عام 2011 كان عام الفتاوى ذات الطابع السياسي لأن العام لم يكن اعتيادياً فقد مرت خلال شهوره ثورات متتابعة وحراك متعدد الأوجه اختلطت معه الأوراق، ومنذ بدايته في يناير أشعلت تلك الشرارة بواسطة الشاب التونسي (محمد البوعزيزي) الذي أحرق نفسه احتجاجاً على الظلم في بلده. شرارة البوعزيزي امتد لهيبها وطال مصر وليبيا فأزيح رئيس الأولى "حسني مبارك" من منصبه تماما كما كان حال الرئيسي التونسي "زين العابدين بن علي"، بينما كان مصير الزعيم الليبي "معمر القذافي" درامياً فقتل على أيدي الثوار، في حين لم تكن اليمن وسوريا بمنأى عن الثورات وإن اختلفت نهاية الأولى ولا تزال الثورة مستمرة في الثانية. وبالتزامن مع هذه التطورات بدأ العام بفتاوي حاولت تثبيط المطالب بإسقاط بعض الأنظمة وذلك بتحريم بعض المشايخ الخروج على الحاكم وتحريم المظاهرات والتجمع تحت ذريعة درء الفتن ودفعاً للفرقة بين المسلمين و حقناً للدماء. وكان لمفتي عام السعودية "عبد العزيز آل الشيخ" رأي في بداية الاحتجاجات بمصر حين قال: "لو نظرنا للنتائج التي تحصل من هذه الاحتجاجات لوجدنا أن ما يطالب به بالنسبة لما يحدثه من بلاء لا شئ، فالمطالبة شيئ والبلاء والدمار أشياء كثيرة" على حد تعبيره. وفي مصر ذاتها خلال ثورة 25 يناير أنكر العديد من مشايخ السلفية وطلاب العلم الخروج على الحاكم ومنهم "حسن بن عبد الوهاب البنا" و"أبو عبد الأعلى خالد بن عثمان" و"عادل السيد" والقائمة تطول بأسماء شيوخ مصريين (سلفيين) كانوا منكرين للخروج على الحاكم . ومع نجاح ثورتي مصر وتونس بإسقاط (بن علي) و(مبارك) و تصاعد الاحتجاجات في بعض الدول العربية وخاصة في ليبيا التي أصبحت دموية بشكل عنيف اضطر الليبيين خلالها إلى حمل السلاح بعد أن أصر القذافي على قمع الاحتجاجات بالنار والحديد وخلال ذلك ظهرت فتاوى أخري تجيز الخروج على الحاكم الذي يقتل شعبه. ومن أبرز تلك الفتاوي ما صدر عن رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين "يوسف القرضاوي" من على منبره في إحدى صلوات الجمعة في قطر والتي حلل فيها قتل الزعيم الليبي معمر القذافي، وقال: (من أراد أن يتقرب إلى الله بقتله فليفعل ودمه في رقبتي) و يعني القذافي. والنظام الليبي كان يعي ما تؤثر به الفتاوى في قلوب الليبيين، لذلك استعانت قناة ليبيا الشبابية أثناء الاحتجاجات على نظام القذافي بعرض فتاوي مسجله لمشايخ من السعودية وهم "صالح الفوزان" و"ربيع المدخلي" و"عبد المحسن العباد" جاء فيها تحريم الخروج في المظاهرات وتحريم مشاهدة قناة الجزيرة وكل قناة تحرض على الفتنة ووجوب طاعة ولي الأمر وتحريم الخروج عليه. وفي السياق ذاته فقد أفتى من الكويت الأستاذ المساعد بقسم التفسير في كلية الشريعة بجامعة الكويت الدكتور "حاكم المطيري" بأن قتلى الثورات العربية "شهداء" معتبراً أن الانتفاضات الشعبية ضد الأنظمة الحاكمة لها مبرراتها الشرعي، ومنها محاولة إصلاح الشأن العام، وكانت فتواه ردا على بعض الفتاوى التي تصف المتظاهرين بالخوارج. وفي اليمن أصدرت جمعية علماء اليمن بيان يحرم الخروج على الرئيس اليمني "علي عبدالله صالح" وجاء في البيان: "إن الخروج على الحكام محرم شرعا سواء كان بالقول أو بالفعل بنص القرآن والسنة والإجماع". وقد استنكر "القرضاوي" هذا البيان قائلا: "إن الفقه الرجعي الذي يسير في ركاب الحكام وإن ظلموا وجاروا، ينبغي أن يختفي أمام الفقه الثوري الذي يعمل على تقوية الشعوب، وينقي الحكم من مطامعه ومساوئه". ومن الفتاوي التي أثارت الجدل في مصر مع مرحلة الانتخابات التشريعية والتي بدأت في 28 نوفمبر الماضي فتوى "محمود عامر" - القيادي بالتيار السلفي - حين أصدر فتوى حرم فيها التصويت في الانتخابات البرلمانية بشكل عام، معتبراً أن من يصوت لصالح أحد المرشحين هو آثم، وخائن للأمانة. وسبق لعامر إطلاق فتوى تجيز توريث الحكم لنجل الرئيس الأصغر جمال مبارك قبل نحو عام من الآن، وأطلق هو نفسه فتوى إهدار دم الدكتور "محمد البرادعي" بدعوى شق عصا الطاعة والخروج على الحاكم الشرعي الرئيس حسني مبارك . وفي الفترة نفسها أيضا أفتى القيادي بجماعة الإخوان المسلمين "أحمدي قاسم" وكان احد المرشحين في الفيوم، خلال لقاء انتخابي بأن الانضمام لحزب الحرية والعدالة ما هو إلا صورة من صور العبادة والتقرب إلى الله في خدمة الشعب المصري. وفي الجهة المقابلة أفتى الشيخ "ياسر برهامي" وهو نائب رئيس الدعوة السلفية وأحد مرجعيات حزب النور بعدم جواز التصويت لصالح التحالف الديمقراطي من أجل مصر والذي يتزعمه حزب الحرية والعدالة في الانتخابات البرلمانية الحالية.معللا ذلك أن التحالف الديمقراطي لم يأتي لنصرة الدين والشريعة وإحقاق الحق ونصرة المظلوم. ومن الفتاوى الغريبة التي أثارت جدلاً واسعاً في مصر فتوى رئيس لجنة الدعوة الإسلامية في الأزهر(عمر سطحي) بعدم جواز زواج المسلمات من فلول النظام المصري السابق ومن أي عضو من أعضاء الحزب الوطني والسبب بحسب رأي "عمر سطحي" أنهم مضيعون للأمانة، فإذا كانوا قد ضيّعوا أمانة الشعب كله وأفسدوا الحياة في مصر التي أكلوا من ترابها وعاشوا على أرضها وشربوا من مائها واستظلوا بسمائها.. فمن السهل عليهم أن يضيعوا أمانة الأسرة والزوجة.