ظن اليمنيون وحتى ما قبل سبتمبر من العام المنصرم، أن عام 2014 سيكون عام نهاية الأحزان والآلام التي تجرعوها لسنوات طوال وكان منبع هذا الظن تفاؤلهم باختتام أعمال مؤتمر الحوار الوطني الذي امتدت لنحو عشرة اشهر بمشاركة كافة القوى السياسية الفاعلة في المجتمع باستثناء بعض قوى الحراك الجنوبي المطالبة بالانفصال وفي مقدمتها مجموعة علي سالم البيض، فيما شارك الحوثيون ذلك الفصيل المسلح الآتي من صعدة في أعمال المؤتمر وفي لجانه المختلفة بعد أن انتزع شرعيته السياسية بمشاركته في الانتفاضة الشعبية ضد نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح عام 2011، والتي اطلق عليها ثورة فبراير الشبابية السلمية، لكن هذا الظن لم يكن في محله كما تيقنوا فمع استمرار تأجج الأزمة السياسية رغم اتفاق أطرافها الظاهر لحلول ازماتهم بتطبيق مخرجات مؤتمر الحوار وكذا ازدياد العنف المسلح في البلاد من قبل طرفين رئيسيين هما (جماعة انصار الله) الحوثية و«جماعة أنصار الشريعة» الفرع المحلي لتنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب وبدء تحرك مسلح محدود لفصيل أو أكثر من فصائل الحراك الجنوبي وترافق كل ذلك مع أزمة اقتصادية خانقة ناجمة في جلها عن تدهور الوضع الأمني وانسداد الأفق السياسي الذي تجلت ابرز مظاهره بسقوط العاصمة صنعاء تحت سيطرة مليشيات الحوثي في 21 سبتمبر 2014 وتمددهم إلى محافظات يمنية أخرى وليصل اليمنيون إلى قناعة بأن هذا العام لم يكن عام نهاية الأحزان بل عام فشل الانتقال السياسي السلمي المنشود. وتحت تأثيرات ما شهده عام 2014 استقبل اليمنيون عام 2015 الذي تصدر فيه الحوثيون المشهد السياسي والعسكري في اليمن، وبأجندة لا تخلو من تأثيرات الصراع الإقليمي ووكلائه في المنطقة استمر الحوثيون في فرض إرادتهم على الدولة اليمنية ممثلة بالرئيس هادي والقوى السياسية الفاعلة في المشهد السياسي اليمني (تكتل تحالف اللقاء المشترك وتكتل حزب المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه وحزبان سلفيان هما اتحاد الرشاد والسلم والتنمية )، بدءاً بفرض توقيع ما عرف ب«اتفاقية السلم والشراكة» في يوم سقوط صنعاء تحت سيطرتهم و بمباركة إقليمية ودولية مثلها حضور المبعوث الاممي الى اليمن جمال بنعمر «حفل» توقيع هذا الاتفاق بدار الرئاسة اليمنية مركز الحكم في اليمن !! شرعن هذا الاتفاق – الذي تحفظ الحوثيون في بادئ الامر عن التوقيع على ملحقه الامني واللذين عادوا فيما بعد ووقعوه دون ان ينفذوا بندا واحداً منه – شرعن لوجودهم ليس فقط في سيطرتهم على وزارات ومؤسسات الحكومة وبنكها المركزي بل وايضاً في سيطرتهم على مركز القرار فيه ممثلا في رئاسة الدولة حيث اصبح لهم مستشاراً معيناً لدى الرئيس هادي «صالح الصماد» وباتت كل القرارات الرئاسية التي يرفضها الحوثيون عملياً في حكم الملغية وتجلى ذلك بوضوح في رفضهم قرار الرئيس هادي بتكليف مدير مكتبه أحمد بن مبارك بتشكيل الحكومة الجديدة لتحل محل حكومة باسندوة المستقيلة، وهو ما جعل الرئيس هادي يتراجع عن قراره ليكلف فيما بعد خالد بحاح بتشكيلها وهو اسم وافق الحوثيون عليه قبل الإعلان عن تكليفه ليدخل بحاح هو نفسه عقب ذلك في دوامة تشكيل حكومته بعد ان رفض الحوثيون مجدداً المشاركة فيها لأنهم في واقع الحال لم يكونوا يريدون السلطة بل التسلط بعد أن امسكوا بمقدرات الدولة كافة !بدأ الحوثيون أيضاً وبالاستناد إلى «وثيقة السلم والشراكة» وسلطة الأمر الواقع على الأرض في فرض اتباعهم في قيادة الجيش والأمن وبقرارات رئاسية بل وطالبوا بتجنيد تشكيلاتهم المسلحة «اللجان الشعبية» في قوام وحدات وزارتي الدفاع والداخلية، كما أصبح في يد الحوثيين منذ بدء إسقاطهم لمعسكرات الدولة في هذا العام أكثر من 120 دبابة من نوع (T55-T62)، وحوالي 70 مدرعة (BTR BMB – 20)مدفع (شيلكا وهاوتزر ذاتي الحركة) وحوالي 10 عربات (كاتيوشا)، وما يقارب من 100 صاروخ (بين حراري مضاد للطيران وغراد بر- بر)، وأكثر من 100 مدرعة تحمل رشاشات ثقيلة ومتوسطة، إلى جانب مئات الأطقم العسكرية وعشرات المخازن للذخيرة الحية وذلك بحسب ما اورده مركز «أبعاد للدراسات والبحوث» في اليمن في آخر إصدارته.. لم يكتف الحوثيون بما حققوه في السيطرة على مقاليد السلطة والحكم في العاصمة صنعاء بل استمروا في تمددهم لتصبح عشر محافظات يمنية في شمال اليمن وغربه من عشرين محافظة يمنية تحت سيطرتهم المطلقة وعمدوا الى فرض محافظين من أنصارهم أو أنصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي كشفت الأحداث في اليمن منذ العام المنصرم التحالف القوي مابينه وبين الحوثيين، وهو ما مكنهم من الوصول بشكل سريع لاسقاط العاصمة صنعاء بعد اشهر قليلة فقط من اسقاطهم محافظة عمران المجاورة، بدعم تشكيلات من الحرس الجمهوري الذي كان تحت قيادة ابنه العميد احمد قبل ان يتم تعيينه سفيرا لليمن في دولة الإمارات العربية المتحدة في إطار ما عرف بهيكلة القوات المسلحة والتي لم تؤد هذه الخطة التي بدء بتنفيذها عام 2013 الغرض الذي وضعت من أجله، حيث كشفت الأحداث الأخيرة، وبوضوح هشاشة الجيش الذي كان يعد رابع جيش عربي من حيث القوة لإغراق أسس بنائه على مدى العقود الثلاثة لحكم الرئيس السابق علي صالح في الولاءات القبلية والمناطقية لتسقط معسكراته بل وحتى قيادة هيئة أركانه في يد المليشيات الحوثية في سبتمبر الماضي في صنعاء وفي اكثر من محافظة يمنية دون إطلاق رصاصة واحدة. لقد أظهرت الأحداث وتظهر اليوم أكثر من أي وقت مضى أن زعيم جماعة الحوثيين عبدالملك الحوثي بات اللاعب الرئيس في ملعب السياسة اليمنية الذي بسط يده عليه من معقله في منطقة (مران) بصعدة ولا أدل على ذلك من رفضه في خطابه الأخير الذي وجهه بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف مؤخراً ونقلته إلى جانب قناة (المسيرة) التابعة له ومباشرة على الهواء في سابقة هي الأولى من نوعها قناة (الإيمان) الحكومية، رفضه لقرار تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم في دولة اتحادية، وهو ما أكد عليه مشروع الدستور اليمني الجديد الذي كتب من واقع مخرجات مؤتمر الحوار الوطني والذي تسلم الرئيس هادي نسخته الأولى في 7 يناير الجاري وذلك في خطوة تمهد للاستفتاء عليه شعبياً كعقد اجتماعي جديد بين اليمنيين. ان الأمر الأكثر إقلاقا في اليمن اليوم في ظل سيطرة الحوثيين على مقاليد الأمور فيها وغياب فعل الدولة الأمني والعسكري تفاقم تردي الوضع الأمني في طول البلاد وعرضها وازدياد نشاط تنظيم القاعدة فيه الذي وصلت به الجرأة ان يعلن تبنيه عملية الهجوم على مقر مجلة (شارلي إيبدو) الفرنسية في باريس في السابع من يناير الجاري في الوقت الذي لم يعلن فيه على الأقل حتى الآن تبنيه عملية تفجير الحافلة المفخخة في طابور للمتقدمين الجامعيين للالتحاق بكلية الشرطة بصنعاء والتي جرت في اليوم ذاته ما أدى إلى مقتل 40 شخصاً وجرح 70 آخرين. كما استمر مسلسل استهداف القادة العسكريين منذ أكثر من عامين، وقضى أكثر من 150 ضابطاً، نحبهم في عمليات اغتيال تبنت القاعدة معظمها إضافة إلى الهجمات المنظمة على معسكرات الجيش والأمن في عدد من المحافظاتاليمنية وخاصة الجنوبية والشرقية منها، وذكر تقرير مركز ابعاد للدراسات أن المؤسسة العسكرية خسرت لوحدها العام المنصرم أكثر من ألف قتيل من أبنائها، وان حوالي 600 منهم قتلوا على يد الحوثيين اثناء مهاجمتهم للمعسكرات وإسقاط المحافظات، فيما قتل حوالي 400 على يد القاعدة وجماعات مسلحة غالبيتهم في عمليات اغتيال وتفجيرات وهجمات مباغتة للمعسكرات والنقاط العسكرية. ويترافق تردي الوضع الأمني بأزمة اقتصادية متفاقمة يدفع ثمنها المواطن اليمني اكثر من غيره حيث 60% من اليمنيين باتوا يعيشون تحت خط الفقر في ظل انكماش معدلات النمو الاقتصادي والخسائر الفادحة التي تكبدها الاقتصاد اليمني جراء أعمال التخريب التي طالت أنابيب النفط والغاز وأبراج نقل الطاقة الكهربائية حيث شهد العام المنصرم أكبر هجمة من الاعتداءات على هذه المنشآت، وهو العام الذي يصنف بأنه عام التخريب واستهداف المنشآت النفطية والكهربائية. وتعرضت اليمن وخزينتها العامة لخسائر بلغت قيمتها حسب تأكيدات الحكومة اليمنية ما يقارب تريليونًا و482 مليار ريال يمني، بما نسبته 94% من إجمالي العجز الصافي في عام 2014م. وكان البنك المركزي اليمني أعلن انخفاض صادرات اليمن من النفط بأكثر من ستة ملايين برميل خلال ال9 أشهر من عام 2014م، فيما سجلت عائدات حصة اليمن من صادرات النفط ملياراً و340 مليون دولار خلال الفترة من يناير سبتمبر 2014م. وجميعها مؤشرات تنذر بتفاقم الأزمة الاقتصادية في اليمن خلال العام 2015 الذي لم تستطع حكومته في ظل ما تعيشه اليمن من أوضاع متأزمة ان تعلن حتى اليوم موازنته للعام الجاري.