أكد تقرير اقتصادي حديث أنه في الوقت الذي استطاعت فيه معظم الدول العربية تجنب آثار الانكماش الاقتصادي العالمي، جاءت الاضطرابات الاجتماعية والسياسية التي تشهدها بعض دول المنطقة وفي مقدمتها مصر وتونس وليبيا لتقوض أو تقلل على أقل تقدير من إمكانية تحقيق نمو عال في دول المنطقة. وكانت الشركة العربية للاستثمارات البترولية "أبيكورب" قد أصدرت تقريرها السنوي حول منحى استثمارات الطاقة العربية في المستقبل المنظور، لكنها بادرت إلى تحديث هذا التقرير الذي صدر أوائل العام الجاري، كي تأخذ في الحسبان التطورات السياسية المهمة في المنطقة العربية. وكان التقرير المسئول عن إعداده المستشار علي عيساوي، من كبار خبراء اقتصاد الطاقة العرب، قد قدر معدل نمو الدول العربية بلغ نحو 4.2% عام 2010، أي السنة التي تلت واحدة من أهم الأزمات المالية العالمية، مشيرا إلى قدرة معظم الدول العربية تجنب آثار الانكماش الاقتصادي العالمي، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى استثمارات متزايدة، لكنه أشار أن الاضطرابات الاجتماعية والسياسية في بعض دول المنطقة لا تشجع على تحقيق نمو عال. وأشار التقرير إلى أن قدرة العالم العربي على تسجيل معدلات نمو تساوي مستوياتها ما قبل الأزمات السياسية الأخيرة، ستعتمد على قدرة دول عربية على تحقيق استقرار سياسي واجتماعي، والذي أرجعه بالضرورة إلى نجاح أو قدرة الحكومات المعنية على تبني السياسات الإصلاحية اللازمة للتعامل مع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها وتنفيذها. وأكد التقرير ضرورة تحمل كل من الدول الصناعية والمنتجة مسؤولياتها، أي أن على دوائر الرقابة في الدول المستهلكة تقليص حدود المضاربات في أسواقها، كما يعني أنه يجب على دول "أوبك" موازنة كمية الإمدادات مع الطلب المتزايد، في إشارة إلى حقيقة مهمة، مفادها أن سعر النفط الخام، على رغم تحسن الاقتصاد العالمي، استقر في النطاق المرغوب (70 - 90 دولاراً للبرميل)، لكن النمو السريع في الدول الناشئة رفع مستوى الأسعار إلى معدلات عالية، تفوق 100 دولار للبرميل. ويُذكر أن وكالة الطاقة الدولية أكدت أن الطلب على النفط ارتفع بمعدل 2.8 مليون برميل يومياً عام 2010، وهو أعلى معدل زيادة سنوية للطلب على النفط منذ عام 2004، ما يعني، بحسب التقرير، ضرورة تحمل كل من الدول الصناعية والمنتجة مسؤولياتها، أي أن على دوائر الرقابة في الدول المستهلكة تقليص حدود المضاربات في أسواقها، كما يعني أنه يجب على دول "أوبك" موازنة كمية الإمدادات مع الطلب المتزايد. وبناء على المعطيات أعلاه، يمكن تقدير قيمة الاستثمارات العربية في الطاقة في المستقبل المنظور، وهذه المعطيات هي زيادة الطلب على النفط الخام، مع الافتراض أن أسعار النفط الخام ستتراجع إلى نطاقها المرغوب (70 - 90 دولاراً للبرميل)، ويعني مؤشر زيادة الطلب أن الدول النفطية العربية ستستثمر مرة أخرى في مشاريعها المؤجلة على ضوء الجو الخانق الذي صاحب الأزمة المالية العالمية، بالإضافة إلى انطلاقها للاستثمار في مشاريع جديدة مخطط لها مسبقاً. لذلك يتوقع التقرير أن تزداد كمية مشاريع الطاقة الجديدة، وترتفع معها قيمة رأس المال التي ستحتاجها هذه المشاريع للفترة ما بين 2011 و2015، لتصل إلى نحو 430 مليار دولار، ويرجح أن تتوزع هذه الاستثمارات بحسب حجم البترول في الدول المعنية. ويتوقع تقرير " ابيكورب" أن تتركز الاستثمارات في دول خمس، هي السعودية والإمارات وقطر والجزائر ومصر، مرجحا أن تستحوذ دول مجلس التعاون الخليجي على ثلثي هذه الاستثمارات، مع الأخذ في الحسبان أن تكون الاستثمارات في الإمارات أعلى من تلك التي في قطر. وستكون حصة السعودية من هذه الاستثمارات نحو 130 مليار دولار، بينما تُقدر قيمة مجمل الاستثمارات في الإمارات بنحو 74 مليار دولار، وفي قطر بنحو 70 مليار دولار. و في الجزائر، فيُرجَّح التقرير أن تبدأ شركة "سوناطراك" في تنفيذ مشاريع جديدة، بعدما مرت في فترة خمول استثمارية واضحة عام 2010، وتُقدَّر قيمة الاستثمارات الجديدة بنحو 57 مليار دولار، أما في مصر، تبلغ قيمة الاستثمارات المتوقعة نحو 42 مليار دولار، ويُرجَّح تنفيذها على رغم الاضطرابات السياسية في البلاد. كما خصص التقرير جزءً خاصاً للاستثمار في قطاع الكهرباء، مشيراً إلى أن الزيادة الكبيرة في عدد السكان وتوسع القطاع الحضري والصناعي، جعلت الدول العربية تحاول في جهد كبير تأمين الطاقة الكهربائية اللازمة نتيجة لازدياد الطلب، لكن وفي الوقت ذاته، تشير المعطيات إلى احتمال أن يتقلص نمو الطلب على الكهرباء نتيجة للانكماش الاقتصادي، بالإضافة إلى التقليص التدريجي للدعم الحكومي لأسعار الكهرباء. وتوقع التقرير أن تزداد كمية توليد الكهرباء بنحو 7.7% خلال الفترة ما بين 2011 و2015، ما سينتج زيادة في الطاقة الكهربائية بمقدار 80.4 جيجاوات خلال الفترة المذكورة، ويعني هذا استثماراً مقداره 92.9 مليار دولار، سيُستثمَر 60% منها في دول مجلس التعاون الخليجي المتوقع أن تتوسع فيها الطاقة الكهربائية أكثر من أي منطقة عربية أخرى.