في التراث أن والي المدينة أمر مرة بضرب شخص قبضت عليه الشرطة ومعه زِق "كأس خمر فارغة"، وكان الرجل ظريفاً فقال للوالي: لم تضربني؟ قال: لأن معك آلة الخمر. قال: وأنت -أعزك الله- معك آلة الزنا! رد غير عادي، يجر الوالي بأعضائه التناسلية، باعتبارها أدواة الخطيئة، وعليه فمن المؤكد أن استئصال الأدوات العضوية للخطيئة سيقضي عليها، وإن كان سينتج مجتمعا من المخصيين.. مجتمع كهذا قد يكون فاضلا "جدلاً" لكنه بالتأكيد سيكون مجتمعا عنينا عقيما آيلاً للانقراض. كان بإمكان "مزبد"، وهو الظريف المقبوض عليه أعلاه، أن يكون منطقياً بشكل تقليدي ويقول: هي كأس، تصلح للخمر كما تصلح للماء، هكذا قيل مرارا في العصر الحديث وفي مناسبات عديدة كانت تستهدف خصي العقل والمجتمع عبر استئصال أدوات المعرفة. كان ظهور أي تقنية جديدة في الإعلام والمعلومات، يتسبب بموجة عارمة من الجدل تبدأ بالحديث عن إمكانية الفساد وحماية الأخلاق والقيم، وتنتهي بالعبارة كأس يصلح للماء أو للخمر. قالها بعضهم في حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، بعد ضجة انتشار أجهزة الراديو، وكان المقصود أيامها بالماء ربما نشرة الأخبار التي يلقيها المذيع المصري الشهير حينها أحمد سعيد من إذاعة صوت العرب، أما الخمر فمن المؤكد أنه صوت كوكب الشرق أم كلثوم. لاحقاً، قيلت نفس العبارة مع دخول التلفزيون، وكان الماء الحلال نشرات الأخبار المملة، والخمر أفلام ليلى مراد ويوسف وهبي، وفريد شوقي، وفاتن حمامة، وصلاح ذو الفقار، وتحية كاريوكا. تكرر الأمر مع دخول القنوات الرقمية وانتشار دخول الإنترنت، وفي كل مرة كانت أدوات المعرفة تنتشر لعوامل أقوى من قدرة الوصاة على كبحها، لكن "مزبد" لم يكن تقليديا، لينخرط في حجاج منطقي بارد، ولهذا ركّز على مفارقة إدانة شخص لمجرد حيازة أداة يمكن إساءة استخدامها.. عبر قياس منطقي يفكك منطق التحريم، وينتهي بإدانة الوالي المتنطع بجريمة الزنا لمجرد امتلاكه أعضاء جنسية.