لم يظهر حتى الآن أفق لحل الازمة اليمنية والذهاب بالبلاد نحو الأمان، فالتوتر يخبو ويتصاعد والفتنة تختفي ثم تطل برأسها من جديد، فموقظوها كثر، تتعدد اسماؤهم وتختلف انتماءاتهم، لكنهم يتوافقون على ابقاء البلاد على شفير حرب، ذاقت ويلاتها مرات ومرات خلال العقود الماضية. والأزمة اليمنية تستمر، لان اطرافها لم يحددوا بعد ماذا يريدون، وكل منهم يذهب بالاتجاه الخاطئ لوأد الفتنة الى الأبد. والاطراف المعنية هنا هي التي تقول باليمن الموحد الديمقراطي، ان كانت في السلطة او المعارضة، وان كانت متفقة على ان البلاد في خطر الا ان كلا منها يحاول تسجيل اهداف في مرمى الآخر، غير عابئ بأن مرمى الطرفين هو الوطن ومستقبله. ولقد بدأت الازمة اليمنية الحالية منذ أكثر من عامين، باحتجاجات على ظلم أوقعته السلطة بحق عسكريين احالتهم على التقاعد، وتصاعدت الاحتجاجات والسلطة تتجاهلها او تحاول الالتفاف عليها غير مدركة ان الشياطين مبثوثون في ارجاء البلاد يؤججون التوتر الاجتماعي ويدفعون بالمظلومين للعب بالمقدس وهو وحدة الوطن. وقوى المعارضة تستلذ بهذه الموجات من الغضب الاجتماعي مكتفية بانتقاد السلطة بكيفية تدبيرها لهذا الغضب دون ان تكون لديها القدرة لتشكيل سد وطني فعال يحد من الفساد ويضمن للمظلوم حقه ويمنع الشياطين من دفع البلاد باتجاه المجهول. وتتفق مكونات الفعل السياسي اليمني على ان الفساد اصبح وباء الادارة والعجز بات سمة المشهد وان دخول خط الانفصال يهددها جميعا لانه يهدد الوطن كله وان الاصلاح السياسي والدستوري واقامة دولة المواطن والقانون والشراكة في التدبير ان كان من موقع السلطة او موقع المعارضة، ليس تنازلا من السلطة لانه واجبها وليس مكسبا للمعارضة لانه حق لليمن ولليمنيين. واذا كان لم يعد مقبولا من السلطة الاستناد إلى إرث الإمامة والاستعمار وسنوات التشطير لتبرير الفساد السائد والعجز المهيمن فإن الجريمة ان يحمل البعض الوحدة هذه الأوزار والوهم بأن العودة الى التشطير هو الدواء الشافي. ولقد جرب بعض الواهمين، الذين خسروا بإعادة الوحدة امتيازات الانفراد بالسلطة، هذا الدواء في 1994 وكانت النتيجة اصابة الديمقراطية بجراح غائرة لم تندمل حتى الآن، وزعزعة السلم الاجتماعي وسنوات واموال وجهود لإعادة بناء ما دمر، كانت اليمن بامس الحاجة اليها للنهوض الاجتماعي والاقتصادي. ولا أحد يستطيع إنكار ما انجز خلال السنوات ال15 الماضية، رغم أن الوضع الاقليمي كان يديم حالة القلق ويدفع للتسلح على حساب التعليم والصحة، ورغم حالة التوتر الذي خلقته حروب التطرف الديني والمذهبي، لكن تصريف ما انجز وديمومته كان يصطدم بالقطيعة بين السلطة والمعارضة واعتبار صناديق الاقتراع هي الحكم والقياس في بلد لا يزال يسير على طريق الديمقراطية والعلاقات القبيلية والمناطقية والفساد الانتخابي تلعب دورا اساسيا في نتائج الاقتراع، مما يمس بمصداقية المؤسسات التي تفرزها، وتهمش دورها كمرجعية. كان المطلوب يمنيا، ولا يزال، هو التوافق في تدبير شؤون البلاد، والايمان بأن الفاعل السياسي سلطة اينما كان موقعه وان احدا لا يستطيع الحكم وحده، وهو ما تسير عليه اية دولة في حالة حرب، واليمن في حالة حرب دائمة، فإذا كان بالسابق في حالة حرب وثورة ضد الامامة والاستعمار البريطاني ثم ضد التشطير والتآمر الاقليمي، فإنه اليوم كما هو منذ 1990، في حالة حرب ضد الفقر والتخلف عن العصر في مختلف الميادين والمجالات وهي حرب بحاجة لكل اليمنيين لان مستقبل ابنائهم رهين هذا الانتصار الذي لا يتحقق الا بالحفاظ على الوحدة وحمايتها وصونها من خلال حوار وطني صريح ومسؤول ووضع النقاط على الحروف وتحديد المسؤوليات. والمؤسسات المنتخبة، بغض النظر عن الموقف من صدقيتها وتقييم كل طرف لها، ليس شرطا ان تكون خيمة الحوار وضوابطه لكن بالضرورة ان تكون المرجعية التي تسن ما يتم التوافق حوله قوانين وضوابط تضمن التطبيق والتنفيذ السليم والنزيه والشفاف. ويكون خطأ مميتا البحث عن طريق آخر، مثل الخطأ الذي ترتكبة المعارضة بمحورة تحركها على الطعن بالسلطة والايحاء ب'السعادة' لما تعرفه البلاد من مآس ل'تبرئ ذمتها وتؤكد صحة موقفها' وايضا مثل الخطأ الذي ارتكبته السلطة بحق الصحافة والحملات القاسية ضد معارضيها ورميهم جميعا بتهمة الانفصال وتضخيم تأييد ودعم النظام الرسمي العربي الذي هو ضروري لانه يقلص من شروره على اليمن ولكنه ليس كاف. ان التأييد والدعم الحقيقي لمواجهة الازمة يكون في صنعاء وعدن والحديدة والمكلا وصعدة وتعز حيث الوجع والالم الحقيقي حتى لا يكونوا فريسة دعاة الانفصال الذين يبتزون لحظة قلق تعيشها البلاد ويجيرون موجة غضب مظلومين، لافراز سمومهم وحقدهم على وطنهم والذين اطلوا برؤوسهم أخيرا واهمين أن بعض أتباعهم الذين رفعوا صورهم لا يعرفونهم جيدا ولا يتذكرون كيف عاشوا عقودا طويلة في نعيم السلطة او في المنفى بما حملوه من اموال الشعب اليمني وكيف بددت هذه الاموال. لقد خاض الشعب اليمني في 1994 حرب الدفاع عن الوحدة وحيدا، في الوقت الذي كان فيه الانفصاليون يسيطرون على دولة بخيراتها وتحت امرتهم جيش بعتاده الضخم ويلقون دعما ومساندة النظام الرسمي العربي والمباركة الصامتة للولايات المتحدةالامريكية، لان قيادته كانت أمينة على الوطن وتماهت مع شعبها وطموحاته وعليها الآن ان تواصل هذه الامانة بالحوار والمزيد من الاصلاحات لبناء دولة اليمن الموحد يكون فيها المواطن هو السيد والديمقراطية هي السبيل.