براقش نت - يؤكد علماء السياسة أن البلاد العربية كانت تصنف استثناء عند الحديث عن التحولات الديمقراطية التي شهدتها بلدان العالم ، وكان الوطن العربي هو الاستثناء الوحيد. غير أن علماء السياسة يؤكدون أن ثورات الربيع العربي ، قد صححت بالفعل هذا الاستثناء، ليشهد العالم بأسره عصر التغيير العربي، الذي لن يكن سطحياً أو شكلياً، بل سيكون عميقاً وجذرياً، كما يطرحون. وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء الدكتور محمد الظاهري ، في حديث لوكالة أنباء "شينخوا" إن "الربيع العربي سيستمر وسيمتد أكثر، وأن العالم العربي يعيش اليوم مرحلة التغيير الجذري". موضحا أن "واقع الشعوب العربية تتنازعها أحد شعارين : فهي إما تطالب بتغيير النظام السياسي ، وإما تطالب بالإصلاح السياسي". رافضاً النظر لمسألة الحسم الثوري في أي بلد من خلال قياس البعد الزمني ، ومقارنته بثورات الربيع العربي في تونس ومصر، نظراً لخصوصية كل قطر عن الآخر، وقال : " الثورات تستلهم ولا تستنسخ أو تستورد، فقد تحسم في أسابيع أو أشهر، و قد تتأخر لسنوات". ويعزو الظاهري تأخر حسم الثورة السلمية في اليمن إلى أسباب ثقافية واجتماعية وسياسية وحزبية ودولية، تتداخل مع بعضها البعض. ويرى أن طبيعة التكوين الثقافي والاجتماعي في اليمن كان لها تأثير مباشر على مسار الثورة في اليمن وعلى مسألة الحسم . وقال: " الناس في اليمن مشبعين بثقافة الزهد في التغيير، وقد تأقلموا مع ثقافة الحياة المنقوصة أو تعودوا عليها، فاليمن يمكنه تقبل الواقع الذي يعيشه مهما كانت درجة قسوته ".مشيراً إلى أن القوى المضادة للثورة استغلت هذه الثقافة الاجتماعية لدى الناس ، وعملت من خلالها باستماتة لتصوير الثورة السلمية في اليمن بأنها أزمة سياسية وليست ثورة شعبية، وبأنها تقليد خاطئ لموجة التغيير في تونس ومصر. وذكر الظاهري في سياق تناوله للإطار الثقافي في المجتمع، تأثير ثقافة الجموع الصامتة على مسار الحسم الثوري، وقال: " بالتركيز على ثقافة الفئة الصامتة، الناتجة عن التنشئة الأسرية، التي تقوم على التخويف والترهيب، والطاعة العمياء، والنظر للحاكم على أنه أب سياسي ، نجد أنها ثقافة سلبية، أصيب أصحابها بالتبلد وبداء الاستكانة، مما ساعد على تأخر الحسم الثوري". وأكد أن من أسباب بطء الثورة أيضاً وعدم تحقيقها الحسم السريع، تأثير القوى الحزبية المعارضة، على مسار الثورة السلمية، وقال: "مع أن أحزاب المعارضة المنضوية في إطار تكتل (اللقاء المشترك) لديها القدرة على حشد قواعدها وأنصارها، لكنها تتلكأ وتتخوف من الانتقال من المعارضة السياسية إلى الفعل الثوري". معتبراً أن من ضمن مواطن ضعف الثورة في اليمن أن " أحزاب المعارضة (المشترك) تريد إنجاح الثورة وتحقيق أهدافها بمهر (إصلاح سياسي)، دون دفع فاتورة الثورة، أو بلوغ المواجهة" منوها بأن المعارضة اليمنية تخلط بين مفهوم سلمية الثورة وما أسماه ب" التسليمية"، والتي تشير إلى الاستسلام لعنف ميليشيات الحاكم دون مقاومة. وقال: " يمكن في هذا السياق التفريق بين الممكن السياسي والاستكانة السياسية، فالأولى يمكن التعامل معها كخطوة لتحقيق الأهداف، أما الاستكانة فتعني الاستسلام لما يطرحه الآخر وما يمليه عليك دون مناقشة، مما يعني البقاء في مربع التفاوض دون تحقيق الأهداف". أما دور العامل الخارجي في تأخير الحسم الثوري، فيعده الدكتور الظاهري من أهم التحديات التي تواجه الثورة في اليمن، مبرراً ذلك بالقول: "الثورة السلمية في اليمن نشأت في بيئة غير ثورية، سواءً الإقليمية أو الدولية، إذ تسعى تلك البيئة لاحتواء ثورة اليمنيين، والتدخلات الإقليمية والدولية في الشأن اليمني واضحة وماثلة للعيان". لكنه يشير إلى ما أسماه ب (العقدة اليزنية) المرتبطة تاريخياً باليمنيين، في إشارة لاستعانة القائد اليمني سيف بن ذي يزن بالأحباش لطرد الفرس من اليمن. غير أن السؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق هو: إذا كانت ثورات التغيير في بعض البلاد العربية كاليمن تواجه مخاضا عسيرا، رغم مرور شهور طويلة دون الحسم، فلماذا خفتت الأصوات المنادية بالتغيير والإصلاح في عدد آخر منها ؟ ليبقى الاستثناء الوحيد فقط ماثلاً في ثورتي تونس ومصر، مع أن الثورة في البلدين ما تزال في مخاضها الثوري حتى اللحظة. ويرى الباحث اليمني في العلوم السياسية أحمد السودي، أن لتعثر ثورات التغيير العربية في بعض البلدان، عوامل مختلفة ذكرها ل"شينخوا" بقوله: " يمكن إرجاع خفوت بعض الثورات العربية وتعثرها نتيجة تمسك بطانة الحاكم بالحاكم نفسه، خشية من سوء المصير، وتوحد الزعماء العرب في هذا المأزق ودعم بعضهم بعضا، حتى لا يلقوا نفس مصير مبارك وبن علي، بالإضافة إلى التحالف ( الاسرائيلى - ألامريكى) الذي يتخوف على مصالحه مشيرا إلى استفادة الأنظمة العربية الأخرى من تجارب غيرها من الحكام العرب في تعاملهم مع شعوبهم المتطلعة للتغيير، إذ لجأت بعض البلدان العربية لتبني بعض الإصلاحات السياسية، وتحسين الأوضاع المعيشية بضخ مبالغ مالية كبيرة على صورة مرتبات، وإعانات، وإصلاحات اجتماعية، بهدف امتصاص الاحتقان السياسي. وقال السودي، وهو رئيس المؤسسة اليمنية للدراسات الاجتماعية: "من الأسباب أيضا حالة التعتيم أو التضليل الإعلامي ، وكبت الثورة في أول الشرارة، بالإضافة إلى تنفيذ بعض الإصلاحات السياسية، أو إجراء عملية تراضي واسترضاء مع بقية الشرائح السياسية، ووجود حالة إحباط نتيجة تجارب مريرة سابقة، أدت إلى تشويه عملية الخروج عن الدولة". وأكد أن الاختلاف بين البلدان يعود لدرجة الاحتقان السياسي فيها، ولدرجة النضج السياسي لدى الشعوب، وقال: " في كل الأحوال، تظل حالة الاحتقان السياسي وأسبابها موجودة في البلاد العربية، وستبقى ثورات التغيير العربية، كالنار تحت الرماد، حتى وإن خفتت حدتها في بعض الأحيان إلا أنها لم تخمد ولن تنتهي". وأضاف: " مع خصوصية كل بلد، نحن موحدين في أسباب الاحتقان، والتفاوت في خصوصية كل بلد ونسبة الاحتقان، لكن مسألة التغيير قادمة لا محالة". ويعتقد السودي أن الأنظمة الملكية في البلاد العربية قد تشهد بعض التغييرات السياسية، وقال: " سيكون الحاكم الذكي فيها من يستبق الأحداث ويعمل على تحويل نظام الحكم إلى ملكية دستورية كبريطانيا والدنمارك، بحيث يملك الملك ولا يحكم".مشيراً إلى أن ثورة اليمن السلمية ستجدد الثورات في بقية البلاد العربية، وهي جديرة بأن تكون نموذجاً للتغيير في المنطقة العربية.