كثف المسؤولون الأوربيون والنقديون الدوليون من اتصالاتهم وتحركاتهم في سعي إضافي لاحتواء أزمة منطقة اليورو التي باتت تتحول إلى أزمة تطال المؤسسات المصرفية بالدرجة الأولى وتتجاوز إشكالية إدارة أزمة ديون اليونان السيادية. وقال مصدر دبلوماسي أوربي في بروكسل إن القادة الأوربيين بدءوا مشاورات بالفعل لوضع خريطة طرق مشتركة لرسمية المصرف الأوربية وفي أول تحرك من نوعه منذ اندلاع الأزمة المالية عام 2008, ويتعرض زعماء الاتحاد الأوربي الذين يجتمعون على مستوى القمة في بروكسل يومي 17 و18 أكتوبر إلى ضغوط علنية متصاعدة من قبل عدد من الأطراف الدولية لجرهم إلى حسم تعاملهم مع التهديدات المحدقة بالمصارف الأوروبية المتورطة في تمويل سندات سالمة مرتبطة مباشرة بديون عدد من الدول . وباتت المؤسسات المصرفية الأوروبية في الواجهة الأمامية من إدارة أزمة منطقة اليورو بسبب الأصول الضخمة التي قامت هذه المؤسسات بتعبئتها في السابق في تمويل ديون دول مثل اليونان واسبانيا وايطاليا. وقامت وكالة تصنيف (فيتش) الدولية بتخفيض الدرجة الائتمانية لكل من اسبانيا وايطاليا نهار الجمعة وفي مبادرة واضحة تهدف الضغط على المسئولين الأوربيين لدفعهم على اعتماد خريطة الطريق الخاصة بإنقاذ البنوك. وقال دبلوماسي أوربي إن اليونان لم تعد تمثل المعضلة الأولى للأوربيين ولكن المصارف أيضا. وقالت ألمانيا على لسان المستشارة الألمانية انغييلا ميركل انه لا يوجد مخرج أوربي للازمة دون اعتماد خطة تحرك منسقة وجماعية. ويبدو أن فرنسا التي يقوم رئيسها نيكولا ساركوزي بزيارة برلين نهار الأحد بالقبول بالطرح الألماني . ويجري ساركوزي اليوم السبت محادثات في باريس مع رئيسة صندوق النقد الدولي كريستيان لاغارد. من جانبه أكد وزير المالية اليوناني افانجيلوس فنزيلوس لنظرائه في منطقة اليورو (17 دولة) عزم بلاده تنفيذ الإصلاحات المطلوبة منها لنظامها المالي ، مشيرا إلى أن اليونان ستمضي قدما في تنفيذ البرنامج الحكومي التقشفي لضغط النفقات. وجاءت هذه التصريحات للوزير اليوناني على هامش اجتماع غير رسمي عقده وزراء مالية اليورو بحضور تيموثي جايثنر وزير الخزانة الأميركي في مدينة بريسلاو جنوب غرب بولندا امس لبحث أزمة الديون وتداعياتها على الأسواق المالية. وأعرب فنزيلوس عن تمسكه بتنفيذ القرارات التي أسفرت عنها قمة زعماء اليورو التي كانت قد عقدت في بروكسل في يوليو الماضي وأقرت تقديم حزمة إنقاذ ثانية بقيمة 109 مليار يورو لليونان التي تعاني أزمة ديون خانقة تهددها بالإفلاس. وأوضح الوزير اليوناني أن تنفيذ قرارات ال 21 من يوليو هو الطريق الوحيد للتقدم للأمام «ليس بالنسبة لليونان فحسب بل لكل دول منطقة اليورو». يشار إلى أن العديد من برلمانات دول اليورو لم تقر بعد صرف منحة الإنقاذ الثانية لليونان ومنها البرلمان الألماني (بوندستاج). من جهة أخرى أفاد دبلوماسيون بأن وزراء مالية اليورو لن يبتوا خلال الاجتماع الجاري في الإفراج عن شريحة قروض بقيمة ثمانية مليارات يورو لليونان كجزء من حزمة الإنقاذ الأولى (110 مليار يورو) التي كان قد تقرر منحها لحكومة أثينا في مايو من العام الماضي. واشار هؤلاء الدبلوماسيون إلى أن هذه الشريحة لن تصرف قبل مراجعة مدققين دوليين من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي للوضع المالي في اليونان ، وهو الإجراء الذي سيتم الانتهاء منه بحلول نهاية الشهر الجاري. ولم تستبعد وزيرة المالية النمساوية ماريا فيكتر امس الجمعة ان يكون اعلان افلاس اليونان حلا افضل من عملية انقاذ مكلفة، وذلك عند وصولها للمشاركة في اجتماع مع نظرائها الاوروبيين في فروكلاف في بولندا. ومن المفترض ان يتيح الاجتماع غير الرسمي لوزراء المالية الاوربيين امس الجمعة واليوم السبت تجاوز العقبات امام تطبيق خطة المساعدة الثانية لليونان . لكن بعض الدول الاوربية تماطل على غرار فنلندا التي تطالب بضمانات مالية لقاء تقديم قروض جديدة الى اليونان، وهو موقف تبنته ايضا دول اخرى مثل النمسا. واعلنت وزيرة المالية الفنلندية يوتا اوربيلينن امس الجمعة ان لا حل مرتقبا اليوم. وصرحت اوربيلينن عند وصولها الى بولندا للمشاركة في اجتماع وزراء المال الاوربيين «سنتباحث في المسالة لكنني مع الاسف لا اعتقد اننا سنتوصل الى حل بحلول هذا المساء». وتثير مسالة الضمانات توترا في العلاقات في مجموعة اليورو منذ اسابيع وتؤخر تطبيق خطة المساعدة الثانية. من جهة اخرى، من المقرر ان تتوجه الترويكا (صندوق النقد الدولي والمصرف المركزي الاوربي المفوضية الاوربية) الى اثينا مطلع الاسبوع لاستئناف المحادثات من اجل دفع القسط السادس من القرض السابق البالغ 110 مليارات يورو والذي منح الى اليونان في مايو 2010. وكانت الحكومة اليونانية اقرت بانها لم تنفذ اهداف الموازنة التي حددتها الجهات الدائنة بسبب ركود اتى اكبر من التوقعات، الا انها اعلنت عن «عزمها» المضي قدما في جهود الاصلاح المطلوبة. واعتبرت مديرة صندوق النقد كريستين لاغارد الاربعاء ان «الوقت بدا ينفد». وتتوقع الاسواق ان تجد اليونان نفسها في حال عدم صرف القسم الثاني من القرض البالغ 8 مليارات يورو في وضع الافلاس اعتبارا من اكتوبر. يشار الى ان اليونان ثاني بلد في منطقة اليورو يقع في صعوبات هائلة ترتبط بسداد الديون بسبب الأزمة المالية العالمية، وهي الصعوبات التي كادت تصل إلى حد الإفلاس الوطني. ولعل اهم الاسباب التي وقفت خلف مشكلة اليونان هي تضخيم برامج الإنفاق الاجتماعي بأكثر مما تسمح به ظروف الدولة وإمكانياتها ، ويرى محللون أن هذه الأسباب متوفرة في دول أخرى تبدو في حال أفضل اليوم، إلا أنها غداً قد تكون في وضع مشابه لليونان. وقد حملت أزمة اليونان المالية تداعيات عدة بالنسبة للاقتصاد الأوربي، لعل أكثرها وضوحاً هو تهاوي سعر العملة الأوربية اليورو الذي اضحى يواصل هبوطه أمام الدولار الأميركي.