تؤكد التطورات الأخيرة على مستوى منطقة الوحدة النقدية والاقتصادية الأوروبية أن أزمة العملة الأوروبية لم تنته بعد، حيث يتمثل التحدي الأول للقادة الأوروبيين في وقف تفشي العدوى والقلق المصاحب لأزمة الديون من دولة إلى أخرى. وأشار تقرير صادر في بروكسل إلي إن عوارض الأزمة الحالية في كافة دول منطقة اليورو تتمثل في نفس المعادلة ، وهو ربط الاقتراض العام للديون السيادية وديون المصارف بالاعتماد على النمو الاقتصادي لسداد هذا الاقتراض ، غير إن افتقار غالبية دول منطقة اليورو إلى النمو تسبب في انعدام الثقة سواء من قبل المتعاملين أو الجهات المقرضة. وأضاف التقرير الذي أوردته وكالة الأنباء السعودية " واس " إلي إن الحالة الايرلندية تبدو نموذجية عند معاينة مشكلة أزمة منطقة اليورو بشكل عام حيث شهدت ايرلندا نموا كبيرا تجاوز نسبة ال 5 سنويا بين عامي 2000 و 2007 ولكن الركود فرض نفسه لمدة ثلاث سنوات متتالية مع آفاق سيئة بالنسبة للمستقبل. تشخيص المخاطر
وأكد التقرير إن السؤال الذي يسعى وزراء الخزانة والمال الأوروبيين الذين يعقدون اجتماعات استثنائية في بروكسل للبحث عن إجابة له ، يتمثل في كيفية تجنيب ايرلندا انهيارا سياسيا إلى جانب الانهيار الاقتصادي الذي قد يكون وخيما على مصداقية اليورو ، كما أن التركيز يجري موازاة لذلك على تشخيص المخاطر الفعلية لتفشي العدوى نحو البرتغال واسبانيا.
ويرى دبلوماسي أوروبي إن الحالة الاسبانية تبدو الأكثر إثارة للقلق حيث إذا تعرضت الأسواق في مدريد لهجمة كاسحة من المضاربين فإن المعضلة ستتجاوز في حجمها وثقلها معضلة اليونان والبرتغال وايرلندا مجتمعة.
هناك اعتبارات تبرر تتردد الدول الأوروبية في طلب المساعدة المباشرة من صندوق الإنقاذ الأوروبي ، تتعلق بأمورها السيادية وقبول المساعدة الأوروبية يعني كذلك قبول الشروط المرافقة للقروض ووضع حسابات الدولة تحت مراقبة بروكسل.
وأشار التقرير إلي إن دول منطقة اليورو تواجه بالفعل تراجع الثقة في أداء العلة الأوروبية حيث لم يعد غالبية المدخرين يراهنون عليها للكسب السريع كما كان ذلك متعارفا عليه حتى الآن.
التخلي عن العملة وأضاف أنه على العكس اتجه المضاربون في الأيام الماضية نحو التخلي عن العملة الأوروبية لصالح عملات أكثر استقرارا بالنسبة للمدخرين وخاصة نحو الفرنك السويسري حيث تبلغ ديون الفائدة بالنسبة لقروض الدول الأوروبية معدلات قياسية حاليا في ايرلندا 9% وفي اليونان 12% وفي البرتغال واسبانيا نحو 7 % في حين لا تجاوز نسبة اثنين وسبعة من عشرة في المائة بالنسبة لألمانيا.
وأشار التقرير إلي أن المضاربين ينتهجون حالياً نفس الإستراتيجية المتبعة منذ أزمة ديون اليونان بالتركيز على أضعف حلقة في منطقة اليورو وإثارة الشائعات من حولها وجر المتعاملين على رفض شراء سنداتها الحكومية والتشكيك في أداء مصارفها.
وأشار إلي ان هذا الخلل الواضح بين برلين وشريكاتها يفسر تنامي أزمة الثقة بين ألمانيا وغالبية دول منطقة اليورو بما في ذلك فرنسا التي تناهز أحجام فائدة ديونها أربعة في المائة.
وتطرق التقرير إلي المخاطر التي تواجه بعض الدول حاليا وتتمثل في إمكانية عزوف المستثمرون نهائيا عن شراء سندات ديونها وهو ما بات يحصل بالفعل في حالة اليونان وايرلندا والبرتغال مما يعني أن تعلن هذه الدول إفلاسها وتعيد جدولة ديونها وهو أمر مرفوض في منطقة اليورو أو أن تغادر المنطقة أو أن يتم تفكيك المنطقة .
وأشار إلي تلك الاحتمالات جميعها سلبية كما أنه من الصعب التوصل إلى آلية سريعة للخروج منها ، كما انه قد يضطر صندوق النقد الدولي مجددا للدخول بقوة إلى منطقة اليورو الأمر الذي يعني فقدان استقلالية العملة الأوروبية بشكل جدي هذه المرة.
وأضاف التقرير أن هناك مخاوف من أن تركن الدول التي تمتلك احتياطيا كبيراً من اليورو إلى التدخل لإنقاذ أوروبا حيث تمتلك الصين وفق مصادر متطابقة 2000 مليار من اليورو كاحتياطي مما يجعل بكين طرفا حاسما في أية معادلة نقدية مقبلة إذا أرادت أن تتجنب خسارة فادحة في احتياطاتها . وحذر التقرير من أنه على الرغم من وضع الاتحاد الأوروبي صندوق إنقاذ مالي ضخم يناهز 440 مليار يورو ، ورغم الاعتماد أيضا على حزمة مالية بقيمة 250 مليار يورو من صندوق النقد الدولي وستين مليار من موازنة الاتحاد فإن بعض الدول ، قد تضطر لإعلان إفلاسها رغم نفي مختلف المسئولين في بروكسل لمثل هذا الاحتمال كما انه هناك أيضا شائعات بشأن احتمال زيادة حجم صندوق الإنقاذ بواقع الضعف رغم نفس ألمانيا رسميا لذلك.