ربما لاشيء يمكن أن نتخلى عنه كجزء من حياتنا اليومية وخاصة في الوقت الراهن كما هو حال وسائل الإعلام بمختلف أشكالها فالإعلام له دور مهم وفعال ومحوري إزاء أي قضية من القضايا ولا يخفى على أحد دور هذه الوسائل إزاء ما شهدته ولا تزال بعض البلدان العربية منذ بداية العام الجاري والذي يرى البعض أنه دور سلبي فيما آخرون يرونه إيجابيا ويخدم قضايا الأمة العربية. واليمن ليست ببعيدة إزاء ما يجري فقد دخلت الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة التي تشهدها من أجل التغيير شهرها الثالث. "براقش نت" استطلعت أراء عدد من الشباب والمهتمين حول تقييمهم لوسائل الإعلام اليمنية الرسمية والمعارضة -المرئية والمقروءة- وكذا وسائل الإعلام العربية إزاء الأزمة الراهنة التي يعيشها اليمن.
البداية بداية يرى هاني عبد الصمد، أحد الشباب، أن ما يحدث في اليمن منذ ما يقارب ثلاثة أشهر وما تتناقله وسائل الإعلام المحلية (الرسمية والمعارضة) حرب إعلامية بين الطرفين يجعل المتابع ومعظم المشاهدين لهذه القنوات في حيرة وهو ما يفقد هذه الوسائل مصداقيتها. غير مهنية وفي الوقت الذي يؤكد فيه عدد من الشباب المطالبين بالتغيير أن الإعلام جزء رئيسي من ثورتهم، وأن تجربتي تونس ومصر خير دليل على ذلك بالإشارة إلى أن الإعلام في هاتين الدولتين كان العامل الأساسي لنجاح ثورتيهما بالتوازي مع اعتصامات الميادين، معبرين عن أسفهم لتغطيات وسائل الإعلام الرسمية وبعض وسائل الإعلام المحلية لما تشهده الساحات اليمنية, يرى آخرون من المؤيدين للنظام، أن ما تنشره وسائل الإعلام عن الثورة الشبابية والشعبية ليست سوى مزايدات ولا تعبر عن الحقيقة المطلقة, وخاصة ما تبثه قناتي سهيل والجزيرة, وأن تغطيتها لمجريات الأحداث في اليمن تتم بطريقة غير مهنية وغير حيادية, وتبرز الصورة السيئة لليمن واليمنيين, بما يدفع نحو التناحر بين أبناء الشعب الواحد.
ويوضح فهمي الشرعبي أن وسائل الإعلام الرسمية، تتعامل مع الأزمة الراهنة بطريقة لاترقى إلى المهنة وتنحاز إلى السلطة وموقفها وبصورة مشوهة للازمة، معتبرا أنها بمضمونها الحالي تدعم الفساد.
تبرير غير أخلاقي
من جهته أعتبر الصحفي غمدان اليوسفي أن الإعلام الرسمي كان ولا يزال أحد أبرز الإشكالات في الأزمة ذاتها حيث خلق جوا عدائيا وساهم في توسيع دائرة الأزمة خصوصا الإعلام التلفزيوني والإذاعي' ثم الصحف, فضلا عن أنه وقع في فخ التبرير غير الأخلاقي للجرائم التي ترتكب ضد المعتصمين, وهو ما يستدعي إعادة النظر في مستقبل الإعلام الحكومي والعمل على تحييده بأي من الطرق القانونية والإدارية التي تضمن عدم تحيزه لطرف ضد أخر خلال الأزمات مثل ما يحدث اليوم, حد قوله. وأضاف: "من أهم الإفرازات الإيجابية التي حققتها الثورة اليمنية هي المساحة الكبيرة من الحرية في جانب الكتابة والنشر, في المقابل أفرز الواقع نوعا جديدا من الانتهاكات وصل حد القتل والإخفاء, كما تم منع عدد من الصحفيين من دخول مؤسساتهم الحكومية بعد رفضهم القيام بعمل رأوا أنه غير أخلاقي". وأكد اليوسفي أن حضور الصحافة المستقلة طغى على المشهد الراهن في حين ظهر طرف جديد في المعادلة وهو صحافة المواطن في مواقع التواصل الاجتماعي أبرزها "الفيس بوك" الذي شهد نقلة نوعية في تعامل الشباب اليمني معه خلال هذه المرحلة.
تقسيم الخارطة
إلى هنا والصورة واضحة, غير أن ما ينبغي تأكيده أن الثورة الشبابية قسمت الخارطة الإعلامية اليمنية بمختلف أنواعها، إلى قسمين مؤيد ومعارض، حيث تدري السلطة أو الحزب الحاكم جميع وسائل الإعلام الرسمية، التي تضم أربع قنوات فضائية هي: «اليمن»، و«سبأ»، و«الإيمان»، و«عدن»، إضافة إلى أكثر من 12 إذاعة محلية، كما تضاف إليها قناة «العقيق»، كما تبرز على الساحة الصحافية الرسمية أربع مؤسسات تصدر عنها يوميا أربع صحف: «الثورة»، و«الجمهورية»، و«14 أكتوبر»، و«السياسية»، وتضاف إليها صحف أسبوعية صادرة عنها أو عن وزارة الدفاع أو عن الحزب الحاكم، كما تدار العشرات من المواقع الإخبارية التي توصف بأنها مستقلة من قبل مؤسسات أو شخصيات قريبة من قيادات السلطة. وتبدو المعركة بالنسبة للمطالبين برحيل النظام معركة حياة أو موت، فيستخدمون جميع الوسائل والإمكانات لتوصيل ثورتهم ومطالبهم إلى العالم كله، والأهم توصيل أهدافهم للمواطنين، وتبرز على الساحة الإعلامية الفضائية المؤيدة للشباب قناتا «الجزيرة»، و«السعيدة»، وهي مستقلة تبث من القاهرة، وسهيل، والأخيرة يعتبرها الشباب قناة الثورة، بعد أن وضعت جميع إمكاناتها لخدمة الثورة، وتوجت ذلك بنقل البث الحي من ساحة التغيير بصنعاء، وبحسب المعلومات المؤكدة فإن القناة يملكها رجل الأعمال المعارض حميد الأحمر.
أما الصحافة، فكثير من الصحف المستقلة والحزبية المعارضة تنقل أخبار ثورة الشباب وتنشر قصصهم وأخبارهم من معظم الساحات، وأغلب اليمنيين بما فيهم المعتصمين في ساحات التغيير والحرية يعتبرون «سهيل» القناة الأكثر مشاهدة لهم، تليها الجزيرة ثم بي بي سي والعربية.
ناقدة وحيادية
نقيب الصحفيين اليمنيين الأسبق عبدالباري طاهر، أكد أن خطاب صحافة المعارضة إزاء الأزمة الراهنة واضح وقوي والصحف الأهلية أقوى وأبلغ حجة ومنطق في مواجهة الوضع، مستنكرا خطاب الصحف وكافة وسائل الإعلام الرسمية الحكومية التي قال إنها ما تزال في الموال القديم. ويضيف: "الميزة العظيمة هي للصحافة الأهلية، صحافة ناقدة تتبع الخبر وتكتبه بحيادية وموضوعية وتعلق عليه وتقدم خدمة صحفية مهنية ومحترفه تتميز بها عن الصحافتين الحزبية والرسمية الميتة، في المقابل نلاحظ أن الصحافة العربية حتى الآن اهتمامها بالشأن اليمني ضعيف ومتواضع وليس بالمستوى المطلوب مقارنة باهتمامها بالقضايا الأخرى ومع ذلك هناك صحف مصرية وسعودية وكويتية أحيانا تنشر مقالات ناقدة للنظام في صنعاء ومتعاطفة مع الاحتجاجات السلمية في الشارع اليمني وهو ما يعني تبدل ما ولكن لا يزال في مستوياته الدنيا". ويستثني طاهر مما سبق قناة الجزيرة التي قال أنها تلعب دور عظيم ومهم ولا يقل أهمية عن الاحتجاجات الداخلية, كونها تفضح الفساد والاستبداد, تتبع الخبر وتعلق عليه, موضحا أنها كأي قناة أو وسيلة إعلامية من الطبيعي أن تقع في أخطاء وأن يدس إليها بعض الأخبار المغلوطة أو تنحاز أحيانا, لكنها تظل متميزة في تغطيتها للأحداث عربيا وعالميا, وأصبح لها تأثير على الرأي العام داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية وإن كان محدودا وفي مراحله الأولى".
ودعا طاهر إلى ضرورة الاهتمام بالحرية في الساحات اليمنية كون اليمن المحرر والقادم مستقبل الجميع وأنه لابد أن نؤكد على مسألة حرية الرأي والتعبير والحريات العامة والديمقراطية, وتجنيبها –أي الساحات- الانتهاكات أو الاعتداء على الكرامة الآدمية، معتبرا أن ما يقدم اليوم في الساحات هو النموذج البديل والأفضل ولا ينبغي أن ننافس أحدا في القمع والاعتداء على الآخرين.
تفتقر للعقل
وفي سياق متصل قال أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء الأستاذ الدكتور حمود العودي: "الإعلام والمعلومة اليوم لم تعد كما كان شائعا عنها بأنها السلطة الرابعة أو الثالثة إن لم تكن الأولى التي من خلالها تتقرر كثير من الوقائع والقضايا والاتجاهات والمتغيرات على كافة الأصعدة وبكل المستويات المحلية والدولية لكن المشكلة ليست في أهمية وقوة وفاعلية هذه الأداة الهامة في إطار العولمة المعلوماتية التي حولت العالم إلى حارة وليس قرية صغيرة ولكن ما تفتقره هذه التقنية المعلوماتية الهائلة هو العقل فوسائل الإعلام ما تزال كالطفل المراهق الذي يندفع وراء كل ما يشتهي هواه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ويبحث عن ما يمكن أن يحقق ربحا أو إثارة دون أن يستشعر دوره الرسالي التاريخي الهام في خدمة الحقيقة بالدرجة الأولى ونفع المجتمع البشري بشكل عام".
وأضاف العودي: "والخطاب الإعلامي اليمني بشقيه الرسمي والمعارض على السواء أضر بالمواطن والمتلقي أكثر مما تضرر من كل مآسيه وكوارثه القديمة والسابقة لعدم تمتعه بالمسؤولية الكافية التي تجعل منه رسالة أمينة لخدمة الحقيقة والوطن فالكل يعبر بالكذب والزيف والكراهية أكثر مما يعبر بالحقيقة والعقل والمنطق والكل يجند هذه الوسيلة أو تلك لخدمة مصلحة ضيقة ومحدودة لهذا الطرف أو ذاك وربما لهذا الشخص أو ذاك وهو ما يجعل المجتمع والغالبية العظمى منه تائها بين هذا وذاك لا يستطيع تفضيل أيا منهما على الأخر وربما نحمل الخطاب الرسمي المسؤولية الأكبر كونه دولة وبيده القانون والنظام ويجب أن يمثل الحقيقة وبالتالي هذه التقنية المعلوماتية الهائلة ميزة ونعمة لكنها تحولت إلى نقمة فيما يتعلق بالخطاب الإعلامي الذي يشد الناس دون أن يعينهم على فهم الحقيقة كما هي".
تعبئة مغلوطة
وأوضح العودي أن الخطاب الإعلامي اليمني المستقل مغيب ولا يملك الإمكانية الكافية ليقول ما ينبغي أن يقال، وهي إحدى الإشكاليات والمحن, منوها إلى ما تروجه وسائل الإعلام وتصور للعالم بأن اليمن جهنم الحمراء ولم يعد فيها أمن ولا سلام، مضيفا: "الحقيقة الكبرى لا ننكر بوجود خلاف واحتقان لكنها ليست كما تصورها وسائل الإعلام وتعبئ به الأطراف المختلفة ومن نعمة الله علينا أن المجتمع اليمني ليس منكسر الضمير أو مشحوذ الوجدان بحيث يصبح رعاعا جاهزا يتلقى مثل هذه التعبئة المغلوطة ليقتل بعضه بعضا أو ينتقم من بعضه البعض وإنما الرأي العام وبالرغم من كل هذه التعبئة المغلوطة أصبح قادرا على التبرير ويخلق رأيا ذاتيا مقيما لما يدور ويبحث عن الحقيقة بوسائله البسيطة والمقارنة من خلال استنباطها من الخطاب المعبأ من قبل الأطراف المتناقضة". وتمنى العودي من الجميع أن يتحملوا المسؤولية الكبيرة وأن يعيدوا للخطاب الإعلامي قوامه في احترام الحقيقة ومراعاة الضمير واحترام الهوية الثقافية والوطنية والمشترك الإنساني والمجتمعي والوطني بين الجميع داعيا كافة وسائل الإعلام إلى تجاوز المحنة التي صنعتها في حياتنا لكي يعود الناس إلى استقرارهم وضميرهم إلى جانب التعقل والبحث عن الكلمة الطيبة وتجنب الكلمة الخبيثة.