الفرقة الناجية مفهوم دمغ حياة المسلمين في اوقات كثيرة بالعنف القائم على اساس التكفير اعتماداً على مفهوم الفرقة الناجية المستنبط من حديث الرسول " ستفترق امتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحده"،من هنا اعطت كل فرقة لنفسها الحق في الحكم على الآخرين وتنصيب نفسها كفرقة ناجية في ممارسة اقصائية دينية مطلقة على الفرق الأخرى، ولم يكن من المستبعد أن تقوم صراعات بين فرقتين تدعي كل منهما أنها الفرقة الناجية. اصبح هذا المفهوم جزءا لا يتجزأ من وعينا، المشبع بمفاهيم الاستبداد في مجتمع يمتلك الكثير من العادات والتقاليد التي تحافظ على تماسك منظومته الداخلية قدر المستطاع، لكن مع تطور طبيعة الدولة والمجتمع بحكم الحداثة صارت هذه المنظومة لوحدها لا تجدي حيث لم تتطور هذه المنظومة الاجتماعية لوثيقة مماثلة للدستور والاحتكام له ولقوانينه للتعايش بين مكونات المجتمع المختلفة الذي تقاربت مكوناته المتباينة والمختلفة بحكم تطور وسائل المواصلات التي قربت البعيد، وبشكل مغاير قامت وسائل الاعلام بمباعدة القريب وقربت البعيد، حيث صار اليمني اقرب للتعاطف مع الفلسطيني واكثر ادراكاً لمشاكله منه لمواطنه في تعز أو عدن او صعده أو الحديدة، لأن الإعلام اليمني يبتعد عن المواطن سواء بسبب ضعف مهنيته أو ارتباطاته السياسية التي توظفه إما لإثارة عصبية ما ضد طرف ما ولصالح طرف ما أو لاسقاطه في حالة غيبوبة. لهذا يجهل معظم اليمنيين معطيات حروب صعده الستة بينما هم اقدر على فهم حرب غزه، فمنذ بداية حروب صعده والإعلام اليمني يتجاهلها وفي احسن الحالات يقدم معلومات مقتضبة في وقت تشهد مدينة يمنية حرب طاحنة ومدمرة، وأحيان اخرى يتعرض المواطن اليمني لعملية تضليل إعلامي من اطراف مختلفة في تقديم صورة مغلوطة حول ما يحدث. هذا كله ادى إلى خلق صورة ضبابية ، يشعر بها المواطن اليمني عندما يتعلق الأمر بجماعة الحوثيين ومحافظة صعدة وبعض المحافظات المجاورة لها، وهذا امر ربما يكون مقصودا من قبل جماعة الحوثيين وبعض الجماعات المعادية لهم. ليظل المؤكد في النهاية إن المواطن اليمني غير قادر على تحديد موقفه تجاه ما يجري إلا إذا كانت لديه تحيزات مسبقة تساعده على إتخاذ موقف بناء عليها وليس بناء على ما يجري. ورغم تطور طبيعة متطلبات الإنسان المعاصر ومقدرات الدولة الحديثة وتقارب الجزر الجغرافية المتنافرة في اليمن لتصبح المسافة بين صعدة وصنعاء ليست أيام بل ساعات لكن معرفتنا ببعض لم تزد، وآلياتنا السياسية لم تتطور. كان الرئيس اليمني نجح في تولي زمام السلطة في اليمن لمدة تزيد عن ثلاثة عقود، منها عقدين واليمن بلد موحد وهذه فترة ليست وجيزة في بلد شديد التعقيد، في هذه الفترة الطويلة اعتمد فيها الرئيس على قدراته الشخصية لتوفير المسافة او المساحة المحايدة، التي تحتاج لها الاطراف اليمنية المتصادمة والمسلحة في آن واحد، حيث كان متخففا من الإيديولوجية والقبيلة الكبيرة ليتحرك بحرية وانتهازية ايضاً بين القوى المختلفة فيثير النزاعات ويطرح التسويات، لكن مع بدء انطلاق مشروع التوريث، قدرة الرئيس على طرح تسويات تضاءلت مع ازدياد تلاعبه بمكونات المجتمع المختلفة وإثارة النزاعات، حيث صار الرئيس بحكم مشرعة عرضة للابتزاز الخارجي ومحاصر بالاعداء داخلياً، لكن هذا لايمنع إن الرئيس كان الرجل القوي في اليمن بحكم طول مدة حكمه مما جعل قدرته على حفظ هذه المساحة موجودة بشكل ما. كان الأولى بالرئيس والاكثر فائدة للبلاد هو تأسيس مؤسسات دولة وطنية تشمل الجميع ومستقلة بحيث لا ترتبط بشخص واهوائه ومصالحه، لكن هذا ما جرى وهكذا منظومة الاستبداد خلفت لنا مجتمعا منقسما وعلينا القبول بواقعنا كما هو وليس كما نأمله. فالتنوع السياسي في اليمن هو تنوع اجتماعي بالاساس، يجعل من وجوده قاسياً وصلباً بشكل لا يمكن تجاوزه أو التهاون تجاهه، ففي وقت يطالب الجميع بالديمقراطية ويرفض الاقصائية لكننا جميعاً نتشارك ممارستها، حيث لازلنا نتحدث عن مفاهيم لم نمارسها أو لم نجربهاا اجتماعياً أو سياسياً من قبل، ونواجه بعضنا البعض دون مساحات محايدة ،أو هامش نسبي يخفف من مطلقاتنا، لهذا نجد مكونين من اهم مكونات الثورة يسقطان في صراع ضار في محافظات شمالية... الحوثيون جماعة طائفية وقوة عسكرية شابة وصاعدة وحاضرة بتمثيلها الاجتماعي الطبيعي ولها طموح توسعي يواجهه آلان حزب اسلامي سياسي له تاريخ معقول في العمل السياسي الحزبي المدني، وحالياً يتبادل الطرفان الإتهامات في من بدأ القتال؟ ويتحجج كلاهما بحجة مفضلة وشائعة هذه الايام وهي حجة الدفاع عن النفس، فالحوثيون "الجماعة المتمردة" حسب حزب الاصلاح بدأ حروبه ضد الحكومة بحجة الدفاع عن النفس، واليوم يكرر حزب الاصلاح خطيئة الحوثيون واندلعت أولى حروب الثورة في الحصبة بحجة الدفاع عن النفس وليس حسب اجندة سياسية وقرار سياسي واع بأهداف ومستحقات العمل العسكري، وهذا يلغي توصيف الجماعة المتمرده على الحوثيين أو يضع كليهما في ذات الخانة، بحكم أن التمرد يعني عمل مسلح ضد قوات شرعية بشكل ما. بالطبع معيار الحكم يبدو مختلاً بين جماعة طائفية في محافظة نائية، وحزب فاعل وموجود في معظم انحاء البلاد، من هذه المفارقة يبدو جلياً حجم المخاطرة والخسارة التي يتكبدها حزب الاصلاح في الانجرار لساحة القتال مع جماعة طائفية عسكرية ويغامر الحزب بتاريخه السياسي وعمله المدني كحزب قوي في الساحة اليمنية، ليتحول إلى جماعة طائفية مسلحة في المحافظات الشمالية. فعوضاً عن تحفيز الحوثيين واستيعابهم كحزب سياسي انجر الاصلاح لمربع الحوثيين، وهذا سبب ضروري ليكون حزب الاصلاح هو المبادر في تقديم حلول سياسية للمعارك الجارية حالياً في تلك المناطق. فما تشهده المناطق الشمالية سواء كان رغبة للحوثيين في التوسع، استغلالا لغياب الحكومة أم دفاعا عن النفس وسواء كان الإصلاح نصب نفسه نائباً عن الحكومة في تلك المناطق ،أم يدافع عن نفسه، هذا كله نتاج وضع مختل لا اكثرتسبب فيه الغياب الكلي للدولة. لهذا يجب ايجاد حلول سريعة لمعالجته قبل أن يتحول لنزيف جديد لا تتحمله البلاد وسكيناً في خاصرة الثورة، وهذه الحلول يجب ألا ترتبط بحل شامل للأزمة بل بحركة ديناميكية لخلق المساحة المحايدة في تلك المناطق، أي تشكيل لجنة تحقيق محايدة تقدم شهاداتها وتوصياتها وعلى اساسها يجري التفاوض بين الطرفين حيث يطرح الحوثيون والإصلاحيون مطالبهم، ويعرضون مخاوفهم في وقت لازلت المعالجة ممكنة ، لأن القتال الحالي لا جدوى منه حيث لن يستطيع طرف القضاء على وجود الآخر. فالحكمة اليمانية مطلوبة في بلد الحروب فيها لا تنتهي إلا بتسوية، ولو كانت هذه التسوية غير مرضية أو النتيجة هزيمة لطرف ما فهي لا تكون إلا هدنة يستجمع فيها الطرف المغلوب قواه، ليعود مجدداً للقتال، فالطرفان نتاج البيئة اليمنية بكل مافيها من تعقيدات تاريخية ومتاهات جغرافية وانقسامات اجتماعية وتفسخ سياسي. لا مناص من العيش معاً، والهدف الأساسي من هذه الثورة هو خلق حالة هدنة طويلة بين الاطراف اليمنية تعيد الانسجام الاجتماعي وتؤسس لحياة سياسية ديمقراطية قائمة على اساس العقد الإجتماعي لاقوة السلاح بحيث نستطيع البدء بعملية تنموية ملحة وشاقة، بدون هذا كله ومع استمرارحروبنا بحجة الدفاع عن النفس أو غيرها، ودوران حروب بهذه الضبابية دون حضور للحقيقة أو المعرفة للمواطن مع غياب كلي لمكونات الثورة وابرزها المجلس الوطني أو ابرز مكونات المعارضة وهي احزاب اللقاء المشترك، نجد أنفسنا دخلنا في دوائر صراعية مغلقة لا مناص منها. فهذا كله غير ضروري ولا يفعل شيء سوى اضافة جرح جديد وتشكيل تصدعات جديدة في جدار الوطن المتشقق في كل مكان، فالمعادلة الوطنية البسيطة تقول إذا انتصر طرف يخسر الوطن، فالوطن هو المكان الذي لا توجد فيه فرقة ناجية وإذا ما وجدت فالوطن بأسره يهلك فلا فرقة ناجية في وطن هالك.