برنامج “كل يوم كتاب" مادة إذاعية رائعة فتحي الشرماني نعتاد على سماعها كل يوم من إذاعة صنعاء ومذيعها القدير عبدالسلام فايع أو ابنته المذيعة الناهضة، ويعجبني في البرنامج أنه يذيع مختصرات من الكتاب المتناول مع قراءة للفهرس وكيفيات تصنيف المؤلف لكتابه، وهو بذلك يلقي الضوء على فكرة الكتاب وما فيه من لفتات تستحق الأهمية. والجميل اليوم أن نرى “الجمهورية" - المؤسسة الإعلامية البارزة – تنافس غيرها من الصحف العربية والعالمية في الاهتمام بنشر الكتاب الورقي في صحيفة يومية أو أسبوعية كوسيلة تثقيفية ذات أبعاد فكرية ومعرفية تسهم في فتح آفاق أمام كثير من هوايات القراءة على اختلاف وتنوع اهتماماتها الدينية والثقافية والفكرية والفلسفية والنقدية والأدبية والفنية وغيرها. “كتاب في الجمهورية" كان رمضان السابق قد حفل بكثير من عناوينه الممتعة التي اختارها القائمون عليها لتكون زاداً فكرياً وأدبياً للصائمين في الخلوات والمسامرات الرمضانية , مثل كتاب المستطرف للأبشيهي وكتاب المواقف للنفري ورواية الرهينة للأديب اليمني الراحل زيد مطيع دماج. و “الجمهورية" في رمضاننا هذا تواصل هذا الدأب لنشر كثير من ذخائر الفكر والأدب العربيَين والعالميَين، والجميع يعرف أن خزانة التراث العربي مليئة بكثير من الروائع الخالدة التي يبرز احتياجنا إلى إعادة قراءاتها وتحليل ما فيها من رؤى وأفكار وتجارب لا سيما ما كان من هذه الكتب قد طبع في الخمسينيات والستينيات ونفدت مبكراً طبعاته من الأسواق، فخفيت عن أعين القراء وعقولهم. إن كتب “الجمهورية" - بالفعل – مصابيح تفتح أمام القراء فضاءً تنويرياً لارتياد دروب الحكمة والقراءة المستجمعة لكثير من اللطائف والفوائد واللفتات التي هي خير من كتابات سقيمة تمادت في الاجترار حتى مجّها القراء، وكرهوا حتى الأحبار التي تكتب بها والأوراق التي تنشر عليها!!. وهذا يجعلنا نشدّ أبصارنا نحو كل جديد يومي من “كتاب في الجمهورية"، فقد أخبرني الزميلان اللطيفي والأشول أن في جعبة “الجمهورية" كتباً كثيرة وعناوين مثيرة تتحف أمزجة الصائمين وتسرّي عنهم في أوقات السمر، وهذا يجعلني أغتنم الفرصة في تقديم مقترحين – غير ملزِمَين – صَعُبَ عليَّ الاحتفاظ بهما لنفسي، كوني أرى في إلفات عناية الزملاء إليهما إسهاماً في خدمة القارئ وتلبية لرغباته.. أول المقترحين: إعادة نشر “الجمهورية" لكتاب “القصائد الوترية في مدح خير البرية" لمؤلفها الإمام أبي عبدالله محمد بن أبي بكر بن رشيد البغدادي المتوفي سنة (662ه) .. وهي قصائد بديعة ذائعة الصيت في سياق المدائح النبوية منذ القدم حتى الآن، وقد ألّفها صاحبها على حروف الهجاء بعدد أيام شهر رمضان المبارك، وجعل أول كل أبياتها على حرف القافية، والأمر المثير للانتباه أن هذه القصائد قد أدرك روعتها أهل اليمن منذ القرن السابع الهجري فجعلوا إنشادها في ليالي رمضان أبجدية راسخة من أبجديات السمر الرمضاني في كل سنة. ولا يزال إلى اليوم يجتمع إليها بعض العامة في غير قليل من مناطق اليمن ويتسامرون على إنشادها في ليالي رمضان مردفين إياها بقصائد أخرى نسجت على منوالها مسماة ب “القصائد الطرفية" وهذه الأخيرة بحسب معلوماتي المتواضعة لا تزال مخطوطاً متداولاً ولم يتم طباعته ونشره حتى الآن، ولعل السبب في ذلك أنها لم تلق من الأهمية مثل التي لاقتها قصائد البغدادي ربما لتأخرها عنها زمناً ومستوىً فنياً. أما القصائد الوترية فإنها منشورة في سنة 1311ه، وهي موجودة في مكتبتي المتواضعة مع تخميس لها للعلامة الشيخ محمد عبدالعزيز الوراق، من نشر المطبعة الميمنية التي كان يديرها المرحوم أحمد البابي الحلبي، ولا أعلم إن كان قد أعيد نشرها في طبعة جديدة. وأما المقترح الثاني: فيتمثل بالفائدة المتعاظمة لإعادة نشر “الجمهورية" لمقتطفات من “شرح المشعططات السبع" المنشور عن دار عبادي للطباعة والنشر بصنعاء، لمؤلفه الشيخ الملهم جمال الدين الذماري، بتحقيق أستاذنا الدكتور عباس علي محمد السوسوة.. وهو كتاب عظيم الفوائد أُخِذَت مادته الأساسية من الأدب الشعبي , وذلك بتوثيق المؤلف لعدد من أناشيد الأطفال ومن ثم تناولها بالتحليل مع عرض كثير من الفوائد اللغوية والأدبية والفكاهية بأسلوب شيق يمزج بين الجد والهزل يدهش القارئ ويجذبه لمواصلة القراءة، وفي مكتبتي نسخة من هذا الكتاب من إهداء المحقق. وعموماً , وأياً يكن الكتاب المختار لدى الزملاء في أسرة تحرير “الجمهورية" فإن السير على هذا النهج في ظل إمكانيات متواضعة يعد نجاحاً لصالح الثقافة والمثقفين في عاصمة الفكر والثقافة “تعز".. وأنا أثق أنه لو تواتت الظروف لحرِصتْ “الجمهورية" على نشر كتاب شهري تزيد به تمتين أواصر القرابة بين اهتمامات القراء واختياراتها وإبداعات كتّابها ومحرّريها .