إلى أين تمضي أمة، كبارها مع صغارها لا يتحدثون إلا بلغة العنف والحرب وإقصاء الآخر تاركين لغة الحب إلى حين ميسرة؟! قارح بعد قارح، ومجزرة بعد مجزرة ، وانتقام يجر انتقاما، وجماعة تزيح الأخرى، وأحزاب تقصي بعضها البعض، وأجيال تتربى على ثقافة "انتبه يطلع ابن عمك أحسن منك" ومجتمع ينام ويستيقظ كل يوم على خطاب: الخونة، المرتزقة، أعداء الثورة، أعداء الجمهورية، أعداء الوحدة، أعداء الوطن، أعداء الإسلام، أعداء الله، أعداء البطيخ؟! حتى أننا لم نعد نرى في الآخر أكثر من كونه خصما ينبغي "بطحه" تحت أي مبرر، وما أسوأ المبررات التي تتحدث عن كل هذا الإجرام الذي يشهده اليمنيون بوصفه دينا أو بوصفه نصرة للحق؟! زمان كان إذا تضاربوا اثنين من الجيران نجد أهالي الحي كله ينبعوا إلى الوسط ويسعون لإصلاح ذات البين ، وكنا نسمع أصوات الطيبين وهي تغرد بالتسامح وتقول لهذا وذاك: عيب يافلان، انتوا جيران وإخوه . وحتى أوسخ الناس كانوا يخجلون، ويتسامحوا وعاد "الفرادع" و"الأدحاس" ملان الوجه والرأس. كانت الحياة حلوة وكان الناس يهرعون إلى الصلح وإلى التسامح - تماما- كما يهرع الصوفي إلى الكعبة . ولم يكن ذلك الفعل اعتباطا أو مزايدة لإرضاء سين أو صاد. بل كانت تلك الفضائل نابعة من ضمير مجتمعي تربى على فطرة شيوع المحبة والتسامح. واليوم نشاهد المذابح والمجازر هنا وهناك ونسمع - حيالها - أصواتا تدعو للانتقام وتأجج الأحقاد . كنا طيبين وكان الفتى الشاطر هو ذاك الذي يكسب حب واحترام الناس عبر نشر الفضائل وكانت مهارة الحب صنعة اليمنيين، لكن مماحكات الساسة وهورنات رجال الدين السياسي أحالوا حياة الناس إلى جحيم موبوء بالكراهية وبالأحقاد؟! عندما نخسر مهارة التسامح يتحول كل شيء إلى خرابه.. وبالله عليكم هل هناك في المعمورة كلها خرابة أكثر من هذا البلد الحزين. على أن ما يحصل في اليمن الآن لا علاقة له بأخلاق اليمني الذي ترك أحقاد التأريخ كلها خلف ظهره وراح يشيد لنفسه أعظم الحضارات . يحتاج اليمنيون اليوم عموما، إلى حركة مجتمعية ناضجة - من كل الشرائح والفئات- تخرج جميعها إلى الشوارع لتدعوا إلى فضيلة التسامح، وأكثر من ذلك تحتاج البلد إلى قائد حقيقي وغير متحيز لأحد وعليه فقط أن يتحلى بأخلاق الفتى الشاطر ويتبنى فكرة التسامح بين الجميع وأقسم بالله إنها مجرد أسابيع قليلة وسيجد الناس كلهم تهتف خلفه. اليمنيون ليسوا وحوشا ولا هم وش إجرام، ولكنهم شعب تركت طاقاته كلها للفراغ فالتقطتها الشياطين وأحالت البلد إلى نوافير من الدم. [email protected]