هي الاكثر نقاءً شريطة عدم وقوعها في مسارات مناهضة للحركة الوطنية شمالا وجنوباً فهي الكتلة التاريخية المختلفة التي لا يوجد امتداد معبر عنها اليوم كالمؤتمر الشعبي الذي يحتاج للإرتكاز عليها وتجديدها ويحتاج ايضاً لبناء ائتلافات متنوعة يكون هو قلبها.
لقد سعى الاخوان بهذا الاتجاه من خلال المشترك ومن خلال فكرة الثورة الا ان الايديولوجيا والغباء السياسي جعلهم اداة في خيارات الآخرين. المؤتمر قد يقع في الفخ نفسه الا ان طبيعة تركيبته ومشروعه التلقائي والارتباط الشعبي نتاج لما يمثله، قد يحتاج المؤتمر الى تخليق كتلة تاريخية تعيد صياغة مشروع الحركة الوطنية ليكون حاملها الموضوعي.. بنيته الحالية مخنوقة بالبيروقراطية وباختراقات لا تعمل لمشروعه الذي يفترض ان يحمله.. كما ان احزاب المصالح تتشتت بين خيارات اصحاب تلك المصالح واذا انعدم المشروع انشطر بينها وتجمدت حيويته في تناقضات لا يمكن الاستفادة منها الا اذا كان هناك جامع وهو المشروع الوطني الذي اسست له قوى الحركة الوطنية الناضجة في مسار الجمهورية ونضالات من اوصلونا الى نقطة تاريخية احدثت تغيير جذريا وثوريا.
26 سبتمبر كثورة كانت التجسيد الاعلى لطموح تاريخي مختلف.. انها نقطة ارتكاز عبقرية مازالت حتى اللحظة تقاوم خنق ولادتها.. والحركة الوطنية اليمنية هي انعكاس لهذا المحور الذي ليس هناك حدث في تاريخ اليمن كله يشبهه
لست ادعو صراحة لإعادة التحالف السابق (الاسلاميون - صالح) فذلك مؤلم بالنسبة لي شخصياً لكن تحالفهما معاً انقذ الوحدة وحقق الاستقرار والبناء لدولة اليمن رغم الكثير من الملاحظات التي تنتقد سيطرة الثروة والنفوذ وتركزها في التحالف المنتصر بمعركة 1994. ليس من سبيل الان سوى التركيز على عائلة "صالح" واختيار احد افرادها كقائد محوري يملك امكانية موالاة الجيش والرأي العام ومعه يندفع (المؤتمر الشعبي - الاسلاميين) لجعله محور ارتكاز لانقاد ما يمكن، والكف عن ممارسة الحقد الغبي على "الزعيم" في وقت يطرق التتار أبواب صنعاء.. يطرقونها بقوة وصبر.
قبل عشرين عام وفي مثل هذه الأيام وقع المتصارعون اليمنيون اتفاقا ينهي ازمة السياسة والمصالح اسموه وثيقة العهد والاتفاق. سقطت الوثيقة بعد شهرين من توقيعها وصارت جزءاً من الماضي بإنتصار طرف على آخر بالقوة العسكرية. اليوم: وقع المتصارعون الجدد وثيقة الحوار الوطني ولكنها قد تصبح حبرا على ورق اذا أعلن البيض والحوثي أنهما على حق.
ولهذا وأكثر نحن قلقون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.