أعلن زعماء قبائل وسياسيون ليبيون محافظة برقة في شرق ليبيا "إقليما فدراليا اتحاديا" وأنشؤوا مجلسا لإدارة شؤون المنطقة، وذلك في أول خطوة من نوعها منذ سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي، وهو ما من شأنه أن يزيد متاعب المجلس الوطني الانتقالي الذي يشرف على إدارة المرحلة الانتقالية في البلاد. وقرر مؤتمر عقد الثلاثاء في مدينة بنغازي شرق البلاد -بمشاركة قرابة ثلاثة آلاف شخص من أهل برقة- "تأسيس مجلس إقليم برقة الانتقالي برئاسة الشيخ أحمد الزبير أحمد الشريف السنوسي لإدارة شؤون الإقليم والدفاع عن حقوق سكانه، في ظل مؤسسات السلطة الانتقالية المؤقتة القائمة حاليا، واعتبارها رمزا لوحدة البلاد وممثلها الشرعي في المحافل الدولية". وبرقة التي تشمل الشطر الشرقي من ليبيا هي أول منطقة تعلن "إقليما فدراليا اتحاديا" يتمتع بحكم ذاتي، منذ مقتل القذافي في 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد أشهر من المواجهات والاحتجاجات التي اندلعت من شرق البلاد في 17 فبراير/شباط 2011. وأكد المؤتمرون -في بيان لهم- أن "النظام الاتحادي الوطني (الفدرالي) هو خيار الإقليم كشكل للدولة الليبية الموحدة، في ظل دولة مدنية دستورية شريعتها من القرآن والسنة الصحيحة". وقرروا "اعتماد دستور الاستقلال الصادر في 1951 كمنطلق، مع إضافة بعض التعديلات وفق ما تقتضيه ظروف ليبيا الراهنة، والتأكيد على عدم شرعية إلغائه القهرية من سلطة انقلابية وعدم شرعية تعديله عام 1963 للمخالفات الدستورية الواضحة".
+++مؤامرة من جهته وصف المستشار مصطفى عبدالجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي ما حدث اليوم الثلاثاء في المؤتمر التأسيسي الذي تم خلاله اختيار أحمد السنوسي رئيسا للمجلس الانتقالي، والذي عقد بإقليم برقة شرق ليبيا، بأنه "بداية لمؤامرة على ليبيا والليبيين". وطالب عبدالجليل في مؤتمر صحفي عقده بالعاصمة الليبية طرابلس اليوم الثلاثاء الليبيين إلى التحلي بالصبر والرؤى الثاقبة وأن يتبصروا لمستقبلهم حول ما طرح هذا اليوم بمدينة بنغازي. وأضاف أن المجلس الانتقالي الليبي يتعجب من الأصوات التي تنادي بتقسيم ليبيا .. واصفا ما جاء في بيان مؤتمر دعاة الفيدرالية بأنه "بداية مؤامرة على ليبيا وعلى الليبيين". ودعا الليبيين إلى الالتفاف حول المجلس الوطني الانتقالي الليبي صاحب الشرعية المحلية والدولية كممثل شرعي ووحيد للشعب الليبي.
وكانت ليبيا بعد استقلالها في 1951 مملكة اتحادية تتألف من ثلاث ولايات هي طرابلس (غرب) وبرقة (شرق) وفزان (جنوب غرب)، وأكبرها مساحة برقة، ويتمتع كل منها بالحكم الذاتي. وفي 1963 جرت تعديلات دستورية ألغي بموجبها النظام الاتحادي، وحلت الولايات الثلاث وأقيم بدلا منها نظام مركزي يتألف من عشر محافظات. وأحمد الزبير السنوسي هو ابن عم الملك الليبي الراحل إدريس السنوسي، وعمته الملكة الراحلة فاطمة الشريف. وقد سجن في فترة حكم القذافي قرابة 31 عاما، وتم اختياره عن السجناء السياسيين عضوا في المجلس الوطني الانتقالي الليبي بعد ثورة 17 فبراير/شباط التي أطاحت بنظام القذافي.
أسس الحكم وأكد المؤتمرون في بيانهم "رفض الإعلان الدستوري وتوزيع مقاعد المؤتمر الوطني (الجمعية التأسيسية) وقانون الانتخاب، وكافة القوانين والقرارات التي تتعارض مع صفة السلطة القائمة كسلطة انتقالية"، مشددين على "التمسك بقيم ومبادئ ثورة 17 فبراير من شفافية وحماية لكافة حقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة والمساواة". كما أكدوا ضرورة "تفعيل القضاء وحمايته"، و"بناء الجيش والمؤسسات الأمنية، ودعم الثوار وتنظيمهم لحماية الأمن والاستقرار في الإقليم وفي جميع ربوع ليبيا"، مشددين على أن "أزلام النظام المنهار وأتباعه وأعوانه لن يكون لهم أي دور في هذا المشروع". وتعليقا على مؤتمر اليوم، قال رئيس اللجنة السياسية بالمجلس الوطني الانتقالي فتحي باجا إن "ذلك أمر خطير ودعوة صارخة للانقسام، وهو أمر مرفوض برمته"، مضيفا "نحن ضد الانقسامات وضد أي تحرك يضر بوحدة الشعب الليبي". يشار إلى أنه منذ انتهاء حكم القذافي أصبحت الدعوات إلى حكم فدرالي أعلى صوتا، وتدعمها شكوى الشرق منذ وقت طويل من عدم حصوله على نصيب عادل من ثروة ليبيا، ويشجعها ضعف الحكومة المركزية التي تولت السلطة بعد الإطاحة بالقذافي. في مقابل ذلك، شهدت بنغازي وعدة مدن ليبية أخرى مظاهرات مناهضة للعودة إلى نظام الحكم الفدرالي، كما أكدت ضرورة إلغاء مركزية الإدارة في الدولة. ورفع المتظاهرون شعارات تؤكد أن اللحمة الوطنية هي أساس بناء الدولة الليبية، وأن طرابلس هي العاصمة، مطالبين في الوقت نفسه المجلس الوطني الانتقالي والحكومة الانتقالية بعدم تهميش الشرق الليبي والاهتمام به وعدم اتباع نظام الحكم المركزي.