هناك عنوان رائس للاحتجاجات في اليمن.. بل في المنطقة العربية كلها. فالشباب في اليمن يمثلون ما يقرب من 76% من السكان. هؤلاء الشباب "غالبية السكان" لهم مطالبهم الخاصة مشتبكة مع الاحتياجات العامة للسكان، فالأمية الأبجدية تلف بجلبابها الأسود أكثر من 48% من الرجال وأكثر من 70% من النساء. أكثر من مليوني طفل غير ملتحقين بالمدارس، والتسرب في المراحل الأساسية كبير جدا. المؤشرات الرسمية للفقر العام تصل إلى 43% - 83% في الريف. أما البطالة العامة فنسبتها 40% من إجمالي القوى العاملة من الخريجين، ف 30 ألفا من المسجلين هم من أصحاب المؤهلات الكبيرة (الماجستير والدكتوراه) في2010. مناهج التعليم بصورة عامة متخلفة سلفية وتقليدية تكفيرية وتخوينية. يسيطر الأمن "المتعدد الأسماء".. القومي: السياسي الأمن العام المباحث العامة على الجامعات. وتحرم الأنشطة الفنية.. التمثيليات والمسرحيات والرقص والغناء والأنشطة الثقافية والأدبية، وتصادر الحريات العامة والديمقراطية للطلاب. ويمنعون من الاختلاط. وغالبا ما يعتدي الأمن والتيارات السلفية على الطلاب والمدرسين. وتسكت الإدارة الجامعية ذات الطبيعية الأمنية أيضا. ومنذ حرب 94 ألغت الدولة مجانية التعليم، وفرضت ما يسمى بالتعليم الموازي بمبالغ كبيرة وبالدولار. كما فرضت وضاعفت الرسوم على الطلاب. وتحولت الجامعات إلى ما يشبه الثكنات العسكرية، وسيطر الأمنيون على الأنشطة العامة بما فيها التعيين. ينحدر الطلاب من مختلف التركيبة الاجتماعية وبالأخص الميسورين والفئات الوسطى والمستنيرة، وينتمون إلى تيارات الفكر السياسي المختلفة، ولكن الغالبية مستقلون، ولهم اهتمام زائد بالنت والفيس بوك ووسائل العصر الحديثة. الطلاب هم الخميرة الأولى للاتجاهات المدنية.. تشابكت معاناة الطلاب مع تمردات الحراك الجنوبي والذي بدوره يحمل مطالب بدأت مطلبية.. وتتعلق بأوضاعهم المعيشية، ومعالجة آثار حرب 94، وصولا إلى مطلب إصلاح مسار الوحدة وأخيرا مطلب فك الارتباط. حرب 94 لم تلغ شراكة الجنوب فحسب وإنما ضيقت الهامش الديمقراطي، وركزت السلطات والصلاحيات كلها في يد الرئيس صالح، فعزز تواجد أسرته في الجيش والأمن، وانخرط الإخوان والأولاد وكبار المسؤولين والمشائخ في الاستيلاء على القطاع العام والمختلط باسم الخصخصة، كما استولوا على المقاولات والشركات، وفرضوا شراكاتهم وأتاواتهم على التجار والمستثمرين، وكدسوا ثروات هائلة في زمن قياسي. وبسبب تدخل النافذين تعطلت السوق الحرة في عدن، وبيع الغاز لكوريا بثمن بخس، ويجري إعطاء حصص عينية من آبار النفط للنافذين والموالين كما كان يفعل صدام حسين في فترة حصار العراق. حرب 94 فجرت أكثر من 400 حرب مسكوت عنها، وكانت أخطرها حروب الستة الأعوام في صعدة، وقد أسقطت هيبة الدولة وأبرزت هشاشتها وضعفها. واضح أن للاحتجاج الجنوبي مطالب ابتدأت مطلبية تتعلق بالعشرات والمئات والآلاف من الضباط والجنود الذين سُرحوا من الجيش عقب حرب صيف 94، والمئات والآلاف من الموظفين الذين جرى إحالتهم إلى التقاعد. كما جرى تسريح الآلاف من العمال بعد تعطيل ميناء عدن، وبيع القطاع العام والمختلط لنافذين. وجرى السطو على ممتلكات وأراضي الجنوبيين مما دفع بالجنوبيين إلى الاحتجاج وصولا إلى مطلب "فك الارتباط". دفعت أجهزة الحكم ببعض "الموالين" لها إلى إثارة النعرات الجهوية والقبلية والطائفية. وخلق الفتن والصراعات لإبراز الحراك كله كدعاة انفصال. كما اهتمت بدعم أو على الأقل التغاضي عن الأعمال الإرهابية التي يقوم بها "محسوبون" عليها. أحزاب اللقاء المشترك تلكأت في البداية في تبني مطالب أبناء الجنوب باستثناء الاشتراكي. في حين تباطأت في الالتحاق بمظاهرات الشارع في المدن، كما تفاوتت مواقفها إزاء الحرب في صعدة، وتأييد الحراك الجنوبي، فالتجمع اليمني للإصلاح وهو أكبر أحزاب اللقاء المشترك، وهو أقرب للاعتقاد السلفي، لم يدن الحرب على صعدة عكس حلفائه.. الاشتراكي والناصري والحق واتحاد القوى الشعبية. واتسم موقف الإصلاح من الحراك الجنوبي بالارتياب والحذر.. الإصلاح كان حليفاً للرئيس صالح في حرب 94 ونسبت إلى بعض قياداته السلفية إصدار فتوى بقتل الجنوبيين باعتبارهم كفاراً. انخراط الإصلاحيين في الجنوب إلى جانب إخوانهم في الحراك فرض على قياداتهم في صنعاء الالتحاق برفاقهم وتأييد مطالب الحراك ماعدا مطلب "فك الارتباط". مظاهرات الطلاب والشباب في المدن اليمنية شمالاً وجنوباً شكلت قاسما أعظم ومشتركا بين جميع الأطراف. والملمح الأهم أن الحوثيين وهم من رفع السلاح في وجه الحكم في ست حروب، قد بدأوا- ولو مؤخرا- في النزول إلى الميادين والمطالبة برحيل النظام. وبدأ الحراك الجنوبي في التوحد من حول "شعار إسقاط النظام"، وضعفت دعوات الانفصال، وخفت نشاط جماعة القاعدة ذوي الصلات المشبوهة. يقف ألوان الطيف السياسي والفكري والمجتمعي على أرضية مطلب واحد هو "إسقاط النظام". صحيح أن اللقاء المشترك ما يزال يتعاطى مع المبادرات السياسية وآخرها المطالب الخمسة التي قبلت بها المعارضة ولم يقبل بها النظام، وتتمثل في القبول باستمرار الاحتجاج السلمي ومحاكمة المسؤولين عن قمع هذه المظاهرات والانتقال السلس للسلطة.. وعدم التمديد أو التوريث أو الترشح من قبل صالح. وقد رفض الطلاب والشباب المعتصمون والمتظاهرون المبادرة. هناك أكثر من سيناريو: الأول لجوء النظام إلى الحسم العسكري أسوة بالقذافي.. الثاني دفع البلاد إلى حروب أهلية، وهذا الخيار مرتبط بالأول أيضا ومكمل له. الثالث أن يصل الحكم والمعارضة إلى اتفاق متوافق عليه تلعب فيه أمريكا وأوروبا ودول الخليج دوراً أساسياً. وقد يقدم الحكم على ضربة وقائية فيسلم السلطة لطرف قريب منه ويمكن أن يقبل به طرف أو أطراف في المعارضة السياسية، ويجري الالتفاف على المطالب الشعبية برحيل النظام. هدف النظام الأساسي هو البقاء والاستنقاع في الحكم، وتفكيك المعارضة وضربها أو عدم وجود مساءلة بعده. كما أن الرهان على تفكيك البلاد وزجها في حروب أهلية مازال قائما. ينظر الحكم إلى الاحتجاجات كعاصفة يمكن الانحاء لها، ثم تجاوزها. ويبقى الرهان الحقيقي على حركة الشباب والطلاب، فهي الظاهرة الجديدة التي تسبق الجميع، ويعجز الحكم والمعارضة معا عن فهم طبيعتها، فهي بالنسبة للمنطق التقليدي غير مفهومة؛ فعند الحاكم مؤامرة تحركها أصابع في غرف مظلمة في تل أبيب ويشرف عليها البيت الأبيض، وتارة هي وباء كحمى الضنك وعدوى، أما عند الشيخ عبدالمجيد الزنداني العضو القيادي في الإصلاح فهي "صنعة" تستحق براءة اختراع. تعجز القوى التقليدية عن فهم عمق دلالة "الاحتجاج السلمي" الذي فجره وقاده الطلاب والشباب. ومن هنا فإن الانجذاب إلى مربع المساومات السياسية والحلول التكتيكية عبر المبادرات الكاثرة، كلها تستهدف تغيير سلوك النظام والتشارك في الوراثة، وليس التغيير الشامل والكامل الذي يطالب به الشباب والحراك في الداخل والخارج "القيادات الجنوبية وقواعد اللقاء المشترك.