الحظ العظيم أي حظ أعظم من صدق إيمانك بيقين علمك أن الإحسان إلى من أساء إليك يحول عداواته لك إلى مودة وولاء حميم؟ لا أجد أعظم حظا من هذا يؤتى للإنسان بهدي من ربه وبصدق إيمانه وبصبر على أدائه للناس بإحسان. يقال أن الأشياء تتميز بضدها، وأن الأضداد مختلفة كلياً لذلك تقابل الحسنة والسيئة بما لا يستويان عنده فعلاً وعاقبه، فإذا كان المؤمن بالله يقف في مقام الحسنة، فإن ما يصدر عنه من هذا المقام لا يكون إلا حسناً لا سوء فيه، حتى وهو يدفع عنه سوء أعدائه، وهذه حكمه مخصوصة بالذين صبروا على الأذى وغفروا عند الغضب، وكظموا الغيظ وعفوا عن الناس، وذلك عظيم حظ اهتدوا إليه بنور الله في قوله تعالى "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم، وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم" فصلت 34-36. ذلك أنه ليس أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وأسلم لرب العالمين، فسلم الناس من لسانه ويده، فإذا مسه طائف من الشيطان وتجنب ما أمره الله به من الإحسان، تد كر ربه فأبصر الحق مستعيذا بالسميع العليم من نزغ الشيطان وإغوائه، والحق هنا أن الحسنة تمحوا السيئة وأن السيئة تقابل بضدها، لا ليظهر التمايز بين حسن الحسن وقبح السوء، ولكن ليتجلى الإحسان في أروع وأرفع مما يسمو به الإنسان، وتبدل الحال بينهما من مظاهر قدرة الله وشمول مغفرته ورحمته بالناس، لذلك لا يقطع المؤمن ما أمره الله به أن يوصل فلا ينزع إلى العداوة التامة، مؤمناً أنها قد تصبح مودة مصداقاً لقوله تعالى (عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم) الممتحنة 7. والإحسان صفة المتقين الذين وصفهم الله أنهم الذين ينفقون في السراء والضراء، ويكظمون الغيظ ويعفون عن الناس ما صدر منهم من سوء وإساءة عفو مقدرة لا عفو قبول وخضوع، وبهذا جاء قوله تعالى "الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين" آل عمران 134 وهذه صفات الذين آمنوا بالله، فهم يجتنبون السوء ويغفرون ما يغضبهم، وهذه صفاتهم في البينات والهدى التي بينها الله للناس في الكتاب فقال تعالى: "والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون" الشورى الآية 37، وبرحمة الله لأن رسوله للناس ولو كان فظاً غليظ القلب لانفض الناس من حوله ولكنه رسول الرحمة الحريص على خير الناس الرؤوف الرحيم بالمؤمنين.