من وجهة نظر الببغاء فإن لديها وجهة نظر، وتعبِّر عن رأيها وتعيش هانئة، ولا يمكن إقناعها أنها لا تعبِّر بل تردِّد، ولا تعيش، بل تقضي أيامها في اجترار مأثورات ومحاكاة آخرين! لا يمكن إقناعها بأنها بلا وجهة نظر ولا رأي ولا شخصية، كغيرها من حيوانات السيرك، وإن كان معظم البشر، في معظم الأمور، يستهلكون تقاليد مستهلكة، كالكائنات المجترَّة. للقضية ظواهر ومظاهر كارثية في العالم الثالث، نحن في اليمن، على سبيل المثال، وفي الأغلب، نعرف الأشياء التي لا يريدها مشايخ القبائل، والأمور التي ترضي شيوخ الدين، والخصوم الذين يحاربهم قادة المليشيات وجنرالات الفساد.. نعرف جيداً، كأنما بالفطرة، ما يريد وما لا يريد هؤلاء، وفي المقابل يبدو أننا كأتباع ومريدين وُلدنا بلا رغبات شخصية ولا هموم فردية ولا قضايا خاصة مستقلة عن رغبات الملأ وقضاياهم، وكأنما وُلدنا لحمل هموم هؤلاء وتحقيق نزواتهم، وتبنِّي برنامج محدد سلفاً للميول والرغبات والمناكفات. هكذا نعيش حياتنا، أو بالأصح نقضي أعمارنا، لا كأشخاص بل كظلال باهتة لأشخاص آخرين، وتبعاً لهم نسمِّي أعداء المشايخ أعداء المجتمع، وأعداء الشيوخ أعداء الله، وأعداء المليشيات أعداء الوطن! البارعون في ترويضنا بارعون أكثر في ترويض المصطلحات والمفاهيم التحررية والتقدُّمية الجديدة الوافدة بما يؤبِّد تقاليدهم، وبما يجعل "مثلاً" من مفهوم المواطنة، وهو النقيض لمفهوم الرعوية، مرادفاً لها، ليصبح المواطنُ السويُّ هو الرعوي المطيع..! الديمقراطية التي يُفترض بها أن تقوِّض أسسَ النظام القديم، جعلت عيال الشيخ نوَّاباً لدوائرهم، ومنه رئيساً للبرلمان، ومن البرلمان امتداداً أنيقاً لمقيل شيخ مشايخ اليمن. قصة الجمهورية والثورة فواجع أخرى، والحصيلة أننا نؤمن بالله لكن على طريقة المشايخ، ونثور لكن على طريقة الشيوخ، ونحب الوطن لكن على طريقة المليشيات..! تماماً كما تفعل الببغاوات، وإن كنا أكثر تعصُّباً للآراء من أصحابها، ولأن الببغاوات- مثلنا- لا تمتلك الإرادة الحرة والوعي الفردي وليست على مستوى المسئولية الشخصية، فليس من العدل محاسبتها على "وجهات نظرها"، وعليه سندخل الجنة بالتأكيد، ربما بعد غمسات في الجحيم، ونحن نردد: (رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا، رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيراً).. الأحزاب (67، 68).