إن ربط ارتفاع معدل النمو السكاني باستنزاف المياه ليس أمرا استقصد به اليمن بعينها للتهويل من خطورة المشكلة المائية وإنما الواقع فعلا أن اليمن يوصف كواحدة من أكثر الدول المعروفة بارتفاع معدل نموها السكاني حيث يبلغ المعدل 3,02% وهذا النمو أفرز مشكلة سكانية لا يمكن تجاهلها أو القفز فوق نتائجها،إذ يولد في الوقت الحاضر حوالي 80 مولودا في الساعة ونحو ألف طفل في اليوم الواحد أي أن هناك ما يقرب من 700 ألف مولود حي في العام الواحد. وبمجرد تنفس هؤلاء في الحياة تبدأ حاجاتهم للمياه سواء في الشرب أو في تأمين الغذاء, حيث قدر الباحثون والمهتمون بالشأن السكاني الإضافة السكانية السنوية في اليمن بما يعادل سكان مدينتين يمنيتين كبيرتين كعدنوإب وما يساوي (عاصمة من عواصم المحافظات الصغيرة كأبين وشبوة وحجة والبيضاء وصعدة والمحويت والمهرة ومأرب والجوف والضالع وعمران مجتمعة في أتون عام واحد. إلى جانب النمو السكاني المرتفع فإن اليمن تتميز بكثرة تجمعاتها السكانية..مما يجعل إيصال خدمات المياه لهذه التجمعات مكلفاً، كما أن الكثير من هذه التجمعات أقيمت بعيدة عن مصادر المياه وبالتالي تصبح المياه من الاحتياجات الملحة, فسكان الجمهورية يتوزعون على ما يزيد عن (111الف تجمع سكاني )حضري وريفي وبدرجة تشتت عالية. إن التشتت السكاني في تجمعات صغيرة يجعل المشاريع المائية محدودة الجدوى الاقتصادية والخدمية نظرا للأعداد القليلة من السكان في كل تجمع سكاني مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف تشغيلها وعدم قدرة الأهالي صيانتها وإدارتها وخاصة في التجمعات السكانية الفقيرة. كما أن تزايد السكان السريع والاستخدام الحالي للمياه الذي لم يأخذ عنصر الاستدامة لا شك أنه يسهم في تفاقم المشكلة المائية وإذا لم يتم توفر مصادر مائية أخرى فإن نصيب الفرد من المياه قد ينخفض إلى مستوى مقدر ما بين 66-_92 متراً مكعباً عام 2026م عندما يبلغ عدد السكان 38 مليون نسمة. إن النمو السكاني المرتفع يتضافر مع عوامل أخرى ليجعل الأمر أكثر تعقيداً وسط مجتمع تنقصه الكثير من الاحتياجات مما يضاعف من حجم الأعباء على مستوى الأسر وعلى مستوى الموارد المتاحة والمحدودة وعلى واقع التنمية. فزيادة السكان وانتشار ظاهرة الفقر يؤديان إلى الضغط على الموارد الطبيعية بصورة عامة وعلى التربة والغطاء النباتي ومصادر المياه بصوره خاصة, ويترافق ذلك مع تعرية مائية مصاحبة للفيضانات والإهمال المتزايد للأراضي الزراعية المطرية وتوسع المراكز الحضرية والصناعية على حساب البيئة الطبيعية وتكثيف استخدام الأسمدة والمخصبات العضوية كل ذلك يضاعف من تدهور مصادر المياه وزيادة تلوثها. وتتجلى هذه الصورة بشكل واضح في مناطق الريف التي تحتضن حوالي 83% من الفقراء و 87% من الذين يعانون فقر الغذاء، في حين يقطن فيها ما يقارب من ثلاثة أرباع السكان حسب إحصائيات 1998م. أصبح من البديهيات أن النمو السكاني يسهم في تدهور النظام البيئي الذي تقوم عليه الحياة فتتآكل بسرعة البيئة الحياتية .. وأن التوسع السريع للحياة المدنية وتسارع التنمية الاقتصادية كل ذلك أدى إلى زيادة كبيرة في الطلب على الماء للاستهلاك المنزلي و الصناعي وبالتالي إلى زيادة المياه العادمة، ومن ثم زيادة التلوث. وتبرز عادةً مثل هذه الظواهر في المناطق ذات الكثافة السكانية وفي اليمن يتجلى ذلك في الإقليم المائي المعروف بإقليم البحر الأحمر الذي تقع فيه العديد من المدن اليمنية منها العاصمة صنعاءوعدن وتنتشر أغلبية المراكز الحضرية الرئيسية على امتداد المناطق المفتوحة والواقعة بين السلاسل الجبلية في هذا الإقليم ( صنعاء _ تعز_ ذمار_ إب_صعدة) أو في السهول المحاذية للسواحل مثل ( عدن، الحديدة) وتتمركز كل الصناعة في البلاد في هذه المراكز الحضرية أو حولها كما تضم هذه المراكز المؤسسات السياسية والمالية في البلاد. وتخف هذه الظواهر في الإقليم المائي المعروف بإقليم البحر العربي الذي يشكل من الناحية العملية امتداداً للصحراء العربية الشاسعة المعروفة باسم الربع الخالي والمعروف بانخفاض الكثافة السكانية. ويتركز معظم السكان الذين يقطنون هذا الإقليم على امتداد منطقة وادي حضرموت الواقعة على طبقات الصخور الرسوبية بدرجات رئيسية وتحتوي هذه الصخور على كميات كبيرة من المياه الجوفية العذبة تكفي الاحتياج الراهن لسكان هذا الإقليم. إن الربط بين النمو السكاني واستنزاف المياه مسألة مقنعة عند تحليل أسباب المشكلة المائية .. وفي اليمن يبدو التفكير بهذا الأمر أكثر إلحاحا نتيجة تضافر العاملين مكونين مشكلة معقدة, ففي الوقت الذي يتزايد السكان في اليمن بمعدل 3,02%فإن الموارد المائية في تناقص ونضوب مضطرد. وتقدم البيانات والإحصائيات مبرراً منطقياً لأهمية وضع المعالجات الاستراتيجية لكلا الأمرين. حقيقة إن النمو السكاني المرتفع قد يؤدي إلى إرهاق الموارد المائية، وسيكون من الصعوبة بمكان على الدولة مجاراة هذا الارتفاع في توفير مياه الشرب، وكذا المياه اللازمة للزراعة في وقت تعاني المصادر الجوفية من الإنهاك. محمد عبدالماجد العريقي – عن الاقتصادي اليمني