منذ سنوات والأصوات الجادة ترتفع هنا وهناك محذرة ومنذرة مما يحدث في الصومال ومن خطورة تحول ما يجري فيه إلى نموذج قابل للتصدير والانتقال إلى بقية الأقطار العربية القريب منها والبعيد. فرياح الفتنة لا تعرف الحواجز والحدود المصطنعة ولا تحول دونها المخافر ولا تحتاج إلى جواز للمرور. وفي ظل الصمت العربي والتعامي الدولي عن حل المشكلة الصومالية تطورت الأمور في ذلك البلد البائس واتسعت جراحاته، وطال نزيف دماء أبنائه، وتناسى العرب أن الصومال عضو في الجامعة العربية، وأن إهماله وتجاهل ما يحدث بين أبنائه من اقتتالٍ ضارٍ على السلطة لا يهددان الهوية العربية المعترف بها فحسب، وإنما يجسدان النموذج القابل للتكرار في أكثر من قطر عربي، إن لم يكن فيها جميعاً ومن دون استثناء. لقد تجاهل العرب مأساة الصومال التي مر عليها حتى الآن ما يقرب من عقدين من الزمن، ونأى بعضهم عن مجرد التفكير في عواقبها، وكان في مقدورهم عن طريق جامعتهم وبمساعدة من العالم وضع حد للانقسامات والتمردات في بدايتها، وقبل أن تستفحل وينقسم البلد المسالم إلى ميليشيات شرسة يأكل بعضها بعضاً، وتأكل مئات الآلاف من الأبرياء، وتبعث بنصف السكان إلى خارج البلاد في حالة من الشتات المؤلم والحزين. والأغرب حالا في هذا البلد أن كل فئة تصل إلى السلطة بعد ما تدمر خصومها لا تلبث أن تنقسم على نفسها، ويخرج معارضوها من منازلها، ويبدأون في حربها باللغة نفسها التي وصلت عبرها إلى السلطة، التي لم تعد مغنماً بل مغرماً، ومغرماً بشعاً. والآن وقد بدأ النموذج الصومالي يفيض على جيرانه لا بالنازحين وضحايا الحروب المتناسلة فحسب، وإنما بما هو أخطر، وهو البروز المتسارع للانشقاقات، سواء أخذت هذه الانشقاقات طابع التمرد العلني في مواجهة السلطة، أم طابع التحركات السياسية والتعبير عن التململ من خلال المظاهرات التي لا تخلو من العنف، ومن يسترجع حالة الصومال في عقد التسعينات المنصرم يدرك بوضوح التداعيات الأولى للتفتت الذي تم، وصار واقعاً يعجز العقل والجنون معاً عن تصور نهاية عاجلة أو آجلة للدمار والتخريب الذي لحق بالمقومات البسيطة للدولة الوطنية التي كانت بشائرها قد ظهرت بعد رحيل الاحتلال الأجنبي. وليس صحيحاً على الإطلاق ما يتردد هنا وهناك من أن لكل قطر عربي نسيجه الخاص الذي يشكل تداعيات التحامه أو انقسامه، فالأقطار العربية، القريب منها والبعيد، الواقع في الشمال أو الجنوب، في المشرق أو المغرب، جميعها ذات نسيج اجتماعي وثقافي وعقائدي متجانس مع فروق طفيفة هنا في هذا القطر أو ذاك يصنعها وجود أقليات اثنية لا يشكل وجودها في حالة سلامة الجزء الأكبر من الجسد أية خطورة تذكر، بل ربما كان وجود هذه الأقليات عاملاً من عوامل التمسك بأهمية التنوع والانفتاح. ومن هنا فإن ما حدث ويحدث في الصومال المتروك لمآسيه وانقساماته لا غرابة أن يتكرر وتتناسخ نماذجه في أكثر من قطر عربي.