لم يعد مسلسل الكشف عن فضائح ادارة بوش تشيني السابقة شيئاً يدعو للدهشة أمريكياً على الأقل، ذلك لكثرة ما يتم الكشف عنه تباعاً. لكن تفاصيل آخر الفضائح التي أعلن عنها أمس أصابت كثيرين بالصدمة بسبب بشاعة القضية التي بدأت محكمة فيدرالية في ولاية فرجينيا النظر فيها، من خلال ما ورد على لسان شاهدي عيان عملا في السابق في شركة المرتزقة “بلاك ووتر" والتي تم تغيير اسمها منذ فترة إلى XE أو “زي". هذه المرة جاء أحد الشاهدين وأعلن عن تورط صاحب الشركة ايريك برنس في عمليات قتل للعراقيين أو على الأقل التعاون لتسهيل قتل أفراد متعاونين مع السلطات الفيدرالية أثناء تحقيقات تجريها السلطات حول هذه الشركة التي تحولت إلى جناح عسكري من المرتزقة، يتم تأجير خدماتها من قبل وزارة الخارجية الأمريكية ووزارة الدفاع لحراسة مسؤولين أمريكيين في العراق وغيره.
وجاء على لسان أحد اثنين ممن استمعت إليهم المحكمة بعدما أخفيت هويتهم وهم موظفون سابقون بالشركة، أن صاحب الشركة ورئيسها ايريك برنس يعتبر نفسه “مسيحياً صليبياً مهمته القضاء على المسلمين وعلى الدين الإسلامي ومحوه من على سطح الكرة الأرضية".
وضمن قائمة طويلة من الاتهامات التي وجهها إلى الشركة في قضيتين رئيسيتين (بلغ عددها في احدى القضيتين فقط 35 اتهاماً) قيام الشركة بعمليات تهريب للسلاح إلى داخل العراق بشكل غير قانوني، وتعمد تدمير أدلة ووثائق وغيرها.. وعمليات التهريب تلك كانت تتم عبر طائرات تابعة للشركة كانت تحط في البلد المحتل من دون رقابة حقيقية.
وبينما لوحظ التعتيم الإعلامي والمستمر منذ سنوات على جرائم هذه الشركة التي تورطت في عمليات قتل من دون مبرر لمئات من العراقيين وإصابة وجرح الآلاف، فقد اضطر العديد من وسائل الإعلام الأمريكية أمس إلى نشر بعض من وقائع فضائح “بلاك ووتر"، بعد ما أجبر تحقيق نشره جيرمن شيل من مجلة “نيشن" الأمريكية وسائل الإعلام هذه على متابعة القضية التي بدأت المحكمة الاتحادية لولاية فرجينيا النظر فيها في الثالث من أغسطس/ آب الجاري.
ويبدو أن وزارة العدل الأمريكية بدأت بدورها، ومنذ فترة، النظر في تجاوزات “بلاك ووتر" سابقاً (XE حالياً) فيما كان المشهد مثيراً للسخرية داخل أروقة وزارة الخارجية الأمريكية، حيث تقوم الشركة بحماية وزيرتها لدى زيارتها للعراق، وهي الوزيرة التي كانت ضمن قلة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي قبل سنوات حاولوا منع هذه الشركة من الاستمرار في التعاقد مع الحكومة الأمريكية واستمرار حصولها على مئات الملايين نظير خدماتها المخزية التي تتم بوازع ديني متعصب وايديولوجية يمينية متطرفة لا تقل ارهاباً عمن تقول الولاياتالمتحدة بأنها تحاربهم.
وبنظرة إلى تاريخ ايريك برنس نفسه سنجد، حسب المعروف عنه، التصاقه الشديد بتيار اليمين المسيحي الصهيوني ومعروف عن عائلته تاريخياً هذا التوجه، ووالده أحد الممولين الكبار للتيار المسيحي المتطرف، وهو نفسه تحول إلى الكاثوليكية ليكون أقرب إلى التصور الذي يشكل عقيدته حسب مقربين له كأحد مقاتلي “الحرب الصليبية الجديدة". ولا تخفى علاقة هذا الرجل مع متشددين في إدارة بوش السابقة.
وبينما يقف وراء هذا الرجل وشركته مكتب محاماة كبير يفخر بأنه يمثل عشرات من الشركات الأمريكية الكبرى، منها على الأقل 89 من أكبر الشركات وخمسة وثلاثين بنكاً، وهو مكتب ماير براون للمحاماة، والذي جيش محاميه لطمس التحقيقات حول جرائم “بلاك ووتر" إلى درجة محاولة أن تأخذ المحكمة برأي لإسقاط تهم القتل المتعمد من دون سبب لعراقيين، لاعتبارات وثغرات، وطالبوا المحكمة برفض القضية قانونياً، إلا انه من الملاحظ ان تلك المحاولات، وإن نجحت قليلاً بتأثير حملة العلاقات العامة الطويلة الضخمة التي قامت بها “بلاك ووتر" لمنع تداول بعض معلومات التحقيق والمحاكمة عن الرأي العام.
هذه المحاولات غير مقدر لها استمرار النجاح، فرائحة جرائم بلاك ووتر تزكم الأنوف، ولن يقدر لها أن تختفي قط، حسب ناشطين بدأوا منذ فترة مطالبات قانونية بمحاسبة هذه الشركة وصاحبها، فيما تضامن محامون وجهات مدافعة عن القانون، وعلى رأسها مركز الحقوق المدنية الأمريكية، لمحاسبة “بلاك ووتر" وصاحبها.